أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ















المزيد.....

الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 16:57
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تُمثّلُ العلاقاتُ الصينية – الأمريكية حالةً خاصةً ونمطاً فريداً من العلاقات الثنائية؛ إذ تجمعُ بين كافةِ عناصرِ التنافرِ والتنافسِ والتعاونِ، حيث تشهدُ أحياناً تعاونٌ استراتيجي وتبادلٌ تجاريٌ يصلُ حد التكاملِ الثنائي، وأحياناً أخرى تَصِلُ حدَّ النزاع والخصام، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، وهذا طبيعيٌ في ظلِّ تنافس الطرفينَ في ميادين التجارة والاقتصاد والسياسة والتنمية والأمن؛ فضلاً عن التنافس الإقليمي.
وقد تتّأرجحُ علاقتُهُما في منتصفِ الطريقِ بين الاِندماجِ وحافّة الهاويةُ، أو التهديدِ بشن "حرب تجارية" متبادلة، انتقاماً من سياسات أو إجراءات يتّخذُها طرفاً تجاه الآخر، خاصة في المجال التجاري؛ أو الأمني حيث الخلاف في بحر الصين الجنوبي والشرقي وشبة الجزيرة الكورية وأمن المحيط الهادئ. ومع ذلك فان العلاقة بين الصين والولايات المتحدة تُوصف بأنها العلاقة "الأكثرُ أهميّةً في العالم" أو علاقة "الإثنين الكبار" "G2" في النظام الدولي؛ والتي تُطلق عليِهمَا حَصراً.
ولا شك أن صورة التهديد التي كانت متبادلة بين الطرفين منذ منتصف القرن العشرين، قد تغيّرت منذ زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" لبكين في عام 1972، حيث أرست أسساً جديدة للتعاون والتفاهم بين الطرفين، ثم اختفت ملامح القلق والتوتر بينهما بصورة أكبر، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فبحث الطرفان عن المصالح المشتركة في الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا.
يمتلك البلدان شبكة مصالح واسعة، ويسعيان لزيادة نفوذهما العالمي سياسيًا واقتصادياً، فالصين، كقوة صاعدة، تتبنى استراتيجيات لتعزيز حضورها الدولي، بينما تواصل الولايات المتحدة أداء دورها كقوة مهيمنة في نظام أحادي القطبية، ورغم اعتراف الصين بمكانة واشنطن ومصالحها، خاصة في المحيط الهادئ، إلا أنها تختلف معها بشأن مناطق النفوذ في آسيا، وتفضّل الحلول الدبلوماسية والتعاون الأمني.
وفي إطار سعيها لتقليص النفوذ الأمريكي في شرق آسيا، تعزز بكين وجودها في بحر الصين الجنوبي والشرقي، بينما تقرّ واشنطن بقدراتها العسكرية، وقد وصفها الرئيس الأسبق جورج بوش بأنها "خصم قوي" لا يمكن تجاهله. كما تعارض الصين الهيمنة الأمريكية على آسيا وانتقادها المتكرر لحقوق الإنسان وفق المفهوم الغربي، مؤكدة على قدسية سيادتها الوطنية.
اقتصادياً، تواصل الصين تحقيق نمو مذهل في التجارة والتكنولوجيا والتسلّح، محتلة المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة، ما أثار قلق واشنطن منذ سنوات، ودفعها إلى تطوير استراتيجيات لاحتواء هذا الصعود ومنع تحول بكين إلى قوة مهيمنة على النظام الدولي.
ويتوقّع خبراء الاقتصاد أن يصبح الاقتصاد الصيني الأكبر عالمياً بحلول عام 2030، بعدما تجاوز بسهولة كلاً من اليابان وألمانيا، ويستند هذا التوقّع إلى عوامل عدة، من أبرزها النمو السريع الذي يقترب من (10%)، والكثافة السكانية الهائلة، فضلاً عن كون الصين أكبر مصدر للولايات المتحدة، وثاني أكبر دائن لها، مع فائض تجاري لصالحها بلغ تريليون دولار في عام 2024.
منذ بداية الألفية الثالثة، تصاعدت التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، خاصة مع اتهام الولايات المتحدة للصين باتباع ممارسات تجارية غير عادلة، مثل قرصنة الملكية الفكرية، وإغلاق الأسواق أمام المنتجات الأمريكية، والتلاعب بقيمة اليوان. وقد ساهمت هذه السياسات، بحسب واشنطن، في تفاقم العجز التجاري الأمريكي.
وفي عهد الرئيس دونالد ترامب (2017–2021)، وصلت الأزمة إلى ذروتها، إذ فرضت واشنطن في عام 2018 رسوماً جمركية على سلع صينية تتجاوز قيمتها 350 مليار دولار، وردّت الصين بإجراءات مماثلة، ما أدى إلى اندلاع حرب تجارية عالمية أثّرت بشكل واسع على الاقتصاد الدولي.
في بداية ولايته الثانية، فرض الرئيس الأمريكي ترامب، بين فبراير وإبريل 2025م، رسوماً جمركية وصلت إلى (125%) على جميع الواردات الصينية، ما دفع بكين للرد برسوم مماثلة على منتجات أمريكية مثل الفحم، والغاز، والنفط، والمعدات الزراعية، والسيارات، ما يعكس تصاعد حدة الحرب التجارية بين البلدين.
ورغم مرور أكثر من خمسين عاماً على تطبيع العلاقات بين واشنطن وبكين، إلا أن انعدام الثقة السياسية، واعتقاد كل طرف بسعي الآخر لتعظيم مكاسبه، زادا من حدة التنافس والصرا،. كما يبرز البُعد الاستراتيجي في هذا الخلاف، إذ تسعى الصين لعالم متعدد الأقطاب تمهيداً لقيادة النظام الدولي مستقبلاً، بينما تتمسّك أمريكا بنظام أحادي القطبية تقوده هي.
وتُبدي واشنطن قلقاً كبيراً من مشروعات الصين الطموحة مثل "صنع في الصين 2025" و"طريق الحرير"، التي تهدف إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في آسيا وأوروبا، وهو ما يدفعها إلى اتباع سياسة "الاحتواء الحذر"، لتقييد صعود الصين دون الانجرار إلى صدام مباشر، مع الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية عالمياً.
إن علاقتهما "المعقّدة" للغاية، والتي يكتنفها التنافس والجدلُ والنفوذ في قضايا السياسية والتجارة، دفعت الخبيرُ الاقتصاديُّ الصيني "أوديد شينكار" للتأكيد في كتابه "القرن الصيني عام 2005م" بأن المشهد الختامي لأزمة التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة هو مشهد "صدامي" اقتصادي وأمني، بحيث تقوم الإدارة الأمريكية بفرض الرسوم الجمركية وإجراءات مالية أخرى على الواردات الصينية، بحجة حماية صناعتها، خارج إطار قواعد لعبة منظمة التجارة العالمية، ما يهددّ النظام الاقتصادي العالمي.
ويدعم ذلك ما قاله مستشار الأمن القومي الأسبق "زبغنيو بريجينسكي": "إذا فقدت الولايات المتحدة السيطرة على أوراسيا، فإن اللعبة ستنتهي بالنسبة للقوة العظمى الأولى".
ورغم احتدام التنافس واشتداد النزاع بين الصين والولايات المتحدة، يبقى جانب التعاون حاضرًا في المشهد، كوجهٍ آخر لا يمكن تجاهله، فواشنطن، بعد إخفاق نهجها التقليدي القائم على التهديد والاحتواء، باتت تسعى لصياغة "لغة حوار جديدة" تتناسب مع تعقيدات العلاقة مع بكين، في المقابل، تدرك الصين أن التنسيق مع الولايات المتحدة لم يعد خياراً، بل "ضرورة استراتيجية" تفرضها اعتبارات الواقع وتشابك المصالح.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن العلاقة بين العملاقين تُدار وفق "معادلة مزدوجة" تجمع بين التناقض والتكامل، بين التنافس والتعاون، حيث لا الغلبة للحرب ولا اليد العليا للسلام، بل توازن دقيق بين الضغط والانفتاح. ويبدو أن المستقبل سيظل مرتهناً بهذا المشهد المركّب، الذي تتقاطع فيه مصالح القوتين في عالم يتجه نحو إعادة تشكيل موازين القوة والنفوذ.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد
- الدولة والمواطن .. كيف يكون المجتمع المدنيُّ رديفاً للدولةِ؟
- فلسفة الانتحار .. لحظةٌ فاصلةٌ بين المواجهة وتجربة الموت!
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم ! الجزء الثاني
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم !! الجزء الأول
- الأردن وإيران .. عقدة السياسة والمصالح -المؤجلة-
- الأمن القومي -الطائفي- وأزمة الدولة العربية المركبة


المزيد.....




- ترامب يكشف سبب توقيع اتفاقية المعادن النادرة مع أوكرانيا
- تقرير: مجلس إدارة تسلا يبدأ إجراءات استبدال إيلون ماسك كرئيس ...
- مصادر لـCNN: إدارة ترامب تدرس إرسال مهاجرين إلى دولة عربية و ...
- تحليل لـCNN: إيران تغازل ترامب بفرصة الـ-تريليون دولار-.. لك ...
- وزير الدفاع الأمريكي يهدد إيران بسبب الحوثيين
- الكركمين.. -حارس أمين- للكبد و-مهندس ماهر- للقلب
- ZTE تطلق هاتفها المتطور لهواة التصوير
- -ظاهرة علمية فريدة-.. أشجار تتنبأ بكسوف الشمس قبل حدوثه!
- اكتشاف مصدر جديد للذهب في الكون المبكر!
- الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط يضاعفان الإنفاق على التسلّح


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ