أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية














المزيد.....

٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتحرك بلدية نيويورك، عند قراءتها في لحظة الصراع، كجهاز ينفّذ مصالح رأس المال بقدر ما يتظاهر بخدمة المدينة، لأنها لا تدير المجال العمراني بل تعيد تشكيله وفق منطق الربح الذي يحول كل شبر من الأرض إلى أصل مالي قابل للتدوير. يرتفع الإيجار لأن الأرض تُسحب من سكانها، ويُعاد رسم الأحياء لأن السوق يحتاج هندسة جديدة للتراكم، وتتخذ القرارات طابعًا تقنيًا محايدًا بينما تدفع الطبقات الشعبية ثمن كل “حلّ” يُقدّم لها بوصفه إصلاحًا. يضع هذا الترتيب اليد الإدارية للبلدية في موضع الأداة التي تنفّذ التحولات نفسها التي تدّعي احتواء آثارها، فتفتح الأحياء للمضاربة، وتغلق الممكنات التاريخية أمام من يصنعون المدينة بالفعل.

يتضح هذا أكثر عندما نعود إلى جذور البلدية نفسها. لم تتطور بوصفها جهاز خدمة عامة، بل كمساحة صراع تشكّلت عبر تناقضات طبقية تراكمت منذ القرن التاسع عشر، كما أشار ماركس وإنجلز إلى أن الأجهزة المحلية ليست إلا تعبيرا عن مصالح الطبقات المسيطرة (ماركس وإنجلز، الأيديولوجيا الألمانية). يتشابك حولها اليوم نسيج من المؤسسات: مكاتب التخطيط، سلطات الإسكان، لجان البناء، المصارف، المطورون، وكلها تعمل كمنظومة واحدة مهما اختلفت لافتاتها. تدخل هذه المصالح في التفاصيل اليومية التي يظنها الناس مسألة روتينية—تصاريح، ضرائب، خرائط عمرانية—لكن هذه التفاصيل هي خطوط نقل القيمة التي تُضبط بدقة لصالح رأس المال، بما يجعل البلدية جهازًا يعيد إنتاج السيطرة داخل مستوى يومي خفي لكنه حاسم كما وصف غرامشي البنية البيروقراطية للهيمنة (غرامشي، دفاتر السجن). وهكذا تتحول البلدية إلى محرك يدير حركة الريع لا حياة السكان.

ولا يحتاج المرء إلى كثير من الجهد ليجد أمثلة صارخة تثبت ذلك. تكفي العودة إلى سبعينات القرن الماضي، عندما انهارت أحياء كاملة في نيويورك تحت ضربات الإفلاس، فوجد المضاربون طريقهم إليها بسرعة، مستغلين تفكيك الخدمات وغياب الحماية الاجتماعية، كما حلّل ديفيد هارفي سياسات التحضر الجديدة التي حوّلت الأزمة إلى فرصة للنهب المنظم (هارفي، أزمة المدينة). أو النظر إلى عهد بلومبرغ، حين قُدِّمت مشاريع التطوير العقاري كإنجازات حضرية بينما كانت في الحقيقة إعادة هندسة للمدينة وفق شروط الاستثمار وحده. في كل أزمة، يتكرر المشهد ذاته: تُرفع مطالب السكان، تُسمع، ثم تُعاد صياغتها في شكل إجراءات بيروقراطية لا تغيّر شيئًا في المعادلة الأساسية.

يزداد الوضع وضوحًا عندما نلاحظ كيف تعمل الأجهزة المحلية حول هدف واحد: حماية معدلات الربح العقاري. يتحرك الموظفون والخبراء بين القطاعين العام والخاص عبر “الباب الدوّار” الذي يجعل من المستحيل الفصل بين من يضع السياسة ومن يستفيد منها. يتسرب هذا المنطق إلى جهاز الشرطة وإلى المجالس المحلية وإلى كل مؤسسة تمتلك القدرة على التدخل في حياة الناس، فتتكون شبكة ضبط اجتماعي تُحاصر أي تنظيم شعبي يتجاوز خطوط السوق أو يحاول تغيير قواعد اللعبة.

يجد العمدة نفسه، وسط هذه الشبكة، في موقع معقد. يُقدَّم للناس بوصفه صاحب قرار، لكن الحقيقة أن القرارات تُصاغ قبله، وتُحاصر سلطاته بالقيود التي صُممت منذ عقود. يتحول دوره إلى إدارة الأزمات بدل تغيير أسبابها، ويتعامل مع الملفات الكبيرة—الأمن، الإسكان، الضرائب، النقل—من داخل بنية تمنعه من الاقتراب من جذور المشكلة. وكل تجربة تاريخية لعمدة حاول فعل العكس انتهت بالصدام مع رأس المال، الذي لا يسمح لأي سلطة محلية بإعادة تعريف المدينة خارج منطق الأرباح. ما أشار إليه لينين حول المؤسسات القائمة التي تحافظ على القديم مهما تغيّر سطحها يجد تعبيره الأكثر دقة هنا (لينين، الدولة والثورة).

يتحوّل هذا التشريح إلى مدخل ضروري لفهم المعركة المقبلة: الصراع داخل البلدية لا يدور مع خصوم سياسيين في الانتخابات، بل مع بنية اجتماعية واقتصادية صلبة، بُنيت خصيصًا لامتصاص الإصلاحات وإفراغها من مضمونها. ولا يبدأ التغيير الحقيقي إلا عندما يدرك المشروع التقدمي أن هذه البنية يجب مواجهتها لا التحرك داخل هوامشها الضيقة.

"لا تُهزم الهيمنة إلا حين يدرك المضطهدون أنهم قادرون على انتزاع التاريخ من الأيدي التي احتكرته."
أنطونيو غرامشي.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...


المزيد.....




- تركيا.. زواج محارم سبب بناء مدينة بودروم.. هذه قصة أحد عجائب ...
- بلجيكا تقع في المحظور.. برطمانات الكاربونارا في متجر البرلما ...
- بعد مهلة ترامب.. زيلينسكي يعلق على خطة الـ28 نقطة لوقف حرب ر ...
- شاهد مزحة ترامب بلقاء ممداني بعد وصف الأخير له بـ-الفاشي-
- تحت وقع خلافات بالجملة ـ قمة مجموعة العشرين تنطلق في البرازي ...
- قمة العشرين: ألمانيا تسعى لتعزيز التقارب مع البرازيل والمكسي ...
- العالم يعيد رسم خرائطه: ماذا يعني غياب الثلاثة الكبار عن مجم ...
- كييف تبحث مع الأوروبيين مقترح السلام الأمريكي فيما أعلنت موس ...
- الاحتلال يداهم مناطق بالضفة والمستوطنون يحرقون منشأة زراعية ...
- أوكرانيا تبحث الخطة الأميركية مع الأوروبيين وترامب يمهلها حت ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية