أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 16:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان مرحلة جديدة من عمر وتطور القضية الفلسطينية يجب أن تبدأ الآن وفورا، وأن اعترافا شجاعا وكريما بأننا هزمنا في الجولة الحالية من صراعنا مع المشروع الصهيوني علي أرض فلسطين واجب ، اعتراف لا يعني استسلام ولكن يعني ان الوسيلة التي اتخذناها ــ أو اتخذها بعضنا ــ لمقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين لم تأت بنتائج تستحق تكلفتها ، وهي وسيلة أرجعت القضية الي الوراء ولم تدفعها الي الامام خطوة واحدة....
١ ــ أن أمما كثيرة تهزم في الحروب والصراعات ــ كألمانيا واليابان مثلا في الحرب العالمية الثانية ــ ولكن نفس تلك الأمم العظيمة تعترف بأخطاءها ولا تكابر أو تعاند الواقع ، بل تجد وسائل اخري للوصول الي نفس هدفها الأول ، وتلك فائدة العقل البشري ، وذلك هو معني التجربة ، وهذا مغزي تراكم الخبرة لدي الأمم والشعوب...
٢ ــ ان المشروع الإسرائيلي علي أرض فلسطين لا يحاربنا بالسلاح فقط ، ولكن يحاربنا قبله بالذكاء ، وفي حين ان الاسرائيليين درسوا الشعوب العربية والاسلامية جيدا وفهموا نقاط قوتها ونقاط ضعفها ، وحاربونا ونحن بالنسبة لهم كتاب مفتوح ، لم ندرس نحن المشروع الإسرائيلي أبدا ولا عرفنا نقاط قوته لتحييدها ولا نقاط ضعفه لاستغلالها...
٣ ــ ان العقل يجب ان يسود جانب العرب في صراعهم مع اسرائيل، والعقل عند طوائف معينة عندنا اصبح مرادفا للاستسلام للمشروع الإسرائيلي ، وذلك ليس صحيحا بأي حال ، وربما ذلك بالضبط ما يريده عدونا ، أن ننحي العقل جانبا في صراعنا معنه ، وان نلجأ ــ كعادتنا دائما معه ــ الي العاطفة والي الصياح ، ولغة الحناجر العالية، وتلك اكثر وسيلة مريحة له في تعامله معنا...
ولكن العقل يعني فهم العدو جيدا، وفهم وسائله لتحقيق أهدافه ومحاولة تعطيلها، والعقل يعني ان يكون لدينا وسائل متعددة لتحقيق اهدافنا ، والعقل يعني ان صراع طويل ومرير مثل الصراع مع اسرائيل يلزمه دراسة عميقة لطبيعة المشروع الاسرائيلي في الشرق ، وطبيعة مطالب القوي التي زرعت ذلك المشروع لتحقيق اهدافها ، وكيف تطور ذلك المشروع وبأي وسائل ، اذا فهمنا ذلك جيدا سوف تنفتح امامنا وسائل بلا حدود لتعطيل المشروع الصهيوني علي ارضنا...
واذا تركنا الكلام في المبادئ العامة وتكلمنا في اللحظة ومطالبها فإن سياسات معينة لابد من التفكير فيها بلا لبس او تلكؤ...
١ ــ ان الوحدة الوطنية الفلسطينية أثبتت أنها طوق النجاة لأهل فلسطين إذا ارادوا لقضيتهم الحياة ، وان الانقسام الفلسطيني كان خدمة العمر لاسرائيل ، فلا احد يواجه عدوه وهو منقسم علي ذاته ، ولا أحد يقاتل اخيه قبل أن يقاتل عدوه ، أن وحدة الشعب الفلسطيني هو الجواب الاول علي التحدي الإسرائيلي ، ومن الغريب ان يطالب البعض بوحدة الدول العربية أمام المشروع الصهيوني ولا يطالبون أهل فلسطين انفسهم بالوحدة أمام المشروع الصهيوني !!!
وبدون وحدة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية فإن أي كلام عن قضية فلسطين هو نوع من الهزل، ولا يمكن أخذ كلام قائله علي محمل الجد...
٢ ــ ان تجربة حماس في الحكم أضرت القضية الفلسطينية أكثر مما أفادتها ، وقد استفادت اسرائيل من حماس بأكثر مما يتخيل أحد ، وكان وجه استفادة اسرائيل من حماس كالأتي:
أ ــ تعميق الانقسام الفلسطيني.. الي درجة انفصال الفلسطينيين بكيانين سياسيين متشاحنين، واحد في الضفة الغربية والاخر في قطاع غزة ، ولم يعرف احد في العالم مع من يتكلم اذا اراد الحديث مع ممثل للشعب الفلسطيني...
ب ــ لم تتقدم القضية الفلسطينية خطوة واحدة في ظل حكم حماس لقطاع غزة الذي انفصلت به وبحكمه ، فإذا كان لحركة فتح فضل عودة حكم أهل فلسطين للضفة الغربية وقطاع غزة وعودة عشرات الالاف من الفلسطنيين الي فلسطين بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام ١٩٩٣ ، والعمل علي الوصول الي دولة فلسطينية كاملة ، فإن حماس اضاعت حتي القليل الذي استطاعت حركة فتح تحقيقه ، ولم تقدم بديلا يحرر ارضا او يعيد حقوقا...
ج ــ ان حماس رهنت القضية الفلسطينية لسياسات دول اقليمية متنوعة ، من إيران حينا إلي تركيا حينا آخر الي قطر مرة ثالثة ، واذا كان من الانصاف القول أن حركة حماس لم تكن الوحيدة في تلك السياسة ، وهي شئ طبيعي ومفهوم ــ في حدود ــ لأي حركة تحرر وطني تحت الاحتلال وتبحث عن داعمين وحلفاء ، فكل الفصائل الفلسطينية قديما وحديثا كان وراءها دول معينة ـ كمصر أو العراق أو سوريا أو ليبيا ــ إلا أن ارتهان القرار الفلسطيني حربا وسلما لم يصل مع أي تلك الحركات كما وصل مع حركة حماس ، فلم يكن لمصر اول سوريا او العراق أو ليبيا نفوذ داخل الحركات والمنظمات الفلسطينية كما لإيران وتركيا وقطر من نفوذ ــ علي اختلاف درجة وقوة نفوذ كل منها ــ داخل حركة حماس...
د ــ ان حماس لم تعرف من وسائل ادارة الصراع مع اسرائيل سوي وسيلة واحدة ، وهي وسيلة الصراع المسلح ، ومع أن الصراع المسلح وسيلة استخدمتها شعوب كثيرة بنجاح ضد محتليها ، الا أن ذلك كان في ظل شروط معينة وتحت بيئة دولية واقليمية محددة وليس في المطلق...
لم تستطع حركة حماس ادارة الصراع مع اسرائيل بكفاءة، أو بعلم ، بل ــ كأي حركة أيديولوجية ــ كان الصوت العالي وقبول الاستفزاز والتحرك للقتال بدون الاستعداد لليوم التالي للقتال هو أساس سياستها دوما ، كأن ذلك القتال هو قصة يوم واحد وتنتهي بعده الامور !!
والنتيجة لم تقدم حماس استراتيجية واضحة للتعامل مع عدو ذكي ومسلح حتي الاسنان ووراءه حلفاء أقوياء ، لقد كان لحركة فتح أسلوبها في الكفاح المسلح ثم السلمي للوصول لبعض مطالب الكفاح الفلسطيني ، وحققت من وراء ذلك شيئا قليلا ، وقد كان من الممكن البناء عليه ، ولكن مع حماس فالوسيلة الواحدة التي جربتها ــ وهي وسيلة القتال ــ قد أنتجت تراجعا لا لبس فيه لقضية فلسطين...
٣ ــ ان هناك دوما امام الشعوب وسائل متعددة للكفاح ضد محتليها ، واختيار وسيلة معينة مرتبط بظروف محددة تأتي تلك الوسيلة بأفضل النتيجة من خلالها ، ويمكن تغيير تلك الوسيلة الي اخري عندما تتغير الظروف والبيئة المحيطة، وتجارب مرحلة الاستعمار والتخلص منه كتاب مفتوح امام كل من يريد ان يتعلم...
٤ ــ أنني أتصور أن مؤتمرا وطنيا فلسطينيا ــ يجمع كل القوي الحية في فلسطين ــ واجب الآن ، مؤتمرا يناقش كيف التحرك الآن ، وفي أي اتجاه ، مؤتمرا يضع خريطة طريق واجبة التنفيذ لوضع حد لذلك الانقسام الفلسطيني الذي جلب الكوارث علي تلك القضية النبيلة ، وفي مرحلة تالية يمكن ان يناقش ذلك المؤتمر ما هي الوسائل المتاحة للحركة الوطنية الفلسطينية للتعامل مع المشروع الإسرائيلي، وكيف.. وإلي أين...
اننا هزمنا في الجولة الحالية ، وهذه ليست نهاية الدنيا ، وانقاذ ما يمكن انقاذه واجب الآن، ولكن ما لم ندرس كيف نتعلم من اخطاءنا وكيف نصوبها ، فإن هزيمة مؤقتة يمكن أن تصبح ــ لا قدر الله ــ هزيمة دائمة...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟