أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل














المزيد.....

ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 20:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد

يشكّل فوز مرشّح تقدّمي بمنصب عمدة مدينة نيويورك حدثًا سياسيًا لا يمكن التعامل معه بوصفه مجرّد تداول إداري للسلطة. فهذه المدينة ليست وحدة محلية عادية، بل أحد أهم مراكز إعادة إنتاج الإمبريالية الرأسمالية في صورتها المالية والعقارية والبيروقراطية. هي قلبٌ ينبض بإيقاع الأسواق العالمية، وواجهةٌ تتكاثف فيها السلطة الطبقية في شكل شبكات شركات، ومؤسسات حكم، وأجهزة أمنية، ومصارف تجعل من كل محاولة للتغيير اختبارًا لطبيعة النظام بأسره. لذلك فإن فوز ممداني لا يُقرأ كحدث انتخابي، بل كاصطدام بين موجة اجتماعية صاعدة وبُنى رسّختها عقود من النيوليبرالية.

إن هذه اللحظة تكشف المفارقة الجوهرية لأي مشروع إصلاحي داخل المركز الإمبريالي: أن أدوات الحكم المتاحة صُمّمت تاريخيًا ليس لتمكين التغيير، بل لاحتوائه وتحويله إلى طاقة انضباطية. من هنا يصبح السؤال الفعلي: ليس ماذا يريد ممداني فعله، بل ما الذي يمكنه فعله داخل شبكة السلطة التشريعية والولائية والبيروقراطية التي تتجاوز قدرته، وتعمل على إعادة استيعاب أي محاولة للخروج عن قواعد اللعبة. إنها لحظة تكشف الحدود الصارمة للممكن، وتفتح الباب لإعادة التفكير في معنى السلطة، وفي جدل العلاقة بين القاعدة الشعبية والجهات المهيمنة، وبين الرمز والواقع المادي.

وفي هذا السياق يجب تعميق ثلاثة محاور سترافق السلسلة:
أولًا، تحديد "العدو الطبقي" بدقة: هل هو القطاع المالي، العقار، البيروقراطية، أجهزة الولاية، أم التحالف بينها؟
ثانيًا، فهم مفارقة استخدام منصب صُمّم لاحتواء التغيير من أجل محاولة صنع التغيير.
ثالثًا، طرح سؤال القاعدة الشعبية: كيف يمكن تحويل الانتصار الانتخابي إلى قوة تنظيمية قادرة على تعديل ميزان القوى؟

بهذا المدخل يصبح فوز ممداني بداية معركة طبقية جديدة، وليس بداية مرحلة حكم جديدة.

المقال الأول — المدخل النظري والسياسي: فوز ممداني كحدث رمزي

يعتبر فوز ممداني لحظة انكشاف للصراع الطبقي داخل المدينة التي تُعدّ مركزًا ماليًا عالميًا ومختبرًا دائمًا لصياغة النسخة الأكثر تطورًا من الرأسمالية. فظهور عمدة تقدّمي على رأس السلطة المحلية يشير إلى تراكم غضب اجتماعي ضد أربعة عقود من النيوليبرالية التي أعادت تشكيل المدينة بوصفها سلعة عقارية وساحة استثمار مالي، مطيحةً بالسكان العاملين إلى أطرافها. لذلك يحمل هذا الفوز رمزية تتجاوز اسم الفائز وبرنامجه؛ إنها علامة على اهتزاز الهيمنة، ولو بشكل ضئيل.

الرمزية هنا مضاعفة. فمن جهة تُعدّ نيويورك مركزًا تنتج فيه المؤسسة الأمريكية خطابها الرسمي عن الحرية والديمقراطية، بينما تُدار فيه فعليًا شبكات المال والسياسة والأمن التي تشكّل العمود الفقري للهيمنة الإمبريالية. ومن جهة أخرى، فإن وصول صوت تقدّمي إلى هذا الموقع يشير إلى شرخ في البنية الثقافية والسياسية التي كانت تبدو حصينة. لكنها رمزية تصطدم مباشرة بطبيعة السلطة المحلية: سلطة مُقيدة، محاصرة، وصُمّمت لضمان الاستقرار الطبقي.

وهنا تكمن المفارقة. فممداني يقدّم خطابًا نقديًا للرأسمالية والإمبريالية، لكنه يتحرك ضمن بنية قانونية وإدارية ومالية لا تترك مجالًا إلا لإصلاحات جزئية. فصلاحيته محدودة أمام سلطة الولاية التي يسيطر عليها الجمهوريون، وأمام شبكات المصالح العقارية التي تتحكم في إنتاج السكن، وأمام المؤسسات المالية التي تسيطر على سندات المدينة وميزانياتها، وأمام بيروقراطية مترسخة تنتمي إلى ثقافة "الحكم التقني" لا الحكم السياسي. لذلك فإن مشروعه لا يستطيع – حتى نظريًا – إحداث قطيعة، بل يسعى لخلق توترات تفتح إمكانيات جديدة في حدود ضيقة.

ومع ذلك، فإن القيمة السياسية لهذا الفوز لا تكمن فقط في قدرة العمدة على تغيير السياسات، بل في قدرته على كشف طبيعة النظام. فهو يُظهر علانية أن الرغبة الشعبية في التغيير تصطدم بجدار سديمي من المؤسسات والمصالح، ويعيد طرح سؤال: من يحكم فعليًا؟ هل هو المسؤول المنتخب، أم البنية الطبقية التي تحدد حدود فعله؟ كما يكشف أن السلطة المحلية ليست أداة تحكم، بل جزءًا من جهاز أوسع صُمّم لامتصاص التحديات ومنعها من التحول إلى مسار تحويلي.

من هذا المنظور يصبح فوز ممداني ليس انتصارًا للسياسة التقدمية، بل امتحانًا لقدرتها على التحرك داخل ماكينة صُمّمت لإجهاضها. الامتحان الحقيقي ليس في وعوده، بل في قدرته على بناء قوة أفقية من القاعدة الشعبية – العمال، المقيمون، المهاجرون، الحركات الاجتماعية – قادرة على اختراق البيروقراطية وتعديل ميزان القوى من الخارج والداخل. فالتغيير داخل السلطة لا ينتج من إرادة فردية، بل من تراكم قوة اجتماعية ضاغطة، كما أشار غرامشي حين تحدث عن ضرورة الجمع بين "حرب المواقع" و"حرب الحركة".

إن السؤال ليس هل سينجح ممداني، بل هل يمكن أن يتحوّل موقعه إلى نقطة اشتعال تفتح المجال لبناء قوة طبقية مضادة داخل مدينة تحرسها الإمبريالية من الداخل؟ وهل يمكن لرمزية التقدمية أن تتحوّل إلى فعل سياسي يُربك البنية بدل أن يتم ابتلاعها؟ هذا هو جوهر المعركة القادمة: معركة بين البنية والممكن، بين هوامش المناورة والقدرة على تجاوزها، بين الإصلاح والتحويل.

وكما قال لينين: «السياسة هي التعبير المركز للصراع الطبقي».
ومن هذا المنطلق، فإن فوز ممداني ليس نهاية مسار، بل بداية صراع سوف يكشف حدود السلطة المحلية وحدود الإصلاح وعمق الأزمة البنيوية التي تحكم المدن الرأسمالية الكبرى.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية


المزيد.....




- السعودية.. بعد يوم من صلاة الاستسقاء.. فيديو كيف لمعت السماء ...
- نهبها النازيون ونجت من الحريق: لوحة لغوستاف كليمت قد تحقق أك ...
- شاهد.. انفجار ضخم يتسبب في حريق هائل بمصنع كيميائي في الأرجن ...
- جبن غرويير السويسري المعتّق يفوز بلقب أفضل جبن في العالم 202 ...
- سوريا.. تفاصيل وفيديو من موقع الانفجارين بسبب صاروخي كاتيوشا ...
- هل يكون -الذكاء الفائق- آخر ما يخترعه البشر؟
- ضدّ -عبادة السرعة-: لماذا علينا أن نستعيد إيقاع البطء؟
- جرحى الجيش في اليمن يشكون من التهميش
- الصين تحذر رعاياها من السفر إلى اليابان
- 5 دول أوروبية في الناتو تتعهد بالتصدي لـ-تهديدات هجينة-


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل