أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 02:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك مجموعة من الزوايا يمكن النظر من خلالها إلي الصراع والحرب الدائرة الآن في الشرق الاوسط، وطبقا لكل زاوية من زوايا النظر يختلف الموقف الذي يقفه الانسان في الصراع الدائر اليوم...
ومن هنا اختلفت رؤي ومواقف المصريين ازاء الحرب الحالية، ما بين أغلبية تتمني فوز ايران أو علي علي الاقل نجاتها بخسائر معقولة مما يراد بها، وبين أقلية تتمني هزيمة ايران والتخلص من نظامها...
زاوية النظر الاولي: الموقف من تيار الاسلام السياسي..
ايران هي التطبيق الاول لنظم تيار الاسلام السياسي في منطقتنا، وكل من له موقف فكري أو سياسي من تيار الاسلام السياسي سيجد نفسه بطريقة ألية ضد ايران، وحتي نكون منصفين، فهؤلاء ليسوا مع اسرائيل في الحرب الحالية بقدر ما هم ضد افكار وسياسات ايران...
وضمن الذين يقفون ضد ايران في الصراع الدائر اليوم تشكيلة متنوعة ومتنافرة من التيارات السياسية، تضم ليبراليين وأنصار الدولة الوطنية والسلفيين، وكل تيار من هؤلاء له وجهة نظره في رفضه لإيران وكل ما تمثله..
ــ فالليبراليين ينظرون الي انغلاق واستبداد النظام السياسي الايراني..
ــ وانصار الدولة الوطنية ينظرون الي المليشيات التي انشأتها ايران داخل الدول العربية وفتتت وحدتها، وجعلت من تلك المليشيات المسلحة دولة داخل الدولة..
ــ والسلفيين يرون في إيران دولة شيعية تصل في حقدها وكرهها لأهل السنة الي درجة العداء الكامل..
ومرة ثانية لا يقف هؤلاء في صف اسرائيل بقدر ما يقفون ضد المشروع الايراني وكل ما يمثله...
زاوية النظر الثانية: زاوية الأمن القومي لمصر...
وهو تيار يتمني فوز ايران في صراعها الدائر حاليا مع اسرائيل والغرب، أو علي الاقل خسارتها خسارة ليست مميتة... ووجهة نظر هذا التيار يمكن إبرازها في النقاط التالية:
١ ــ ان التناقض مع تيار الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي هو تناقض مؤجل، ويمكن التعامل معه بشئ من الروية في المستقبل، وفوق كل ذلك فهو تناقض يحتاج الي الفكر والثقافة والعلم في المقام الاول، فمحاربة ذلك التيار تأتي بتوعية الناس وتنويرهم وابراز مخاطر هذا التيار علي الدول وعلي حياة الشعوب نفسها، وهي أمور تحتاج الي زمن والي رجال مستنيرين، والتجربة الأوربية في الانتقال من العصور الوسطي الي العصور الحديثة تعلمنا أن الافكار الحديثة وتطور الزمن وتقدم وعي الشعوب مع مرور الحوادث والتجارب هو الضمانة الاولي لخروجها من عصور التيه الي عصر الأنوار...
٢ ــ أن الطرف المقابل لإيران في الصراع ــ إسرائيل ــ هو نظام ديني مكتمل الأركان، قائم علي أساطير توراتية، تنتمي الي عصور سحيقة في القدم، ودور اسرائيل في تغذية تيار الاسلام السياسي أكبر من دور ايران، فإسرائيل تقدم لذلك التيار المادة الدعائية التي يستند اليها في خطابه، وتعطي له أساس المشروعية في وجوده، وخطر ايران في هذا المجال محصور ومحدد بحقيقة ان النظام الايراني ينتمي الي المذهب الشيعي، في حين أن الغالبية العظمي من شعوب المنطقة تنتمي الي مذهب أهل السنة والجماعة..
والنقطة الاهم في هذا الجدل الدائر كله أن إيران لم تكن هي من انشأت تيار الاسلام السياسي، بل كانت التجربة الايرانية هي واحدة من نتائج ومنتجات سياسة منظمة انتهجتها الامبراطورية البريطانية منذ القرن التاسع عشر علي الاقل، وورثتها الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين وحتي اليوم، وطورت في بعض أجزاءها، وكان الاخوان المسلمين أبرز نتائجها في المذهب السني ( ومعهم عشرات التنظيمات المشابهة بدءا من الجماعة الاسلامية وجماعة الجهاد والتكفير والهجرة في السبعينات من القرن الماضي حتي القاعدة وداعش وغيرهم اليوم ) ...
والحاصل أن إيران مجرد منتج ــ مثل إسرائيل تماما ــ من منتجات عديدة مشابهة، وناتج سياسة منظمة لتصعيد التيارات الدينية بكافة اشكالها وألوانها الي السلطة في منطقتنا...
٣ ــ ومن زاوية مصر ومصالحها المباشرة وامنها القومي فإن عدم خسارة ايران في ذلك الصراع مصلحة مصرية مباشرة، وذلك للأتي:
أ ــ أن المطالب الاسرائيلية في أرض مصر واضحة، وقد كفي الاسرائيليون أنفسهم بكلامهم المباشر عناء إثبات طمعهم في ارضنا، ويبرز ذلك في محددين، الأول طبيعة المشروع الإسرائيلي القائمة علي دعاوي دينية تري أن المنطقة من نهر النيل ــ اي الجزء الشرقي من مصر ــ ونهر الفرات هي ملك لدولة اسرائيل كما وعدهم بها الرب، واسرائيل كأي نظام حكم مبرر وجوده وأساس مشروعيته هو إطاره الديني لا يمكن أن تنسي أو تتجاهل هذا التكليف الالهي ـ من وجهه نظرهم بالطبع ــ لهم، وإلا انهار الاساس الذي بنيت عليه الدولة، وتفككت اللحمة التي أتت بناس من مشارق الارض ومغاربها تلبية لنداء ديني غلاب ووعد إلهي لا يمكن نقضه...
ومعني ذلك ببساطة احتلال أجزاء واسعة من مصر ــ سيناء كلها ودلتا النيل معها حتي الضفة الشرقية للنيل ــ وضمها الي مشروع اسرائيل بإقامة دولتهم الكبري، التي وعدهم بها الإله..
وربما يقول أحد أن تلك الامور مجرد فولكلور ديني يستخدم لحشد أتباع ذلك الدين وليس بالضروة أن يصبح سياسة رسمية للدولة، والرد - وهو المحدد الثاني - أن ما أعلنته اسرائيل وتسعي الي تحقيقه في السنتين الاخيرتين من تهجير الفلسطنيين الي سيناء يأخذ تلك المطالب الدينية من كونها فولكلور ديني الي سياسات محددة يجري تنفيذها امام اعيننا، وبسببها مات حتي اليوم ما يقرب من ستين ألف فلسطيني، وبسببها ينتظر مئات الالاف من اهل فلسطين في رفح علي الحدود مع مصر ربما يستطيع الضغط الأمريكي الاسرائيلي الرهيب علي مصر أن يفتح ثغرة في جدار الرفض المصري الشجاع لذلك المشروع المدمر...
ب ــ وبما أن الامور وصلت بين مصر وبين الولايات المتحدة واسرائيل الي هذه الدرجة ــ الاستيلاء علي أجزاء من ارضها واعطاءها للفلسطينيين ــ ومن يدري غدا فالاحتمال الاكبر أن تدخل اسرائيل الي سيناء تحت مبرر محاربة الارهاب الفلسطيني كما دخلت غزة واحتلتها وتحاول طرد أهلها تحت نفس المبرر، أي أن يحدث في سيناء غدا ما يحدث في غزة اليوم، ونجد أنه مطلوب من الفلسطينيين الذي تم تهجيرهم مغادرتها الي الداخل المصري لحماية أمن اسرائيل... وتجد اسرائيل نفسها وقد ابتلعت سيناء ووصلت الي مشارف النيل... انتظارا لوصولها علي الناحية الاخري الي ضفاف الفرات... هذا اذا لم تكن قد وصلته قبل وصولها الي ضفاف النيل بسنوات...
ولكن ما علاقة كل ما سبق بالحرب الدائرة اليوم بين ايران وامريكا واسرائيل؟!
المنطق المجرد يقول أن وجود عدو تنشغل به اسرائيل ويمثل لها عامل قلق هو مصلحة مصرية مباشرة، تعطي المصريين فسحة أكبر من الوقت للاستعداد، وربما تأتي ظروف عالمية اخري تأخذ الاحلام الجنونية لإسرائيل إلي مكانها اللائق بها كمشروع ديني كهنوتي يفرض علي القرن الواحد والعشرين بالسلاح خزعبلات ما قبل التاريخ...
انتصار اسرائيل في صراعها مع ايران وتركيعها خطوة كبيرة لاسرائيل في تحقيق مشروعها الجنوني، في حين انتصار ايران ــ أو علي الأقل عدم هزيمتها بصورة كاملة ونهائية ــ مصلحة مصرية مباشرة تجعل جناحا آخر في المشرق يقض مضاجع الدولة التوراتية وينسيها احلامها بتطبيق خزعبلات القرون الاولي علي حساب أرضنا وبلادنا، ويساعدها علي ذلك ــ للأسف ــ اقوي دول العالم في زماننا...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟