أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 15:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس للتدخل الأمريكي المباشر في الحرب بين ايران واسرائيل إلا معني واحد، وهو معني خطير في دلالته، وهو أن إسرائيل علي طريق الهزيمة أمام إيران، أو أنها - علي الاقل- لم تحقق أهدافها من الهجوم على إيران ، في حين أنها تلقت من إيران ضربات قوية وموجعة، جعلها تطلب بنفسها وفي تصريحات رسمية تدخل دول الغرب لحمايتها ، وخصوصا الولايات المتحدة.. وذلك أول أمس... اي في اليوم الثالث للحرب...
ما هي خلاصة ثم نتيجة ما حدث خلال الأربعة أيام الماضية، منذ يوم الجمعة ١٣ يونيو حتي صباح الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥....
بدون وقوع في دعاية الطرفين يمكن القول أن ما حدث هو الآتي:
١ - قامت اسرائيل بتوجيه ضربة قوية لشل أعصاب القيادة السياسية والعسكرية الايرانية، فقتلت وزير الدفاع وقائد الحرس الثوري ومسؤولين كبار في المخابرات الايرانية...
كان غرض الضربة الإسرائيلية نفسي في المقام الأول ، قصده حدوث ارتباك وفوضي كبيرة في أعلي هرم النظام السياسي الايراني، يؤدي بالفعل ورد الفعل الي تحرك ما ، يفتح ثغرة في نظام حكم مغلق تؤدي إلى خلخلته - مع توالي الضربات الإسرائيلية - تمهيدا لسقوطه...
اي أن مغزي الهجوم الإسرائيلي هو إسقاط النظام السياسي الايراني كله ومجئ نظام بديل يقوم هو بتفكيك البرنامج النووي والصاروخي الايراني...
٢ - يدل على ما سبق الحديث المتواتر انه ليس بمقدور اسرائيل وحدها تدمير البرنامج النووي الايراني، فليس لدي اسرائيل القوي الجوية والصاروخية ولا نوعية القنابل التي تصل الي أعماق سحيقة تحت الارض حتي تعطل البرنامج النووي الايراني بصورة مؤثرة...
ومن هنا فخلخلة النظام بضربة قوية تمهيدا لتصعيد تناقضاته هو الحل من وجهه نظرهم، ومن هنا ايضا كان الجهد الرئيسي لإسرائيل في ايران جهد استخباراتي، حيث بناء شبكة هائلة من الجواسيس، واستخدام وسائل الاتصالات في اقتناص الخصوم ، تصل اسرائيل من خلالها إلي ضربة مركزة وقوية تشل أعصاب القيادة الايرانية تمهيدا لتصعيد تناقضاتها الداخلية ، ومن ثم خلخلتها من الداخل تمهيدا لإسقاطها...
٣ - كان ملفتا للنظر جدا التعافي الايراني السريع جدا من الضربة الإسرائيلية المركزة، فبسرعة غريبة تم استبدال القتلي في رأس المؤسسة العسكرية الايرانية - في الجيش والحرس الثوري - بأخرين، ولم يظهر علي السطح في ايران أي خلخلة في البناء السياسي والعسكري، علي العكس، ظهر النظام متحدا..
وهنا تغيرت الخطط الإسرائيلية كلها، فكل الجهد الاسرائيلي قائم علي إسقاط النظام وليس التخلص من البرنامج النووي، والذي كان سيأتي طبيعيا مع إسقاط النظام..
ومع تعافي النظام السياسي والعسكري الايراني بسرعة شديدة من ضربة اسرائيلية تشبه أسلوب الحرب الخاطفة الألماني وفشلها ظهر المأزق الإسرائيلي واضحا...
وجاءت الأيام الثانية والثالثة والرابعة للحرب بما اوضح الأمور بجلاء : هجمات ايرانية مركزة علي اسرائيل، صنعت لأول مرة صورة مدن اسرائيلية تحترق، وشعب يعيش في الملاجئ، وتوقف تام للحياة الطبيعية - الإجتماعية والاقتصادية - في اسرائيل..
وكان واضحا جدا أن استمرار ذلك الوضع لأيام واسابيع أخري له معني واحد، وهو نجاح ايران في قلب خطة اسرائيل بالكامل، فبدلا من ضربة اسرائيلية تؤدي الي تعميق تناقضات النظام الايراني، صنعت ايران بضربتها القوية لإسرائيل ما يشبه الخلخلة للنظام السياسي الإسرائيلي تمهيدا لتصعيد تناقضاته الداخلية - وهي كثيرة - ومن الممكن أن تؤدي الي اسقاطه..
٤ - ومن هنا رأينا ما ظهر خلال ال ٤٨ ساعة الماضية والذي لم تستطع اسرائيل بكل براعتها في النواحى الاعلامية والدعائية والحرب النفسية اخفاءه وستره..
رأينا مثلا صورا نراها لأول مرة لشوارع ومدن اسرائيلية محترقة بفعل الصواريخ الايرانية، وبغض النظر عن هل حققت تلك الصواريخ الإيرانية هدفها ام لا، فقد كان الاثر النفسي والسياسي قد أتم فعله وزيادة...
ورأينا مثلا الإلحاح الإسرائيلي الغريب علي عدم نشر ما يوضح حقيقة ما جري علي الأرض من أثار الضربة الايرانية، والتقليل الشديد من أثره، وهو شئ طبيعي ومفهوم في الحروب، ولكن ما ظهر علي الشاشات كان يكذب الرواية الإسرائيلية...
كان هدف اسرائيل من اخفاء ما حدث ان تصبح الرواية والسردية الإسرائيلية هي المتسيدة الاعلام الدولي والاقليمي...
فهيبة اسرائيل، وحقيقة قوتها صورة بنتها اسرائيل خلال عقود طويلة، وللأوهام فيها دور أكبر بكثير من الحقائق، ويمكن ليومين او ثلاثة من الضربات الايرانية القوية ان يمحو أثر عقود من الجهد الدعائي والاعلامي والنفسي الإسرائيلي لتصوير نفسها أكبر كثيرا من حقيقتها... وهي حقيقة لو انكشفت ظاهرة جلية امام الجميع - وخصوصا هنا في الشرق الاوسط - لكان لها أثر زلزال سياسي سيترك أثره علي مستقبل اسرائيل وطبيعة دورها في الشرق الاوسط بكل تأكيد...
ولا يغير من ذلك - بل يؤكده - ما فعلته اسرائيل من حركات مسرحية خلال اليومين الماضيين، من التأكيد علي ان السيادة الجوية علي سماء ايران اصبحت لإسرائيل، ثم قتل بعض الاشخاص في المخابرات الايرانية، ثم ضرب مبني التلفزيون الايراني... ثم التهديد باغتيال المرشد الايراني... الخ.
فالهدف الإسرائيلي المعلن بتدمير القوة النووية والصاروخية لإيران، والهدف الحقيقي بخلخلة النظام السياسي الايراني تمهيدا لإسقاطه تواضع الي ضرب الجهاز الاعلامي الايراني... برغم ما هو معروف للكافة من عدم كفاءته اصلا !!
- في المقابل لم تستطع اسرائيل إخفاء حقيقة طلبها المساعدة الأمريكية والغربية مباشرة وبدون مواربة في اليوم الثالث للحرب...وقد ردت بريطانيا بالاستجابة فورا، وانتظرت الولايات المتحدة يوما ونصف لدراسة الامر قبل أن تستجيب للطلب الإسرائيلي تاركة تنفيذه علي الأرض لوقت أخر ..
ولم تستطع اسرائيل إخفاء طلب دول كثيرة اجلاء ومغادرة بعثاتها الدبلوماسية من تل أبيب، مثل البعثة البولندية واليونانية والروسية والصينية ...
كانت الحقائق علي الأرض أقوي من ان تستطيع ألة الدعاية الإسرائيلية النشيطة ان تداريها، وهو أن المأزق الايراني تحول الي مأزق اسرائيلي ، وان الامر تحول الي هجمات اسرائيلية مقابل هجمات إيرانية؛ وفي انتظار من سوف يظهر عليه الألم أولا...
وان أسبوعين أخرين أو أكثر قليلا كفيل بوضع اسرائيل أمام الحقيقة العارية وانكشافها أمام الجميع، دولة صغيرة سلحتها الولايات المتحدة حتي أسنانها وبرغم ذلك لم تستطع تحقيق المطلوب منها، واذا تركت وشأنها أمام دولة كإيران وراءها اكثر من أربعة عقود من عقوبات اقتصادية مدمرة وجهاز عسكري- باستثناء سلاحه الصاروخي - غير كفء فإن اسرائيل سوف تتعرض لهزيمة لا شك فيها ...
ومن هنا كانت الاستجابة الأمريكية في اليوم الخامس للحرب للطلب الذي قدمته اسرائيل اليها في اليوم الثالث من الحرب بالمساعدة...
ونتيجة ذلك واضحة ولا تحتاج - بعد ترتيب الوقائع المجردة - الي جهد كبير في استخلاصها وهي:
١ - النتيجة الاولي : أن اسرائيل لم تستطع تحقيق هدفيها من الهجوم الذي كانت هي من بدأته واختارت توقيته وهما.. هدف خلخلة النظام الايراني تمهيدا لاسقاطه... وهدف تعطيل البرنامج النووي والصاروخي الايراني بصورة لا لبس فيها ...
٢ - النتيجة الثانية: ان اسرائيل تعرضت لضربة إيرانية قوية، وبرغم الجهد الاسرائيلي والغربي الدعائي البارع في التقليل منها فإن اثرها علي الأرض أنتج أثارا كان من نتيجتها ان كشفت اسرائيل - بدون اعلان- عن حقيقة ما وصلت اليه الأمور، و" أعلنت " بدون مواربة ان تريد المساعدة... وتطلب النجدة...
٣ - النتيجة الثالثة.. ان الأمور لو سارت في سيرها المعتاد خلال الأيام والاسابيع القادمة بدون تدخل خارجي في الحرب فإن اغلب الظن أن تلك الأيام والاسابيع سوف تأتي معها بنتيجة لا لبس ولا شك فيها وهي فشل اسرائيلي نسبي من تحقيق اهدافه من الحرب إزاء تحمل ايراني متوقع لضربات اسرائيلية تنتج دمارا لكنها في الأثر النهائي ذات نتيجة محدودة، يقابله هجوم مكثف ومستمر من ايران علي اسرائيل يحبس شعبا كاملا في الملاجئ لأيام طويلة أو لأسابيع وهو مالا تستطيع دولة صغيرة في حجم اسرائيل تحمله، وهو ما يضع اسرائيل أمام مشارف هزيمة عسكرية وسياسية لا شك فيها..
ومن هنا كان التدخل الامريكي لازما وواجبا... انقاذا لحليف قبل لحظة انكشافه ، وما يترتب عليها من نتائج لا يريد أحد الوصول اليها وكشفها ..
واعلانا ان " الطرف الوكيل " لم يستطع ان يقدم شيئا ذو قيمة كبيرة، وحان للوقت" للطرف الأصيل " ان ينزل الملعب بنفسه، وان ينحي وكلاءه جانبا... قبل ان تنكشف حقيقتهم....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟