أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية















المزيد.....

4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


​يتكثف التناقض البنيوي حين يتحول الزمن السياسي في نظام الحكم المحلي إلى أداة تُعيد إنتاج الهيمنة لا إلى مساحة تُفتح فيها إمكانيات التحول، لأن دورة الانتخابات القصيرة تفرض منطقًا يقيس الفعل التقدمي بمعيار سرعة الإنجاز بدل عمق التغيير كما أشار ماركس إلى دور البنية المادية في تحديد حدود الفعل الممكن داخل السياق البرجوازي (ماركس، الثامن عشر من برومير). يتحرك هذا الزمن كقيد طبقي يلتهم الوعود منذ لحظة إعلانها، إذ يُخضع كل مبادرة لإيقاع دولة لا تُدار بمنطق الحاجات الاجتماعية بل بمنطق إعادة إنتاج ذاتها، فيُحاصر العمدة التقدمي بين ضغط المطالب الشعبية المتصاعدة بوصفها نتاجًا مباشرًا لأزمة البنية، وبين آليات مؤسسية بطيئة تُعيد صياغة كل خطوة إصلاحية بما يخدم استقرار النظام لا تحولات الجماهير، فتتولد فجوة بين الطموح والقدرة المؤسسية تُعيد إنتاج الأزمة نفسها.

​يتعمق هذا التناقض حين تفرض دورة الأربع سنوات منطقًا يحوّل البرنامج الانتخابي إلى سلسلة خطوات مستعجلة تُختزل فيها السياسة إلى إثبات الفاعلية بدل صياغة مشروع تاريخي، فتتحول السنتان الأوليان إلى مرحلة تُستنزف فيها الثقة الشعبية تحت ضغط إدارة اليومي، بينما تنزلق السنتان الأخيرتان إلى حملة انتخابية مستترة تعيد ترتيب الأولويات وفق متطلبات البقاء في المنصب لا وفق متطلبات التحول كما أوضحت لوكسمبورغ في نقدها لحدود الإصلاح داخل الإطار البرجوازي الذي يضغط الزمن القصير ليمنع أي تحول جذري (لوكسمبورغ، الإصلاح الاجتماعي أم الثورة). يضيق الفضاء الزمني هنا إلى حدّ يجعل إمكان التغيير مجرد نافذة خانقة تُطمر فيها الرؤية التاريخية تحت عبء المطلوب العاجل الذي تفرضه بنية الحكم نفسها، مما يضع المشروع التقدمي على محك جدلي مستمر بين اللحظة والأفق، ويفتح الباب أمام تصادم دائم بين زمن العجلة الزمنية وزمن العمق التاريخي.

​هذا الإيقاع الزمني يتعمق في إنتاج وعيٍ مزدوج يتآكل فيه الخطاب من داخله، إذ يدفع العمدة إلى تبنّي إصلاحات مرحلية تُفرّغ منطقه الأول من محتواه الجدلي، فينزلق المشروع التقدمي إلى حزمة إجراءات تقنية معزولة عن بنيتها التاريخية كما نبّه غرامشي إلى ذلك حين كشف كيف يفرض الزمن البيروقراطي منطقه على الفعل السياسي ليعيد تشكيله وفق مقاييس الإدارة لا وفق ضرورات الصراع (غرامشي، دفاتر السجن). وتشتغل الدولة في هذا الإطار كآلة لطمس المبادرة الشعبية عبر امتصاص الطاقة الثورية وتحويلها إلى مؤشرات كمية تُقاس وتُراقَب، فتُختزل الحركة إلى أداء إداري منزوع من دلالته البنيوية، ويُعاد دمجها داخل منطق الهيمنة الذي أرادت خلخلته من الأساس، فيصبح الفعل المتقدم مجرد نسخة مضغوطة من المشروع التقدمي الأصلي.

​يتفاقم هذا المسار حين تدفع الطبيعة اللامتكافئة للنظام الرأسمالي بالأزمات إلى التسارع بوتيرة أعلى من قدرة الجهاز الإداري على الامتصاص، فيتورّط العمدة في حركة مطاردة لا نهائية للانهيارات الخدمية بدل انتزاع شروط إنتاجها من الجذور. ويتحول الزمن السياسي في هذا السياق إلى قوة كابحة تُحوّل الصراع من ساحة تُنتج المستقبل إلى فضاء خانق لإطفاء حرائق تُولّدها نفس البنية التي يُفترض مواجهتها، فينحصر الفعل في إدارة الأعطال بدلاً من تفكيك منطق الاستغلال الذي يعيد إنتاجها بصورة دائمة، فيتجسد الصراع بين ما هو ممكن تاريخيًا وما هو مسموح به مؤسسيًا.

​يتخذ الزمن الإعلامي موقعًا مُضاعِفًا داخل هذا التوتر حين يفرض إيقاعًا خاطفًا يُفرغ الحدث من سياقه ويحوّله إلى مطالبة فورية بالرد، فيعيد بذلك إنتاج منطق الحركة المستمرة دون تراكم. ويتجسّد هذا الإيقاع كآلية تستنزف الفعل التاريخي تحت ضغط اللحظة كما نبّه ممداني في تحليله لهيمنة الحدث الآني على المجال السياسي (ممداني، تعريف المواطن). ويتحوّل الزمن الإعلامي في هذه العملية إلى قوة تُسطِّح الصراعات وتُعيد تعريف الفاعلية عبر معيار الإنجاز السريع، فتغدو السرعة بديلاً عن العمق، ويغدو الامتثال للإيقاع اللحظي بديلاً عن القدرة على إعادة تشكيل البنية، ويجعل اللحظة الآنية ساحة للضغط اللحظي لا للتحول البنيوي.

​بذلك يتكرس إنتاج النخب عبر آلية الزمن القصير، إذ يُجبر كل عمدة جديد على إعادة إنتاج سياسات سلفه تحت ذرائع الاستمرارية واستقرار الأسواق، فتتحول المؤسسات إلى حارس زمني يشل أي إصلاح يحتاج عقدًا أو أكثر ليؤتي ثماره. وتبرز هنا قدرة الرأسمالية على تحويل الزمن نفسه إلى أداة لإجهاض المستقبل، فتصادر السياسة من خلال حصرها داخل اللحظة الآنية، محوِّلة أي إمكانية للتخطيط طويل الأمد إلى مجرد إدارة فورية للأزمات والالتزامات المؤقتة، وهو ما يكرس منطق الزمن السياسي كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة ويعيد إنتاج الفعل السياسي تحت سطوة العجلة الزمنية.

​يتجلى جوهر الصراع حين يصطدم زمن الدولة القصير بزمن التغيير الطويل، لأن كسر هذا التناقض لا يقتصر على إدارة الانتخابات بل يستلزم إعادة ربط اللحظة الانتخابية بالمسار البنيوي للتغيير. يتحقق ذلك عبر بناء زمن سياسي موازٍ تُشكَّل فيه التحالفات الاجتماعية كرصيد مستدام، وتُبنى المؤسسات الشعبية كحاضنات للوعي التراكمي، وتُربط المعارك اليومية بالبنية الاجتماعية والاقتصادية التي تولدها لا بعوارضها العابرة، محوِّلة اللحظة الآنية إلى نقطة انطلاق لمسار تحولي طويل المدى، ليصبح الزمن الثوري المضاد فعلًا ملموسًا يواجه إيقاعات الدولة القصيرة ويخلق إمكانية تراكمية للتغيير.

​يتأسس الزمن الثوري المضاد حين تبني الحركات الاجتماعية إيقاعها الخاص الذي يتجاوز رزنامة الدولة ودورة الانتخابات، لأنها ترسخ صمودها التنظيمي عبر مؤسسات مستقلة تتطور بعيدًا عن تواريخ السلطة، فتراكم خبراتها وقدراتها كما أورد غرامشي في حديثه عن الحاضنة التنظيمية للكتلة التاريخية (غرامشي، دفاتر السجن). يتحرك هذا الزمن البديل كفضاء متكامل يمد المشروع التقدمي بالطاقة في مواجهة استنزاف الدولة، لأنه يربط المهام الآنية بالأفق التاريخي، ويحوّل اللحظة النضالية العابرة إلى جزء من مسار مستمر لا تقطعه دورة انتخابية قصيرة، مانحًا العمل الثوري القدرة على التراكم والتحول إلى قوة اجتماعية حقيقية، وموضحًا أن كسر منطق الزمن البرجوازي يحتاج إلى فعل جماعي منظم.

​ينفتح الأفق حين يتحول الزمن من عائق يقطع المسار إلى أداة تدفعه، لأن تجاوز حدود الديمقراطية الشكلية يستلزم الانتقال من منطق الأغلبية العددية الذي تحكمه الساعة البرجوازية، إلى منطق الأغلبية التاريخية التي تسيطر على الزمن وتعيد صياغته بما يتيح التراكم الثوري والتحول البنيوي المستدام، كما أشار لينين في تحليله لإيقاع الثورة وقدرة النضال على تنظيم الوقت بما يخدم الاستراتيجية الطبقية (لينين، ما العمل؟).

​“الثورة لا تخضع لساعات البرجوازية، بل تخلق زمنها الخاص.”

فلاديمير لينين.

​النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...
- 13. نحو ماركسية سودانية جديدة: الدروس العالمية والتأسيس النظ ...
- 12. البيئة والمناخ: الإمبريالية الخضراء والعدالة المناخية
- 11. الثقافة والأدب في السودان: جبهات الصراع الإيديولوجي
- 10. الإعلام والوعي الزائف: آليات الثورة المضادة في السودان
- 9. الهوية والدين: أسلحة الطبقة الحاكمة في السودان
- 8. التبعية والصراع الإمبريالي: الديناميكيات الإقليمية والدول ...
- 7. العنف المضاد للثورة: تشريح جهاز الدولة البورجوازي
- 6. اقتصاد الحرب في السودان: الرأسمالية الطفيلية والهيمنة الع ...
- 5. اليسار السوداني: الأزمة الاصلاحية وتحول البنية الطبقية


المزيد.....




- رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: موقف الإمارات من النزاع العسكر ...
- -المليارديرات يأكلون أولا-: لافتات عيد الشكر تبرز أثر تأخر ت ...
- مدرج على لائحة العقوبات الأميركية.. تاجر مخدرات في قبضة الجي ...
- ما تفاصيل خطة واشنطن الجديدة لإنهاء حرب أوكرانيا.. وكيف رد ا ...
- تريليون دولارـ حقيقة خطط الاستثمار السعودي في الولايات المتح ...
- مباحثات سورية لبنانية حول ملفات المفقودين والموقوفين والحدود ...
- ندوة شبابية بإثيوبيا تدعو لتحرير العقول وتعزيز الشراكة بين أ ...
- الوكالة الذرية تصدر قرارا بشأن نووي إيران وطهران ترد
- خبير عسكري للجزيرة نت: أوروبا لن تتجنب الحرب ما لم تعد بناء ...
- أوكرانيا تُعلن تسلمها مسودة خطة ترامب للسلام.. ومكتب زيلينسك ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية