أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادت مرة ثانية ــ والأصح مرة عاشرة ــ أحاديث صمود حماس وقوتها التي تقهر، وخططها لإدارة الصراع بالنار مع اسرائيل، وما تعده للاحتلال من مفاجأت... الي آخر هذه الاوهام التي باعها لجمهور مغيب رجال مثل ابو عبيدة وفايز الدويري، ثم تولي الأمر من بعدهم انصار الاخوان المسلمين في الدول العربية...
ويلاحظ ان هذه الاحاديث لا تظهر إلا قرب بدء اسرائيل لواحدة من عملياتها الكبري في قطاع غزة، وطبقا لما يخرج من اسرائيل من أخبار فإن المرحلة الاخيرة من خطة اسرائيل لتهجير الفلسطنيين يبدو انها علي وشك الحدوث، وهو ما يستدعي النفخ في صورة حماس واظهارها بما ليس فيها، وهي الحجة التي لا تمل اسرائيل من استخدامها، ولا تمل حماس من تقديمها بكل رحب وسعة لمصلحة خطط اسرائيل التوسعية...
وربما كان ذلك هو سبب ما تسرب في القاهرة من يومين من أن احداثا كبري علي وشك الحدوث، بدون أن يفهم الناس ما هي تلك الاحداث، ولا ما طبيعتها بالضبط، ويبدو أن القاهرة تتحسب أن صداما محتملا مع اسرائيل ليس مما يستبعد حدوثه، ويبدو أن التصميم الاسرائيلي ــ الامريكي علي نقل الفلسطنيين وتهجيرهم الي سيناء بالذات هو الهدف النهائي من كل ما يجري في قطاع غزة منذ أكثر من سنة ونصف...
ويحقق ذلك لاسرائيل الاهداف الاتية:
١ ــ نقل الفلسطينيين الي سيناء يحقق هدف اخلاء جنوب اسرائيل بالكامل من الوجود الفلسطيني، تمهيدا للمرحلة الثانية ــ الاسهل ــ والخاصة بنقل الفلسطنيين في الضفة الغربية الي المملكة الاردنية، أي اخلاء فلسطين التاريخية من أي وجود فلسطيني، وصنع دولة يهودية بالكامل..
٢ ــ ان المطلوب هو نقل الفلسطنيين الي سيناء بالذات وليس الي أي مكان أخر، وهو ما يصنع حاجزا بين مصر واسرائيل ــ مكون من كتلة فلسطينية هائلة تقدر بملايين البشر ــ علي الأرض المصرية وليس علي ارض فلسطين كما هو الوضع حاليا..
٣ ــ ان وجود الفلسطنيين في سيناء مبرر دائم لإسرائيل لدخول سيناء ــ بمباركة امريكية ــ واحتلال جزء منها وصنع مناطق امنة فيها ، وذلك في حالة توجيه اي مقذوفات بدائية من حماس علي اسرائيل كما تفعل حاليا، ولم يدع قادة حماس لأحد التخمين بحقيقة نواياهم واعلن اكثر من واحد منهم ــ والتصريحات منشورة لمن يريد التأكد ــ أنه في حالة تهجير الفلسطنيين الي سيناء ستقوم حماس بعمليات المقاومة من سيناء كما كانت تقوم بها من غزة!!
وهو مبرر لاحتلال سيناء من قبل اسرائيل والولايات المتحدة...
وهو ــ في النهاية ــ تحقيق لحلم اسرائيل بدولتهم الكبري من النيل الي الفرات..
بينما يحقق ذلك ــ تهجير الفلسطنيين الي سيناء بالذات ــ للولايات المتحدة الاهداف التالية:
١ ــ انهاء دور ومكانة مصر في الشرق الاوسط كأخر دولة عربية قوية تناوئ السياسة الأمريكية ــ بعقل وليس بتهور ــ في كثير من الملفات، وبرغم ضعف مصر الاقتصادي، الا مكانتها السياسية والعسكرية في منطقتها يحسب لها حساب...
٢ ــ تهجير الفلسطنيين الي سيناء سيكون بقوة زلزال مدمر في الداخل المصري سوف ينهي في الغالب حكم عبد الفتاح السيسي لمصر، وهو هدف امريكي غال، فلم تنسي الولايات المتحدة ــ وليس في طبيعتها النسيان كما يقول تاريخها كله ــ أن عبد الفتاح السيسي هو من أوقف زخم مشروع الشرق الاوسط الكبير في صيف ٢٠١٣ وقام بطرد الاخوان المسلمين من حكم مصر علي غير رغبة الولايات المتحدة، وهو ما استدعي منها الرد بإنشاء تنظيم داعش في العراق واحتلاله اجزاء واسعة من سوريا بعد فشل الاخوان في مصر، وبعدها بقليل في تونس وليبيا..
والغريب أن انشاء داعش جاء بعد سنة بالضبط ــ صيف ٢٠١٤ ــ من سقوط حكم الاخوان في مصر وفشلهم في تحقيق خلافة إسلامية تحت الوصاية التركية ــ وهي عضو مهم في حلف الناتو ــ اي خلافة إسلامية تحت رعاية حلف الاطلنطي...
وما فشل الاخوان في تحقيقه في مصر وليبيا وتونس كان الظن أن داعش ــ الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ــ يستطيع تحقيقه... دولة تحت منهاج النبوة، وخلافة اسلامية باقية وتتمدد... تحت ظلال ورعاية حلف الاطلنطي !!
وبالنسبة لعبد الفتاح السيسي فلم يعرف رئيسا في العصر الحديث توجه ضده ألة إعلامية جبارة، تضم مجموعة ضخمة من قنوات فضائية تعمل ٢٤ ساعة في اليوم، ولمدة أكثر من عشر سنوات ، ومعهم ألاف المواقع الالكترونية والمنصات والصفحات التي لا تكف عن ضخ كميات هائلة من الأكاذيب وحروب التشويه والدعاية السوداء... وهو ما كان كفيلا ــ لولا عناية الله ثم يقظة الجزء الاكبر من الشعب المصري ــ بانهاء حكمه من سنين...
وظني ــ وقد قلته من قبل ــ أن عبد الفتاح السيسي معرض اليوم، أقرب من أي وقت، وفي ظل موقفه الصلب من التطورات الاخيرة في القضية الفلسطينية، ورفضه شديد الحسم لتهجير الفلسطنيين لمحاولة الاغتيال ــ لا قدر الله ــ والتخلص منه لافساح المجال لاضطراب الاحوال في مصر...
خاصة وان من يريدون السوء بمصر لهم رجال موجودون في الداخل المصري، ومستعدون للعمل ــ في تكرار لا يعرف الملل ــ لقصة الجولاني/أحمد الشرع في سوريا...
وكما سلم الجولاني/ الشرع الجنوب السوري الي اسرائيل، بعد حربه التي استمرت ١٤ سنة مع الجيش العربي السوري، وهو ما أدي الي اضعافه وانهاكه بشدة، فهناك ألف أحمد الشرع في مصر في انتظار الفرصة علي أحر من الجمر، ففي سبيل الوصول الي الحكم والسلطة يهون كل شئ...
٣ ــ ان تهجير الفلسطنيين الي سيناء سيحول كل تناقضات وصراعات القضية الفلسطينية الي الداخل المصري، وهو ما سيؤدي بالفعل ورد الفعل الي صراعات داخل مصر، بين المؤيد للوجود الفلسطيني والمعارض له، ومع تسلح الاطراف المتخاصمة فإن مصر ستكون في الغالب علي موعد مع حرب أهلية مدمرة لأول مرة في تاريخها المعروف.... وهو تكرار حرفي لتجربة الحرب الاهلية اللبنانية عام ١٩٧٥ التي كان الوجود الفلسطيني في لبنان هو شراراتها وهو سببها المباشر... وقد استمرت ١٥ سنة طويلة وصعبة، أتت علي كل ما له قيمة في لبنان، ودمرت نسيجه الوطني...
هل مصر لا تعرف ذلك ؟!
لا بالطبع... مصر تفهم ذلك منذ اليوم الاول لما يسمي بطوفان الاقصي ــ الذي لم يكن له ادني علاقة بالاقصي وإن أدي عمليا الي ضياع غزة !! ــ وهو ما يدل عليه مجئ حاملات الطائرات والبارجات الأمريكية والغواصات النووية الي قرب الشواطئ المصرية مباشرة، وكانت رسالة التخويف لمصر واضحة ومباشرة...
فلم يكن هجوم بعض الفلسطنيين من حماس علي بعض المستوطنات الاسرائيلية يستدعي وجود حاملات الطائرات والبارجات والغواصات النووية الأمريكية، ولا إرسال المستشار الألماني اولاف شولتز ــ ممثلا لحلف الناتو ــ الي القاهرة ليطلب من الرئيس السيسي موافقة مصر علي تهجير الفلسطنيين الي سيناء.. وإلا !!
ومتي كان ذلك؟!
في ١٦ أكتوبر ٢٠٢٣... اي بعد أكثر قليلا من اسبوع واحد مما حدث يوم ٧ أكتوبر !!
فالقصد كان مصر، والهدف منذ اللحظة الأولي كان أرضها وأمنها واستقرارها...
واعداء مصر في هذا الصراع المصيري ــ لابد أن نعترف ــ ليسوا ضعفاء، وهم الولايات المتحدة واسرائيل خارجيا، والاخوان المسلمين وأنصارهم وطابورهم الخامس في الداخل، وهو حلف ليس هينا ولا بسيطا...
القصة كلها معروفة منذ يومها الاول... والمحير أن حماس تفهم جيدا أن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو تهجير اهل القطاع الي مصر، ومع ذلك فهي مستمرة في اعطاء الذرائع واحدة تلو الاخري لإسرائيل وأمريكا للانتهاء من خططهما وتحقيقها علي الواقع...
وهو ما يضع ألف علامة استفهام حول دور حماس في تلك المسرحية التي لا يبدو لها نهاية...
وكما توحي الاشارات والنذر ، وكما يظهر في الافق، فإن سحبا وعواصف وأعاصير توشك أن تهب علي سماء الشرق الأوسط...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟