أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ














المزيد.....

3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 22:00
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


ترفع الثورات شعار "السلمية" بوصفه هويةً أخلاقية مطلقة، وبذلك تتحول إلى إعادة إنتاجٍ لوعيٍ مثالي يقطع الصراع عن جذره المادي. في خضم الثورة السودانية، تحول خطاب "اللاعنف" من تكتيك نضالي إلى عقيدة أخلاقية مقدسة، مما يستدعي تساؤلاً جوهرياً: هل يمكن لثورة أن تنتصر على دولة قمعية طبقيًا باستراتيجية لاعنفية بحتة؟ [1].

لطالما نظرت الماركسية إلى مسألة العنف ليس كقيمة أخلاقية مطلقة، بل كأداة في الصراع التاريخي المحتوم. فالقضية ليست في رفض العنف أو تبنّيه، بل في تحديد موقعه الطبقي والتاريخي. ذلك أن "اللاعنف" حين يُفهم كقيمة أخلاقية خارج شروط الصراع الاجتماعي، يصبح أداة في يد الطبقة المهيمنة لضبط الجماهير وترويضها. وهذا يقودنا إلى حقيقة أن عنف الدولة اليومي في الحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة - عبر القوانين والأجهزة الأمنية والقضاء - هو الشكل الأكثر ديمومة للعنف، حتى عندما لا يكون دموياً [2].

تشير القراءة التاريخية للمقاومة اللاعنفية إلى أن "نجاحها" كان دوماً مشروطاً بوجود توازن قوى محدد. ففي الهند، كان نضال غاندي يعمل في ظل وجود تهديد ضمني بالتمرد الشعبي الواسع، وفي جنوب أفريقيا، كانت المقاومة المسلحة مكملاً أساسياً للنضال السياسي [3]. وهنا تكمن المشكلة الأساسية: هذه الشروط غالباً ما تكون غائبة في مواجهة دولة طفيلية عسكرية كالسودان، حيث تفتقد الطبقة الحاكمة لأي قاعدة اجتماعية أو أخلاقية تجعلها قابلة للإقناع الأخلاقي [4].

في السياق السوداني، اتخذ اللاعنف بعدًا مركبًا أدى إلى نتائج عكسية. فالثورة التي انطلقت عام 2018 رفعت شعار "السلمية" لا كتكتيك مؤقت، بل كعقيدة سياسية. ومع مرور الوقت تحوّلت "السلمية" إلى مقدّسٍ ثوري، استُخدم لتجريم أي تنظيم طبقي مسلّح أو مواجهة عنيفة ضد أجهزة القمع. هذا الانزياح من الاستراتيجية الثورية الشاملة إلى الاحتجاج السلمي المحض، أفقد الثورة أهم أسلحتها: القدرة على التصعيد والتهديد الحقيقي بأسس النظام [5]. ويظهر الواقع السوداني الحالي بوضوح كيف أن رفع شعار السلمية كمبدأ أخلاقي منع القوى الثورية من استخدام أدوات الضغط المباشرة على أجهزة الدولة العسكرية–المالية، ما أتاح للنخب المدنية والعسكرية إعادة تشكيل الثورة ضمن إطار إصلاحي لا يمس البنية الطبقية القمعية.

لقد شكّل هذا التحوّل انتصارًا للرؤية الإصلاحية البرجوازية التي ترى في الدولة جهازًا يمكن "تصحيحه" عبر التفاوض. فبدل أن تُطرح مسألة العنف في سياق تحطيم البنية القمعية الطبقية، جرى تصويرها كمسألة "سلوك فردي" يناقض أخلاق الثورة. وهذا بالضبط ما حذّر منه لينين في الدولة والثورة حين قال إن "الطبقة العاملة التي تتردد في استخدام القوة الثورية، تُهيئ لعدوها طريق العودة" [6].

من منظور مادي، فإن اللاعنف في مجتمعٍ كالسودان - حيث تحتكر الطبقة العسكرية والمالية أدوات القهر - لا يمكن أن يكون إلا شكلًا من أشكال الخضوع. إذ لا يمكن مواجهة العنف الطبقي المنظم بالشعارات الأخلاقية، تمامًا كما لا يمكن كسر آلة الدولة دون ممارسة قوة مادية مضادة. وهذا ما يؤكده فانون في معذبو الأرض بقوله: "العنف الاستعماري لا يفهم إلا لغة العنف المضاد" [7]. فوعي الجماهير لا يتفتح بالوعظ، بل بالاحتكاك المباشر مع واقع القمع.

وفي حين أن الفكر الماركسي لا يمجّد العنف، فإنه يميّز بوضوح بين العنف الرجعي الذي يحافظ على النظام القائم، والعنف الثوري الذي يسعى إلى تحطيمه وبناء سلطة جديدة. العنف الأول أداة استعباد، والثاني شرط للتحرر. وهذا التمييز يفسر كيف استخدمت البرجوازية السودانية، بشقيها العسكري والمدني، خطاب "نبذ العنف" لتفريغ الثورة من مضمونها الطبقي. فباسم "السلمية" جرى تبرير القمع، وباسم "التحضر" جرى قمع الرد الثوري على العنف الطبقي [8].

إن المأزق النظري الحقيقي لا يكمن في استخدام اللاعنف من عدمه، بل في تحويله إلى عقيدة تضعف القدرة الاستراتيجية للثورة. فالثورة الناجحة تحتاج إلى استراتيجية مرنة تجمع بين مختلف أشكال النضال: من التنظيم الجماهيري إلى العمل السياسي، وصولاً إلى الدفاع عن النفس في الظروف الخاصة [9]. وهكذا تصبح المسألة ليست تفضيلاً أخلاقياً للعنف أو اللاعنف، بل مسألة تكتيكية بحتة في إطار الصراع الطبقي.

إن تجاوز هذا المأزق يتطلب إعادة الاعتبار للفهم الماركسي للعنف الثوري، ليس كغاية في ذاته، بل كوسيلة ضرورية في مرحلة معينة من الصراع. فالثورة التي ترفض مبدأ الدفاع عن نفسها مسبقاً، هي ثورة محكوم عليها بالفشل [10]. فالهدف ليس الترويج للعنف، بل فهم أن تحطيم جهاز الدولة القمعي يتطلب موازين قوى مادية، لا يمكن بناءها بالاعتماد على الضغط الأخلاقي وحده.

"إن انتقاد السلاح لا يحل محل انتقاد السلاح بالقوة المادية، فالشعب الذي يقمع بحربة لا يمكن تحريره إلا بحربة."
كارل ماركس.

النضال مستمر،،
-------------------------
المراجع:
[1] Gene Sharp, From Dictatorship to Democracy: A Conceptual Framework for Liberation
[2] Karl Marx, Capital: A Critique of Political Economy, Vol. I
[3] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth
[4] Abdullah Ali Ibrahim, Class Struggle in Sudan
[5] Rosa Luxemburg, The Mass Strike, the Political Party and the Trade --union--s
[6] Vladimir Lenin, The State and Revolution
[7] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth
[8] Antonio Gramsci, Selections from the Prison Notebooks
[9] Vladimir Lenin, "Left-Wing" Communism: An Infantile Disorder
[10] Leon Trotsky, The Revolution Betrayed



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة


المزيد.....




- جردة حساب مُرّة بعد عامين
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية حول اتفاق إنهاء ...
- العدد 622 من جريدة النهج الديمقراطي
- الاشتراكية في نظر تشي غيفارا
- حزب التقدم والاشتراكية ينعي وفاة الرفيق عبد القادر المريباح ...
- كل ما تريد معرفته عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي: -ماندي ...
- م.م.ن.ص// مرحبا بالمناضل -سعيد افريد- بالسجن الكبير
- شاهد.. اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين والشرطة الأم ...
- النهج الديمقراطي العمالي بالرباط يؤكد دعمه ووقوفه المبدئي إل ...
- رائد فهمي: المال السياسي يخلّ بالعدالة الانتخابية ومنظومة ال ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ