أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 02:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت تلك الكلمة علي صفحتي الشخصية علي موقع فيسبوك يوم الجمعة الماضية ١٤ نوفمبر ٢٠٢٥ وبرغم ان الجزء الشخصي في الموضوع كان كبيرا، وبرغم النبرة العاطفية التي صيغ بها الحديث لكن وجدت مناسبا ان انشره في الحوار المتمدن كما هو، ربما يلم القاريء العربي في غير مصر بما يجري فيها وشعور اهلها ونظرتهم للأمور، بعيدا عن المهرجانات الصاخبة المفتوحة كل مساء علي الفضائيات....
وهذا نص ما كتبته يوم الجمعة الماضية..
................................
هل حدث تزوير في الانتخابات ؟!
هناك حديث يتردد في الاجواء السياسية المصرية أن ثمة تجاوزات تمت في الانتخابات التي اقيمت مرحلتها الاولي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين ١٠ و ١١ نوفمبر ٢٠٢٥، فإلي أي مدي هذا الحديث صحيح، وهل هو نوع من التبرير المعتاد للخاسرين أن تجاوزات حصلت في حقه، خصوصا وأن قنوات الاخوان استغلت الامر وفتحت سيركا منصوبا كل ليلة، وجنازة لن تشبع فيها لطما...
وسوف اتحدث عما أعرفه، وليس مما أسمعه، وعن دائرة محددة وعن مرشحين محددين، وهي دائرتنا في المدينة التي انتمي اليها في صعيد مصر، ولن أذكر أسماء المرشحين ولا الدائرة، بل سوف أذكر الوقائع مجردة، فليس مهما عندي الاسماء بل الوقائع، وليس مهما عندي ــ بعد ذلك ــ الوقائع ذاتها بل المغزي وراءها، وخلاصة تلك التجربة الغريبة...
بداية الأمر أن كل المرشحين في دائرتنا الانتخابية ــ كلهم بلا استثناء واحد ــ من مؤيدي الدولة، ومؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وينتمي بعضهم ــ اذا استخدمنا مصطلحات السياسة اللبنانية ــ الي أحزاب الموالاة... وبعضهم الاخر مستقل... ولكن علي مبادئ تلك الاحزاب...
أي أن كل المرشحين ــ وعددهم ٣٩ مرشحا ــ من أبناء الدولة ونظامها السياسي الحالي، ولكن ما حدث أن مرشحا بالذات حصل علي أعلي الاصوات ــ أكثر من ٤٠ ألف صوت ــ في ضوء محاضر فرز اللجان وجد نفسه يحصل علي ١٨ الف صوت فقط، ومرشحا أخر يعرف الجميع ان شعبيته ليست واسعة وجد نفسه يحصل علي ٢٢ ألف صوت وينتظر حظه في الاعادة.. ومرشحا ثالثا، له شعبية معقولة، ولكن انخفضت الي حد ما مع توالي ترشحه في الانتخابات من سنين طويلة وتقدمه في السن يجد نفسه حاصلا علي ٧٨ ألف صوتا وناجحا من الجولة الاولي، وحائزا ــ وحده ــ علي أصوات أعلي من كل مرشحي الدائرة الباقيين !!
وأن المرشح الذي حصل علي أعلي الاصوات بالفعل ساقطا، ولم يحصل حتي علي مجرد الاعادة؟!
ما يحير فعلا أن المرشح الحائز علي أعلي الاصوات بالفعل ينتمي الي حزب مستقبل وطن، وعندما لم يختره الحزب في الانتخابات اضطر الي النزول مستقلا..
والأغرب أن ذلك المرشح الذي حصل علي أعلي الاصوات بالفعل كان عضوا قديما في الحزب الوطني السابق حتي ٢٠١١... أي أنه لم يكن في يوم من الايام معارضا للدولة ولا لنظامها السياسي الحاكم...
نسيت أن أقول أن دائرتنا الانتخابية يحكمها ــ كأغلب مدن وارياف الصعيد ــ العصبية القبلية، فالانتخابات تكاد تكون بين قبائل وليس بين أحزاب، وبين أشخاص وليس بين تيارات سياسية...
والسؤال الذي يحير الجميع... لماذا حدث ما حدث من تجاوزات والجميع ابناء الدولة؟!
لقد رأيت أن النظام المتبع في مصر له نظير في دول كثيرة حول العالم، مع اختلاف درجة براعة كل دولة في تطبيقه علي الواقع..
فذلك مثلا ما هو مطبق في روسيا... احزاب الموالاة يحدث بينها انتخابات نزيهة، يأتي فيها من يريده الناس...
وذلك مثلا ما يحدث في ايران ــ برغم اختلافات بلا حدود بين مصر وايران ــ الدولة تسمح - فقط - لمن يؤمن بمبادئ النظام الحاكم في ايران بالترشح للانتخابات البرلمانية، وبعد تصفية المرشحين يحدث بينهم تنافس قوي، وانتخابات تكاد تخلو من التدخل... فكلهم في النهاية رجال النظام...
بل أكاد أقول أن ذلك هو ما يحدث في أمريكا ذاتها... فالحزبين الوحيدين في أمريكا لا يسمحان لأي أحد بالترشح للانتخابات عن طريقهما، وكلا الحزبين في أمريكا مسيطر عليهما تماما من تحالف رأس المال الكبير مع جهاز الدولة الأمريكية... وبالتالي فمن المستحيل أن يقبل الحزب الجمهوري أو الديموقراطي ترشح احد الماركسيين مثلا علي بطاقته، ومن المستحيل أن يقبل احد الحزبين مرشحا لا يؤمن بالدستور الامريكي مثلا ...
كل ما في الأمر أن الامريكان يلعبون اللعبة ببراعة وبذكاء....
لقد كان مفهوما أيام الرئيس الاسبق حسني مبارك أن تجاوزات الانتخابات سببها وجود الاخوان المسلمين، وهم ــ بغض النظر عن أي شئ ــ تيار سياسي يستغل الدين وقداسته عند المصريين للوصول الي السلطة لتحقيق اهداف ليست وطنية، بحكم أن ذلك التيار ذاته لا يؤمن بالوطنية المصرية، وحدود ومقتضيات الأمن القومي المصري...
بقيت كلمة اقولها عن نفسي....
كل من يعرفني يعرف أن قصة الانتخابات تلك كلها ليس لي بها أية علاقة، ورأيي في الانتخابات في مصر وفي غيرها من دول العالم الثالث التي لم تبلغ بعد النضج الطبقي والوعي الاجتماعي كتبته أكثر من مرة... وهو في عمومه ليس جيدا..
ومن ناحية ثانية فأنا ليس لي بكل مرشحي دائرتنا ــ كلهم ــ سابق معرفة...
وفوق ذلك كله فأنا لم أشارك في الانتخابات التي اقيمت الاثنين والثلاثاء الماضيين، فلقد سافرت الي القاهرة مساء الجمعة الماضية، وكان لدي عمل في الكلية استغرق اغلب الاسبوع، ولم ارجع الي الصعيد الا مساء الاربعاء أول أمس... بعد الانتخابات واعلان النتائج.. ولكن لا حديث للناس الا عن الانتخابات وما حدث فيها...
ولم انضم عمري الي أية حزب، واتذكر انه في عام ٢٠٠٢ او ٢٠٠٣ طلب منا في البلد أن نمضي علي استمارات الحزب الوطني، ورفضت بإصرار في حين وافق كثيرين وقتها، وهي تلك الأيام التي أعلن فيها السيد صفوت الشريف أن عدد أعضاء الحزب تجاوز ثلاثة ملايين شخص !!
وبعد حوادث يناير ٢٠١١ لم انضم الي أي حزب، وتكلم معي أحد زملائي عن الانضمام الي حزب الوفد ورفضت، وغني عن القول أن كثيرين وقتها انضموا الي حزب الاخوان ــ حزب الحرية والعدالة ــ وكان موقفي صارما وقتها ــ مثل اليوم ــ من الاخوان وأفكارهم وتيارهم وحزبهم...
وفي يوم من أيام أواخر ٢٠١١ كنت جالسا في المكتب في الكلية مع بعض الزملاء، ودخل طالب علينا يسأل عن دكتور يقبل أن يكون رائدا لأسرة جامعية، ولم يتحمس أحد، وعندما طلب مني الطالب أن أكون أنا رائدا لتلك الاسرة التي يريد مع زملاءه تكوينها سألته عن تلك الاسرة ومبادئها وافكارها، فقال لي انها اسرة تتبع تيارا جديدا اسمه حازمون.. نشأ علي افكار الشيخ حازم أبو إسماعيل... وضحكت في سري... حازم أبو إسماعيل.. وأنا !!!
الغريب أن قبلها بأسبوع جاءني طالب في الكلية والده الأمين العام لحزب الوفد بإحدي المحافظات يريد أن أكون رائدا لأسرة في الكلية تعمل علي مبادئ الوفد... ورفضت بأدب الطلب...
لكن أن يصل الامر الي حازمون والي حازم أبو إسماعيل فذلك ما لم يطف بخيالي...
وحاول طالب حازمون أن يقنعني بثواب الاخرة بالاضافة الي مغانم الدنيا...
فبالاضافة الي قوة التيار في الشارع ــ كما قال ــ فإن لذلك ثوابه الكبير في الاخرة، بحكم انهم يبحثون عن تطبيق الاسلام في مصر، التي أتعبها البعد عنه... كما قال...
ورفضت بالطبع العرض السخي بالانضمام الي تيار له قوة في الشارع ربما تأخذه يوما الي السلطة.. ورفضت معه ثواب الآخرة إذا جاء عن طريق حازمون وأفكار أبو إسماعيل...
واتذكر أنه في اواخر عام ٢٠١١ ــ وكانت تلك مرحلة البراءة الثورية التي فقنا بعدها علي حقيقة الاوضاع والتيارات في بلدنا ــ فكرت في الانضمام لحزب الدستور الذي أسسه محمد البرادعي، ورأيته اقدر شخص وتيار يمكنه الوقوف أمام الاخوان والسلفيين، ولم يتعد الامر مجرد التفكير، فبحكم طبيعتي وتكويني أنفر من أي حزب أو تيار يقيد حريتي في التفكير والتعبير عما أريد قوله، ويضع علي ما أريده قيدا من حرير أو من حديد، أسمه أحيانا الالتزام الحزبي واحيانا الانضباط التنظيمي...
وبالعودة الي الانتخابات... طوال عصر الرئيس مبارك لم اشارك في الانتخابات مطلقاً، لا الانتخابات البرلمانية ولا الرئاسية... وبعد ٢٥ يناير نزلت في الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١١ وكانت اقامتي وقتها ــ وبطاقتي الانتخابية ــ في دائرة مدينة نصر ومصر الجديدة، وأعطيت صوتي لتحالف الكتلة المصرية ــ حزب المصريين الاحرار وحزب التجمع والحزب المصري الديموقراطي الإجتماعي - وكان تقريبا هو المنافس الوحيد الجدي لتيار الاسلام السياسي.. الاخوان والسلفيين...
وشاركت مرة ثانية بعدها بشهور في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢ واعطيت صوتي في المرحلة الاولي لعمرو موسي، ولأحمد شفيق في المرحلة الثانية...
وبعد يونيو ٢٠١٣ نزلت الانتخابات الرئاسية في كل مرات انعقادها، ولم اهتم بالمشاركة في أية انتخابات برلمانية...
وكان رأيي ــ ومازال ــ أن عبد الفتاح السيسي انقذ مصر ببطولة وشجاعة نادرتين من أخطر حفرة كادت أن تقع فيها في تاريخها الحديث والمعاصر كله...
لقد كانت مصر في مرمي خطط دولية غالبة، وأمام مصير لا يقل سوءه عن الحرب الاهلية، وان عبد الفتاح السيسي ومعه جيش مصر هو من تصدي لتلك الخطط الدولية الغالبة ــ التي نجحت للأسف في بلاد حولنا كثيرة ــ وتصدي معها لأخطر فخ نصب لمصر في تاريخها الحديث...
لذا كان امتناني للرجل ــ ومازال ــ كبيرا، وتقديري لما فعل عظيما...
ومن اجل ذلك ــ من أجل ذلك فقط ــ تكلمت اليوم...
ليس من أجل انتخابات برلمانية.. لم اشارك فيها اصلا...
وليس من أجل مرشح أو مرشحين لا اعرف ــ يعلم الله ــ أحد منهم... مجرد معرفة أو حتي سلام او تحية عابرة...
ولكن من أجل مصر اولا... ومن أجل عبد الفتاح السيسي ثانيا...
أنا لا اريد لهذا الرجل ان يحدث في عصره تلك الافعال التي حدثت في عصور ماضية.. خصوصا وأن ليس لها اليوم مبرر اصلا...
أن حب الناس وثقتهم ـ وانا واحد منهم ــ في عبد الفتاح السيسي مردها ليس الي سلطته، بل اقتناعا بالرجل واخلاصه لمصر...
ومن هنا اردت أن اتكلم... وان ألفت النظر الي مواضع الزلل...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟