أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 18:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توقفت مؤقتا الحرب بين ايران من ناحية واسرائيل والولايات المتحدة في الجانب الاخر ، بدأت الحرب يوم الجمعة ١٣ يونيو وتوقفت يوم الثلاثاء ٢٤ يونيو أى أنها استمرت ١٢ يوما...
فما هي معني ونتيجة هذا الأسبوع ونصف من الحرب في الشرق الاوسط، فالغريب ان الاطراف الثلاثة - إسرائيل وإيران وأمريكا - اعلنوا انتصارهم في الحرب !!
ولكن بغض النظر عن الفوز والهزيمة في الحرب، فهذه أمور مؤجلة حتي ظهور كامل نتائج الحرب بصورة كاملة، لا أثر لدعاية الاطراف المتحاربة في تلوينها..
ولكن ما نستطيع عمله الأن بقدر معقول من الاطمئنان هو دراسة من الذي حقق اهدافه - أو جزء منها - من الحرب، ومن الذي لم يحقق اهدافه منها...
اقرب وأسلم المناهج في التعامل مع ما حدث هو ان نأخذ كل طرف علي حدة، ونفهم لماذا دخل الحرب، وماذا كان يريد منها، وهل حقق مراده، وهل تلك الحرب كانت مسرحية في بعض فصولها كما قيل، ولماذا تسرب هذا الإحساس الي جمهور عريض من المتابعين...
سوف أفعل كما فعل فتحي غانم في روايته الجميلة " الرجل الذي فقد ظله " عندما قسم روايته الي أربعة اقسام ، وحكي قصتها علي لسان أربع شخصيات من شخصيات الرواية الرئيسية، حيث تحكي كل شخصية نفس الاحداث ولكن من زوايتها هي، وكما تراها هي من موقعها ، وطبقا لأهدافها واحتياجاتها..
ومن هنا فسوف نحكي قصة ال ١٢ يوم من الحرب في الشرق الاوسط من زاوية اطرافها الرئيسيين الثلاثة...
الحرب من وجهة نظر اسرائيل... وطبقا لمصالحها كما تراها..
والحرب من وجهة نظر ايران... وطبقا لمصالحها كما تراها..
والحرب من وجهة نظر أمريكا... وطبقا لمصالحها كما تراها..
... ثم الحرب من وجهة نظر مصر... وطبقا لمصالحها....
ولكن لماذا مصر ؟!
فلم تكن مصر من اطراف الحرب، ولا حتي من الدول التي تحملت جزءا من تكاليف الحرب المادية او النفسية كغيرها من دول الاقليم ؟!
والجواب ببساطة لأننا مصريين.. أي أن المتكلم مصري، وزاية النظر التي ينظر منها للأمور هي مصالح بلده قبل أي شيء آخر... لا مصالح اسرائيل ولا مصالح ايران ولا مصالح أمريكا...
وذلك لأن زاوية نظر كل إنسان من الحرب تختلف باختلاف موقعه، ولا معني ان ندرس الحرب ونفهمها من زاوية اسرائيل او ايران أو أمريكا، ولا نفهم ونعي معني ودروس الحرب من زاوية تأثيرها علي بلدنا مصر وامنها القومي ، ومستقبل الاقليم الذي تعيش فيه...
والان فلنبدا...
أولا ... الحرب من وجهة نظر اسرائيل... وطبقا لمصالحها كما تراها :
ما هو هدف اسرائيل من الحرب ؟ وما هو طريقها لتنفيذ هدفها ؟!
كان الغرض الإسرائيلي من الحرب واضحا ومحددا منذ البداية وهو تغيير النظام في طهران، لذا توجهت اهداف الضربة الإسرائيلية الي القيادات السياسية والعسكرية والامنية في إيران، وليس مباني المفاعلات النووية الايرانية وهي كثيرة ومعروفة...
كانت وجهة نظر اسرائيل قائمة علي النظرية التالية:
أن اي ضربات ستوجه الي برنامج إيران النووي والصاروخي سوف تعطله في احسن الفروض ولكن لن تقضي عليه، وهنا ستعيش اسرائيل مع الخطر سنين طويلة أخري، وبالتالي فالبتر علي الطريقة السورية - باستبدال أحمد الشرع ببشار الاسد هو ما انهي الجيش السوري عمليا بكل سلاحه - هو الحل وهو الدواء الشافي، ونظاما جديدا في طهران هو الكفيل بإنهاء - وليس تعطيل - البرنامج النووي والصاروخي الايراني..
نسي الاسرائيليون ان تغيير أي نظام لا يتم الا بثلاث طرق معروفة هي:
انقلاب عسكري أو ثورة شعبية أو غزو بري من دولة اخري..
وظروف الحالات الثلاثة ليست متوفرة أو لا يبين لها أفق واضح في ايران...
ومن زاوية عسكرية استخدمت اسرائيل نقاط قوتها المعروفة لتوجية ضربة ظنتها قاصمة للهيكل السياسي والعسكري الحاكم في طهران بغية تحطيمه..
كانت مبادئ الحرب التي تعتمد عليها اسرائيل في كل حروبها تنحصر في الاتي:
أ - المعلومات..
وهو العنصر الأهم في الخطط الإسرائيلية، وعليه تبني خططها العسكرية واسلوب تنفيذها، ولابد ان نعترف ان تلك ناحية يبرع فيها الاسرائيليون في العادة ...
ب - عنصر المفاجأة..
وليس بالضرورة ان تكون المفاجأة في توقيت الحرب، فقد كان موعد الحرب معروفا لنا نحن كمتفرجين وليس للقيادات العسكرية في طهران، ولكن عنصر المفاجأة الأبرز في حروب اسرائيل كلها هو خطة الحرب وليس موعدها...
فموعد الضربة الإسرائيلية في حرب ٥ يونيو ١٩٦٧ كان معروفا قبلها بوقت كاف، وقد ذكره عبد الناصر بنفسه لقادة الجيش عند اجتماعه بهم مساء الجمعة ٢ يونيو ١٩٦٧ قائلا لهم : انه طبقا لما توفر لديه من معلومات وتحليل فإن اسرائيل سوف تشن هجومها يوم الإثنين القادم ٥ يونيو... وقد كان...
وهنا ايضا - في حربها مع إيران - كانت خطة الحرب الاسرائيلية ذاتها هي عنصر المفاجأة... وليس توقيت الحرب...
بعكس العرب مثلا الذين يعتمدون علي عنصر توقيت الحرب وموعدها كعنصر مفاجأة ، وليس علي خطة الحرب كما تفعل اسرائيل، وهي عموما مدارس مختلفة في الفن والعلم العسكري...
ج - خفة الحركة...
لذا يأتي الهجوم الإسرائيلي دوما بسلاح الطيران، وهو سلاح خفيف الحركة بخلاف سلاح المدرعات، وهو بحكم طبيعته سلاح بطئ الحركة لا يوفر المرونة ولا السرعة الكافية لحسم المعارك، مع انه السلاح الذي بدونه - في الغالب - لا تكسب الحروب بصورة نهائية..
د - المرونة..
اي القدرة على التكيف مع الظروف الطارئة، وأي تقلبات لا تدخل في الحسبان عند سير المعارك..
طبقت اسرائيل ما حفظته من العلوم العسكرية البحتة بنجاح، وحققت ضربتها لإيران فجر يوم الجمعة ١٣ يونيو الماضي هدفها من زاوية عسكرية بحتة، ولكن الضربة فشلت في تحقيق هدفها السياسي..
كان هدف الضربة الإسرائيلية من زاوية عسكرية هو قتل أكبر عدد من قيادات إيران السياسية والعسكرية والامنية، وشل مراكز التفكير والحركة في طهران.. وقد حققت الضربة الإسرائيلية هدفها العسكري المباشر..
بينما كان هدف الضربة الإسرائيلية " سياسيا " ان تؤدي الي فوضي في إيران تتحرك خلالها طوائف معارضة في الداخل الايراني يساعدهم رجال أمريكا والغرب واسرائيل في إيران لإنهاء نظام الحكم الإيراني...
كان ظن اسرائيل أن ضربتها القوية والمركزة لإيران سوف تفقد النظام - بعد قتل اغلب رموزه - التفكير والحركة لأيام ، وما لم تتحسب له ان قيادات مهمة - كالمرشد - افلتت من الضربة الإسرائيلية، وأن ايران استطاعت لملمة نفسها خلال ٢٤ ساعة فقط، وردت لإسرائيل الضربة، بغض النظر عن قيمة الضربة الايرانية الأولي لإسرائيل من زاوية عسكرية، ولكن أثرها السياسي كان واضحا وهو : ان الهجوم الإسرائيلي كان ناجحا من الناحية العسكرية ولكنه كان فاشلا من الناحية السياسية... ولم تحقق اسرائيل من خلاله هدفها الرئيسي من الحرب وهو تغيير النظام الحاكم في طهران...
وبتوالي الضربات الايرانية طلبت اسرائيل مساعدة الولايات المتحدة، وكان ظنها ان دخول أمريكا الحرب بصورة كاملة كفيل بتدمير إيران، وهو ما سيبعث فرصة التخلص من نظامها الحاكم الي الحياة مرة اخري ويحقق الهدف الإسرائيلي الرئيسي من الحرب.. بيد غيرها وليس بيدها هذه المرة...
ولكن كان للولايات المتحدة أهدافها التي تختلف عن أهداف اسرائيل، وكان لها أولويات مختلفة تماما عن الأولويات الإسرائيلية...
فالولايات المتحدة قوة عالمية... العالم كله مسرحها وتطوراته هو ما يشغلها.. وسوف نتحدث عن أمريكا وموقفها واهدافها من الحرب الحالية عندما يجئ وقت الحديث عنها..
بينما اسرائيل قوة اقليمية... لا تري إلا اعداءها في اقليمها فقط ، ولا يهمها ما دون ذلك، وليس في حساباتها....
من وجهة نظر اسرائيل فإن إيران نووية أكبر مما يحتمله المشروع التوسعي الصهيوني، فلو كانت اسرائيل دولة طبيعية تعيش في سلام مع جيرانها - حتي لو كان سلاما قلقا - فليس هناك مبرر بالتالي لما تفعله اسرائيل في ارض فلسطين منذ عقود طويلة، ولكانت قبلت دولة فلسطينية الي جانبها ، ولانتفي جزءا كبيرا من أسباب الصراع بينها وبين جيرانها..
ولكن المشروع الإسرائيلي مشروع توسعي بطبيعته ، لأنه قائم علي أسس دينية، تعطي الأرض من النيل الي الفرات لمملكة اسرائيل، وبالتالي فكسر أي دولة من النيل الي الفرات وما حولهما - ايران اليوم وربما تركيا غدا - واجب ديني قبل ان يكون أحد واجبات الامن القومي الإسرائيلي...
وعموما فقد كفي بنيامين نيتانياهو نفسه - وهو رئيس الوزراء المسئول في اسرائيل منذ ٢٠٠٩ اي منذ ١٦ عاما متصلة- الناس عناء التخمين، وأرجو من كل الناس قراءة كتابة " مكان بين الأمم " والكتاب في طبعته الإنجليزية وطبعته العربية متاح علي الإنترنت... ومجانا..
وفيه بسط نيتانياهو كل أفكاره فيما يخص الصراع العربي الاسرائيلي ، في الماضي والحاضر والمستقبل بطريقة لا تترك لإنسان حتي الاجتهاد في التفكير والتحليل واستخلاص النتائج ... فقد وصل الرجل الي نتائجه صريحة وعرضها أمام قارئه بوضوح كامل..
ومرة ثانية فهو كلام رجل مسئول يحكم الدولة العبرية منذ عقد ونصف وليس كلام مفكر حالم يعيش في برجه العاجي...
فالمفكر يعيش مع احلامه وحده ، بعيدا عن دنيا الناس وحياتهم..
لكن المسئول السياسي يحول أفكاره الي خطط طويلة ومتوسطة وقصيرة المدي ويتابع تنفيذها خطوة بخطوة... حتي الهدف النهائي...
نرجع الي موضوعنا ...
نخلص مما سبق أن هدف اسرائيل الرئيسي من الحرب لم يتحقق، وهو تغيير النظام في إيران... وحاولت اسرائيل النزول بسقف أهدافها الي ضعضعة النظام في طهران بضربات مكثفة لمراكزه الحيوية، مع الإستمرار في استهداف رجاله في قمة الحكم، ولكن بعد اسبوع ونصف أوقفت الولايات المتحدة اسرائيل - بالامر المباشر - عن استكمال خطتها بعد أن بان ان هدف اسرائيل من حربها مع ايران غير واقعي وان شروط تغيير النظام في إيران - واي نظام - وهي الثورة الشعبية او الانقلاب العسكري او الغزو المسلح لا افق لها في ايران، واكتفت الولايات المتحدة - واجبرت اسرائيل علي الاكتفا ء- بهدف مرحلي وهو تعطيل البرنامج النووي الايراني ...
وحتي هذا الهدف اختلفت التقييمات في الغرب حوله، هل هو إبعاد ايران سنوات عن حيازة سلاح نووي أم مجرد إبعادها بضعه شهور عن امتلاكه ؟!
والنتيجة انه فيما يخص الطرف الأول في الحرب - اسرائيل - وهو الطرف الذي بدءها فلم يحقق هدفه الرئيسي من الحرب وهو تغيير النظام، ولا حقق هدفه الفرعي منها وهو تدمير البرنامج النووي والصاروخي الايراني، والاسوأ من كل ذلك ان اسرائيل تعرضت لانكشاف خطير في حقيقة قدرة وكفاءة سلاحها للدفاع الجوي، بعد أن شاهد العالم كله حجم الدمار في المدن الاسرائيلية - وخاصة حيفا وتل أبيب - والمراكز العلمية والتقنية والعسكرية فيها....
ومن وجهة نظر عسكرية فتحمل تلك الخسارة المادية - وهي ليست مشكلة كبيرة لاسرائيل علي كل حال - ليس مما يمكن التوقف طوبلا عنده، ولكن الأخطر منها انكشاف الثغرات الكبيرة في نظام الدفاع الإسرائيلي، وهي الضربة التي لا يستهان بها لاسرائيل، وسوف تأخذ كثيرا من الصورة الزاهية التي تحاول رسمها لنفسها في الاقليم، وتبيع بواسطتها وتشتري مع دول المنطقة أكثر مما عليه قدراتها في الحقيقة....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟