أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآة التاريخّ














المزيد.....

قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآة التاريخّ


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 15:20
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تقف البشرية اليوم على أعتاب تحولّ جذري لا يقتصر على تبدّل موازين القوى السياسية والاقتصادية، بل يتجاوز ذلك إلى مساءلة النموذج الحضاري (خاصة الغربي) السائد بأكمله، ففي ظل تصاعد العنف المنظّم وتفاقم الظلم، وانكشاف التناقضات الأخلاقية في خطاب الدول الكبرى، يُطرح السؤال الجوهري التالي: متى تبدأ السُنن الكونيّة عملها، وكيف نستحضر من مختبر التاريخ الإنساني قصص ودلالات قوس السقوط الحضاري لمن تجبّروا بوهم "القوّة العمياء"؟
ليست هذه المرة الأولى التي تصل فيها حضارة بشرية إلى ذروة التفوّق المادي وتوشك في الوقت ذاته على الانهيار الأخلاقي والروحي، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية، في صورتها الراهنة، تمثل تجسيداً معاصراً لتلك اللحظة.
إذ ورثت زعامة العالم عقب الحروب الكبرى، وأقامت نظاماً عالمياً جديداً يرتكز على العسكرة والتكنولوجيا والتفوق الاقتصادي، لكنها اليوم تواجه أزمات عميقة تضرب جذورها في الداخل: الفجوة الطبقية تتسع بشكل مُقلق، بينما تفقد المؤسسات ثقة الجمهور، ويشهد المجتمع الأمريكي تمزقًا حاداً حول الهِويّة، وصراعاً داخلياً بين تيارات متناقضة في القيم والمرجعيات.
خلف واجهة القوة العمياء، يتآكل الإيمان بالمشروع ذاته، في ظل تصاعد الاستهلاك وانهيار المعنى، وهو ما يعيد إلى الأذهان مشهد "إمبراطورية روما" في لحظاتها الأخيرة، حين ظنّت أنها خالدة، بينما كانت تنخرها عوامل التآكل من الداخل.
أما إسرائيل، فهي حالة استثنائية في التاريخ الحديث، تجمع بين الاستقواء بالأسطورة الدينية والتوسّع السياسي والعسكري، نشأت بوصفها مشروعاً استيطانياً مسنوداً بدعم غربي، وقدّمت نفسها باعتبارها "شعب الله المختار"، لكنها لم تلبث أن تحوّلت إلى كيان يمارس الاستعلاء والعنف باسم المُقدّس، ويتوسّل سرديات دينية لتبرير الاستيطان والقتل والتهجير.
غير أن الداخل الإسرائيلي بات يشهد تصدعاً ملحوظاً، حيث تتفجر الخلافات بين التيارات الدينية والعلمانية، ويشتد الصراع بين المكوّنات الإثنية، ويغيب المشروع الجامع القادر على توحيد المجتمع. ومع تصاعد الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية، وتزايد الانكشاف الأخلاقي للجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين، يتبدّى أن هذا الكيان الذي تأسسّ على نفي الآخر، بات في مواجهة حتمية مع مرآة التاريخّ!
إن السُنن الكونية، بحسب ما تُجمع عليه الفلسفات الكبرى والنصوص الدينية وتجارب التاريخ، لا تجامل قوة ولا تُهادن حضارة، ثمة قانون لا يتغير: حين يُغتال العدل ويُهان الإنسان، تبدأ لحظة الانهيار والطوفان، وإن تأخرت مظاهرها، وهذه القاعدة تتكرر في سياقات مختلفة، دون حاجة إلى إعلان أو إنذار، ويكفي أن نعود إلى لحظات فاصلة من التاريخ، لندرك كيف تعمل هذه السُنن في الخفاء، بصمتٍ لا يخلو من الصرامة.
روما مثلاً، بلغت ذروة الهيمنة على العالم القديم، وشيّدت نظماً إدارية وهياكل قانونية أبهرت الشعوب، لكنها انهارت حين فقدت الروح والمعنى، وسادت فيها طبقة مُرفّهة منفصلة عن واقع الناس، وانغمس المجتمع في ترفٍ يعبّر عن خواء روحي عميق، سقطت روما لأن الفساد واللامبالاة حلّا محل الالتزام والفضيلة، وليس لأن أعداءها كانوا أشد بأساً، كما قال "القديس أوغسطين".
كذلك، حضارة الأندلس، التي بلغت من الرقي العلمي والفني والروحي ما جعل مدنها منارات للعالم، لكنها انقسمت على ذاتها، وفقدت وحدتها، ووقعت فريسة لأطماع الملوك وصراعاتهم، حتى سقطت دون مقاومة تُذكر، لا بفعل الغزو، بل بانهيار داخلي تدريجي.
أما الاتحاد السوفيتي، فقد بدا إلى ما قبل سقوطه كقوة لا تُقهر، يمتلك ترسانة نووية وإمبراطورية ممتدة، لكنه انهار فجأة، لأن نظامه القائم على القمع وفرض الإيديولوجيا، كان قد فقد روحه، وفقد معه الشعب الثقة والإيمان.
بالمقارنة مع هذه النماذج، نجد أن الولايات المتحدة تجمع في لحظتها الراهنة بين ملامح سقوط روما وتفككّ السوفييت، فهي قوة مهيمنة، لكنها تواجه انقساماً داخلياً مريراً، وتعيش أزمة قيم ومعنى، وتسعى لفرض قيمها كـ"معيار عالمي" بالقوّة، وتفقد تدريجياً ثقة شعبها، وتمرُّ فيما نسميّه لحظة "العجرفة الحضارية"، لكنها لحظة ما قبل الانحدار، حيث لا تزال مظاهر القوة قائمة، لكنّ مشروعها الحضاري يواجه أزمة وجودية حقيقية.
وإسرائيل، تُحاكي طغيان فرعون في استعلائها، وتعيش مشهد الأندلس في تمزقها الداخلي، وتستند إلى رواية دينية فقدت صدقيتها في ظل واقع دموي صارخ، إنها كيانٌ يعيش وهم القوة العمياء، لكنه يغفل أن القوة المجرّدة لا تصنع بقاءً، إذا ما تآكل العدل وغابت القيم.
لا يرتبط السقوط الحضاري بضعف مفاجئ أو هزيمة عسكرية، بل يبدأ حين تفقد الأمم روحها، ويتصدّع معناها الداخلي، وهذه اللحظة لا تُدرك بالحسابات السياسية فقط، بل بفهم أعمق للسُنن التي تحكم صعود الأمم وسقوطها، لكن التغيير لن يأتي من السماء وحدها، بل من يقظة ووعي الذين يعيشون في الأرض.
لقد آن أوان اليقظة، ليس لنشهد سقوطاً حضارياً وشيكاً فحسب، بل لنسأل أنفسنا: من سيكون جديراً بوراثة الحضارة؟ ومن يملك مشروعاً أخلاقياً يُعيد التوازن بين الروح والمادة، بين العدالة والقوة، بين الإنسان والتاريخ؟



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي
- -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!
- -العرب- بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
- حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!


المزيد.....




- إسرائيل تعلن عن أول وفاة جراء الهجوم الإيراني
- إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء -قافلة الصمود- في مصر
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات في طهران.. واشتعال ني ...
- مسؤول إيراني لـCNN: سنستهدف قواعد أي دولة ستدافع عن إسرائيل ...
- شاهد.. دمار واسع في تل أبيب خلفه الهجوم الإيراني
- -التايمز-: إسرائيل لم تبلغ بريطانيا بنيتها ضرب إيران لأنها ل ...
- خبير طاقة مصري يكشف أسوأ سيناريو بعد الضربة الإسرائيلية للمن ...
- الحرس الثوري الإيراني: الضربات الصاروخية استهدفت 150 موقعا إ ...
- خبير عسكري مصري يكشف سبب قوة تأثير صواريخ إيران فرط الصوتية ...
- وزير خارجية الإمارات يجري اتصالات موسعة مع عدة دول لتجنب الت ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآة التاريخّ