أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة















المزيد.....

4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 22:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تشكل التشكيلة الاجتماعية السودانية نسيجاً معقداً من العلاقات الطبقية المتداخلة، تتدافع فيها بقايا أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية مع أشكال الرأسمالية الطفيلية والتبعية، مما ينتج بنية طبقية هجينة تفرض تحديات نظرية وعملية على أي مشروع ثوري [1]. والحقيقة أن الثورة نتاجٌ لتناقضات مادية محددة، تتصل بعلاقات الإنتاج وتوزيع الثروة والسلطة، مما يجعل تحليل التشكيلة الاجتماعية مدخلاً ضرورياً لفهم لماذا عجزت الثورة السودانية عن تجاوز الطور الاحتجاجي إلى طور التحول الثوري الحقيقي.

تنبع خصوصية التشكيلة الطبقية في السودان من الطبيعة التاريخية لتطوره، حيث لم يمر بمراحل التطور الكلاسيكية التي عرفتها المجتمعات الأوروبية. فبدلاً من التحول العضوي من الإقطاع إلى الرأسمالية، شهد السودان تشكلاً مشوهاً تحت تأثير العلاقات الاستعمارية والتبعية للإمبريالية العالمية [2]. وقد أنتج هذا التشوه بنية طبقية تعكس ما أسماه سمير أمين "التطور اللامتكافئ والمركب"، حيث تتعايش أنماط إنتاجية مختلفة في تشكيلة اجتماعية واحدة [3]. وهذا التداخل أنتج تناقضات مزدوجة: طبقية وجهوية، مادية وثقافية، وجعل من الوعي الاجتماعي خليطاً متنازعاً بين الريف والمدينة، وبين الإنتاج والعمل الطفيلي.

تاريخياً، شكّلت حقبة الحكم التركي–المصري بداية تكوين البنية الطبقية الحديثة، حيث فُرضت أشكال شبه رأسمالية من استغلال العمل الزراعي، فيما احتُفظ بالبنية الإقطاعية في الأطراف. ومع الاستعمار البريطاني تمّ إعادة تشكيل المجتمع السوداني ضمن منطق تبعية اقتصادي، اعتمد على مناطق إنتاج محددة (كالجزيرة وكردفان والشرق) تخدم مصالح المراكز الاستعمارية [4]. وقد أسس هذا لما يمكن تسميته بنمط إنتاج "شبه إقطاعي–شبه رأسمالي" يرتبط بالخارج أكثر مما يتصل ببنية السوق الداخلي. فالزراعة النقدية، وسياسات المناطق المقفولة، وتقسيم العمل الجهوي، عمّقت التفاوتات وأعادت إنتاجها بعد الاستقلال.

في قمة الهرم الطبقي، تتربع البرجوازية الطفيلية العسكرية-التجارية التي تشكل النواة الصلبة للنظام المهيمن. ومع صعود هذه البرجوازية الطفيلية منذ انقلاب 1989، تبلور تحالف بين الرأسمال الريعي والبيروقراطية العسكرية شكل نواة الدولة الحديثة التابعة [5]. فهذه الطبقة لم تنشأ من رحم الإنتاج، بل من جهاز الدولة نفسه، من احتكار التجارة الخارجية، ومن المضاربات المصرفية والنهب المنظم للثروة العامة. وقد وصف تيم نبلوك هذا النمط بدقة حين تحدث عن "الاقتصاد السياسي للتمركز النيلي"، حيث يُعاد إنتاج السيطرة الطبقية من المركز عبر الجهاز العسكري–الأمني، فيما تُترك الأطراف في حالة تهميش دائم [6].

تحت هذه القمة، تنتشر برجوازية تجارية وطنية مشتتة ومبعثرة، تعاني من التهميش والإقصاء من قبل البرجوازية الطفيلية المسيطرة. هذه الطبقة، رغم معاناتها من هيمنة البرجوازية الطفيلية، تبقى مرتبطة بها عبر شبكة من المصالح المتشابكة، مما يجعل موقفها متذبذباً وغير قادر على قيادة مشروع تحرري جذري [7].

في الوسط، تتراصف شرائح البرجوازية الصغيرة المثقفة والموظفين والمهنيين، الذين شكلوا العمود الفقري للحركة الاحتجاجية الأخيرة. وهنا تكمن المفارقة: فهذه الطبقة التي تلعب دوماً دور الوسيط بين رأس المال والعمال، بين الدولة والمجتمع، وبين الثورة والإصلاح، تعاني من تناقض حاد بين وعيها الديمقراطي الليبرالي وموقعها الطبقي الهش [8]. وقد ظهر هذا جلياً في ثورة ديسمبر، حيث تخلت قيادات هذه الطبقة عن المطالب الجذرية لصالح تسوية سياسية حافظت على أسس النظام القائم. إنّ غرامشي كان دقيقاً حين تحدث عن "الأزمة العضوية" التي تنتجها الطبقات الوسطى حين تعجز عن بناء مشروع هيمنة حقيقي، فتتعلق بأوهام التوافق والتدرج [9].

في قاعدة الهرم الاجتماعي، تنتشر الطبقات الشعبية المكونة من العمال والفلاحين والفقراء الحضريين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من السكان. فالطبقة العاملة السودانية، رغم تاريخها النضالي العريق، تعاني من التشتت والهشاشة نتيجة سياسات التدمير الممنهج التي طالت القطاع الصناعي [10]. أما الفلاحون، وهم العمود الفقري للاقتصاد السوداني، فيعانون من استغلال مزدوج: استغلال من قبل كبار الملاك والتجار، ومن قبل الدولة عبر سياسات التسعير الجائر ونهب الأرض [11].

أما التناقضات الجهوية والإثنية التي تتبدى في السودان كصراعات أهلية أو نزاعات هوية، فهي في جوهرها تجليات فوقية لصراع طبقي حول ملكية الأرض والثروة والسيطرة على جهاز الدولة. لقد حوّلت الطبقة المسيطرة الصراع الاجتماعي إلى صراع هوياتي لتفتيت الوعي الطبقي [12]. وهذا بالضبط ما يفسر لماذا تتسم التشكيلة السودانية الراهنة بثلاث سمات جوهرية: أولاً، تداخل أنماط الإنتاج بين ما قبل الرأسمالية والرأسمالية التابعة والاقتصاد الريعي، مما يجعلها بنية انتقالية غير مستقرة. ثانياً، تفكك الطبقة العاملة وتذرر الفلاحين، بما يؤدي إلى غياب الفاعل الطبقي المنظم القادر على قيادة التغيير. ثالثاً، احتكار جهاز الدولة من قبل تحالف عسكري–مالي يجعلها أداة قمع طبقي دائم.

من هنا لا يمكن لأي مشروع ثوري أن يتجاوز مأزق "السلمية" أو الإصلاحية إلا عبر بناء أداة تنظيمية طبقية قادرة على توحيد القوى المنتجة المفككة، واستعادة الصراع إلى أرضيته المادية. إنّ الثورة في السودان لن تنتصر ما لم تعِ طبيعة التشكيلة التي تواجهها، وما لم تُحوّل هذا الوعي إلى قوة مادية منظّمة تكسر جهاز الدولة وتعيد بناءه على أسس اشتراكية.

"لا يمكن تحرير الطبقة العاملة إلا بواسطة الطبقة العاملة نفسها."
كارل ماركس

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Karl Marx, Preface to A Contribution to the Critique of Political Economy, Penguin Classics, 1990.
[2] Samir Amin, Unequal Development: An Essay on the Social Formations of Peripheral Capitalism, Monthly Review Press, 1976.
[3] Samir Amin, Accumulation on a World Scale, Monthly Review Press, 1974.
[4] Mahmoud Mamdani, Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism, Princeton University Press, 1996.
[5] Mohamed A.M. Salih, Sudan: Post-Independence Class Structure and the Crisis of the State, CODESRIA, 2003.
[6] Tim Niblock, Class and Power in Sudan: The Dynamics of Sudanese Politics, 1898–1985, State University of New York Press, 1987.
[7] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, Grove Press, 1963.
[8] Antonio Gramsci, Selections from the Prison Notebooks, International Publishers, 1971.
[9] Antonio Gramsci, Prison Notebooks, Columbia University Press, 1992.
[10] David Harvey, The-limit-s to Capital, Verso, 1982.
[11] Tony Barnett, The Gezira Scheme: An Illusion of Development, Cambridge University Press, 1977.
[12] Alex de Waal, Famine Crimes: Politics & the Disaster Relief Industry in Africa, Indiana University Press, 1997.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...


المزيد.....




- حماس والفصائل الفلسطينية: مساع لعقد اجتماع وطني بدعم مصري لت ...
- اجتماع حاسم لليسار مع ماكرون وترقب لاختيار رئيس جديد للوزراء ...
- حرمان ابو الديار من الترشح للانتخابات.. النظام ينكل بالمعارض ...
- فرنسا: قادة أحزاب استقبلهم ماكرون يؤكدون أن رئيس الوزراء الم ...
- تركيا ترفع حظر الطيران على مطار في إقليم كردستان العراق بعد ...
- إتصال هاتفي بين الجبهة الديمقراطية وحزب النهج الديمقراطي الع ...
- سفيان كرت، الوجه الأبرز لحراك الصحة باكادير يزج في السجن بته ...
- يوسف الكواري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية : قا ...
- رسالة من شيخ الأزهر إلى الفصائل الفلسطينية...هذا ما جاء فيها ...
- اجتماع المكتب السياسي والفريق البرلماني لحزب التقدم والاشترا ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة