أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 20:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لست صانع قرار في مصر ولا أملك منصبا سياسيا رسميا، ولكن كأي مواطن مصري عادي له رأيه في شئون بلده وما يحيط بها، وله فهمه لمحددات ومقتضيات أمنها، وهذا الرأي وهذا الفهم ربما يختلف مع رأي وفهم اخرين في مصر، وهو شئ طبيعي، فمدارس السياسة في مصر متنوعة، وزوايا النظر لمصالح مصر وبأي الوسائل والسياسات يمكن تحقيق هذه المصالح تتباين وتتعدد، وكلها تدخل في بند الاجتهادات المشروعة، والأراء التي لا يفسد الاختلاف فيها للود قضية..
موقف مصر ازاء اسرائيل كما أفهمه، هو موقف دولة دخلنا معها خمسة حروب ــ حرب فلسطين وحرب العدوان الثلاثي وحرب الايام الستة وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ــ ولم نستطع في تلك الحروب ايقاف خطر المشروع الصهيوني، لا في نقطة ارتكازه في فلسطين ولا في تمدده وتوسعه خارجها وحولها، وبالتالي كان مقتضي سعينا في ايقاف تمدد ذلك المشروع الخطر الذي لم نستطع منع توسعه ــ لوقوف القوي الكبري في العالم معه ــ أن نحاصر تمدده بالسلم، ونحصره في نقطة ارتكازه الاصلية في فلسطين، ونترك الزمن وتطور مجرياته يفعل فعله، خاصة وان السلام سوف يظهر التناقضات الداخلية لذلك المشروع العدواني..
وكما هو معروف رفض العرب الرؤية المصرية ولم يفهموها، وما كان يمكن أن يكون موقف عربي موحد ازاء اسرائيل أصبح موقفا مصريا، وحتي عندما أدرك العرب ــ متأخرين ــ ذلك كان وقت هجوم السلام علي اسرائيل قد فات، وتنبه المشروع الصهيوني في فلسطين أن خطر السلام الشامل عليه لا يقل عن خطر الحرب بل يزيد... ومن هنا رفضت اسرائيل كل نداءات السلام، وعندما تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين لعقد الصلح مع الفلسطنيين في أوسلو في النرويج في سبتمبر ١٩٩٣ ومشي خطوات جريئة للسلام مع سوريا وعقد اتفاق سلام مع الاردن قتله الاسرائيليون انفسهم عقابه له علي تدميره المشروع الصهيوني كما يتصورونه....
والخلاصة أن المشروع الإسرائيلي مشروع توسعي بطبيعة وجوده، والأسس التي قامت عليها الدولة الاسرائيلية دينية، مبنية علي تصورات توراتية بحق اسرائيل في دولة من النيل الي الفرات...
ويبدو من سير الامور حولنا أن ذلك بالنسبة لهم ليست مجموعة من أساطير الأولين، بل إنهم جادون في تحقيق تلك الاساطير الدينية علي أرض الواقع، وسعيهم الي إخلاء فلسطين من العرب واضح، ويجري علي لسان المسئولين الاسرائيلين مرارا، وبعد إبعاد الفلسطنيين في الضفة الغربية الي الاردن وتهجير الفلسطنيين في غزة الي سيناء لن تعدم السياسة الاسرائيلية محاولة خلق الفرص لإبعادهم مسافات أبعد، وقضم مزيد من الارض من العرب...
والخلاصة أن اسرائيل دولة توسعية، وطمعها في العرب وأرضهم وثرواتهم وأموالهم لا يتوقف، ولا يبدو انه سينتهي...
ونأتي لإيران...
ورأيي أن موقف مصر ازاء ايران تحكمه ثلاث عوامل متناقضة:
١ ــ أن إيران دولة دينية، تنتمي الي نظم حكم الاسلام السياسي، التي عمل الغرب علي خلقها في منطقتنا، وقصده منها تفجير المجتمعات العربية من الداخل، وتصعيد تناقضاتها الدينية والمذهبية والعرقية، وصولا الي صنع غليان لا يتوقف داخل تلك المجتمعات يصل بها الي حدود الحرب الاهلية، أو في احسن الفروض بقاءها عند درجة الغليان الداخلي الدائم، تمهيدا لأي ظروف قد تأتي وتؤدي الي انهيار تلك الدول...
ومنذ قيام الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ والمجتمعات العربية التي تحوي كتلا من الشيعة العرب تعيش في حالة توتر وقلق دائم، بعد ان اختلط مفهوم الولاء عند كثيرين من الشيعة العرب، ما بين ولاءهم لأوطانهم وولاءهم لمذهبهم الديني، الذي أصبح له دولة تتحدث باسمه وتسعي في نشره...
ومن هنا كانت ابتعاد مصر خطوات من النظام الجديد في ايران...
٢ ــ أن الخطر الايراني ايام الشاه كان محصورا في الناحية الامنية فقط، وهو ما كان ظاهرا من طمع شاه ايران في البحرين وفي جزر الامارات الثلاثة، وكان اللقب الذي اطلق عليه وقتها انه شرطي الغرب في الخليج العربي.. والذي سماه الخليج الفارسي....
وبعد ذهاب الشاه تضاعف الخطر مع حكم رجال الدين الايرانيين، وأصبح يدخل في التركيبة البشرية والدينية والمذهبية في تلك المجتمعات، وحتي في الدول السنية بالكامل سعي الايرانيون الي مساعدة تيارات الاسلام السياسي فيها... وخاصة تيار الاخوان المسلمين في تلك الدول....
ومن يتذكر أحداث التسعينات من القرن الماضي سيذكر كيف وقفت ايران بقوة مع نظام حكم البشير والترابي في السودان، وهو نظام ينتمي الي الاخوان المسلمين، وكيف ساعدت ايران الاخوان المسلمين في مصر وقتها...
وكان أقطاب حركة الاخوان في مصر دائموا الاعجاب والثناء علي ايران، ومن يرجع الي خطب عبد الحميد كشك مثلا سيري الي اي حد وصل اعجاب الاخوان المسلمين بما حدث في ايران في نهاية السبعينات...
ومع تهديد ايران لأسس بقاء واستقرار دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الاخري زاد الشك المصري والريبة في طبيعة دور ايران الجديد في المنطقة، وتحول الشك الي صد، وتحول البعد الي جفاء...
٣ ــ وبرغم كل ما سبق كانت مصر تنظر أحيانا إلى إيران من زاوية أخري، فبغض النظر عن نظام الحكم الديني فيها، وبغض النظر عن المتاعب التي يخلقها للعرب لكن إيران تمثل عامل توازن مع اسرائيل في الشرق...
بمعني أنه ربما يكون المشروع الايراني علي الارض العربية خطرا... وهو بالفعل كذلك..
ولكن المشروع الاسرائيلي علي الارض العربية أكثر خطورة...
وبالتالي فبقاء ايران كعامل توازن مع اسرائيل في الشرق مهم من زاوية مصرية، وقد زادت اهمية العنصر الايراني كعامل توازن مع اسرائيل مع انهيار الدولة في العراق بعد الغزو الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ واحتلاله، وخروج العراق من معادلة القوة العربية...
وزاد وجود إيران كعامل ردع لإسرائيل الي أهميته القصوي مع انهيار الدولة في سوريا في ديسمبر ٢٠٢٤ وانفتاح الارض والجغرافيا السورية أمام التوسع الاسرائيلي... بالاحتلال الفعلي أو بفرض النفوذ...
وانهيار نظام الحكم في ايران قد يحقق للعرب ولمصر بعض المصالح،حيث ينتهي تدخل ايران في الشؤون الداخلية للدول العربية، وينتهي عصر المليشيات العسكرية التي تدين بالولاء لإيران في بعض الدول العربية.. وينهي من الوجود اقدم نظم الإسلام السياسي في المنطقة...
ولكن من زاوية اخري فانهيار نظام الحكم في ايران ومجئ نظام حكم صديق لإسرائيل، او دخول ايران في فوضي داخلية تنتهي بتقسيمها فيه خطر شديد علي العرب أيضا، فهو يجعل من المشرق العربي ساحة مفتوحة أمام التوسع الاسرائيلي الذي لا يشبع... كما أنه يترك مصر وحيدة امام المخططات الاسرائيلية ــ التي تجد سندا امريكيا لا يخفي ــ في أرضها...
ومن هنا ــ كما اعتقد ــ كان ميل مصر الشعبية علي الأقل الي إيران في صدامها الحالي مع اسرائيل، وهو ميل لا ينسي الخطر الايراني علي العرب، ولكن لا ينسي بمقدار اكبر طمع اسرائيل في الأرض العربية...
وبأي مقياس فخطر اسرائيل علي العرب أكبر واكثر شراسة من الخطر الايراني...
وبالتالي فتطاحن ايران واسرائيل وتوازن القوة بينهما يحقق مصلحة مصرية مباشرة، وهزيمة إيران أمام إسرائيل خصم من رصيد القوة التي تواجه المشروع الإسرائيلي، الذي لن يصبح أمامه سوي مصر... وهي آخر العقبات أمام توسعه النهائي الي حيث يريد...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟