أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان














المزيد.....

9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 22:07
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مسألة الهوية في السودان هي نتاج مباشر للبنية الطبقية التي تشكلت في سياق التبعية والتوسع الرأسمالي. فقد أعادت الدولة الكولونيالية، عبر سياسات العزل والإدماج الانتقائي، إنتاج الهويات المحلية ضمن منطق السيطرة، بحيث غدت الانتماءات الإثنية والدينية أدوات لإعادة إنتاج التراتب الطبقي والسياسي. فالإسلام، بوصفه أيديولوجيا مهيمنة، لم يكن مجرد منظومة رمزية بل أداة لتبرير السيطرة الطبقية وتكريس التفاوت بين المركز والهامش [1]. ومنذ الاستقلال، تكرّست هذه البنية عبر النخب التي ورثت جهاز الدولة واستثمرت في خطاب الهوية لتغطية الطابع الطبقي للصراع الاجتماعي [2].

إن الخطاب الديني في السودان، مثل غيره في المجتمعات التابعة، لم ينبع من قاعدة اجتماعية متجانسة، بل من تحالف بين البرجوازية الكومبرادورية والبيروقراطية العسكرية، اللتين وظفتا الدين لتبرير القهر الاجتماعي والسياسي. وبدلاً من أن يكون الدين تعبيراً عن وعي شعبي مقاوم، أُعيد إنتاجه كأداة أيديولوجية تخدم إعادة إنتاج علاقات الإنتاج القائمة [3]. وهكذا تحولت الهوية الدينية إلى قناع أيديولوجي يغطي جوهر التناقض الطبقي، حيث تُخاض الصراعات الاجتماعية تحت لافتات طائفية أو جهوية أو ثقافية، بينما يظل جوهرها صراعاً على فائض القيمة والسلطة السياسية [4].

لقد مثّل مشروع الأسلمة السياسية منذ ثمانينيات القرن العشرين ذروة هذا التوظيف الطبقي للدين، إذ جرى تحويل الخطاب الإسلامي إلى أداة لإعادة بناء الدولة بما يخدم مصالح البرجوازية الطفيلية المرتبطة برأس المال الخليجي. ومع كل أزمة اقتصادية، كانت السلطة تلجأ إلى تعبئة خطاب “الهوية الإسلامية” لتفكيك التضامن الطبقي وتحويل التناقضات الرأسية بين الطبقات إلى تناقضات أفقية بين المجموعات الثقافية والإثنية [5]. هذه الآلية كانت تعبيراً عن منطق إعادة إنتاج السيطرة الإمبريالية، حيث تُستخدم الانقسامات الداخلية لتأبيد التبعية السياسية والاقتصادية [6].

إن الدين في هذا السياق لا يمكن عزله عن بنية السلطة الطبقية، ولا يمكن فهم “الهوية الإسلامية” إلا بوصفها نتاجاً تاريخياً لمرحلة محددة من تشكّل الدولة التابعة. فالتديّن الرسمي الذي تتبناه النخب ليس شكلاً من التعبير الثقافي، بل وسيلة لتبرير القمع وإضفاء الشرعية على الهيمنة الطبقية. حتى المؤسسات الدينية، من المساجد إلى الجامعات، أصبحت فضاءات لإعادة إنتاج الأيديولوجيا السائدة، وتعميم ثقافة الخضوع والولاء [7]. وفي المقابل، ظلت المقاومة الشعبية للدين الرسمي تتخذ شكلَ بدائل ثقافية وهوياتية، تعبّر عن رفضٍ ضمني للبنية الطبقية القائمة، لكنها في الغالب تظل أسيرة الإطار الرمزي الذي حدّدته السلطة ذاتها [8].

تُظهر التجربة السودانية أن الصراع حول الهوية والدين ليس سوى مظهر لصراع أعمق حول نمط الإنتاج ذاته. فحينما يُختزل المجتمع إلى "أمة دينية" متجانسة، يُمحى التناقض الطبقي، وتُقدَّم الدولة باعتبارها حَكماً فوق الصراعات، بينما هي في الواقع أداة لحماية مصالح الطبقة السائدة. إن تجاوز هذا الإشكال لا يتم عبر "إصلاح الخطاب الديني" كما تروّج النخب الليبرالية، بل عبر تفكيك الشروط المادية التي تجعل الدين أداة أيديولوجية فعّالة [9]. فقط حين تُعاد صياغة العلاقة بين الإنتاج والوعي، يمكن أن يتحول الدين من أداة قهر إلى فضاء للتحرر، ومن خطاب استتباع إلى طاقة مقاومة [10].

إن تفكيك بنية التبعية الثقافية والدينية يتطلب إعادة بناء المشروع الوطني على أساس طبقي واضح، يُحرر الوعي من أسر الأيديولوجيا الدينية السائدة، ويعيد تعريف الهوية بوصفها فعلاً تاريخياً وصيرورة اجتماعية متغيرة. فـ"الهوية" ليست جوهراً ثابتاً بل ساحة صراع، تتحدد مضامينها وفق ميزان القوى الطبقي، ويتجدد معناها مع كل تحول في بنية الإنتاج. هنا فقط يصبح الوعي بالهوية فعلاً ثورياً، لا لأنّه يستعيد الماضي، بل لأنه يفتح أفق التحرر من كلّ أشكال الهيمنة [11].

"الهوية ليست معطى ثابتاً، بل ساحة صراع تُخاض فيها معركة الهيمنة الطبقية، حيث تسعى كل طبقة لفرض تعريفها للواقع والمجتمع."
أنطونيو غرامشي

النضال مستمر،،
-------------------------
المراجع
[1] Mamdani, M. Define and Rule: Native as Political Identity. Harvard University Press, 2012.
[2] Young, C. The African Colonial State in Comparative Perspective. Yale University Press, 1994.
[3] Gramsci, A. Selections from the Prison Notebooks. International Publishers, 1971.
[4] Fanon, F. The Wretched of the Earth. Grove Press, 1963.
[5] Amin, S. Eurocentrism. Monthly Review Press, 1989.
[6] Rodney, W. How Europe Underdeveloped Africa. Verso, 2018.
[7] Althusser, L. Ideology and Ideological State Apparatuses. Verso, 2014.
[8] Hall, S. Cultural Identity and Diaspora. Routledge, 1994.
[9] Poulantzas, N. Political Power and Social Classes. Verso, 1978.
[10] Hobsbawm, E. Nations and Nationalism since 1780. Cambridge University Press, 1990.
[11] Chatterjee, P. The Nation and Its Fragments. Princeton University Press, 1993.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري


المزيد.....




- قانون المنع العملي للإضراب: خسارة بلا معركة
- هل يعيد جيل Z تعريف معنى الثورات؟
- طلاب الجامعة الأمريكية ينتفضون ضد التطبيع
- اشتباكات بين الشرطة البلجيكية والمتظاهرين وسط غضب بسبب التقش ...
- مهرجان التملّق في الكنيست وشرم الشيخ
- اشتباك بين متظاهرين ومسؤولين فيدراليين في شيكاغو بموقع حادث. ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- تنازلات لوكورنو ارضت الاشتراكيين وابقت الحكومة في وضع هش
- الشرطة الإيطالية تشتبك مع المتظاهرين لمنعهم الوصول إلى مبارا ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان