أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي














المزيد.....

7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:37
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا يمكن فهم إخفاق الثورة السودانية دون تشريح جهاز الدولة البورجوازي بوصفه أداة عنف منظم في خدمة الطبقة المسيطرة؛ فالدولة في السودان، كما بيّن لينين، ليست جهازًا محايدًا للتوفيق بين المصالح، بل تجسيد مادي لهيمنة طبقة على أخرى، ودراسة هذه الآلية شرطٌ لفهم كيف تُقوّض القوى الثورية إمكانياتها [1].

الدولة السودانية ورثت تركيبة قمعية من زمن الاستعمار البريطاني، تركيبة صممت أساسًا لإخضاع المجتمع والسيطرة على الموارد، تبين قراءة محمود ممداني ثنائية المركز والأطراف حيث يعمل العنف عبر إدارة أهلية في الأطراف وبيروقراطية مركزية في العاصمة؛ هذه البنية المزدوجة لم تُلغ بعد الاستقلال بل أعيد إنتاجها لصالح تحالف طفيلي جديد يربط النخبة العسكرية والاقتصادية [2].

تعلّق سيطرة الجهاز البورجوازي بشبكة مؤسساتية متكاملة: الجيش، أجهزة الأمن والمخابرات، الشرطة، الجهاز القضائي والإدارات البيروقراطية؛ وفي ضوء التحليلات الماركسية ولأولئك الذين عملوا على نظرية الدولة، فإن هذه المؤسسات ليست محصلة عشوائية بل أداة منظّمة لإعادة إنتاج علاقات السلطة والهيمنة الطبقية [3].

يتجسّد العنف المضاد للثورة في السودان على ثلاثة مستويات متداخلة ومتكاملة: أولاً على المستوى الهيكلي حيث تمتلك الدولة أجهزة قمع متخصّصة لا تُعنى فقط بقمع الاحتجاجات بل بمنع تشكّل وعي طبقي مستقل عبر خلق مناخ رعب وريبة يعيق التنظيم الشعبي [4]؛ ثانياً على المستوى الاقتصادي حيث تُمارَس سياسات تقشف وخصخصة تسرّع من تراكم الرأسمال الطفيلي على حساب الجماهير، ويتجلى "التراكم بالاستيلاء" في السودان عبر مصادرة الأراضي الزراعية لصالح المشاريع العقارية الكبرى، وخصخصة شركات القطاع العام بأسعار رمزية للنخبة الحاكمة، والاستيلاء على مناجم الذهب عبر مليشيات مسلحة ترتبط بأجهزة الدولة [5]؛ وثالثاً على المستوى الأيديولوجي حيث تُنتَج شعارات مثل "الوحدة الوطنية" و"الأمن" لتبرير القمع وتطويع وعي الجماهير [6].

لا يقتصر العنف على الجهاز الرسمي فحسب، بل يشتمل على تحالفات مع ميليشيات شبه رسمية وشركات اقتصادية تضمن استمرار دائرة النهب والاحتكار؛ هذه الشبكات تخلق دورة اقتصادية-عسكرية متكاملة تحمي مصالح النخب عبر السيطرة بالقوة، وتحوّل موارد البلد إلى مجال ربح خاص يخضع لحماية مسلّحة [7].

برهنت ثورة ديسمبر 2018 على قدرة الجماهير على تفكيك أجزاء من آلة القمع، لكنّها ظهرت في الوقت نفسه حدّية مرونة الجهاز البورجوازي واستيعابه: عبر أدوات "الشراكة" و"الانتقال" استطاعت النخب إعادة توزيع المواقع، حيث عملت "خلايا الدولة العميقة" عبر شبكات من كبار الموظفين الذين حافظوا على مناصبهم رغم تغير الحكومات، وعبر تحالفات مالية مع رجال الأعمال الذين مولوا كلا الأطراف، وعبر أجهزة أمنية ظلت موالية للنهج القديم تحت شعارات جديدة. وهذا النمط من المرونة البنيوية يشبه ما حدث في تجارب عربية أخرى، كالجزائر التي أعادت الدولة العميقة إنتاج نفسها بعد انتفاضة 2019، ومصر حيث حافظت الأجهزة الأمنية على نفوذها رغم تغير النظامين في 2011 و2013 [8]. هذه المرونة تكشف أن إسقاط رأس النظام ليس بذاته كافياً ما لم يتبع بتحطيم آليات إنتاج الهيمنة.

ولذلك فإن تفكيك الجهاز البورجوازي لا يعني مجرد تغيير قيادات أو إجراء إصلاحات إدارية، بل يتطلب مشروعًا ثوريًا قادرًا على بناء أدوات إنتاج وتنظيم مستقلّة، وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية تعبر عن مصالح الطبقات الكادحة؛ كما شدّد لينين، لا يكفي أن تستولي البروليتاريا على جهاز الدولة القائم وتستخدمه لمصلحتها، بل عليها تفكيكه واستبداله [9].

تجربة السودان تعيد التأكيد أن الثورة الحقيقية تستدعي إزالة الآليات التي تولد القمع والاحتكار وتديم هيمنة النخبة، وأن البديل لا يمكن أن يكون هجينًا بين أجهزة الدولة القديمة والوعود الانتقالية، بل بناءً من الأسفل لمؤسسات جديدة، اقتصادية وسياسية وقضائية، تُجسّد مصلحة الجماهير وتكفل توزيعًا عادلاً للثروة والسلطة؛ هذا المسار يتطلب تنظيمًا طبقيًا، استراتيجية تربوية ونفسًا طويلًا من النضال [10].

"الثورة الحقيقية هي التي تحطم آليات الهيمنة الطبقية، ولا تكتفي بتغيير الأسماء في السلطة."
روزا لوكسمبورغ,

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Lenin, V. I. (1917). The State and Revolution.
[2] Mamdani, M. (1996). Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. Princeton University Press.
[3] Marx, K., & Engels, F. (1848). Manifesto of the Communist Party.
[4] Poulantzas, N. (1978). State, Power, Socialism. New Left Books.
[5] Harvey, D. (2003). The New Imperialism. Oxford University Press.
[6] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks (Q. Hoare & G. N. Smith, Eds.). International Publishers.
[7] Gallab, A. A. (2008). The First Islamist Republic: Development and Disintegration of Islamism in the Sudan. Ashgate.
[8] de Waal, A. (2015). The Real Politics of the Horn of Africa. Polity Press.
[9] Luxemburg, R. (1913). The Accumulation of Capital.
[10] Fanon, F. (1961). The Wretched of the Earth.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية


المزيد.....




- م.م.ن.ص// تقرير حول الوضع الصحي بإقليم تاونات: واقع مزري يع ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- جيل- زد والمقاومة بالحيلة
- الفاشية الجديدة والإمبريالية والحرب والثورة في الشرق الأوسط ...
- جريدة المناضل-ة الشهرية تعود للصدور
- كاتبة بريطانية: شباب الغرب أصبحوا يفضلون اليمين المتطرف على ...
- الصين والإبادة الجماعية في غزة: نأي إستراتيجي
- لقاء تشي غيفارا مع ارنست ماندل
- انبعاث اليسار الجذري والسياسة العمالية


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي