|
|
(اعتراف نعش ربابَة بمغابنها الكافور)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 20:59
المحور:
الادب والفن
"أيُّ امرأةٍ، يمكنُ أنْ تُعطيني السّاعةَ، أوراقَ استشهادي... أو تسمحَ لي، أن أتحسّسَ دفءَ مشيمتها... وأشمَّ عبيرَ بلادي!!"
يوسف الصائغ
1٩ وأنتم تُبارِزونَ البُلوطَ النّاشِفْ بِصُواعِ طقطوقةِ الهالِ ذَبُلَتْ زَهْرَةُ الغَدِ عَوَّشَتْ أَنْواءُ خاناتِ حَلَبٍ بارَ الحَرِيرُ شاخَ الشَّفَقْ... 2 نَرُشُّ مقامَ لِقانا بِماءِ وَرْدِ الضّريحْ نَطوفُ حُلُمًا دِمَشْقِيَّةً رَفِيفُ كافورٍ، عِمادُهُ: ماءُ قَلْبٍ، وَمْضَةٌ، خَمِيلَةُ حُلْمٍ، مَعْبَدُ نُسْكٍ، بِيانو...
يَتَذَكَّرُها الياسمينُ جُرْحُ عَيْنٍ، يَتيمَةُ الطَّرْفِ وَوَجَعُ الكَرْخِ تَعْلَكُهُ صُورَةٌ، مَبْخَرَةٌ تَفُوحُ عَبيرَ سُوسَنَةٍ...
انعكاسُها في دِجْلَةَ حَرَثَها، وَشَتَلَها واحةُ "فَيْدٍ" اسْتَثارَ الجُرْفَ، تَمْنَعُ خَفَرَ السُّفورِ، وَجْهُها مَغْمُوضُ القَنادِيلِ مُنْكَسِرُ الوَلَهِ تَغُضُّ لَحْظَ صَوْتِها حينَ يُشْدو الدُّورِيُّ النّشيدَ الوطنيَّ فَتُنْتابُني نَوْبَةٌ نَحيبٍ... 3 تُنادِينِي!! أَذْهَبُ، فَلا أَجِدُها...
لِماذا غادَرَ ظِلُّكِ قَبْلَكِ سيّدتي؟!
أَهوَ الخَوفُ؟ إذَنْ، لَكِ عُذْرُ التّمَجْدُلِ... وَلَكِ العُتْبَى، حتّى يَقِرَّ فِيكِ اليَقِينْ... 4 أَعْرِفُ أنّ الأرْضَ شَبِقَةٌ جَسَدٌ شَبِعَتْ مَساميرُهُ خَلَّ القَيْصَرْ لَمْ يَعْتَدِ الأَكْفَانْ دَبَّتْ الغُرْبَةُ...
ظِلٌّ يَدْمَعُ، فَأَسْقَطْتُ السُّورْ كَشَفْتُ البَرْزَخَ يَحْكُمُنا المَكْتُوبُ لَيْلَةٌ ظَلْماءُ نَدَبْتُهَا...
غَزَلْتُ لَوَاعِجِي مُوَالَ اسْمِكِ مَوْجَةٌ، ثَوَتْ، مِجْذافٌ، زَغْرَبَ الطُّوفانْ...
أَمَا حَانَ الأوانْ؟! 5 سَماءُ العِراقِ حارِقَةٌ أَبَدًا ويَابِسَتُهُ مَقْبَرَةٌ أَبَدًا والدِّماءُ تَسيلُ فَوّارَةً أَبَدًا تَنْهَشُهُ غِرْبانُ الصَّدَأِ تَمِيمَةٌ مُدَلّاةٌ على نَحْرِ اللهِ، وَهُوَ يُصَلِّي لأَجْلِهِ أَبَدًا... 6 سَمِعْتُ النّاقُوسَ، يَضْرِبُ ثَلاثًا... مَكْرُوهٌ تَأَخُّرُكِ أنْثايَ!
صَمْتُكِ، يَلْتَصِقُ بِـلَهَاةِ شَفَتَي، ذَاهِلِ البَسْمَةِ، يُنَادِيكِ...
سُبالُ لُهاثِي، خَلْفَكِ، قَطْرَةُ رُضَابٍ سالَتْ، وأَنا أَنْشَغِلُ بِكِ... عَنْكِ...
لا أَتَذَكَّرُ حَنَكًا... مِنّا...
سَرَّحَها صَفْصافةٌ، صَمْغُ خُزامَى، سَابِلَةٌ، حَبَقٌ، مَعَ الزَّعْفَرَانِ، حِنّاءُ مَنْ لَمْ تَطْمِثْ، زُفَّتْ لِصَرِيعٍ... 7 لَمْ أُخْفِ حُبَّكِ وَلوْ فَعَلْتُ، رَائِحَةُ ماءِ الرّأسِ مِنْ يومِ غادَرْتُ رَحِمَكِ يا امرأةً... تَطْمِسُنِي بِطَهْمِ زَيْتٍ صِبْغَتْهُا، لِتُظْهِرَ نَعَاسِيَ الكَسْلانْ...
نَزَعْتُ لِحَاءَ الأَرَقِ، وقدْ صَدِئَتْ شَفَاهِي، سُكُوتٌ، مِلْحُ أَفْوَاهِ دَمْعٍ مُتَكَرْسِلْ...
يُبَاسُ حَبْلِ سُرِّي أَتَذَكَّرِينَ شَفَاهِي حِينَ نَسِيتُهَا عَلَى جَبِينِكِ؟!
كَذَلِكَ الآنَ... حِينَهَا نَدَهْتِنِي... لأَعُودَ!! آخُذَها، لِأُنَادِيَكِ بِهَا؟؟؟ نَسِيتُهَا لَدَيْكِ، وأَنْتِ فِي الغَيْبَةِ الكُبْرَى...
فَمَنْ يَنْدَهُنِي الآنْ؟؟؟ 8 سَنْدِيَانَةُ فَيْءِ الزَّمَنِ لا تَسْتُرُ شَهْوَةً مَقْمُوصَةَ الأَشْوَاقِ...
لَنْ يُطْمِرَنَا الرَّمَادْ صَيْحَةُ المَدَى ـ رُبَّمَا ـ غَابَةُ نَزَوَاتِنَا قِيثَارَاتٌ...
نَحْتَاجُ أَصَابِعَ بَعْضِنَا جَبَلَتْنَا الأُولَى تُفَّاحٌ، نَعْزِفُ...
طَالَمَا تَدِبُّ... رُوحٌ بِغُنْجٍ، بَلَاغَتُنَا... رَغِيفٌ...
كِلَانَا لِبَاسٌ مُخَالِفَةٌ شُرُوطَ الأَمَانِ، نُلْحَدُ بِالسَّحِيقِ، نَعْرِفُ أَنَّهَا دُونَ سُلَّمِ طَوَارِئَ... لا نَسْتَغِيثُ... 9 ظِلالُنَا المُتَضَاجِعَةُ... نَزَحَتْ مِنْ عَوَالِمِ الغَيْبِ، خَضْرَاءُ "دِمَنٍ"، تَتَفَخَّذُ دِجْلَةَ، تُرْضِعُ فَسَائِلَهَا بَرَارِيَ جِيَاعٍ...
زَكَمَتِ العِرَاقَ لَبِسْتُ المُرَّ، طَرَقْتُ "الشَّعْثَ"، أَتَعَكَّزُ... "نَايًا" عَكِرَةً نَبَرَاتُ شَكْوَاهُ...
فَتَحَ أَزْرَارَ جَيْبِهِ، ثُقُوبُهُ جَاحِظَةٌ، تَقْطُرُ لُبْئًا مُخَضَّرًا، يُطْمِرُ بَعْضَنَا بِبَعْضِنَا...
رَجَاءً: إيجَادُ لَمَسَاتٍ تُوَقِّفُ وَجِيبَ القَلْبِ... 10 اسْتَعَرْتُ هَفَهَفَاتِ عِطْرِكِ فَتَزَاحَمَتْ شَهَقَاتِي أَشُمُّكِ... (أَفِيش... أَفِيش... أَفِيش...)
مِنْ عَجَلَتِي كَسَرْتُ زُجَاجَةَ الشُّبَّاكِ...
طَيْفُكِ، وأَنْتِ مُغَادِرَةً، بَغْتَةً... لا زَالَ يَمْكُثُ تَحْتَ إِبْطِ بَتَلَاتِ قُرْنْفُلِ الأُصُصِ...
عَانِسُ رَحِيلِكِ عَزْبَاءُ جُفُونُ شَمِّكِ... 11 نَزَعْتُ وَجْهَ الفَرَاغِ، نَازَلْتُ ظِلِّي المُتَخَلِّي عَنِّي...
خَفْقَةُ الرِّيحِ فِي المِرْآةِ العَمْيَاءِ عَاجَتْ، تُلَاحِقُنِي...
وِشَاحُ شَيْخُوخَةٍ تَطُوفُ صَهْوَةَ أَحْلَامِي صَهِيلُ ماوِيِّ الجَدَائِلِ لِعَتْمَةِ مَوْعِدٍ أَبْتَرَ النِّهَايَةِ...
يَرْتَعِشُ غُبَاشُ الصَّرِيفِ، وَخَمُ الأَنْفَاسِ... 12 الكودا لا رَايَ... لا رَايَ... انْتَصَفَ اللَّيْلُ...
أَعْلَمُ جَيِّدًا بِلادِي غُرْفَةُ إِنْعَاشٍ سَكِينَةُ فُؤَادِكِ المَعْلُولِ وأَنْتِ عَلَى ظَهْرِ العَصَافِيرِ المَلْهُوفَةِ بِحَمْلِكِ...
وهِيَ تَبْحَثُ عَنْ عُشٍّ تُعَزِّبُهُ عُيُونُ القِطَطِ البَشِعَةِ...
تَكَوَّرَتْ رِئَتِي، شَحَّ الهَوَاءُ...
أَخْلَعُ وَحْشَتِي النَّابِيَةَ، أَلْبِدُ بِجَوْفِ نُولِ خُيُوطٍ وَقْتُ انْتِظَارٍ يَمَلُّنِي مَكْرُ حُزْنِي...
أَرْتَضِعُ نَشْوَةَ حَنَانٍ مَهْمَا تُجَوْرِفِ النَّأْيَ الّتَمْتَطِيهِ...
وَجَارٌ... أَنْتِ تَسْكُنِينَنِي وَجْدَ أَقْحُوَانْ...
وقفة مع النص : نعش ربابة بمغابنها الكافور" نصّ يحتشدُ بالرؤى، يعبر تخومَ المعاناة الوجودية، ويشتبك ببلاغة مجروحة مع معنى الوطن، المرأة، الغياب، والخراب. يفتح هذا النصّ بوابات التأويل على مصراعيها، حيث تتكثّف فيه الرموز الجنينية (المشيمة، الحبل السري، رحم الأرض) لتعيد تمثيل الأصل، والولادة، والانمحاء في آن.
النصّ مؤسّس على تفعيلة حرّة ، يتفلّت متعمدًا في مساحات رمزية تتطلب انسيابًا شعوريًّا لا تقنينًا إيقاعيًّا. ، وقد روعي الحفاظ على روح النص الانزياحية وتدفقه الرمزي دون المساس بخاصيته الصوتية والصُوَرية.
يحمل النصّ نزعة صوفية معكوسة، لا تصعد نحو النور بل تهبط إلى جذر الوجع: "تُعزّبُه عيون القطط البشعة... زكمت العراق لبستُ المرّ" هكذا يُعيد الشاعر كتابة الألم كنوعٍ من اعتراف نعشيّ، حيث تبوح الربابة بما لا يبوح به الناجون.
في هذا العمل، نقرأ بلادًا معلّقة بين غيب الغياب ووهج النزيف، نقرأ امرأةً ليست فردًا بل تجلٍّ للطمي، وللحن، وللوطن. إنها الحبيبة/الأم/الأرض التي لا تسعها كل وصايا العشق، ولا تعفي حبيبها من وجع السؤال الكبير: "من يندهني الآن؟!"
هذا النص ليس قصيدة فحسب، بل صرخة بلحنٍ مكبوت، وشهقة مبلّلة بالياسمين ودجلة والعراق.
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(هُيامًا بالنَّهرِ العَتيق) (سِفْرُ الانخطافِ إلى الوهج)
-
(صَقيعُ الغِيابِ والغُربةِ: مَعزوفةٌ مُنفَرِدَة)
-
(تأبَّطَ البريكانُ قِردَهُ وامتطى فراشةً وشقَّ العُبابَ)
-
(أرائِك الياسمين)
-
(مَناجاةُ سالِكٍ يَتَخَلَّلُهُ النَّفَسُ الأوَّل) (عافَنِي ا
...
-
(نصٌّ على تخوم الرؤيا)
-
(سِفْرُ السِّدْرَةِ) (محو وصحو)
-
(جفنات غائمة وطيور هائمة)
-
(وَجْهُ الوَطَنِ )
-
(وَجْهُ الوَطَنِ)
-
( مَسَافَاتُ النُّورِ الْخَفِيِّ ) (العبور إلى المجهول)
-
(مِرْآةُ القَندِيلِ: من الغيابِ إلى دهشةِ العرشِ)
-
(الرَّمادُ والرُّمّانُ)
-
)قراءة جديدة لقصيدة سابقة (
-
(مَجازُ الطِّين)
-
(صَهِيلُ النُّبُوءةِ)
-
(لا تُشْعِلْ مِلْحَكَ في الطِّين)
-
(سِفْرُ التَّبَدُّدِ)
-
(مارْشٌ، رَصاصَةٌ، أُفْعى، أَفْيونٌ)
-
(تجَلٍّ في المِرآة) (وَصَيْدُ عُرْيِ الرُّوحِ)
المزيد.....
-
-شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
-
محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم
...
-
وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
-
نظرة داخل المتحف المصري الكبير
-
-عالم سعيد العدوي-: كتاب موسوعي عن أبرز فناني الحداثة في مصر
...
-
وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن عمر 81 سنة
-
-سينما فوق الركام-.. أطفال غزة يصنعون الحياة من قلب الدمار ف
...
-
وزارة الثقافة تدين اقتحام الاحتلال مسرح الحكواتي في القدس
-
-بيروت المرفأ-.. معرض لبناني يربط تاريخ العاصمة بحاضرها
-
إبراهيم عيسى: القضاء المصري يحكم بعرض فيلم -الملحد-
المزيد.....
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|