أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكانيات التحول الطبقي















المزيد.....

3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكانيات التحول الطبقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتكثف التناقضات البنيوية مع فوز ممداني لأن الدولة تعيد إنتاج ذاتها عبر آليات السيطرة المعرفية والمؤسسية التي تحوّل كل إمكانية للتحول إلى مساحة احتواء، مما يدفع النظام السياسي إلى توظيف الرمزية الأكاديمية للتحكم في مسار التغيير بدل السماح بانفلاته. ويؤدي هذا التوظيف إلى تقديم النظام نفسه بوجه إصلاحي يستعير لغة النقد الجذري دون المساس بالأسس الطبقية التي تشكل قاعدته المادية، فيُنتج شكلًا مضاعفًا من الوعي الزائف الذي يحتفي بالتغيير عبر الوجوه بينما يحافظ على البنية التي أنتجت الأزمة ابتداءً (ماركس، نقد برنامج غوتا). ويكشف هذا الوعي الزائف عن نفسه عندما يتحرك داخل الفراغ الجدلي بين الخطاب والواقع، إذ يبدو الانتصار الانتخابي كأنه تحول بينما يعمل في العمق كآلية لإعادة تثبيت حدود النظام وإعادة تدوير مشروع التغيير داخل مؤسسات صُممت لضبطه لا لتحريره.

يتعزز هذا التكثيف حين يتعامل النظام مع ممداني كمفكر نقدي فضح تاريخ الدولة ما بعد الاستعمارية وارتباطها بالعنف المنظم وآليات إنتاج الهويات التابعة، بينما يعيد إدماجه داخل أطر مؤسسية تقوم وظيفتها على احتواء الخطابات المحرِّرة لا إطلاقها. ويقوم النظام بتحويل النقد الماركسي للمسألة الكولونيالية إلى إطار أكاديمي منزوع المخاطر، فتُحتفى أفكاره مادامت محصورة داخل الجامعة، لكن يجري تحجيمها فور انتقالها إلى موقع سلطوي يُعاد فيه تنظيم دوره ليتحول من حامل لمشروع جذري إلى جزء من سردية إصلاحية لا تتجاوز حدود النظام. وينتج هذا التحويل جدلًا داخليًا بين هوية المفكر وقيود المنصب، فيغدو الفكر الراديكالي مواقعًا داخل بيروقراطية تستوعبه وتعيد إنتاجه كعنصر في توازن الهيمنة بدل أن يكون أداة لهدمها (غرامشي، دفاتر السجن).

يتعمق هذا الاحتواء عندما يتدخل رأس المال لإعادة هندسة المجال السياسي، إذ يعمل على فصل ممداني عن القوى الاجتماعية التي تمنح خطابه معناه الطبقي، فيُغرقه في ملفات إدارية تُستهلك طاقته وتفصله عن بناء مشروع تحولي جذري. ويعيد رأس المال تنظيم شروط العمل السياسي بحيث تصبح كل خطوة تقدمية مرهونة بموافقة البنوك، والمؤسسات المانحة، والشركاء الدوليين، فتتحول السلطة المحلية إلى وسيط بين مطالب جماهيرية ملحّة وآليات ضبط إمبريالية تُمارس نفوذها من خلال خطاب «التنمية» و«الاستقرار» (سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي). ويُنتج هذا التداخل علاقة جدلية بين طموحات المفكر وحدود السوق، تجعل موقعه أشبه بعقدة توتر بين مشروع يطمح للتحرر وبنية لا تسمح إلا بالإدارة.

يتحول هذا التوتر إلى حصار فعلي عندما ينحصر مجال التغيير داخل خطوط ضيقة من الإصلاح البيروقراطي الذي لا يمس الجذور الطبقية للسلطة، فتعمل الأجهزة التنفيذية على امتصاص السياسات الراديكالية عبر تحويلها إلى برامج «تنموية» تستجيب لشروط التمويل الدولي. ويؤدي هذا الامتصاص إلى إعادة صياغة المبادرات الاجتماعية كأدوات لإدارة الفقر بدل تفكيك بنيته، فينشأ صراع صامت بين منطق الدولة ومنطق التحرر. ويقوم هذا الصراع على آلية مزدوجة: تلتقط الدولة خطاب العدالة لكنها تعيد صياغته ليخدم استقرار السوق، مما يجعل مشروع التغيير مجرد سلسلة إجراءات لا تصطدم بمصالح التحالف الطبقي المسيطر.

يتكشف عمق هذا الحصار عندما يدخل ممداني في مواجهة غير مرئية مع ثقافة مؤسسية ترى في أي تحول جوهري تهديدًا مباشرًا لامتيازاتها، فتُمارس هذه البيروقراطية «عنفًا باردًا» يحول دون التغيير من دون صدام معلن. وتقوم هذه المؤسسات بإفراغ المبادرات من مضمونها عبر الروتين، وتأويل القوانين، وإعادة تعريف الأهداف، مما يجعل موقع العمدة حقل اختبار لقدرة الفكر النقدي على الصمود داخل أجهزة صُممت لخدمة الاستمرارية لا القطيعة. ويؤدي هذا الاشتباك إلى صراع جدلي بين ما يمثله ممداني كرمز وما يُسمح له فعليًا بأن يفعله.

يتخذ هذا الصراع أبعاده الطبقية الأوضح عندما يظهر أن الانتصار الرمزي لا يتحول إلى قوة اجتماعية ما لم يُترجم إلى قاعدة جماهيرية قادرة على فرض مشروعها من أسفل. وتعمل الطبقة الحاكمة على تحويل الانتصارات الفكرية إلى واجهات ديمقراطية تُخفي عُنفها البنيوي، بينما تبقى السلطة الفعلية محتكرة داخل تحالف المال–الأمن–البيروقراطية. ويُظهر هذا الوضع أن الدولة لا تُهزم عبر صناديق الاقتراع، بل تُهزم حين تفقد قدرتها على احتواء الوعي الجماهيري ضمن إطار إصلاحي لا يمس مضمون الهيمنة (ماو، حول التناقض). ويكشف هذا الاحتواء أن مقاومة الدولة تتطلب بناء قوة اجتماعية لا يقدر رأس المال على استيعابها.

يتفتح أفق الإمكان عندما تتحرك القوى الاجتماعية المقهورة—من العمال إلى الحركات الشعبية إلى التحالفات الطبقية المهمشة—لتحويل موقع ممداني من مساحة احتواء إلى منصة تحرر. وتُعيد هذه القوى تعريف المنصب عبر ربطه بالشارع، وبالفضاءات التنظيمية القاعدية، وبالصراع الأفقي الذي يضغط على الدولة من أسفل. ويتيح هذا الربط إمكانية تحويل شرعية المفكر إلى رافعة تُبرز التناقضات البنيوية التي تمنع التغيير، وتُعيد إنتاج خطاب المقاومة داخل المؤسسات نفسها. ويُعمّق هذا التحرك الفجوة بين منطق السلطة ومنطق التحرر، ليصبح وجود ممداني داخل الدولة جزءًا من الصراع الطبقي لا غطاءً لإدارته.

يصل التحليل إلى أن فوز ممداني لا يمثل تحولًا سياسيًا تلقائيًا، بل لحظة اختبار لقدرة المجتمع على تحويل الانتصار الرمزي إلى مسار صراع يُعيد تشكيل موازين القوى. ويُظهر هذا الاختبار أن التغيير لا يتحقق بنوايا المفكرين أو بقدرتهم الخطابية، بل بقوة الجماهير المنظمة التي تفرض مشروعها داخل مؤسسات خُلقت لمنعها من السلطة. وينكشف جوهر الدولة الحديثة بوصفها جهازًا يحتفي بالنقد ما دام خارجها، ويحتويه حين يدخلها، ولا يتغير إلا عندما يُجبره الضغط الشعبي المنظم على الخضوع لمنطق التحول (فانون، معذبو الأرض).

"لا يمكن لأي إصلاح أن يغيّر جوهر الدولة ما لم يتحول الشعب نفسه إلى قوة منظمة تفرض إرادتها من أسفل". أميلكار كابرال.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة


المزيد.....




- ترامب خلال لقائه ولي العهد السعودي: إيران تريد بشدة التوصل إ ...
- ترامب يرفض سؤالاً حول مقتل خاشقجي.. كيف علّق محمد بن سلمان؟ ...
- مصر: إلغاء نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في ...
- من مدينة الداخــــــلــــــــــــة من أجل الوحدة والديمقراطي ...
- منتخب العراق يهزم نظيره الإماراتي في مباراة التأهل للملحق ال ...
- تصريح صحفي صادر عن حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
- نتنياهو: مصممون على استكمال الحرب في كل الجبهات وعلى تجريد ح ...
- لا يبرحون خيامهم.. المطر والحصار يعصفان بذوي الإعاقة في غزة ...
- الاستخبارات البريطانية تحذر البرلمانيين من محاولات تجسس صيني ...
- ما السر وراء سعي روسيا لتدمير سكك الحديد الأوكرانية؟


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكانيات التحول الطبقي