أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة - رانية مرجية - «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»














المزيد.....

«حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 14:11
المحور: حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
    


مرة في الأسبوع، ولمدة ساعة ونصف، أذهب إلى المصنع المحمي.
مكان بعيد عن ضوضاء المدينة، لا تضيئه الكاميرات ولا تكتبه التقارير.
لكنه، في عمقه، أكثر صدقًا من كل ما يُقال عن الإنسانية.
هناك، لا شيء يُباع ولا يُشترى. هناك، كلّ شيء يُعاش.
يدخل العمال تباعًا — وجوه هادئة، خطوات مترددة، أصوات خافتة.
لكن خلف تلك الوجوه، هناك عالم كامل من المشاعر التي لم تجد يومًا من يفهم لغتها.
في عيونهم أرى الصفاء الذي فقدناه نحن، الذين ندّعي أننا “أسوياء”.
وأنا، في كل مرة، أشعر أنني الزائرة في عالمٍ أنقى من عالمي.
في الخارج نُتقن الكلام عن القبول والتنوّع والدمج.
نكتب الخطب ونوقّع العرائض وننشر صورنا بجانب من نُسميهم “أصحاب التحديات الخاصة”.
لكن هنا، في هذا المصنع الصغير، تتعرّى اللغة من التزييف.
الدمج ليس مشروعًا تربويًا، بل حالة وعي.
والتنوّع ليس شعارًا جميلًا، بل تجربة روحية تُغيّر نظرتك إلى الوجود.
هؤلاء الناس لا يحتاجون إلى من يتحدث باسمهم، بل إلى من يصغي إليهم بصدقٍ خالٍ من الشفقة.
إنهم لا يريدون أن “نُصلحهم”، بل أن نراهم — كما هم، ببطئهم، بصمتهم، بصفائهم.
في كل حركة من حركاتهم فلسفة خفية: أن تكون على سجيتك، دون خوف من الرفض.
أن تتنفس بعمق، لا لتلفت الأنظار، بل لتؤكد أنك موجود، وأن وجودك حقٌّ بحد ذاته.
أجلس بينهم، وأتأمل كيف يمكن للبساطة أن تكون شكلاً من أشكال الحكمة.
كيف أن التواصل الحقيقي لا يحتاج إلى كلمات كثيرة، بل إلى حضورٍ نقيٍّ بلا حواجز.
في لحظة واحدة من الصمت المشترك، قد يحدث ما لا يحدث في ألف حوار.
ذلك الصمت الذي لا يخيف، بل يفتح القلب على اتساعه.
تعلمت هناك أن الدفاع عن الآخر ليس مهمة أخلاقية، بل مسؤولية روحية.
أن السِّنغور — الدفاع عن ذوي التوحّد — لا يعني أن نصنع لهم مكانًا في عالمنا، بل أن نعيد تشكيل العالم بحيث يتسع للجميع.
أن نصحّح رؤيتنا قبل أن نحاول تصحيحهم.
أن نكفّ عن النظر إليهم كـ “آخرين”، لأنهم ببساطة نحن، حين نكون في أصدق حالاتنا.
كل مرة أغادر فيها المصنع أشعر أنني أترك خلفي مرآة تكشف حقيقتي.
هناك أفهم أن “المحمي” ليس مَن يعمل في المصنع، بل نحن الذين نحتاج الحماية من جفاف قلوبنا.
أفهم أن الكرامة ليست امتيازًا، بل لحظة وعيٍ بأن كل نفس بشري، مهما بدا غريبًا، هو جزء من موسيقى الخلق.
ربما العالم كله يحتاج إلى مصنعٍ صغير كهذا.
مكان يعيد تدريبنا على الإنسانية المنسية.
مكان يُذكّرنا أن القيم ليست في الكتب ولا في السياسات، بل في التفاصيل اليومية البسيطة:
في نظرةٍ حانية، في يدٍ ممدودة، في وقتٍ يُمنح دون مصلحة.
مرة في الأسبوع، ولمدة ساعة ونصف، أتعلم من أولئك الذين لا يتكلمون كثيرًا،
أن الصمت أحيانًا أبلغ من البيان،
وأن الحبّ لا يُقاس بالكلمات، بل بقدرتك على أن ترى الآخر دون أن تحكم عليه.
🌱 الخاتمة
ليس في هذا المصنع دروس في العمل، بل في الوعي.
ليس فيه أبطال ولا ضحايا، بل بشر يتقاسمون الهشاشة والنور.
وحين أخرج منه، أدرك أن الإنسانية ليست مشروعًا كبيرًا ننجزه،
بل لحظة صدق صغيرة نحياها بعمق — مرة في الأسبوع، أو ربما مرة في العمر



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي
- ‏قراءة الأدبية لرواية -الذين باركوا القتل- ‏ للكاتبة رانية م ...
- قراءة أدبية (( ملحمة الرماد والنبض) ) لرانية فؤاد مرجية بقلم ...
- الذين باركوا القتل – غلاف فارغ
- تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء


المزيد.....




- اعتقال غريتا تونبرغ.. القمع يتصاعد في بريطانيا ضد أنصار فلسط ...
- رئيس لجنة الأسرى في حكومة أنصارالله عبد القادر مرتضى: تنفيذ ...
- أبو حمرة: صنعاء ماضية في السلام وإطلاق الأسرى خطوة إنسانية
- الأمم المتحدة ترحب باتفاق طرفي حرب اليمن على تبادل نحو 3000 ...
- الخارجية الفلسطينية: قرار إنشاء 19 مستوطنة بالضفة اعتراف بار ...
- لندن: اعتقال الناشطة السويدية غريتا تونبرغ بسبب لافتة داعمة ...
- الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في غزة كارثي والحاجة ملحة لتدف ...
- مسقط تحتضن إتفاقاً تاريخياً لتبادل آلاف الأسرى بين صنعاء وال ...
- برنامج الأغذية العالمي: أكثر من 100 ألف شخص بقطاع غزة يعانون ...
- الخارجية السعودية ترحب بالاتفاق الذي تم التوقيع عليه اليوم ف ...


المزيد.....

- الإعاقة والاتحاد السوفياتي: التقدم والتراجع / كيث روزينثال
- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة / الأمم المتحدة
- المعوقون في العراق -1- / لطيف الحبيب
- التوافق النفسي الاجتماعي لدى التلاميذ الماعقين جسمياً / مصطفى ساهي
- ثمتلات الجسد عند الفتاة المعاقة جسديا:دراسة استطلاعية للمنتم ... / شكري عبدالديم
- كتاب - تاملاتي الفكرية كانسان معاق / المهدي مالك
- فرص العمل وطاقات التوحدي اليافع / لطيف الحبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة - رانية مرجية - «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»