أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين غسان الشمخي - الكاظمية: شعلة بغداد التي لا تنطفئ عبر القرون.














المزيد.....

الكاظمية: شعلة بغداد التي لا تنطفئ عبر القرون.


حسين غسان الشمخي

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 22:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أنقلُ وصفَ الصحفيّ والمؤرِّخ البريطانيّ جَستن ماروزي للكاظميّة أثناء زيارته لها بعد سقوط النظام البائد، والذي قدّم في الوقت نفسه تفاصيلَ تاريخيّةً عنها:
يمُرّ الطّريقُ إلى الكاظميةِ عبر الأرضِ التي شُيِّدَت عليها مدينةُ المنصور المدورة قديمًا، وكان المنصورُ بنفسه من حدَّد هذه البقعةَ (الكاظميةَ) التي تقع إلى الشمالِ من مدينتهِ المسورة لتكون فيها (مقابرَ قريشٍ)، وجعلها مقبرةً لأفراد الأسرة العباسيّة وأقربائهم من العلويّين. وكان أوّلُ من دُفِنَ بها هو ابنهُ الأكبرُ (جعفرُ) في عامِ 767م، إلا أن دفن الإمامِ (موسى الكاظمِ) فيها عام 799م، ومن ثمّ حفيده (محمدُ الجوادِ) في عام 834م، هو ما أعطاها تأثيرًا دائمًا. الكاظميةُ اليوم هي منطقةُ القِبابِ والمناراتِ المذهّبة (حيث تضم أكثر من 52 مسجدًا)، وهي منطقةٌ ذات أزقّةٍ ضيّقة، وأسواقٍ مسقوفة مثل (سوقِ المُسقَّفِ) و (سوقِ الأسترابادي) و (سوقِ الفضوةِ)، كما تضمّ في أزقّتها باعةَ الكتب ونُزُلَ الزائرين، وأسواقَ الذهب المزدحمة، إلى جانب (جامعِ عكد السادةِ) و (مكتبةِ الجوادَين) والمطاعم التي تُقدّم الوجباتَ المحليّة مثل عصيرَ (تمرِ الهندِ) ووجبةَ (الباقلاء بالدّهنِ). إنّها منطقةٌ تمثّل وجهةً للزُّوّار المتدَيّنين، والمُتسَوّقين الشرهين، والمثقّفين المطلّعين على حدّ سواء.

يقوم العرسانُ الشّباب هنا بتفقُّد واجهات متاجرِ الذهب كما لو كانوا جنرالات يتفقدون عرضًا عسكريًا، ويتوقّفون هنا وهناك لالتقاط قطعةٍ من المجوهرات والتكلّم مع صاحب المتجر. حيث يأتون إلى هنا لشراء خواتمَ الزّفاف وشبكةَ العروس التي تشكّل جزءًا من تجهيزها. وتشتهرُ الكاظميةُ بصياغةِ الذهب في أماكنَ (الشريفِ الرضي) و (بابِ القبلة) و (بابِ المراد) التي تُصاغ فيها المجوهراتَ وكلّ ما يتعلّق بها يدويًّا، إذ إنّ أولئك الصاغة يتمتّعون بمهاراتٍ عالية، ويمكن للعائلة نفسها أن تخرِج أجيالًا من الصاغة.

لقد بدا وكأنّ اتّساع الصحن — الذي تبلغ مساحتُه حوالي 135 × 200 مترًا — مصمّمًا خصيصًا لإجبار الزائر على الشعور بالخشوعِ الدينيّ، إذ سوف تأخذك قدماك إلى الدخول هناك من دون تفكير. لقد بُني الصحن أول مرة في عهد هارونِ الرشيد، ثم جُرِيَ توسيعه حوالي عام 947م من قِبَل الحاكم البويهي معز الدّولة، إذ كانت له قبتان خشبيّتان وسور يحيط بها. أمّا شكله الحالي فيعود إلى القرن السّادس عشر الميلادي حينما استولى الشّاه الفارسي إسماعيلُ الأوّل على بغداد في عام 1508م وشرَع في عملية تجديد شاملة. وقد رُوِّم بالكامل بعد عقود من الإهمال في ظلّ نظام صدام حسين، وهو اليوم أحد أروع المعالم التاريخيّة والدينيّة في المدينة. إذ يمكن رؤية القبتَين المزدوجَتين المكسوَّتَين بالذهب تلمعان مثل الشُّعلات المنيرة تحت ضوء الشّمس من مسافةٍ بعيدة، ويحيط بهما طوقٌ من أربع مناراتٍ نحيلة ذات رؤوس مذهّبة. إنّ من الصّعب تخيّل الوقع الذي يتركه ذلك المكان على نفوس الزّائرين المتعبين بعد نهاية رحلتهم الشاقة إلى بغداد، إذ كانوا يأتون منهكين من محافظات مختلفة، قاطعين مسافاتٍ طويلة ثم يرون فجأة هذا اللونَ المذهل الذي يختلف عن كافة المباني المشيدة بالطابوق من حوله، حيث تعلو هذه القِبابُ الجليلة بساتين النّخيل بالقرب من النهر. وعند حلول الليل يُضاء الصحنُ بحبال ممتدّة عبر المنارات الأربع تربطها ببعضها بعضًا، وفيها مصابيحُ النيون الأخضر وبجانبها المصابيح البيضاء المتوهّجة، ممّا يجعل ضريحَ الكاظمين رؤيةً آسِرة تجمع بين الحداثة والقِدَم، أمّا الذهبُ المصقول فوق القِباب المزدوجة وفوق رؤوس المنارات فيجعلها تتوهَّج كالنار في الأفق، تعلو الأضواءَ الساطعة لمتاجرِ الذهب.

إنّ العتبةَ الكاظميةَ في صورة مجدِها الحاضر تُعدّ أيضًا رمزًا مظهِرًا للتحدّي. فعلى الرغم من جميع الهجَمات التي عانت منها، إلاّ أنها واحدة من أعظم رموز بغداد الناجية، إذ تحمّلت تقلبات التاريخ التي عصفت بالمدينة من حرائق وفيضانات وسلب ونهب. وتعود قائمة الخسائر التي تكبّدتها إلى قرون بعيدة، فبعد نكبة عام 1051م أكلَت النّيرانُ قبتَها الرئيسة في عام 1225م، ثم أُعيد بناؤُها. وفي عام 1258م صبّ هولاكو جام غضب قواته المغولية على الحرم ونهَبه وأضرم النار فيه. وبعد أن أعيد بناؤُه مجدّدًا، كان هناك خراب آخر بحلول عام 1300م حيث راح ضحيّة فيضانات نهر دجلة الجامِحة. ثم بعد سبعة قرون من ذلك، استُهدِف الحرم إلى جانب كثير من الأماكن الشيعية المقدّسة في العراق عبر عدد من الهجَمات المرتبِطة بتنظيم القاعدة العالمي وأنصاره. وقد جاءت أسوأ الخسائر في الأرواح عبر السنوات الأخيرة في 31 أغسطس/آب من عام 2005 عندما استُشهد زهاء 1,000 زائر شيعي كانوا يحيون ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم في موجة تدافع على جسر الأئِمّة بسبب الشائعات التي انتشرت عن هجوم إرهابي وشيك.

(*) قامت مجموعة من المهتاجين بنهب الضريح واستولوا على زينته الفضّية والذهبيّة، ومزّقوا ستائِرَه الديباجيّة، وخلَعوا الكثير من الجواهر، وأضرموا النار في المكان، وفقًا للمؤرّخ العربي ابن الأثير (1160–1233م) فالتهمَت النيرانُ القِبابَ الصاجية المهيبة التي تعلو ضريح الإمامين المقدّسين.



#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «نفرتاري… التي تشرق لها الشمس»
- خيانة أم حذر وشك ؟ لماذا أباد هارون الرشيد البرامكة؟
- ممداني عمدةً لنيويورك: حين يهتزّ نفوذُ اللوبي الصهيوني في عا ...
- رواية «حب الضياع»
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق في عهد النظام البائد
- صباح السابع من أكتوبر
- اليوم الوطني العراقي
- شعب الله المختار
- سقراط والموت
- البابليون : أوّلُ من رصد خسوف القمر
- محاورة كريتو لأفلاطون
- أسطورة الخليقة السومرية
- بين الطوفان البابلي والطوفان التوراتي
- تموز وعشتار
- العالم الآخر في الحضارة السومرية
- قضية الدكتورة بان والعقل الجمعي.
- أصل التطبير
- المجالس في بلاد الرافدين القديمة
- زياد الرحباني… عاصفة الفن التي لن تتكرر.


المزيد.....




- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟
- أوكرانيا: روسيا تؤكد سيطرتها على كوبيانسك وزيلينسكي يتسلم خط ...
- في سابقة من نوعها: روسيا تسلم الجزائر أول مقاتلتيْن شبح من ط ...
- هل يملك زيلينسكي جواز سفر روسيا؟
- فرنسا - الجزائر: وفد دبلوماسي فرنسي يصل إلى الجزائر في زيارة ...
- عقبات أمام تنفيذ الخطة الأميركية التي أقرها مجلس الأمن بشأن ...


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين غسان الشمخي - الكاظمية: شعلة بغداد التي لا تنطفئ عبر القرون.