أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممارسة















المزيد.....

14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممارسة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 22:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا يمكن لأي مشروع ثوري أن يحقق غايته ما لم يمتلك الشكل التنظيمي القادر على تحويل النظرية إلى ممارسة، والوعي إلى قوة مادية. فالأزمة التي تواجه اليسار السوداني اليوم ليست فقط أزمة نظرية، بل هي في جوهرها أزمة تنظيم؛ أزمة غياب الأداة التي توحّد الطاقات الطبقية المبعثرة، وتحوّل الوعي الشعبي إلى فعل تاريخي منظم. إن الثورة بلا تنظيم تتحول إلى طاقة مشتتة، والتنظيم بلا وعي طبقي يصبح بيروقراطية مغلقة، كما أن الصراع الطبقي لا يمكن أن يُدار بعفوية أو نوايا حسنة، بل بوعي منظم ينطلق من شروط الواقع المادي.

لقد أكد لينين في أطروحاته حول التنظيم الثوري أن الحزب هو "الوعي المنظم للطبقة العاملة"، وأنه يمثل الانتقال من الوعي النقابي المحدود إلى الوعي السياسي الشامل [1]. فالتنظيم في الماركسية ليس مجرد شكل إداري، بل هو أداة للصراع الطبقي. أما غرامشي، فقد رأى في الحزب "المثقف الجمعي" الذي يربط بين الفكر والممارسة، ويحوّل النظرية إلى إرادة جمعية [2]. بهذا المعنى، لا يكون الحزب مجرد جهاز، بل تجسيداً للعقل الجمعي للطبقة العاملة في حركتها التاريخية.

لكن في السودان، تحوّل التنظيم اليساري التاريخي إلى مؤسسة إصلاحية فقدت روحها الثورية. فالحزب الشيوعي السوداني، الذي لعب دوراً محورياً في تشكيل الوعي الطبقي، انغلق داخل أطر بيروقراطية ونخبوية عطلت تفاعله مع القواعد الشعبية. انفصلت القيادة عن القاعدة، وتحوّل الخط السياسي من إستراتيجية ثورية إلى تكتيك انتخابي. وهكذا، انفصلت الممارسة عن النظرية، وتحولت الماركسية إلى منظومة شعارات بدلاً من أن تكون منهجاً للتحليل والفعل. وفي المقابل، ظهرت أشكال جديدة من اليسار بعد الثورة - لجان المقاومة، المجموعات الشبابية، والمنصات الإلكترونية - لكنها رغم طاقتها الثورية العالية ظلت أسيرة اللااستقرار التنظيمي، ففقدت القدرة على التحول إلى قوة تاريخية متماسكة.

إن بناء الحزب الجديد لا يمكن أن يكون بقرار فوقي أو ببيان تأسيسي، بل هو عملية تاريخية ناتجة عن تبلور الوعي الطبقي والتنظيم الذاتي للعمال والفلاحين والفقراء الحضريين. فالتنظيم الثوري ليس قالباً جاهزاً، بل نسيجاً حياً يتشكل من داخل الصراع. إن جوهر الماركسية في السودان اليوم هو الانتقال من منطق "المجموعة المؤدلجة" إلى "التنظيم الجماهيري الثوري"، أي من النخبة إلى الطبقة.

يتطلب هذا التحول الالتزام بثلاثة مبادئ أساسية:

أولاً، المركزية الديمقراطية بمعناها الجدلي لا البيروقراطي، بحيث تكون الديمقراطية شاملة في النقاش ومركزية صارمة في التنفيذ. فالتنوع داخل الحزب لا يناقض وحدته بل يغذيها، بينما البيروقراطية تقيدها.

ثانياً، التحليل الطبقي الدقيق كأساس غير قابل للتفاوض للبرنامج السياسي، إذ لا يمكن لأي حزب ثوري أن يمتلك وضوحاً إستراتيجياً ما لم يفهم البنية الطبقية للمجتمع الذي يسعى لتغييره، وكيف تتشابك علاقات الإنتاج.

ثالثاً، الارتباط العضوي بالواقع المحلي، لا بالخطابات المستوردة، وذلك عبر العمل وسط النقابات، ولجان المقاومة، وتنظيمات النساء والطلاب، لتصبح البنية التنظيمية امتداداً طبيعياً للنضال اليومي للجماهير.

إن العلاقة بين التنظيم والممارسة الثورية علاقة جدلية: التنظيم يخلق الممارسة، والممارسة تصحّح التنظيم. وكل انغلاق تنظيمي يقود إلى الجمود، وكل فوضوية ميدانية تقتل الفعل التاريخي. لقد بينت التجارب الثورية العالمية هذه الحقيقة بوضوح. فالبلاشفة في روسيا بنوا الوعي الطبقي من القاعدة، قبل أن يمتلكوا السلطة السياسية [3]. وفي كوبا، لم يكن التنظيم مفروضاً من فوق، بل تبلور في قلب الكفاح المسلح، حيث امتزجت القيادة بالحركة الجماهيرية [4]. أما في فيتنام، فقد نجح التنظيم الثوري في بناء شبكة جماهيرية طويلة النفس استطاعت أن تربط بين التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي [5].

من هذه الدروس، يمكن تصور ملامح الحزب الجديد في السودان: حزب طبقي جذره في العمال والفلاحين، لا في النخب المثقفة. حزب يدمج النظرية بالواقع، ويعيد للماركسية وظيفتها الجدلية كتحليل ونضال في آن. حزب يرفض كل أشكال الانقسام الطائفي أو العرقي، ويستبدلها بالأممية الطبقية كأساس للوحدة الوطنية. حزب يفتح أبوابه للمثقفين الثوريين لا كقادة فوقيين، بل كعضويين مندمجين في الصراع اليومي. حزب يعتمد على التثقيف الجدلي لا الوعظ الأيديولوجي، وعلى النقاش النقدي لا الانضباط الأعمى.

في النهاية، ليس الحزب الثوري وسيلة للوصول إلى السلطة، بل أداة لتحرير المجتمع من علاقات الهيمنة. فالثورة لا تكتمل دون بنية تنظيمية تستوعب التناقضات وتوجهها نحو الصراع الطبقي لا نحو التفكك الهوياتي. إن التنظيم الثوري هو الشكل المادي للوعي الطبقي، وهو الشرط التاريخي لتحويل التناقضات الاجتماعية إلى مشروع تحرري شامل.

"لا ثورة بدون حزب ثوري، ولا حزب ثوري بدون ممارسة جماهيرية تنتجه وتعيد إنتاجه."
فلاديمير إيليتش لينين.

بذا تنتهي هذه السلسلة التي سعت إلى تفكيك التبعية بمختلف أشكالها — الاقتصادية والسياسية والثقافية — لتعيد الاعتبار للماركسية كأداة تحليل ونضال في آن. من تحليل التشكيلة الاجتماعية إلى نقد البنية الفوقية، ومن تفكيك جهاز الدولة إلى البحث في بدائلها الثورية، كانت الغاية هي بلورة وعي جديد يعبّر عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية في لحظة تاريخية تتسم بالخراب والاحتمال معاً. إن خلاص السودان لا يمكن أن يأتي من الخارج أو من النخب المعزولة، بل من الداخل الطبقي نفسه، من تراكم التجارب اليومية للنضال ضد الجوع والاستغلال والحرب. بهذا المعنى، وكما نقول دوما، لا تنتهي هذه السلسلة، بل تبدأ من حيث تبدأ الممارسة الثورية ذاتها: في الشارع، في المصنع، في المزرعة، في المدرسة، في كل مكان يتجلى فيه الصراع بين العمل ورأس المال، بين الإنسان ومنظومة القهر. فالوعي لا يُختَتم، بل يتجدد في الفعل.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Lenin, V. I. (1902). What Is to Be Done?
[2] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks
[3] Lenin, V. I. (1917). The State and Revolution
[4] Guevara, E. (1963). Guerrilla Warfare
[5] Giap, V. N. (1961). People s War, People s Army



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي


المزيد.....




- الجامعه الوطنية للقطاع الفلاحي (بالجهات الجنوبية الثلاث) تطا ...
- المستشار الألماني يعلن حربا سياسية على اليمين المتطرف
- ميرتس يحدد معالم معركته الانتخابية: حزب -البديل- الخصم الرئي ...
- ترامب يرد على احتجاجات -لا ملوك- بفيديو -القاذورات- ويسخر من ...
- الحزب الشيوعي السوداني: بيان جماهيري بمناسبة ذكرى ثورة اكتوب ...
- المستشار الألماني يعلن الحرب على اليمين المتطرف
- الرئيس الصيني يلقي خطابا في اجتماع -مهم- ومغلق لقيادة الحزب ...
- الدولة والنضال
- بوليفيا تنتخب رودريغو باز رئيسا وتنهي حكم اليسار الاشتراكي
- بوليفيا: السيناتور الوسطي رودريغو باز يفوز بالانتخابات الرئا ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممارسة