أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسر قطيشات - حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية














المزيد.....

حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 17:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شهدت العصور الوسطى تفاعلاً فلسفياً خصباً بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، حيث لعبت الفلسفة العربية الإسلامية دوراً محورياً في الحفاظ على التراث الفلسفي القديم وتطويره، ثم نقله إلى الغرب عبر الترجمة والتفاعل المعرفي. هذا التفاعل لم يكن مجرد جسر ثقافي، بل شكّل لحظة تأسيسية في تطور الفلسفة الغربية لاحقًا.
انبثقت الفلسفة العربية الإسلامية من تفاعل عميق مع التراث الإسلامي والقرآني، لكنها انفتحت أيضًا على الميراث الفلسفي اليوناني والفارسي والهندي، فنتج عن ذلك تكوين متنوع وغني، تمثّل في مدارس عدة أبرزها المشائية (الأرسطية) والإشراقية، فضلاً عن فلسفات خاصة بالمعتزلة والإسماعيلية والصوفية.
وقد تميزت الفلسفة الإسلامية باهتمامها بالقضايا الوجودية والميتافيزيقية، كما انشغلت بمسائل العقل والنفس والمنطق والسياسة والعدالة، دون أن تنفصل عن القيم الدينية والتأمل الروحي.
وبرز في الحضارة الإسلامية عددٌ من الفلاسفة الذين ساهموا في تطوير الفكر الإنساني، منهم: الفارابي: وضع أسس الفلسفة السياسية الإسلامية، وربط بين الفلسفة والدين، مؤكداً على مركزية العقل في المعرفة.
ابن سينا: مزج بين العقلانية الفلسفية والعلوم التطبيقية، وأثّر في تطور الطب والمنطق، وامتدت تأثيراته إلى الغرب عبر كتابه "الشفاء".
الغزالي: انتقد الفلسفة العقلانية اليونانية في كتابه "تهافت الفلاسفة"، معتبراً أن العقل وحده لا يكفي للوصول إلى الحقيقة.
ابن رشد: أعاد قراءة فلسفة أرسطو، وقدم تفسيرات عقلانية أثّرت بشكل مباشر في فلاسفة الغرب، وخصوصاً توما الأكويني.
ابن خلدون: أسس علم الاجتماع الفلسفي من خلال مقدّمته الشهيرة، ووضع أسساً لتحليل الظواهر الاجتماعية والتاريخية.
وخلال القرون الوسطى، ساهمت حركة الترجمة في الأندلس وصقلية بشكل حاسم في نقل مؤلفات الفلاسفة المسلمين إلى اللاتينية، وقد مثّل هذا النقل لحظة تحول في الفكر الأوروبي، حيث انتقل من حالة الجمود اللاهوتي إلى الانفتاح الفلسفي والعلمي.
كانت مؤلفات "ابن سينا وابن رشد والفارابي" تُدرّس في الجامعات الأوروبية، خصوصاً في باريس وأوكسفورد، وأثّرت في فلاسفة غربيين مثل "ديكارت، سبينوزا، وجان لوك"، كما تفاعل الفلاسفة الغربيون مع إشكاليات فلسفية أثارها الفكر الإسلامي مثل العلاقة بين العقل والوحي، وبين الفلسفة والدين، والجدل حول السببية والحرية والإرادة.
رغم التفاعل البنّاء، بقيت هناك نقاط التباين والتلاقي بين الفلسفتين من خلال:
المنهج: حيث ركز الفلاسفة المسلمون على التوفيق بين العقل والوحي، بينما اتجه الغربيون لاحقاً نحو فصل الفلسفة عن الدين تدريجياً.
الغاية: كانت الفلسفة الإسلامية تسعى إلى تحقيق الحكمة؛ كسبيل لفهم العالم والاقتراب من الله، بينما تبنّت الفلسفة الغربية، لاحقاً، نظرة علمانية تبحث في المعرفة بوصفها غاية قائمة بذاتها.
لكن التلاقي كان واضحاً في تبني الفلسفة العقلية والمنهج البرهاني، والميل إلى التحليل المنطقي، وهي سمات كانت بارزة في أعمال "ابن سينا وابن رشد"، ولاحقاً في كتابات "ديكارت وكانط".
وقد أشاد عدد من الفلاسفة الغربيين بدور الفلاسفة المسلمين في الحفاظ على تراث الفلسفة الكلاسيكية وتطويره، حيث اعتبروهم أكثر من مجرد نقلة، بل مبدعين ومجددين، ولم تخلُ الساحة من مواقف متحفظة، بعضها نابع من فروق لغوية ودينية وثقافية.
وقد كان "لابن رشد" مكانة خاصة، إذ اعترف له مفكرو أوروبا بأنه "المفسّر الأكبر لأرسطو"، كما أثّر في تطوير مفاهيم مثل "الحقيقة المزدوجة" و"التوافق بين الفلسفة والدين"، التي لعبت دوراً في تشكّل الفكر المدرسي الأوروبي.
منذ القرن السابع عشر، عاد الاهتمام الغربي بالفكر الفلسفي الإسلامي، وازداد بشكل أكبر في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع تطور الدراسات الاستشراقية والفلسفية المقارنة، فاتجهت مدارس فلسفية غربية معاصرة إلى إعادة تقييم مساهمة الفلاسفة العرب والمسلمين من منظور معرفي وثقافي جديد، يعززّ فهم حضاري أعمق بين الثقافات.
ولم تكن الفلسفة العربية الإسلامية مجرد مرحلة في تاريخ الفكر، بل كانت من العوامل الرئيسية التي ساهمت في بناء الوعي الفلسفي الغربي، فتُعد مفاهيم مثل "الوحدة في التنوع" و"الانسجام بين العقل والإيمان"، التي طرحها فلاسفة المسلمين، من الأسس التي وجدت صدى في فلسفات "سبينوزا وديكارت وهايدجر"، ومن خلال الترجمة والتفاعل، أصبح للفكر الإسلامي موقعٌ مؤثر في تشكيل مفاهيم الوجود والعقل والأخلاق في الغرب، مما يدلّ على العمق التاريخي للتأثير المتبادل.
وختاماً، "حين تحدث فلاسفة الغرب بالعربية"، مجازاً، فقد تأثّروا وتحدثوا فلسفياً، بأفكار الفلاسفة العرب والمسلمين الذين كتبوا بالعربية، فقد استوعبوا الأفكار التي نُقلت إليهم عبر الترجمات اللاتينية لكتبٍ أصلها مكتوب بالعربية، فصاروا يعبّرون عن مفاهيم فلسفية ولغوية نشأت في العالم الإسلامي.
فالأعمال الفلسفية الإسلامية التي كُتبت باللغة العربية، تُرجمت إلى اللاتينية بدءاً من القرن الثاني عشر الميلادي، خاصة في طليطلة وصقلية، ثم قرأها فلاسفة أوروبيون مثل (توما الأكويني، ألبرت الكبير، ديكارت، سبينوزا) وغيرهم.
فتأثّر هؤلاء بالأفكار الفلسفية العربية والإسلامية، مثل: العقل الفعّال (عند الفارابي وابن سينا)، التوفيق بين الدين والفلسفة (ابن رشد)، نظريات في الأخلاق والنفس والمنطق، فمن هنا جاءت فكرة المقال: أن الفكر الفلسفي "الغربي" كان، في مرحلةٍ ما، يتحدث بمفردات ومفاهيم نشأت وكتبت أولاً بالعربية.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد
- الدولة والمواطن .. كيف يكون المجتمع المدنيُّ رديفاً للدولةِ؟
- فلسفة الانتحار .. لحظةٌ فاصلةٌ بين المواجهة وتجربة الموت!
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم ! الجزء الثاني
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم !! الجزء الأول
- الأردن وإيران .. عقدة السياسة والمصالح -المؤجلة-


المزيد.....




- الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا تقتربان من حسم صفقة الم ...
- خبيرة روسية: الليمون ليس الأغنى بفيتامين -سي- وهناك بدائل مت ...
- -CNN-: إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا
- ترامب يعلق على إبرام صفقة المعادن مع أوكرانيا
- ترامب: الطفل الأمريكي قد يحصل على دميتين بدلا من 30 لكن الصي ...
- الحكومة الموريتانية تنفي صلتها بزيارة مستشار قائد -الدعم الس ...
- الكويت تفرج عن 10 محتجزين أمريكيين إضافيين
- الخارجية الروسية: لا يحق لسويسرا مصادرة أصول المركزي الروسي ...
- القهوة -تقدم- فائدة صحية مدهشة للمسنين
- الأمن الروسي يداهم ناديا ليليا في موسكو بشبهة الترويج للمثلي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسر قطيشات - حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية