أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 02:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تدخل ايران تلك المواجهة الحاسمة مع اسرائيل ولديها مجموعة من نقاط القوة، وفي نفس الوقت تدخلها مكبلة بمجموعة أخري من نقاط الضعف...
وكلامي قاصر علي نقاط القوة والضعف العامة وليس تلك المختصة بالنواحي العسكرية، فهي ناحية لها رجالها ومن هم أعلم ــ بحكم عملهم ــ بها مني...
اولا.. نقاط القوة في الوضع الايراني:
١ ــ الامتداد الجغرافي الواسع...
وتوسع المعمور الايراني وانتشار الكتلة السكانية عبره يعطي ايران مرونة أكبر، وقدرة أقوي علي تحمل واستيعاب الضربات الاسرائيلية، وتبلغ مساحة ايران ١.٦٥٠ مليون كيلو متر مربع وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية ــ بعد المملكة السعودية ــ في منطقة الشرق الاوسط، وتضاريس ايران متنوعة فهي تشمل مجموعة من الجبال والهضاب والصحاري بالاضافة الي الاراضي السهلية والمناطق الساحلية، وهي بيئة تنفع في صراع حربي طويل، وتعطي قدرات عالية للمناورة..
واذا اخذنا روسيا كمثال، فقد اعطت المساحة الهائلة النصر لها في حربين.. اولاهما الحرب ضد نابليون ( فرنسا) في القرن التاسع عشر، والحرب ضد هتلر ( ألمانيا) في القرن العشرين...
وبدون المساحة الجغرافية الكبيرة ــ مع عناصر أخري مهمة بالطبع ــ لم تكن روسيا تستطيع الصمود في كلا الحربين ومع عدوين شرسين...
٢ ــ عدد سكان ايران الكبير...
وقد وصل عدد السكان في ايران الي ٩٠ مليون انسان هذا العام، وهو يعطي لإيران قدرة أكبر علي تحمل خسائر عالية في العنصر البشري، فبما أن الحرب ضد ايران ذات طبيعة هجومية بالنسبة لمهاجميها وذات طبيعة دفاعية بالنسبة الي ايران فإن كبر المساحة الجغرافية وعدد السكان الكبير عناصر قوة لأي بلد في وضع الدفاع...
وفي حالة الحرب بين العراق وايران في الثمانينات من القرن العشرين، فقد اعطت المساحة الجغرافية المتسعة وعدد السكان الكبير فرصة لإيران لامتصاص الهجوم العراقي الكبير في بداية الحرب، ومرة ثانية عند قرب نهايتها...
واذا استمرينا في أخذ روسياكمثال فإن عدد السكان الكبير هو ما مكن روسيا من تحمل خسارة بلغت ٢٠ مليون إنسان ماتوا في الحرب العالمية الثانية، ومكن المانيا من تحمل خسارة بلغت ٣ مليون انسان في نفس الحرب..
٣ ــ العقيدة القتالية...
العقيدة القتالية جزء من الأيديولوجية العامة للدول، او مجموعة الافكار والتصورات التي تصنع منهجا كاملا يمكن النظر الي الدنيا والحياة من خلاله، وليس يعنينا الآن هل تلك الأيديولوجية علي صواب أم علي خطأ، ولكن ما يعنينا ان هناك بناء فكري محكم يظل الناس تحت لواءه، ويحدودن سياستهم في الحب والسلم تحت اطاره... وتتفرع من تلك الأيديولوجية العامة عقيدة قتالية تحارب الجيوش في ظلها، ويموت مقاتلوها دفاعا عنها...
وبالنسبة لإيران، فهناك ايدولوجية محددة للدولة الايرانية، وهي ايديولوجية دينية، وهي من اقوي الايديولوجيات تماسكا وقدرة علي التأقلم والتكيف، وهي بعكس الايديولوجيات البشرية ــ كالماركسية مثلا ــ لا يمكن مناقشتها، وخاصة في الاصول والجذور وصولا الي تعديل بعض بنودها، فالايدولوجيات الدينية تستند الي مقدس ديني، فوق بشري، وغالبا ما يتهم من يحاول النقاش بالهرطقة أو بالكفر...
ومن هنا فهي ــ الايديولوجيات الدينية ــ ترتفع لتصل الي مرتبة الدين ذاته عند كثيرين...
وتجد الجيوش التي تحارب تحت ظلال تلك الايديولوجيات الدينية تمتلك عقيدة قتالية هي مجرد فرع من الإيدرولوجيا العامة للدولة، ولها نفس قداستها...
٤ ــ بعدها النسبي عن متناول مهاجميها...
ليس لإسرائيل حدود جغرافية مع ايران، واسرائيل هي الدولة التي تهاجم ايران، بينما ايران تدافع، وطالما ليس بين الدولتين حدود جغرافية مشتركة فليس بمقدور سلاح الجو في أي جيش ان يكسب حربا أو أن يحتل بلدا، فالقوات البرية فقط هي من تفعل ذلك...
وفي حالة حروب اسرائيل مع جيرانها العرب ــ مصر وسوريا والاردن ولبنان ــ كانت اسرائيل تضرب ضربتها وتتوسع في الأرض العربية، متخذة تلك الأرض المحتلة كرهينة تضغط بها علي اعصاب الدولة العربية وكرامتها مجبرة اياها علي القتال في ظروف غير مواتية في الغالب أو طلب الصلح مع الدولة العبرية...
وهذا المحدد ليس موجودا في حالة ايران، فبين ايران واسرائيل هناك دولتين ــ سوريا ثم العراق ــ أي أكثر من ١٥٠٠ كيلو متر مربع، وبالتالي فتوسع اسرائيل داخل الارض الايرانية واستخدامها كعامل ضغط وعامل ابتزاز ــ كما تفعل مع العرب ــ غير متوفر في حالة ايران، وقصاري ما تستطيع اسرائيل فعله هو الهجمات الجوية، وهي كما يعرف الجميع ذات أثر محدود، مهما بلغ مداها، ومهما كانت قدرتها علي التدمير...
ومن هنا فإيران بمقدورها أن تحارب اسرائيل بأعصاب مستريحة نوعا ما، فليس هناك ارض تستطيع اسرائيل قضمها منها، وليس هناك جوار تستطيع اسرائيل أن تستغله لمصلحتها...
أما نواحي ضعف ايران فيمكن تلخيصها في الأتي:
١ ــ السلاح القديم والمتهالك...
لقد تركت اربعين سنة من الحصار الاقتصادي والعلمي علي ايران اثرها، فأغلب مصانع ايران متهالكة، وألاتها ومعداتها الانتاجية قديمة، وفي الجانب الحربي والعسكري، باستثناء برنامجها النووي والصاروخي الذي يجد دعما واضحا من روسيا والصين وكوريا الشمالية فأغلب الصناعات الحربية الايرانية ليست علي درجة عالية من الكفاءة...
وفي سنوات الحرب مع العراق في الثمانينات، كان اعتماد ايران الاساسي علي السلاح المستورد، وقد جلبت السلاح من روسيا ومن امريكا معا... بل ومن اسرائيل !!
ومن يريد مزيدا من الفهم لهذه النقطة فيمكنه البحث عما يعرف بفضيحة " ايران ــ كونترا " وسيجد فيها تفاصيل غريبة، وفصل شيق حول كيف تتصرف الدول في الخفاء وبعيدا جدا عن خطابها الاعلامي والدعائي، فقد أمدت أمريكا واسرائيل ايران بالسلاح لمحاربة العراق، في الوقت الذي كان فيه الاعلام الامريكي يصف ايران بأشنع الصفات، وفي الوقت الذي كانت ايران تصف فيه امريكا بالشيطان الأكبر !!
وبعد الحرب مع العراق بدأت ايران بدايات جنينية لتصنيع بعض سلاحها بنفسها، ووصلت في بعض أجزاءه الي تقدم ملحوظ، وان كان الجزء الغالب من سلاح الجو الايراني ــ الطائرات ــ وسلاح الدفاع الجوي والسلاح البري دون الكفاءة المطلوبة...
٢ ــ الأيديولوجية كما هي عامل قوة هي أيضا عامل ضعف، ورأينا أن عامل القوة الرئيسي في الايديولوجيات هي قدرتها علي حشد الجموع واعطاءهم معني مكتمل لحياتهم، يعيشون من اجله ويموتون دفاعا عنه، ولكن الايديولوجيات عصابة علي العين، تمنع من رؤية الاخطاء ونواحي القصور والضعف، وتستند الي غير المادي في أمور مادية، وفي اغلب الاحيان تصبح تلك الدول ــ حتي في اعلي مستوياتها القيادية ــ اسيرة خطابها الايديولوجي، وكثيرا ما ينزل الخطاب الايديولوجي الي النواحي الديماجوجية، والدفاع عن الشئ ونقيضه، وبمبررات تبدو مقدسة، لا يمكن نقاشها، وتجد الدول نفسها في تلك الاحوال وقد اقتربت من الجمود والتكلس، وتبدو كحفريات ما قبل التاريخ، حيث خطابها متكررا ليس فيه جديد، وشعبها فقد شغف الحياة، وران علي أغلب دقائق حياتها مسحة كآبة غير خافية...
وبالتالي فيمكن أن تكون لحظة خلخلة النظام لحظة تستطيع فيها الأيديولوجية لملمة صفوفها استنادا الي المقدس الديني، ويمكن ــ علي النقيض ــ أن تصبح فرصة لشعب فرض عليه طريقة معينة في الحياة ونظام سياسي بانت أخر حدود ما يستطيع تقديمه، وتجاوزته الدنيا ــ قيما وافكارا واسلوب حياة ــ وحان وقت رقاده مستسلما لمصيره...
٣ ــ العلاقات السيئة مع الجيران...
ما يحكم ايران مع جيرانها اما الخوف والترقب كدول الخليج العربية والعراق، او التحفظ وعدم الثقة كتركيا، وبالتالي فليس لإيران بين جيرانها صديق قريب تعتمد عليه وقت الشدة، وحتي صداقتها لدول مثل روسيا والصين لا يعرف أحد مداها وأخرها، إلا عن طريق الحدس والتخمين، حيث العلاقة بين دولة ماركسية كالصين وأخرى قومية سلافية كروسيا مع دولة أصولية اسلامية تطبق المذهب الشيعي كإيران...
والمعني أن تحالف ايران مع روسيا والصين تحالف مصالح مجردة، وليس تحالف مصير، كالتحالف بين الصين وكوريا الشمالية مثلا، حيث النظام السياسي في البلدين ينتمي الي نفس الايديولجية الماركسية، زاد عليه انهما جمعتهما معا تجربة الحرب والنار في الحرب الكورية ضد الولايات المتحدة في بداية الخمسينات...
وفي حين أن لإسرائيل حليف قوي وموثوق فيه مثل الولايات المتحدة ــ وهي أقوي دول العالم ــ فلا أحد يعرف حدود الحلف الايراني مع دول الشرق الكبري كالصين وروسيا...
تلك كانت أهم نقاط قوة ونقاط ضعف إيران وهي تدخل صراعها الكبير اليوم مع اسرائيل، ويجب لفت الانتباه أن نقاط قوة ونقاط ضعف كل من إسرائيل وإيران التي درسناها هنا هي نقاط ضعف استاتيكية أي ثابتة يمكن قياسها ...
أما نقاط القوة والضعف الديناميكية ــ المتحركة ــ فنحن نتابع فعلها وحركتها كل ساعة وكل يوم من أيام الحرب، وهي بطبيعتها لا يمكن قياس حركتها في صراع مفتوح علي كل الاحتمالات....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟