أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسر قطيشات - حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!














المزيد.....

حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 23:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لو قُدّر لـ(ونستون تشرشل)، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ووزير لسنوات طويلة 1917-1955، أن ينهض في القرن الحادي والعشرين ويرى بريطانيا وقد حكمها رجل ذو أصول هندية وبشرة سمراء، مثل ريشي سوناك (رئيس وزراء بريطانيا 2022-2024)، لربما طالب بهدم مقر حكومته السابق "10 داونينغ ستريت" وإعادة الإمبراطورية إلى سابق عهدها!
ذلك "الهندي المتوحش"، كما وصفه تشرشل يوماً، بات يوقّع القوانين ويقود بريطانيا بثقة، في صفعة ناعمة لعقلية استعمارية لم تتصوّر أن أبناء المستعمرات سيعودون يوماً، لا كطالبين للرحمة، بل كقادة، لا بسفنٍ حربيّة بل عبر صناديق الاقتراع الغربيّة.
منذ نهاية القرن الثامن عشر، بدأت الإمبراطورية البريطانية في بسط نفوذها الاستعماري على مساحات شاسعة من العالم، شملت الهند والصين وبلاد واسعة من العرب، بدافع اقتصادي واستعلاء ثقافي وعنصري.
وقد مارست بريطانيا سياسة استعمارية قائمة على الهيمنة والاستغلال، مع نظرة دونية واضحة تجاه الشعوب الأصلية، وهي نظرة تجلّت بأوضح صورها في مواقف وسلوكيات قادة مثل ونستون تشرشل، الذي يُحتفى به كبطل في الحرب العالمية الثانية، وينال جائزة نوبل "للأدب"! ويحتذي به قادة الغرب -اليمين المتطرف- بينما تُغفل الجوانب المظلمة من آرائه وسياساته العنصرية التي أودت بحياة ملايين البشر!
من الهند: جوهرة التاج" المُستنزَفة؛ كانت أهم وأكبر المستعمرات البريطانية، وقد تعاملت معها كمصدر للموارد الخام واليد العاملة الرخيصة، وتجاهلت طموحات الشعب الهندي في الحرية والمساواة، وأجبرت الهنود على زراعة محاصيل للتصدير؛ كالأفيون والقطن، بدلاً من الغذاء، مما ساهم في مجاعات مدمّرة.
كان تشرشل يعتبر الهنود "شعباً دونياً"، يقول في اقتباسه الشهير: "أنا أكره الهنود.. إنهم شعب متوحش بدين متوحش". كما كان يرفض أي فكرة للمساواة بين البريطانيين وشعوب المستعمرات، وكان من أشدّ المعارضين لاستقلال الهند، حتى بعد أن أصبحت المطالبة به مطلباً شعبياً عالمياً، قال ذات مرة: "ستكون مأساة وإهانة لا تُغتفر أن نترك الهند تحكمها عصبة من البراهمة"!
وقد كان له دورٌ في تفاقم المجاعة البنغالية عام 1943، والتي راح ضحيتها ما يقارب ثلاثة ملايين شخص، بعدما رفض تحويل شحنات غذائية للهند، مدّعيًا أن "الهنود يتكاثرون كالأرانب"!
أما في الصين: فقد مارست بريطانيا سياسة عدوانية مدمّرة وعنصرية، في القرن التاسع عشر، وفرضت عليها تجارة الأفيون من الهند لتغطية عجز الميزان التجاري، وعندما حاولت السلطات الصينية الحد من هذه التجارة التي دمّرت نسيج المجتمع، خاضت بريطانيا حروب الأفيون (1839-1842 و1856-1860) والتي أجبرت الصين على فتح موانئها والتنازل عن هونغ كونغ!
كان هذا التدخل نابعاً من قناعة بريطانيا بحقها في "تحضير" الشعوب الأخرى، أي نشر الحضارة بالمفهوم الغربي، حتى ولو بالقتل والقوة، فلم تكن حقوق الشعوب ولا حريتها من أولويات البريطانيين، بل كان الهدف السيطرة الاقتصادية والسياسية، بغض النظر عن الأثر التدميري لهذه السياسات. فما أشبه حضارة بريطانيا في الصين والهند بحضارة أمريكا في العراق وأفغانستان!
ومع بداية القرن العشرين، وبعد انهيار الدولة العثمانية، وجّهت بريطانيا أنظارها نحو العالم العربي، ورغم وعودها بدعم الاستقلال العربي مقابل الثورة على العثمانيين، سرعان ما نكثت العهد وخانت الوعد، وشاركت بتقسيم الوطن العربي بينها وبين فرنسا في اتفاقية سايكس-بيكو 1916.
لقد مارست بريطانيا تشرشل سياسات استعمارية في الأردن والعراق وفلسطين ومصر والجزيرة العربية، متجاهلة تطلعات الشعوب، ومستخدمة سياسة "فرّق تسد" لتعزيز سيطرتها، وفي فلسطين، دعمت وعد بلفور عام 1917 لإقامة وطن قومي لليهود، دون مشاورة الشعب الفلسطيني أو العرب.
تشرشل لم يكن يقتصر في عنصريته على الهند، بل شملت مواقفه العرب، فوصف شعب السودان بـ"البرابرة"، وبررّ حق استخدام الغازات السامة ضد ما يسميهم "القبائل المتوحشة" في العراق عام 1920، بشكل يعكس نظرته الإمبريالية المتغطرسة، وكان يؤمن تشرشل، بتفوق العرق الأبيض، وبأن الشعوب غير الأوروبية، شعوبٌ متخلّفة، لا تستحق حكم نفسها!
وتحول تشرشل إلى رمزٍ سياسي لشرف الغرب وتاريخه، حتى أن جورج بوش الابن وخلال إعلانه الحرب على العراق عام 2003م وضع تمثالاً صغيراً لتشرشل على طاولة الرئاسة! في رسالة ضمنيّة أن سياستنا العنصرية في الشرق لها موروث تاريخي من "بطل" بريطانيا "تشرشل"!
في عام 1953، حصل تشرشل على جائزة نوبل في الأدب، تكريماً لما سُمّي بـ"أسلوبه الخطابي ودفاعه عن القيم الإنسانية السامية"، قد يبدو الأمر سريالياً: أن يُكرّم رجل ذي سجل استعماري دموي، بجائزة يُفترض أنها تمثل قمة ما أنتجه الضمير الإنساني من فكر وأدب وسلام!
هذا التناقض يكشف أزمة أخلاقية في منظومة الجوائز العالمية التي كثيراً ما تُستخدم لتلميع رموز الاستعمار والعنصرية. فكيف يمكن الجمع بين "القيم الإنسانية" وشخصية لم تتورع عن التسبب بمآسٍ جماعية بحق شعوب بأكملها؟
في السردية الغربية، يُصوَّر تشرشل كبطل الحرب العالمية الثانية، رمزاً للثبات والانتصار، لكن في ذاكرة الشرق، يُستحضر بوصفه عنصرياً جسّد أبشع ممارسات الاستعمار وإبادة الشعوب، ومع تزايد الدعوات لإعادة النظر في التاريخ من منظور الشعوب المستَعمَرة، يصبح من الضروري مساءلة الشخصيات التي صنعت "المجد" على حساب الملايين من الضحايا! ويتوجّب على بريطانيا والغرب إعادة قراءة تاريخهم، لا من منظور المُنتصر، بل من زاوية الضحية التي عانت الويلات باسم "قيم الحضارة" الغربية المزعومة!



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد
- الدولة والمواطن .. كيف يكون المجتمع المدنيُّ رديفاً للدولةِ؟
- فلسفة الانتحار .. لحظةٌ فاصلةٌ بين المواجهة وتجربة الموت!
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم ! الجزء الثاني


المزيد.....




- بضغطة زر واحدة.. طائرة تهبط وحدها ومراسل CNN يجرّبها بنفسه
- قرود شبيهة بكرة القطن تختبئ بعيدًا عن الأعين داخل -غابة مطير ...
- السعودية والإمارات وقطر.. ترامب يزور 3 من أغنى دول العالم فم ...
- وزير الخارجية المصري يجري اتصالين هاتفيين مع نظيريه العماني ...
- وسائل إعلام: سقوط صاروخ حوثي في السعودية استهدف إسرائيل
- قطع أثرية غامضة عثر عليها في روسيا تحير العلماء! (صور)
- لأول مرة.. استخدام مقاتلات -ميغ-35- الروسية الحديثة لاعتراض ...
- وزير الخارجية الألماني: سنواصل إمداد أوكرانيا بالسلاح إن است ...
- سوريا.. إحباط محاولة لتهريب صواريخ مضادة للدروع (صواريخ)
- المكسيك.. مقتل شخص وإصابة اثنين في حادث سقوط منطاد (فيديو) ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسر قطيشات - حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!