13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظري

عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)

الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 21:28
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

قراءة في شروط إعادة إنتاج النظرية الثورية في سياق تابع

لا يمكن للماركسية أن تظل أداة تحليلية فاعلة في السودان دون تجاوز النماذج الجاهزة وتطوير مقاربة تنبع من الواقع الاجتماعي المادي للبلاد. فالماركسية ليست «عقيدة جامدة»، بل «فلسفة للممارسة» تتجدد عبر تفاعلها مع الواقع الحي [1]. في السودان، حيث تتجاور علاقات الإنتاج الرأسمالية مع بقايا النظم ما قبل الرأسمالية، وحيث تتشابك التناقضات الطبقية مع الصراعات الهوياتية، تبرز الحاجة إلى ماركسية قادرة على فهم هذه التعقيدات.

تكمن الأزمة الأساسية للماركسية التقليدية في السودان في انفصالها عن الطبقة العاملة وتحولها إلى خطاب نخبوي. فالنظرية الثورية تفقد جدواها عندما تنفصل عن الممارسة الطبقية [2]، إذ تتحول حينها إلى معرفة عقيمة لا تُحدث أثراً في البنية الاجتماعية. هذا الانفصال أدى إلى عجز عن فهم تحولات الرأسمالية الطفيلية وتحالفاتها الطبقية، وإلى عدم القدرة على تطوير إستراتيجية ثورية تلائم الخصوصية السودانية.

تقدم التجارب الثورية العالمية دروساً بالغة الأهمية. فتجربة الثورة الصينية أظهرت إمكانية الربط بين النضال من أجل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي في مجتمع زراعي متخلف [3]، فيما بيّنت تجربة غينيا بيساو كيف يمكن توظيف الثقافة كأداة للتحرر [4]. أما تجربة أمريكا اللاتينية فقد أبرزت ضرورة التكيّف مع الظروف المحلية في بناء الإستراتيجية الثورية [5]. هذه التجارب، في مجموعها، تبيّن أن إعادة إنتاج الماركسية في السودان لا تمر باستنساخ التجارب، بل باستخلاص منطقها الجدلي وربطه بشروط الواقع المحلي. وهكذا يتضح أن الثورة في السودان لا يمكن أن تتقدّم دون استيعاب الطابع المركّب للتبعية الاقتصادية والثقافية في آن.

يقوم التأسيس النظري للماركسية السودانية الجديدة على الالتزام بالمنهج الجدلي الذي يحلل الواقع السوداني في حركته وتناقضاته، دون الوقوع في فخ النماذج الجاهزة. فالسودان ليس روسيا القرن التاسع عشر، بل تشكيلة اجتماعية فريدة تتقاطع فيها الرأسمالية الطفيلية مع الاقتصاد الريعي والاستعمار الداخلي.

تتجه هذه الماركسية نحو إعادة المركزية الطبقية، عبر ربط النظرية بالممارسة الطبقية للعمال والفلاحين والفقراء الحضريين، لأن تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة نفسها [6].

ومن دون فهم التداخل بين الصراع الطبقي والصراع الثقافي، ستظل الهيمنة الطبقية في السودان تتجدد عبر إعادة إنتاج التمثيلات الثقافية والهوياتية التي تخدم مصالح البرجوازية الكمبرادورية. كما أن تطوير نظرية للدولة يتطلب تحليل طبيعتها الكمبرادورية وتحالفاتها الإقليمية والدولية التي تعمل على إدامة التبعية البنيوية.

إن بناء تنظيم ثوري قادر على توحيد النضالات المبعثرة وتطوير قيادة جماعية من داخل الصراع الطبقي يمثل مهمة تاريخية. هذا التنظيم لا يمكن أن يُبنى على البيروقراطية أو الإصلاحية، بل على وعي نقدي جدلي يربط النظرية بالفعل الثوري.

على هذه الأسس يتأسس أفق ماركسي سوداني جديد، قادر على استعادة دوره التاريخي كأداة للتحليل والنضال معًا، وبهذه الأسس، يتحول المشروع النظري إلى فعل تاريخي، ويستعيد الفكر الثوري جذوته الأصلية. إنها دعوة لإعادة ربط النظرية بالواقع، والتحليل بالممارسة، والفكر بالحركة الجماهيرية. فقط عبر هذه القطيعة مع الجمود يمكن للماركسية أن تستعيد دورها كأداة للتحرر في السودان. بلورة هذا الأفق ليست مهمة نظرية فحسب، بل مشروعًا لإعادة بناء اليسار السوداني على أسس طبقية جديدة.

"الفكر الثوري لا يكتمل إلا حين يتحول إلى قوة مادية، والوعي الجماعي يصبح تاريخًا حيًّا من خلال الصراع الملموس."
فريدريك إنجلز.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. International Publishers.
[2] Lenin, V. I. (1902). What Is to Be Done?.
[3] Mao, Z. (1937). On Practice.
[4] Cabral, A. (1973). Return to the Source.
[5] Guevara, E. (1965). Socialism and Man in Cuba.
[6] Marx, K. (1864). Inaugural Address of the International Working Men s Association.

#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل