|
أنور السادات... والتطرف الديني.
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 14:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك رأي شائع في مصر، ويصل إلي درجة المسلمات، وهو أن أنور السادات المسئول الرئيسي عن انتشار التطرف الديني في مصر، لأنه سمح بانتشار وتمدد الاخوان المسلمين والجماعات الدينية في مصر، وهو رأي ظالم في ظني، ومتحيز، ويفتقر الي الأدلة الدامغة أو القوية، وقائم في أغلبه علي أراء تحتاج الي الفحص والتعمق، وبعضه أراء خصومه...
وبرغم أن أنور السادات سمح فعلا بحرية في الحركة أكبر نسبيا للاتجاهات الدينية من عصر جمال عبد الناصر، إلا أن تيار الاسلام السياسي لم يصل في حريته في الحركة والانتشار كما بلغ في العصر الملكي قبل عشرين سنة من تولي أنور السادات حكم مصر، كما لم تصل حريته في الحركة الدرجة التي بلغها في عصر حسني مبارك اللاحق لعصر السادات، ولا الي الذروة التي بلغها مع " ثورة " ٢٥ يناير ٢٠١١...
وسوف أفصل رأيي في ذلك الموضوع الملتبس في النقاط التالية:
١ ــ أن تيار الاسلام السياسي لم ينشأ في عصر انور السادات، بل هو اتجاه ظهر في مصر في النصف الثاني من القرن ١٩ علي يد جمال الدين الافغاني، ووجد أداته الدعائية في شخصيات مثل رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وفتح الدين الخطيب صاحب مجلة الفتح، ووجد تجسيده الأبرز حركيا في تنظيم الاخوان المسلمين، الذي أنشأه مدرس خط عربي ــ حسن البنا ــ بدعم خفي من البريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر وقتها، وكان ظهور التنظيم في مدينة الاسماعيلية، حيث مقار شركة قناة السويس، وهي درة التاج في المصالح البريطانية في الشرق، وبجانب القواعد العسكرية البريطانية، وهي الأكبر والأهم في الشرق... وزاد انتشار الاخوان المسلمين في عقدي الثلاثينات والاربعينات، وكان لهم رجالهم في الإدارة الحكومية وفي الجيش...
وبعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ اصطدم الاخوان المسلمين بجمال عبد الناصر مرتين، الاولي عام ١٩٥٤ والثانية عام ١٩٦٥، وبرغم ذلك اخرجهم عبد الناصر مرتين من السجون، المرة الاولي في اوائل الستينات، واعادهم الي أعمالهم، وقام بتعويض بعضهم ماديا، وبعد مؤامرة ١٩٦٥ بسنتين ــ وفي أواخر ١٩٦٧ ــ أفرج عن الجزء الأكبر ممن كان منهم في السجون، ولم يبق في السجن سوي بعض القيادات، وهم الذين أفرج عنهم أنور السادات عام ١٩٧١...
فمبدأ العفو عن الاخوان طبقه جمال عبد الناصر مرتين قبل انور السادات، واخرجهم من السجون برغم محاولتهم قتله مرتين..
وعندما تولي أنور السادات حكم مصر في خريف ١٩٧٠ لم يكن تنظيم الاخوان المسلمين قد تلاشي... ربما كان ساكنا ولكنه كان قائما، وربما كان كامنا ولكنه كان حيا لم يمت...
٢ ــ أن ما فعله تيار الاسلام السياسي مع جمال عبد الناصر فعله مع أنور السادات، فقد حاول قتل السادات مرتين كجمال عبد الناصر بالضبط، وفي حين فشل في المرة الاولي ــ حادث الفنية العسكرية في أبريل ١٩٧٤ ــ نجح في الثانية، في ٦ أكتوبر ١٩٨١، وقام ذلك التيار بقتل مفتي مصر الشيخ الذهبي ذبحا عام ١٩٧٧...
أي أن أنور السادات عاني منهم مثلما عاني جمال عبد الناصر، وتعرض لأذاهم كما تعرض جمال عبد الناصر وأكثر، وزاد عليه انهم وصلوا الي رأسه، وقتلوه يوم نصره...
الغريب أن الإخوان المسلمين جربوا قتل أنور السادات بعد ستة شهور فقط من انتصار أكتوبر في أبريل ١٩٧٤، وهو ما يعرف بحادث الفنية العسكرية، الذي نفذه الإخوان بقيادة صالح سرية، وقبل أي حديث عن السلام أو أي معاهدات صلح مع اسرائيل !! وصالح سرية اخواني فلسطيني عاش فترة من عمره في العراق...
٣ ــ هل تحالف أنور السادات مع الاخوان والتيار الديني خوفا من اليسار؟!!
ليس في التاريخ المصري في الثلث الاخير من القرن العشرين ادعاء ليس صحيحا كهذا الادعاء، ومبالغة فجة كهذه المبالغة...
ولنذهب ونحاول الاجابة علي مجموعة من الأسئلة... السؤال الاول : هل وصل أحد من الاخوان لمنصب الوزارة في عهد السادات؟! والجواب لا..
لم يصل أحد من الاخوان المسلمين لمنصب الوزارة أو حتي وكيل الوزارة في عصر السادات، في حين شهد عصر السادات توالي يساريين كثيرين ــ وشيوعين صرحاء ــ منصب الوزارة، كالدكتور اسماعيل صبري عبد الله، وهو وجه مرموق في الحركة الشيوعية المصرية، والذي تولي وزارة التخطيط... والدكتور فؤاد مرسي وهو مؤسس ــ وليس مجرد عضو عادي ــ أحد الاحزاب الشيوعية في الاربعينات والخمسينات، وهو أيضا وجه يحظي باحترام بالغ في التيار اليساري المصري كله، وقد تولي الدكتور فؤاد مرسي وزارة التموين في منتصف السبعينات... والدكتور محمد محمود الامام وهو ناصري كبير وقد تولي وزارة التخطيط عام ١٩٧٦... وغيرهم.
وتجب ذكر ملاحظة أن كثيرين ممن عملوا مع الرئيس جمال عبد الناصر وتولوا مناصب قيادية في عصره استمروا أيضا مع أنور السادات، كسيد مرعي الذي عمل وزيرا للزراعة أغلب عصر عبد الناصر، والدكتور عزيز صدقي الذي كان وزيرا للصناعة في عصر عبد الناصر واصبح رئيسا للوزراء لفترة من الوقت في عصر السادات، والدكتور عبد العزيز حجازي الذي كان وزيرا للخزانة في أواخر عصر جمال عبد الناصر وأصبح رئيسا للوزراء في عصر السادات، وفي عهده بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي..
ومثل الدكتور عبد المنعم القيسوني، الذي كان وزيرا للاقتصاد أغلب عصر عبد الناصر، وتولي نفس المنصب في عصر انور السادات، والدكتور القيسوني هو الذي اتخذ قرار رفع اسعار بعض السلع عام ١٩٧٧، وهو ما ادي الي مظاهرات ١٧ و ١٨ يناير ١٩٧٧ الشهيرة...
الخلاصة أن اغلب المناصب القيادية في عصر أنور السادات كان يتولاها رجال عملوا مع جمال عبد الناصر، وفي حين لم يصل شيوعي واحد الي منصب الوزارة في عصر جمال عبد الناصر وصل أثنان من أشهر الشيوعيين المصريين الي منصب الوزارة في عصر انور السادات..
في حين ان التيار الذي يقال ان أنور السادات تحالف معه ضد اليساريين والناصريين ــ وهو الإخوان المسلمين ــ لم يصل أحد منه الي درجة مدير عام أو وكيل وزارة، وليس المنصب الاعلي في الإدارة الحكومية المصرية...
ولكن دائما ما يذكر اصطدام السادات ببعض الرجال الذين تولوا مناصب قيادية في أواخر عصر جمال عبد الناصر كشعراوي جمعة وزير الداخلية، ومحمد فوزي وزير الحربية وغيرهم، وهم ــ باستثناء علي صبري ــ تولوا مناصبهم في السنوات الثلاث الاخيرة من عصر جمال عبد الناصر، ولا يمكن القول انهم رجال جمال عبد الناصر، أو انهم معبرون عن فكره بقدر اعتبارهم تكنوقراط مصريين وصلوا الي مناصبهم لاعتبارات فنية زكتهم لقيادة مؤسساتهم، والأهم من ذلك أن اصطدام انور السادات بهم ليس لأنهم رجال جمال عبد الناصر بل هو الصراع الكلاسيكي علي السلطة، علي الاقل من جانب السادات ــ كما اعتقد ــ الذي لم يكن يريد من يري نفسه ندا له...
وذلك بغض النظر عن الصواب والخطأ في ذلك الصراع، ومن كان معه الحق ومن كان ضده..
السؤال الثاني: هل وصل أحد من الاخوان او التيار الديني الي عضوية البرلمان في عصر السادات؟! والجواب لا..
لم يصل أحد من الاخوان المسلمين أو أي من رجال تيار الاسلام السياسي في مصر الي عضوية البرلمان المصري في عصر السادات، في حين ان البرلمان المصري كان مليئا برجال اليسار المصري، سواء في عهد مجلس الأمة والاتحاد الاشتراكي في النصف الأول من السبعينات أو عهد الاحزاب ومجلس الشعب في النصف الثاني من السبعينات، وكان الظهور الأول للأخوان المسلمين في تاريخ البرلمانات المصرية في عام ١٩٨٤ في رئاسة حسني مبارك، متحالفا ــ للغرابة الشديدة ــ مع حزب الليبرالية المصرية الأعرق والاهم في مصر... وهو حزب الوفد !!!
اي أن التيار الذي قيل أن أنور السادات كان متحالفا معه ضد اليسار لم يصل رجل واحد منه الي البرلمان المصري طوال عصر أنور السادات، في حين أن البرلمان المصري في عصر انور السادات كان يضم مجموعات متنوعة من كافة أطياف اليسار المصري !!
السؤال الثالث: هل حصل الاخوان المسلمين علي الاعتراف الرسمي بتنظيمهم، وأصبح تيار الاخوان المسلمين أحد المنابر في الاتحاد الاشتراكي في منتصف السبعينات ـ كما حدث مع التيارات السياسية الاخري ــ أو حزب من الاحزاب الرسمية كما حدث للاتجاهات السياسية المختلفة عام ١٩٧٦ وما بعده، ومنها حزب التجمع الوطني الوحدوي، وهو حزب الحركة الشيوعية متحالفة مع الحركة الناصرية في مصر، بقيادة أحد ابطال ثورة ٢٣ يوليو وهو خالد محي الدين؟!
وللإجابة علي هذا السؤال الطويل نذكر ما يلي: لم يحصل الاخوان المسلمين أو أيا من اتجاهات تيار الاسلام السياسي علي الاعتراف الرسمي من النظام السياسي المصري في السبعينات كتنظيم شرعي له حرية الحركة، بل ظل الاخوان المسلمين تنظيما غير شرعي وغير قانوني، وفي حين حازت الاتجاهات السياسية الرئيسية في مصر علي أحزابها الرسمية والمعترف بها قانونا كحزب التجمع، والذي ضم الماركسيين والناصريين في مصر، وحزب الوفد بقيادة فؤاد باشا سراج الدين زعيم الوفد، الذي أعاد تكوين الحزب العريق عام ١٩٧٧ ــ اضطر فؤاد سراج الدين الي تجميد حزب الوفد بعد ذلك بعد صدامه مع السادات، وإن أعاد تكوينه مرة ثالثة عام ١٩٨٤ ــ وحزب العمل الاشتراكي بقيادة مناضل مصري قديم وهو المهندس إبراهيم شكري، وهو بصورة أو بأخري امتداد للاتجاهات التي مثلها الحزب الوطني القديم وحزب مصر الفتاة قبل ٢٣ يوليو ١٩٥٢..
( بغض النظر عن هل كان هناك درجة من الديموقراطية تسمح بتنافس حقيقي بين هذه التيارات أم لا، ولكن نحن هنا نقرر ما حدث في الواقع السياسي المصري في ذلك الزمن)
اي أن الاتجاهات السياسية الرئيسية في مصر ــ الليبرالية والماركسية والناصرية والاشتراكية الوطنية ــ وجدت تعبيرا قانونيا وشرعيا عن وجودها، في حين لم يسمح أنور السادات للإخوان المسلمين ــ أو اي من اطياف ذلك التيار ــ بتكوين حزبهم القانوني ووجودهم الشرعي...
السؤال الرابع.. هل سمح انور السادات للإخوان المسلمين بنشر دعايتهم في المجتمع المصري ــ كحلفاء له كما تقول بعض الاراء الشائعة ــ في حين منع التيارات الاخري من وسائل دعايتها المعبرة عن افكارها؟! والجواب.. العكس بالضبط هو ما حدث..
لقد سمح أنور السادات للتيار اليساري بحرية نشر أراءه وجمع الانصار بدرجة لم يسمح بها لأي تيارات السياسة المصرية الاخري...
لقد استمرت مجلة الطليعة ــ وهي المجلة المعبرة عن التيار الشيوعي المصري ــ تصدر في عصر أنور السادات كما كانت تصدر في عصر جمال عبد الناصر، لقد صدرت الطليعة في يناير ١٩٦٥، أي انها استمرت تصدر ستة اعوام في عهد جمال عبد الناصر، في حين انها استمرت تصدر سبع سنوات في عصر أنور السادات، وكان سبب ايقافها ــ في مارس ١٩٧٧ ــ مظاهرات يناير ١٩٧٧ التي اتهم السادات الماركسيين بقيادتها...
وان كانت الطليعة قد ظهرت في عصر جمال عبد الناصر واستمرت في عصر انور السادات، فمجلة دراسات اشتراكية صدرت في عصر انور السادات ــ سنة ١٩٧٢ ــ وظلت تصدر وفاته، ودراسات اشتراكية مجلة ماركسية صرف، كان يكتب فيها كبار قادة الاحزاب الشيوعية حول العالم، وكانت تصدر عن دار الهلال مرة كل شهر، وكان فيها نقدا للسياسة الأمريكية لا أظن أن هناك مطبوعة مصرية وصلت الي جرأته، كانت دراسات اشتراكية تصدر كل شهر طوال عصر السادات، واستمرت في الصدور بانتظام حتي بعد أن اختلف السادات مع الاتحاد السوفييتي...
هذا عن التيار اليساري الذي يقال أن السادات كان يضطهده، فماذا عن تيار الاسلام السياسي الذي يقال أن السادات كان يتحالف معه؟!
لم يشهد عصر انور السادات اي صحيفة أو مجلة تصدر عن طوائف وتنظيمات الاسلام السياسي، وباستثناء مجلتين للإخوان المسلمين صدرتا لفترة قصيرة ــ هما مجلة الدعوة ومجلة الاعتصام ــ وكان طابعهما ديني ولم يكن يقترب بصورة مباشرة من السياسة، وعندما رأي السادات أن الاخوان تجاوزوا الحدود اوقف السادات المجلتين، كما قال في خطابه الشهير في سبتمبر ١٩٨١ وهو الخطاب الاخير له قبل اغتياله بشهر واحد، وهو نفس الخطاب الذي ذكر فيه أن المجلتين الاخوانيتين لم يصدرا بترخيص رسمي ــ كالمجلات اليسارية ــ بل بسماح شفوي من السادات، وهو ما يفهم منه نية غلق المجلة التي تتجاوز الحدود التي يراها السادات فورا وبدون إجراءات تقتضيها الظروف فيما لو كانت تلك المجلات تصدر بصورة رسمية... وهو ما حدث بالفعل، فقد تم اغلاق المجلتين بأمر مباشر شفوي كما صدرتا بسماح شفوي !!
هل هذه أحوال العلاقات بين أطراف متحالفة، أو يجمعها هدف واحد؟!!
فماذا أذن؟! أين نضع اذن علاقة انور السادات بتيار الاسلام السياسي؟!
أغلب الظن أن السادات تعامل مع الاخوان المسلمين ــ التنظيم الابرز في تيار الاسلام السياسي ــ كما تم التعامل معه في العصر الملكي، ليس علاقة تحالف ولا علاقة عداء صريح، بل هو تيار أثبتت الحوادث وجوده في البيئة السياسية المصرية، وبغض النظر عن الرأي فيه ــ وهو ليس جيدا بالنسبة لكل النظم التي حكمت مصر في العهدين الملكي والجمهوري ــ الا ان تحييده أو وضعه امام المنظار أفضل من تركه يعمل في مسارات سرية غير معروفة...
وهي نظرة لها أنصارها كما أن لها خصومها، فقد أثبتت تجارب عقود طويلة من التعامل مع الاخوان أنهم فصيل لا يؤتمن جانبه، وهو تنظيم عابر للدول الوطنية، وعلاقته بالقوي الكبري التي تريد السيطرة علي بلادنا يكتنفها غموض، وقد بدأت تتكشف مع الزمن خباياها...
لم يكن ذلك واضحا تماما في ذهن أنور السادات، وربما تعامل معهم كما تعامل معهم علي ماهر أو اسماعيل صدقي أو حتي مصطفي النحاس في العصر الملكي، مجرد تيار موجود علي الساحة يمكن ضبط حركته وتحييد خطره... وكان الزمن وحده الكفيل بإظهار ان تلك السياسة ليست مأمونة العواقب، فقد أثبت الاخوان انهم تيار لا يمكن ضبط حركته ولا تحييد خطره...
وكانت الظلال التي استدعت اتهام السادات بهذا الاتهام القاسي تتثمل في النقاط التالية:
١ ــ الحديث الذي نسب الي محمد عثمان إسماعيل محافظ اسيوط في السبعينات أن السادات طلب منه السماح لطلاب الإخوان والجماعات الاسلامية بمنافسة التيار اليساري والناصري علي وجه الخصوص في الجامعة، وبغض النظر عن صحة حديث محافظ اسيوط وقتها ودقة تعبيره، لكن لا يمكن القول أو الظن أن ذلك نوع من التحالف أو التقارب بين السادات وذلك التيار...
ويمكن النظر الي ذلك الرأي ــ بفرض صحته ــ من زاويتين: • الزاوية الأولي، هي نظرة رجل مقبل علي حرب مصيرية مع عدو يحتل أرضه، وطلبة في الجامعات غير واضحة الصورة أمامهم بصورة كاملة، ومن ثم يضغطون علي أعصاب القيادة السياسية والعسكرية بشدة، ومن هنا رأي السادات الهاء تلك العناصر بأخري حتي يفرغ مما لديه...
• الزاوية الثانية، هي أن درجة من الانفتاح السياسي حدثت فعلا في عصر السادات، وقد استفادت منها كل التيارات السياسية في مصر ومنها التيار الديني، والجامعة كانت ــ ومازالت حتي اليوم ــ هي نقطة التركيز الكبري لذلك التيار، فمنها يجذب الشباب الصغير، ومنها يبني قواعده، ومن هنا كان الصدام طبيعيا ــ سواء بسماح السادات أو عدم سماحه ــ بين التيارين الرئيسيين في حياة مصر السياسية.. التيار اليساري بتوع أطيافه... والتيار الديني بتنوع تنظيماته...
٢ ــ مساعدة السادات للولايات المتحدة في مجهودها الحربي ضد السوفييت في حرب أفغانستان عام ١٩٧٩ بالسماح بإرسال متطوعين ومقاتلين من الإخوان المسلمين والجماعات الاسلامية المختلفة للحرب في أفغانستان...
وهو أيضا لا يفهم منه تحالف السادات مع التيار الديني بقدر إبعاد العناصر الحركية الخطرة خارج البلاد والتخلص منهم، وتقديم خدمة لدولة قوية لمصر مصالحها معها، واهمها انسحاب اسرائيل من الارض المصرية التي احتلتها عام ١٩٦٧...
وربما يتذكر الناس أن عشرات الدول في اوربا وفي آسيا شاركت في المجهود الحربي ضد السوفييت، وليس فقط حلفاء الولايات المتحدة بل خصومها أيضا كالصين الشيوعية، والتي كانت العلاقات بينها وبين الاتحاد السوفييتي قد تدهورت بشدة منذ نهاية الخمسينات، ووصلت الي حدود الصدام المسلح في منتصف الستينات...
وفي كتابه " أيام مع السادات " لعمر التلمساني مرشد الإخوان الذي أصدره عام ١٩٨٤ لم يذكر السادات بكلمة واحدة طيبة، واعترف فيه أن صلته بالسادات كانت عابرة، والكتاب كله يتحدث عما لاقاه التلمساني في السنة الأخيرة من عصر السادات، وخاصة اعتقالات سبتمبر ١٩٨١..
وكواحد من قادة ذلك التيار، وفي شهادته علي دوره في الحركة الاسلامية في السبعينات والنصف الأول من الثمانينات يقول عبد المنعم أبو الفتوح في كتاب " عبد المنعم أبو الفتوح... شاهد علي تاريخ الحركة الاسلامية في مصر ١٩٧٠ - ١٩٨٤ " تحرير الأستاذ حسام تمام والصادر عام ٢٠١٠ عن دار الشروق في الفصل الرابع صفحة ٥٢ ما يلي :
" ما إن يبدأ الحديث عن الحركة الاسلامية في الجامعة في السبعينات حتي تبدأ الاسطوانة المكررة عن أن الحركة الإسلامية في الجامعة كانت صنيعة السادات، وأنه كان يسيطر عليها ويوظفها لضرب خصومه الشيوعيين والناصريين.. ولن أتعرض للجدل في هذا الادعاء كثيرا، وإنما سأكتفي بشهادتي كأحد الذين عاصروا هذه الفترة وأسسوا العمل الإسلامي فيها، فقد كنت فى موقع من لا تغيب عنه المعلومات التفصيلية لأي صفقة كان يمكن أن تعقد بين السادات وبين الحركة الإسلامية في الجامعات، بل أقول جازما أنه لو كانت هناك صفقة لعقدها السادات معي شخصيا، بحكم مسئوليتي عن الحركة الطلابية الإسلامية، وأشهد الله أننا لم نعقد مع النظام أو أحد أي صفقة " ...
ويقول أبو الفتوح في صفحة ٥٣ : " ورغم أننا دخلنا في مواجهات مع الشيوعيين في الجامعة، بعضها تطور إلي إستخدام العنف البدني، الا أنها كانت مواجهة عفوية يحكمها منطق الصراع بين تيار ديني عفوي متشدد ليس لديه منهج منضبط وبين تيار كان دائما ما يتعرض للثوابت الإسلامية بالنقد والسخرية، بما تبدو معه المواجهات أمرا طبيعيا وليست مقصودة أو موظفة من قبل النظام " ...
وبرغم ذلك لا يستبعد عبد المنعم أبو الفتوح محاولة السادات توظيف تيار الاسلام السياسي دون عقد اتفاقات معه، ويستدل علي ذلك بسؤال نائب رئيس جامعة القاهرة وقتها - الدكتور صوفي أبو طالب - لعبد المنعم أبو الفتوح، وكان وقتها رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، عما منعهم من اتصدي لمظاهرة الشيوعيين في الجامعة، قائلا له : إزاي تسيبوا الشيوعيين يقوموا بمظاهرة ؟! ويفهم مما سبق الآتي : - أنه لم تكن هناك صفقة او اتفاق بين السادات وبين ذلك التيار للعمل معا... - ان هناك محاولة لضرب التيارين - الشيوعي والإسلامي - ببعض، او صنع موازنة بينهما ، بإطلاق التيارين علي بعضهما البعض... - أن ذلك كان قاصرا علي الجامعة فقط، ولم يخرج خارجها، فلم يحاول السادات ان يضرب الشيوعيين علي مستوي التنظيم بالإخوان المسلمين، بدليل انه لم يعطي الاخوان حزبا كالشيوعيين والناصريين - كحزب التجمع - أو يشركهم في اي عمل سياسي علي أي مستوي طوال عهده....
وقد أخطأ السادات بالطبع فيما فعله في الجامعة بدءا من عام ١٩٧٢ ... وبرغم ذلك لا يمكن القول ان السادات تحالف مع الاسلام السياسي كتيار وتنظيم، بل لعب لعبة صغيرة، وقد ارتدت عليه فيما بعد عواقبها....
كان السادات انسانا عمليا ــ براجماتيا ــ في سياسته، ومستعد أن يلعب بكل الكروت التي في يده ــ وهي قليلة ــ لما يراه يحقق مصلحة مصر، فلم تكن مصر دولة قوية عسكريا ولا اقتصاديا، وبقايا قوة مصر الناعمة فقد جزء من قوته الدافعة مع مجئ عصر البترول، وارتفاع بعض الدول العربية في المكانة وحيازة بعض أسباب القوة، والأهم انها اختطت لنفسها خطا مختلف يميزها عن باقي الدول العربية...
وزاد اختلاط الامور مع وصول تيار الاسلام السياسي الشيعي للسلطة في إيران بداية عام ١٩٧٩ بمساعدة خفية ــ ولكن مؤثرة جدا ــ من الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، مما بدا أنه موجة المستقبل في الشرق الاوسط، وبسرعة أخذ السادات موقف المعارض لوصول الاسلاميين الشيعة في ايران... وهو من تصوره الدعاية بأنه كان حليفا للإسلاميين السنة في مصر !!
وهو ما دعي رجال الدين الايرانيين الي اطلاق اسم خالد الاسلامبولي ــ قاتل السادات ــ علي واحد من أكبر شوارع طهران... عاصمة ايران.. ومازال موقف السادات حينئذ ــ وبعد ٤٦ عاما ــ يلقي ظلالا قاتمة علي علاقات مصر بإيران حتي اليوم...
وفي السنتين الاخيرتين من عصر السادات وعندما حل غضبه علي القوي السياسية في مصر فلم يستثني التيار الاسلامي، بل علي العكس وجد شدة في التعامل ربما فاقت غيره من التيارات، وهو ما دعا بعض قيادات ذلك التيار الي الهرب من مصر قبل احداث سبتمبر ١٩٨١...
وبغض النظر عن أي شئ... وبغض النظر عما فعله السادات في هذا الموضوع، وسياسته التي ظهر جزءا منها ملتبسا... فقد دفع الرجل ثمنا قاسيا لتلك السياسة... وكان الثمن هو حياته ذاتها....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان والسجون... قصة غير مروية..
-
أنور السادات... نظرة أخري..
-
الخلافة.. في ثوبها العثماني.. وفي ثوبها الأموي !!
-
من خسر... ومن فاز ؟
-
جمال عبد الناصر... واليوتيوب !!
-
سيناء... وماذا لو كانت في حوزة اسرائيل حتي اليوم؟!
-
عودة من أجازة مفروضة...
-
مصر... وأين موقفها بالضبط في الحرب بين إيران وإسرائيل..
-
أهداف أمريكا من الحرب... وهل تحققت أم لا ؟
-
أهداف إيران من الحرب... وهل تحققت أم لا ؟
-
قصة 12 يوم من الحرب في الشرق الأوسط من أربع زوايا مختلفة...
-
لمصر... وليس لإيران.
-
ما هي نقاط قوة ايران... وما هي نقاط ضعفها؟
-
لماذا تدخل أمريكا الحرب بنفسها... فهل اسرائيل هزمت؟!
-
ما هي نقاط قوة إسرائيل وإيران... وما هي نقاط ضعفهما؟
-
كيف أجهض الغرب بالثورة حلم الشاه بالسلاح النووي... وكيف يح
...
-
كيف قضي الغرب واسرائيل علي أربع محاولات عربية ومحاولتين ايرا
...
-
التناقض الرئيسي... والتناقض الثانوي.
-
النموذج الذي تريد بريطانيا تعميمه في عموم الشرق الاوسط...
-
القوة عندما تصل الي درجة الغرور...
المزيد.....
-
بعد تصريحه عن السعودية.. سموتريتش يُعرب عن -أسفه-: -لم يكن م
...
-
-لا ملوك، تعني لا ملوك- – مقال في نيويورك تايمز
-
حكومة ستارمر تحت الضغط.. أكثر من 36 ألف مهاجر وصلوا إلى بريط
...
-
جندي درزي يقاضي ضابطًا إسرائيليًا بعد نعته بـ-إرهابي من النخ
...
-
-إسرائيل ستفقد دعمنا إذا ضمّت الضفة-.. ترامب متفائل بانضمام
...
-
القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف ثالثة بحق بشار الأسد
-
?ابس : هل سيتمكن - جرير والفرزدق- من حل الأزمة البيئية ؟
-
رغم مناخها البارد جدا.. طلائع البعوض تصل إلى إيسلندا
-
حرب الزيتون.. ارتفاع وتيرة هجوم المستوطنين الإسرائيليين على
...
-
الكنيست يقر مناقشة مشروع قانون لضم إسرائيل الضفة الغربية وفا
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
المزيد.....
|