حسين غسان الشمخي
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 13:43
المحور:
قضايا ثقافية
إن مشيرة سقراط — تلك العرافة الإلهية التي اعتاد أن ترشده دوما — لم تعارضه عند دفاعه عن نفسه أمام المحكمة، ورضاه بالموت وتفضيله إيّاه على النفي خارج أثينا أو الرقود في السجن. وكان في ذلك عند سقراط دليلٌ على صواب ما أقدم عليه؛ إذ لو لم يكن موقفه موافقا للحق لعارضته المشيرة ، وكأنّها، بسكوتها، تؤكّد له أنّه يسلك الطريق الصحيح. وهكذا رأى سقراط في ذلك برهانا على أنّ الموت الذي اختاره لم يكن شرّا : “يخطئ من يظن منَّا أن الموت شر."
إنّ الشرَّ الحقيقيَّ يكمن في دنس العار، لا في مفارقة الجسد : " لا يجوز أن يفكر الرجل في الموت أو في شيء آخر غير دنس العار.” ، ومن ثم فالموت ليس نقمة، بل يمكن أن يكون خيرا في ذاته، إذ يوضح سقراط :
“أن ثمة بارقة قوية من الأمل تبشر بأن الموت خير. فإحدى اثنتين، إما أن يكون الموت عدمًا وغيبوبةً تامةً، وإما أن يكون كما يروي عنه الناس تغيرًا وانتقالًا للنفس من هذا العالم إلى عالم آخر."
فالموت عند سقراط احتمالان لا ثالث لهما. الأول: النوم الأبدي بلا أحلام، وهو في حد ذاته راحة وسكينة لم يعرفها البشر حتى في أسعد أيامهم. والثاني: انتقال الروح إلى عالم آخر حيث يلتقي سقراط بالحكماء والأبطال ويستأنف حواراته معهم. ويرد سقراط على اعتراض متوقع أن يُثار حول سبب عجله بالموت قائلا:
“إنّ الرجل لا ينبغي أن يتدبر أمر حياته أو موته، ولا يجوز أن يهتم إلا بأمر واحد، وذلك أن يرى هل هو فيما يعمل مُخطئ أم مُصيب، وهل يقدم في حياته خيرًا أم شرًّا.”
وبعبارة سقراط الخالدة هذه، أختتم حديثي:
“إن الحياة التي تخلو من امتحان النفس ليست جديرة بالبقاء،”
"The unexamined life is not worth living"
فالحياة التي لا تُفحَص ولا تُمحَّص تفقد قيمتها، ولهذا لا يخشى سقراط الموت لأنه ظل وفيًّا لمبادئه حتى آخر لحظة. فسقراط يعتقد أن الحياة الخالية من التأمل الذاتي والمراجعة النفسية، والتفكير النقدي هي في جوهرها حياة بلا معنى ولا قيمة.
#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟