أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -النظام الدولي القائم على القواعد-.. عندما تصنع القوّة قواعد اللعبة














المزيد.....

-النظام الدولي القائم على القواعد-.. عندما تصنع القوّة قواعد اللعبة


ياسر قطيشات
باحث وخبير في فلسفة السياسة والعلاقات الدولية والدبلوماسية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 22:31
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تترددّ في الخطاب السياسي الغربي، لا سيما الأوروبي والأمريكي، عبارة أصبحت أشبه بالشيفرة الأخلاقية للهيمنة المعاصرة: "النظام الدولي القائم على القواعد" (Rules-Based International Order) .. هذه العبارة تُستحضر في كل أزمة أو صراع عالمي، وتُرفع في وجه خصوم الغرب، من روسيا والصين إلى الدول المتمرّدة في الجنوب العالمي، لكنها، في جوهرها، ليست دعوة إلى احترام القانون الدولي أو تعزيز العدالة الكونية، بل هي أداة خطابية لتكريس نظام أحادي المركز، يعرّف "القواعد" ويحتكر تفسيرها وتطبيقها
غير أن التكرار الممنهج لهذه العبارة يثير سؤالاً فلسفياً عميقاً حول طبيعة هذه "القواعد": من يضعها؟ ومن يملك حق تفسيرها وتطبيقها؟ وهل هي قواعد كونية تمثل روح القانون الدولي، أم منظومة معيارية غربية ذات طابع سلطوي وهيمني؟
يُظهر تحليل الخطاب السياسي الغربي أن عبارة "النظام القائم على القواعد" لا تحيل إلى منظومة الأمم المتحدة أو القانون الدولي بمعناه المؤسسي، بل إلى نظام موازٍ تضع الغرب في مركزه، فالقواعد هنا ليست تلك التي تم التوافق عليها دولياً، وإنما هي مجموعة معايير يحددها الغرب باعتباره الممثل الأسمى "للنظام" و"القانون" و"الحداثة".. إنها قواعد غير مكتوبة بالضرورة، لكنها تُمارس بوصفها معياراً للسلوك "المتحضر" بالمفهوم الغربي الخالص!
بهذا المعنى، تتحول "القواعد" إلى أداة لإنتاج الشرعية، لا إلى مبدأ للعدالة: فكما أشار "ميشال فوكو"، السلطة لا تُمارس فقط عبر العنف، بل عبر إنتاج الخطاب الذي يعرّف ما هو شرعي وما هو خارج النظام، وبذلك يصبح الخطاب الغربي عن النظام الدولي وسيلة لاحتكار تعريف "المشروعية"، ومن ثم تبرير الإقصاء والعقاب.
لقد نشأ النظام الدولي الحديث في رحم الهيمنة الأوروبية منذ القرن التاسع عشر، حين كانت "القواعد" وسيلة لإدارة الإمبراطوريات لا لضبط العلاقات بين الندّ للندّ، فبريطانيا وفرنسا، اللتان أسّستا مؤسسات "الشرعية الدولية"، لم تُحاسبا يوماً على جرائمهما الاستعمارية في آسيا وإفريقيا، من نهب الموارد إلى الإبادة الجماعية، كما لم تُساءل بريطانيا عن جريمة وعد بلفور الذي منح أرض فلسطين لغير أهلها!
هذه السوابق التاريخية تكشف أن فكرة "القواعد" لم تكن يوماً محايدة، بل كانت انعكاساً لتوازن القوة، فالسيادة في المنظور الغربي لم تُمنح إلا للدول الأوروبية، فيما كان "الآخر" الشرقي أو الإفريقي موضوعاً للإدارة والسيطرة، لا شريكاً في صنع القانون.
وتتجلّى هذه الازدواجية في الممارسة المعاصرة بأوضح صورها في المقارنة بين الحرب في أوكرانيا والإبادة في غزة: ففي الحالة الأولى، تُستدعى كل مؤسسات النظام الدولي لمعاقبة روسيا بوصفها منتهكة "للقواعد"، وتُحشد الموارد لدعم أوكرانيا تحت شعار الدفاع عن النفس والسيادة.
أما في الحالة الفلسطينية، حين تمارس إسرائيل –بدعم غربي مباشر– تدميراً ممنهجاً لشعب بأسره، فإن الخطاب ذاته يتحدث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"! هذه المفارقة لا تعبّر عن خلل طارئ في تطبيق القانون، بل عن بنية غير متكافئة في تعريف "الحق" و"الشرعية"، فالنظام القائم على القواعد كما يطرحه الغرب لا يقوم على مبدأ العدالة المتبادلة، بل على مبدأ الاستثناء الغربي: (الغرب هو المشرّع والمستثنى في آن واحد) !
من منظور الفلسفة السياسية، يمكن النظر إلى هذا النظام بوصفه شكلاً من "العنف الرمزي"، فالغرب لا يفرض إرادته فقط بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، بل أيضاً عبر السيطرة على لغة القانون والأخلاق، فـ"النظام الدولي القائم على القواعد" هو الامتداد الخطابي للهيمنة الليبرالية الجديدة، التي تقدم مصالحها الخاصة في هيئة مبادئ كونية. أو كما يسميه الفكر السياسي بـ"الهيمنة الثقافية"، حيث تُخضع النخب الغربية العالم لمعاييرها عبر الإقناع الأخلاقي لا القسر المباشر.
التحوّلات الجارية في النظام الدولي –من صعود الصين وروسيا إلى بروز دول الجنوب– تفرض إعادة التفكير في مفهوم "القواعد" ذاته، فالعالم لم يعد أحادياً، ولا يمكن أن تبقى الشرعية محتكرة من قبل كتلة غربية تدّعي تمثيل القيم الكونية.
لا يمكن أن يقوم النظام الدولي المنشود على "قواعد" صيغت بلغة المنتصرين، بل على مبادئ العدالة المتبادلة والمساءلة المتكافئة، فحين تُحاسَب القوى الكبرى كما تُحاسَب الدول الصغيرة، وعندما يصبح القانون أداة لضبط القوة لا لتسويغها، يمكن عندئذٍ الحديث عن نظام دولي حقيقي، لا عن استعمار أخلاقي جديد!
إن العدالة الكونية لا تتحقق حين يلتزم الضعفاء بالقانون ويخرقه الأقوياء، بل حين يُعاد تعريف القانون ذاته بوصفه تعاقداً إنسانياً متبادلاً، لا امتيازاً جيوسياسياً، ومن هنا، فإن مهمة الفكر الإنساني النقدي ليست فقط فضح زيف هذا الخطاب، بل المساهمة في بلورة رؤية عالمية جديدة، تتجاوز المركزية الغربية وتستعيد المعنى الحقيقي للعدالة الدولية.



#ياسر_نايف_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استقرار الأنظمة واضطراب المجتمعات!
- متى نجلسُ بجانب النافذة!؟
- لبنان والمعادلة المستحيلة: دولة بلا مقاومة أم مقاومة بلا دول ...
- انهيار وهم الحماية: درس الدوحة في منظومة الأمن الخليجي والعر ...
- ما بعد الإدانة .. وما قبل الانهيار: متى يغادر العرب دائرة ال ...
- قمة -شنغهاي- والاستعراض الجيوسياسي: هل ينكسر احتكار الغرب لل ...
- لبنان و-سلاح- حزب الله: بين معادلات الداخل ووصاية الخارج
- أمريكا -السنية والشيعية-: كيف حوّلت الطائفية إلى استراتيجية ...
- الأردن في مواجهة المشروع الصهيوني وخيارات التحدّي الوجودي
- ما بعد -مؤتمر نيويورك-: هل تتجه فلسطين نحو الدولة أم نحو الع ...
- -عقدة الثمانين- .. بين سرديّة الاعتراف وسرديّة الوجود!
- الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط
- -غزة- في مرآة الخذلان العربي
- الأمّةُ في زمن الانكسار: كيف نبني مستقبلاً يستحق الحياة؟
- ما بعد الدولة -المُتألّهة-: سرديّة المقدّس في عصر الحداثة!
- في قبضة المجانين: العالم بين انهيار القيم والشرعية وغطرسة ال ...
- الدولة المارقة: -إسرائيل- وإعادة إنتاج النازية بالصهيونية!
- -المسألة اليهودية- .. لم تُحل!
- استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم
- قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآ ...


المزيد.....




- أمريكا.. تحطم طائرة بالقرب من مطار لويفيل
- لقاء خاص- غوتيريش يصف الوضع بغزة بالهش ويدعو لوقف الحرب بالس ...
- عاجل | إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية: تحطم طائرة شحن تا ...
- زيتون تونس من نعمة إلى نقمة (2)
- هل ستكون انتخابات حكام الولايات استفتاء على ترامب؟.. مصادر ت ...
- بعد 3 سنوات من الاعتقال.. إطلاق سراح فرنسيين محتجزين في إيرا ...
- البيت الأبيض يؤكد التزامه بإيجاد حل سلمي للأزمة السودانية
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. القسام تسلم جثة أسير وقصف إسرائيلي ب ...
- بعد -رأس الحكمة-.. مصر على موعد مع صفقة استثمارية خليجية جدي ...
- عُثر عليها داخل الخط الأصفر شرق غزة... إسرائيل تتسلم رفات ره ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -النظام الدولي القائم على القواعد-.. عندما تصنع القوّة قواعد اللعبة