أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - أسئلة بلا طبقة














المزيد.....

أسئلة بلا طبقة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 14:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العناوين المضلّلة التي تتناسل في فضاء الخطاب السياسي في السياق السوداني، مثل "ماذا يحدث في واشنطن؟" أو "ماذا يدبّر حزب المؤتمر الوطني في الخفاء؟"، هي تعبير عن أزمة بنيوية في الوعي السياسي. فهي تمثل القطيعة المعرفية بين السؤال والتحليل، بين الظاهرة والجوهر، بين الحدث وبنائه الطبقي. هذه القطيعة هي إفراز طبيعي لمنظومة إيديولوجية مهيمنة تعمل على إنتاج عقل منقاد، مستهلك، منفصل عن قدرته على النقد الجذري. إنها أسئلة تكرّس الوهم بأن السياسة هي ساحة للمؤامرات والخفايا، لا تعبيراً عن صراع طبقي تاريخي يشكّل محرك التاريخ الأساسي.

فالحدث السياسي، عندما يُنتزع من سياقه البنيوي، يتحول إلى مجرد ظل بلا جسد، إلى إشاعة بلا حقيقة. واشنطن ليست مجرد عاصمة سياسية، بل هي التجسيد المادي المكثف للرأسمالية الإمبريالية العالمية، المركز الذي تدار منه آليات الهيمنة المالية والعسكرية والثقافية. وكل "تدبير في الخفاء" ليس سوى الوجه الآخر لمنظومة السيطرة التي تعيد إنتاج نفسها عبر وكلاء محليين، مثل حزب المؤتمر الوطني، الذي يمثل البرجوازية الطفيلية السودانية. هذا الحزب لم يكن أبداً فاعلاً مستقلاً، بل كان أداة طيعة في يد القوى الإمبريالية والإقليمية، حلقة في سلسلة طويلة من الوكالة الطبقية التي تعمل على إعاقة أي مشروع تحرري حقيقي.

وعندما تنفصل الأسئلة عن التحليل المادي الجدلي، تتحول إلى ضجيج فارغ، إلى طنين في الفراغ. إن "هل؟ هل؟ هل؟" ليست بحثاً عن الحقيقة، بل هي تكرار آلي لدهشة مشوّشة، تعكس وعياً مغترباً عن طبقته، عن مصالحه، عن حقيقته التاريخية. فالمعرفة الماركسية لا تبدأ من السؤال "المحايد" أو "الحر"، بل تنطلق من موقع طبقي محدد، من انحياز واعٍ للطبقة العاملة ولمشروعها التحرري. إنها ترى في السياسة امتداداً للاقتصاد، وتكثيفاً للصراع الطبقي في أعلى أشكاله، وليست لعبة فوقية منفصلة عن القاعدة المادية للمجتمع.

ومن هذا المنظور، فإن الانخراط في الأسئلة السطحية ليس فعلاً نقدياً، بل هو استهلاك ممنهج للوعي، وإعادة إنتاج للإيديولوجيا السائدة التي تهدف إلى نزع السلاح النظري من الجماهير، وإبقائها في حالة من التيه والتبعية.

أما النضال الحقيقي، فهو لا يقوم على التساؤل المجرد، بل على الفعل المنظم القادر على تحويل الأسئلة إلى أدوات للتغيير. إنه القدرة على تحويل الدهشة إلى فهم، والفضول إلى التزام، والاستفهام إلى برنامج عمل. وكما قال لينين بحكمة ثورية: "بدون نظرية ثورية لا يمكن أن توجد حركة ثورية". فالنظرية هنا ليست ترفاً فكرياً، بل هي سلاح في معركة التحرر، وبوصلة ترشد الحركة الجماهيرية في مسارها نحو التغيير الجذري. بدونها، تصبح الحركة عرضة للانحراف والاستيعاب والتيه.

ولذلك، فإن مواجهة هذه العناوين المضللة تقتضي تعميق التحليل المادي الجدلي، وربط الظواهر السياسية بجذورها الطبقية، وكشف الآليات الخفية للهيمنة الإمبريالية ووكلائها المحليين. إنها معركة وعي ونظرية، هي في صميمها معركة وجودية من أجل تحرير الوعي والإرادة.

وفي هذا السياق، تأتي مقولة أنطونيو غرامشي العميقة: "الجهل الطبقي ليس بريئاً، بل هو سلاح بيد المستغِلين". فالمستغلون لا يكتفون بالسيطرة على وسائل الإنتاج، بل يسعون أيضاً إلى السيطرة على وعي المضطهدين، عبر تغذية الجهل الطبقي وإنتاج أسئلة مزيفة تحجب التناقضات الحقيقية. إن تحرير الوعي من هذا الجهل هو الخطوة الأولى نحو تحرير المجتمع من قيود الاستغلال.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-


المزيد.....




- ميستي كوبلاند.. الراقصة السوداء التي غيّرت معايير الجمال وال ...
- وزير خارجية أمريكا يتحدث عن مستقبل اتفاق غزة ونزع سلاح حماس. ...
- منظمة تحذّر: -كل شخص في قطاع غزة يعيش وسط حقل ألغام مروّع-
- ضغط أمريكي-عربي على حميدتي والبرهان.. ما فرص الوصول لهدنة؟
- المغرب.. استقبال جماهيري حاشد لأشبال الأطلس
- نفوذ دول الخليج: بين القدرة على التأثير وتحديات -الشرق الأوس ...
- زوجة مروان البرغوثي تناشد ترامب بالتوسّط لدى إسرائيل للإفراج ...
- -مبادرة محكمة غزة- تستمع لشهود يروون فظائع إسرائيل بحق الفلس ...
- واتساب يطلق ميزة جديدة قد تنهي مشاركة أرقام الهواتف نهائيا
- مؤسسة عبد الحميد شومان هيئة أردنية في خدمة المجتمع العربي


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - أسئلة بلا طبقة