أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان














المزيد.....

10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 18:18
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يتموضع الإعلام في السودان داخل البنية الفوقية للنظام الرأسمالي التابع كأداة طبقية لإعادة إنتاج علاقات الهيمنة [1]. فالطبقة المسيطرة، منذ تشكل الدولة الحديثة، أدركت أن السيطرة على الوعي الجمعي تمثل ضرورة تاريخية لضمان استمرار هيمنتها المادية. إن وظيفة الإعلام هنا تتجاوز نقل الوقائع إلى صياغة الوعي ذاته، فيتحول من ناقل للأخبار إلى جهاز أيديولوجي يعيد إنتاج التبعية عبر التمثيلات الرمزية والخطاب المهيمن.

تشكل الإعلام السوداني في رحم البنية الكولونيالية، حيث صاغ المستعمر خطابه على أسس عنصرية وثقافية لتبرير مشروعه الاستعماري [2]. ومع الاستقلال الشكلي، لم تقم البرجوازية الوطنية بتفكيك هذه البنية بل أعادت توظيفها لخدمة مصالحها الطبقية الضيقة، فتحول الإعلام إلى حلقة وصل بين رأس المال السياسي والرمزي في عملية متكاملة للهيمنة. وفي مرحلة النيوليبرالية، تداخلت مصالح الرأسمالية الطفيلية مع الأجهزة العسكرية والأمنية في بناء منظومة إعلامية جديدة، تظهر بمظهر السوق الحر بينما تخفي في جوهرها إخضاع الوعي الشعبي لمتطلبات إعادة إنتاج النظام الطبقي [3].

لا يقتصر إنتاج الوعي الزائف على التضليل المباشر، بل يمتد إلى إعادة تعريف المفاهيم الأساسية ذاتها [4]. فالثورة تتحول إلى فوضى، والمطالب الطبقية إلى نزاعات فئوية، والاستقرار يقدم كقيمة مطلقة تعلو على الحقوق الأساسية. هذا التلاعب الدلالي يشكل آلية مركزية من آلات السيطرة الأيديولوجية، حيث يفقد الناس خلالها القدرة على إدراك موقعهم الحقيقي في علاقات الإنتاج، فيتحول الصراع الطبقي إلى مجرد خلافات ثقافية أو هوياتية.

مع صعود الإعلام الرقمي، بدا للكثيرين أن الفضاء الافتراضي سيفتح آفاقاً للتحرر من احتكار السلطة للمعلومة. غير أن البنية الاقتصادية التقنية لهذا الإعلام، القائمة على الخوارزميات التجارية والتمويل الموجه، أعادت إنتاج آليات السيطرة بأشكال أكثر تعقيداً وخفاء [5]. فالمحتوى الثوري يخضع للحجب عبر آليات السوق، بينما تروج الخطابات الإصلاحية التي تفرغ الصراع من مضمونه الجذري. وهكذا تندمج الثورة المضادة في البنية التقنية ذاتها التي بدت للبعض وكأنها حليف للتحرر.

تشكل معركة الوعي الجبهة الأكثر تعقيداً في الصراع الطبقي، حيث يبدأ تحرير الإنسان من تحرير وعيه من الأوهام التي تنتجها أجهزة النظام الأيديولوجية [6]. إن بناء إعلام ثوري لا يعني مجرد إنتاج محتوى بديل، بل يتطلب تفكيك العلاقة البنيوية بين الإعلام ورأس المال، وبناء مؤسسات إعلامية جماعية تعبر عن مصالح الطبقات الكادحة بحق. فالمعركة ضد الوعي الزائف تمثل في جوهرها معركة ضد الشكل الرمزي للهيمنة الطبقية، وهي معركة لا يمكن الفوز فيها إلا حين تلتقي الكلمة مع الممارسة في فضاء التحرر الحقيقي.

"إن السيطرة على العقول هي الشكل الأرقى للهيمنة الطبقية."

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Althusser, L. (1971). Ideology and Ideological State Apparatuses. Verso.
[2] Mamdani, M. (1996). Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. Princeton University Press.
[3] Harvey, D. (2005). A Brief History of Neoliberalism. Oxford University Press.
[4] Chomsky, N. & Herman, E. (1988). Manufacturing Consent: The Political Economy of the Mass Media. Pantheon Books.
[5] Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism. PublicAffairs.
[6] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. International Publishers.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية
- 4. التشكيلة الاجتماعية السودانية: تحليل طبقي للبنية المعقدة
- 3. الماركسية واللاعنف: قراءة في صراع النظرية والتاريخ
- 2. السودان والمأزق النظري: تشريح إخفاق الثورة السلمية
- الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. المار ...
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...


المزيد.....




- رسالة لوزارة الفلاحة بشأن إنهاء الإلحاق الموظفين بالوكالة
- العدد 623 من جريدة النهج الديمقراطي
- فرنسا.. حكومة لوكورنو تنجو من تصويتين لحجب الثقة بفضل دعم ال ...
-  الولايات المتحدة والنظام الإمبريالي العالمي الجديد
- هل نقلت حماس أسرى الاحتلال بين المتظاهرين ضدها في غزة خلال ا ...
- هل نقلت حماس أسرى الاحتلال بين المتظاهرين ضدها في غزة خلال ا ...
- تونس: -نريد أن نتنفس-... آلاف المتظاهرين في قابس للمطالبة بت ...
- قانون المنع العملي للإضراب: خسارة بلا معركة
- هل يعيد جيل Z تعريف معنى الثورات؟
- طلاب الجامعة الأمريكية ينتفضون ضد التطبيع


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان