أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي














المزيد.....

-نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 03:28
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تعتبر إشكالية التغيير واحدة من أعقد القضايا التي ما زالت تؤرق النخب الفكرية والسياسية في المنطقة العربية، فقد كشفت تجارب الحراك الشعبي عن فجوة عميقة بين الطموحات الثورية وإكراهات الواقع، مما يفرض إعادة التفكير في شروط مشروع النهضة وأدواته الفاعلة، ومسارات تحققّه.
ويتعيّن، بدايةً، الوقوف عند أدوار الوعي والثقافة والنخبة، باعتبارها المداخل الحقيقية لأي تحول تاريخي مستدام، بعيداً عن الانفعالات اللحظية والشعارات العابرة، بهدف تفكيك العلاقة الجدلية بين المشروع الفكري وبنية القيادة الثقافية، وممكّنات التغيير في ظل انسداد الأفق السياسي والاجتماعي العربي الراهن.
في ظل هذا السياق، تتكاثر التساؤلات الملحّة التي تلاحق المشهد العربي، وكأنها تعيدنا إلى سؤال التاريخ الجوهري: كيف يمكن غرس بذور الأمل في تربة طالها السُبات ولم تعد تسمح بالنمو؟ وهل تمتلك الثقافة والوعي والمعرفة القدرة على التأسيس لمسار تغييري بعيد المدى، أم أن حتى هذه المسارات باتت رهينة الاختناق والمصادرة؟
إن جوهر أي تحول تاريخي حقيقي ينطلق من الوعي، إذ لا وعي بلا مشروع، ولا مشروع بلا نخبة تقوده، وتجربة "الربيع العربي" تمثل نموذجاً صارخاً لهذا التعثّر؛ حيث تحوّل الحراك من مشروع تحرّر سياسي ذي أبعاد تغييرية كبرى، إلى مجرد انتفاضات مطلبية معيشية اختُزلت في قضايا "الخبز والوقود وارتفاع الأسعار"!
وهذا الانحسار لا يمكن تفسيره إلا من خلال ثلاثة أسباب متداخلة: اعتبارات الواقع القسريّة، فاعلية القوى المضادة، وغياب "الحامل" الفكري الواعي القادر على بلورة مشروع بديل!
فالنهضة الحقيقية تستدعي تفكيك شرطين أساسيين يقتضيان التأمل العميق؛ أولهما البوصلة الفكرية أو المشروع، إذ كثير من الثورات تؤول إلى الفشل لأنها تفتقر إلى وضوح الاتجاه؛ فالمشروع المطلوب لا يُختزل في شعارات عامة مثل "الحرية" و"العدالة"، بل ينبغي أن يتجسد في رؤية شاملة ومترابطة، تمتد إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية، وتكون متجذرة في الواقع المحلي، لكنها في الآن ذاته قادرة على تجاوز القُطريات الضيقة واستعادة البعد العربي والإنساني الأوسع.

أما الشرط الثاني، فهو المدرسة الفكرية أو النخب القيادية الحيّة؛ فالحراك الشعبي، وإن كان يمتلك طاقة الحركة، يظل بحاجة إلى توجيه من قبل نخبة واعية تمتلك أدوات التحليل والفهم والربط، إن غياب هذه النخبة، أو تشظّيها، أو احتواؤها من قِبل قوى مناقضة، هو ما أفقد الحراك قدرته على الاستمرار والاتجاه، فإما تم ابتلاعه داخل بنية النظام القائم، أو جرى توظيفه من قِبل قوى لا تتبنى أهدافه الحقيقية.
ومن هنا، فإن أي تغيير جذري يظل رهيناً بأن يكون ذاتي المنشأ، نابعا من الداخل لا مفروضاً من الخارج، متجذراً في الوعي الجمعي للأمة، وفاعلاً بإرادة المجتمع وقناعاته، لا بما يُستورد من تجارب أو يُفرض من قوى خارجية!
في هذا الإطار، تشكل النخبة القياديّة الواعية "ٌقلقاً" حقيقياً لبنية الأنظمة العربية، لا لأنها تملك القوة المادية، بل لأنها تحتكر ما تفتقده هذه الأنظمة: الشرعية الأخلاقية والرمزية، والقدرة على الإقناع، لا الإكراه، ومن هنا، تسعى الأنظمة الشمولية إلى إسكات المدارس الفكرية واغتيالها في المهد، لأنها تدرك أن الفكر، متى تُرك لينمو، يصبح أكثر خطورة من السلاح.
وعليه، فإن النقلة الجذرية لا تتطلب ثورة سياسية صاخبة، بل ثورة فكرية صامتة وتراكمية، تنحت الوعي في عقول الأفراد بصبر ومثابرة، حتى تتحول إلى ثورة ذاتية تنمو داخل المجتمع، عبر قنوات الثقافة، والتعليم، والأدب، واللغة، قبل أن تنعكس في معادلات السلطة والتغيير.
وبدل التعويل على "حركة تغيير" علنية، تبدو الحاجة اليوم إلى نشوء جيل جديد من المفكرين، والمعلّمين والفنانين والكتّاب، القادرين على صياغة وعي يتجاوز حدود النهج القُطري الضيق، ويعيد الاعتبار للسؤال النهضوي الأوسع، عبر طرح الأسئلة الصحيحة، ولو قبل أن تحين لحظة الإجابة عنها، فالكتابة، والفكر، والثقافة، رغم القيود المفروضة، تظل المسار الأكثر واقعية لبداية مشروع تغيير هادئ وعميق، قوامه البناء التراكمي طويل الأمد، لا الانفعال اللحظي.
إن طريق الحرية لا يسلكه من يتمنى فحسب، بل من يمتلك الصبر، والإرادة والإيمان بأن الوعي هو الفعل الأول في مقاومة القمع والجمود، ومن هذا المنطلق، تبدو معركة الوعي معركة استراتيجية تتطلب مشروعاً لإعادة إنتاج النخب القياديّة، بعيداً عن الأضواء السريعة، وفي عمق المجتمع وتكوينه الثقافي والاجتماعي.
وبينما تتبدّل موازين القوى وتتغير معطيات الواقع السياسي، تبقى الثقافة والفكر هما الحاملان الأصيلان لأي نقلة نوعية، شريطة أن تتجذر هذه الحركة في عمق المجتمع لا في سطحه، وأن تتسم بالصبر الاستراتيجي لا بالتسرع الانفعالي، إن معركة الوعي، وإن بدت صامتة وبطيئة، تظل الأفق الأكثر جدية للتغيير المطلوب مستقبلاً، ولبناء نهضة لا تقف عند حدود اللحظة الراهنة.
وربما، وإن كنا لا نعيش لحظة التغيير الكبرى، إلا أن مسؤولية النخبة القيادية تبقى قائمة في التمهيد لها وتهيئة شروطها، وعبور الطريق نحوها، ولو بكلمة تزرع الأمل في عتمة "الظلام العربي".



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!
- -العرب- بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
- حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد


المزيد.....




- -لم أتحمّل الحلم الأمريكي-: محارب متقاعد ينتقل للعيش في البر ...
- عُثر عليه على بُعد 300 قدم داخل غابة.. ممثل أمريكي يصف نجاته ...
- لأول مرة.. -داعش- يتبنى هجومين ضد قوات موالية للحكومة الجديد ...
- الخارجية الروسية: بكين تتفهم موقف موسكو بخصوص الأزمة الأوكرا ...
- فضيحة طبية تهز أوروبا: متبرع دنماركي أنجب 67 طفلًا ونقل جينً ...
- ماكرون يحذر من تركيز واشنطن على الصين على حساب أوكرانيا
- بعد عرقلة إسرائيلية.. وزراء عرب يؤجلون زيارتهم لرام الله
- بيان مصري تونسي جزائري مشترك حول ليبيا
- رئيس جورجيا يتحدث عن مطالبة دول غربية لبلاده بالانخراط في ال ...
- مصادر تركية تنفي نية لقاء أحد قيادات تنظيم -بي كي كي-


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي