أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين غسان الشمخي - خيانة أم حذر وشك ؟ لماذا أباد هارون الرشيد البرامكة؟














المزيد.....

خيانة أم حذر وشك ؟ لماذا أباد هارون الرشيد البرامكة؟


حسين غسان الشمخي

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في صباح يوم بارد وصافٍ من شهر يناير لعام 803م، استيقظت بغداد على أحد أكثر الأخبار إثارة للذهول. في بيوت السادة والعوام، كان رجال الحاشية بالكاد يُصدّقون ما تسمعه آذانهم، وفي الأسواق، ألقى الحمالون والتجار المذهولون على مسامع بعضهم البعض القصة التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر مدينة السلام. ما كان ذلك ليحدث أبداً لـ هارون الرشيد، الذي عاد مؤخراً من حجّته الأخيرة إلى مكة، حين أعدم صديقه العزيز ووزيره جعفر البرمكي! ووضع كلّ من والده المسن يحيى بن خالد البرمكي وشقيقه الفضل بن يحيى البرمكي رهن الإقامة الجبرية. في تلك الليلة، انقلب رأسُ بغداد على عقبها.

لقد جاءت نهاية ذروة مجد البرامكة سريعةً ووحشية. ويروي المؤرّخ الطبري قصةَ إرسال هارون جلّاده “مسرور” إلى قصر جعفر البرمكي حين أمره أن يأتيه برأسه، فعاد الجلّاد المذهول، الذي كان صديقاً ورفيقاً للوزير، خالياً الوفاض إلى الخليفة. بعد أن ناشده جعفر مذعوراً بأن يعود ويتأكد أن الخليفة لم يكن في سكر وأن الأمر بالغ الخطورة، فقال له الخليفة: «يا ماصّ بظر أمه، ائتني برأس جعفر!» وعاد الجلّاد ثلاث مرّات حتى ضاق الأمر بهارون، وضرب خادمه البائس بعمود على رأسه، وصرخ به: «إن جئتني ولم تأتني برأسه، لأرسلن إليك من يأتيه أولاً برأسك ثمّ برأسه». فلم يكن لمسرور سوى تنفيذ هذا الأمر المهول.

بين ليلةٍ وضحاها، انتقل جعفر البرمكي من كونه ثاني أقوى رجل في الإمبراطورية العباسية إلى جسدٍ مقطّع لثلاث أوصال عُلّق كلّ منها على أحد جسور بغداد فوق نهر دجلة. يقول الصحفي والكاتب الإنجليزي جاستن ماروزي في كتابه «بغداد: مدينة السلام، مدينة الدماء»: إن السبب الذي جعل أهل بغداد بالكاد يُصدّقون الأخبار — والذين سرعان ما تبدّدت شكوكهم حين تدلَّى رأس جعفر على الجسر — هو أن جعفر ويحيى كانا سنداً لهارون، وكان يحيى قد دافع عن قضية هارون الشاب حين نوقشت ولايته، كما كان بمثابة أبٍ للخليفة الشاب؛ أما جعفر فقد كان أقرب أصدقاء هارون ومستشاره المخضرم ونديمه في حفلاته الأسطورية الفاخرة في القصور الخاصة بهم. وبعد أكثر من 1200 عام لا زلنا لا نعرف لماذا اتخذ هارون هذا القرار.

يروي الطبري أن هارون كان قد حثّ جعفر على الزواج من أخته (العبّاسة) ليحِلَّ له النظر إليها إذا أحضرتها مجلسه، وعهده بأن لا يمسّها، ولا يكون منه شيء مما يكون للرجل إلى زوجته. ووفقاً لهذه القصة، لم يكن جعفر قادراً بأي شكل من الأشكال على إتمام الزواج، لكن قوانين الانجذاب الجسدي التي هيّجتها عذوبة النبيذ أخذت مسارها المحتوم. إذ إن الطبري يخبرنا في رواية قدَّرها كثيرون غير قابلة للتصديق تماماً: «فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب، ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما، فيثملان من الشراب، وهما شابان، فيقوم إليها جعفر فيجامعها». وينقل لنا المسعودي روايةً مماثلة ويضيف منعطفاً إضافياً تمثَّل في أن والدة جعفر هي التي خدعت ابنها المخمور عندما عاد ذات ليلة من عند هارون وقد أثقل في الشرب، فدفعته إلى مجامعة محبوبته العبّاسة، وقالت له: إنها إحدى الجواري الشبّاقات المثقفات. وبمجرد انتهائه من مجامعتها كشفت العبّاسة له عن هويتها فجزم: «لقد بعتني بثمن رخيص، وحمّلتني على المركب الوعر، فانظري ما يؤول إليه حالي». وينقل المسعودي أن العبّاسة حملت منه تلك الليلة، وولدت غلاماً وأرسلته إلى مكة، لكن السر افتضح بسبب تصاعد التوترات بين زوجة هارون الكبرى الزبيدة وبين يحيى البرمكي، فأقسم هارون على الانتقام.

يقول جاستن ماروزي : وكما أن هذه القصص غنية ومقنعة بلا شك، فمن المرجّح جداً — بالنظر إلى ما نعرفه عن بلاط هارون — أن الخليفة قد أصبح خلال سنوات حكمه أكثر استياءً من قوة البرامكة الجبّارة وغير المسبوقة ومن ثرواتهم المذهلة، التي يشيع أن تجاري ثروته أو تفوقها. وفي عالم البلاط السياسي المليء بالمكائد، كان للبرامكة ما يكفي من الأعداء الذين يوسوسون إلى أذن الخليفة الغيور.

بعد إعدام جعفر بلا شفقة، ظلت بقاياه المتعفّنة معلّقة أمام أنظار أهالي بغداد لمدة عامين، حتى أمر هارون بإنزالها وحرقها في عام 805م. أما يحيى فقد مات في سجنه عام 805م وهو رجل مكسور يبلغ من العمر نحو سبعين عاماً، وتبعه ابنه الفضل بعد ثلاث سنوات، والذي كان أخاً لهارون بالرضاعة وقد عذّبه الخليفة في سجنه. من الواضح أن نظرة الطبري كانت قاتمة تجاه سحق هارون للبرامكة، إذ يقول: «أثار سلوك هارون هذا نفوراً عاماً، وستبقى ذكراه خالدة حتى يوم القيامة، حيث لن يفلت من كشف حقيقة أن العقاب الذي أنزله بالبرامكة لم يكن عملاً من أعمال الحكمة السياسية»



#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ممداني عمدةً لنيويورك: حين يهتزّ نفوذُ اللوبي الصهيوني في عا ...
- رواية «حب الضياع»
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق في عهد النظام البائد
- صباح السابع من أكتوبر
- اليوم الوطني العراقي
- شعب الله المختار
- سقراط والموت
- البابليون : أوّلُ من رصد خسوف القمر
- محاورة كريتو لأفلاطون
- أسطورة الخليقة السومرية
- بين الطوفان البابلي والطوفان التوراتي
- تموز وعشتار
- العالم الآخر في الحضارة السومرية
- قضية الدكتورة بان والعقل الجمعي.
- أصل التطبير
- المجالس في بلاد الرافدين القديمة
- زياد الرحباني… عاصفة الفن التي لن تتكرر.
- حربُ الاثنَي عشرَ يومًا: رؤيةٌ موضوعية مجرّدة من العاطفة.


المزيد.....




- -اجتماع مفاجئ- في BBC بعد تهديد ترامب لها بـ-تعويض المليار د ...
- ائتلاف -الإعمار والتنمية- يتصدر النتائج الأولية لانتخابات ال ...
- عقب العفو عنه بطلب من شتاينماير.. صنصال يصل إلى برلين لتقلي ...
- وصول الكاتب بوعلام صنصال إلى برلين قادما من الجزائر بعد العف ...
- تونس: عائلة الناشط جوهر بن مبارك تؤكد تعرضه للضرب داخل السجن ...
- العراق: رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يعلن فوز ائتلافه بال ...
- استخبارات أميركية تكشف نقاشات إسرائيلية عن استخدام فلسطينيين ...
- الجزائر تعفو عن الكاتب صنصال وتوافق على نقله إلى ألمانيا لـ- ...
- موتى الفاشر لا يأكلون يا سيد فليتشر!
- نتنياهو يرد على رسالة ترامب إلى رئيس إسرائيل بشأن -طلب العفو ...


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين غسان الشمخي - خيانة أم حذر وشك ؟ لماذا أباد هارون الرشيد البرامكة؟