أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسر قطيشات - استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم














المزيد.....

استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 17:52
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في دراسة نشرتها عام 2005 حول التداعيات الإقليمية والدولية لاحتلال العراق عام 2003، خلصتُ إلى أن السياسة الأمريكية تجاه العراق لم تكن ارتجالية أو ظرفية، بل اتبعت سردية استراتيجية محكمة بثلاث مراحل واضحة: الاستنزاف، الإنهاك، ثم الإنهاء، وهي مراحل لا تقف عند حدود العراق، بل تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ"ميثولوجيا التفوّق الأمريكي"، حيث تتحول الجغرافيا إلى خشبة مسرح، والدول إلى شخصيات مؤقتة، وبطل السيناريو لا يتغير: "بطل السيما الأمريكي".
بدأت المرحلة الأولى، الاستنزاف، مع اندلاع الحرب العراقية–الإيرانية (1980–1988)، حربٌ بدا فيها أن الجميع يخسر، لكن الولايات المتحدة كانت الرابح الخفي، إذ أتاحت لها هذه الحرب استنزاف القدرات البشرية والعسكرية للطرفين، دون أن تُكلّفها جندياً واحداً. لقد دفعت بغداد وطهران ثمناً باهظاً مقابل "وهم السيادة"، بينما كانت واشنطن تؤسسُّ لعقود من التحكم في ميزان القوى الإقليمي.
ثم جاءت مرحلة الإنهاك، والتي تجلّت بوضوح في حرب الخليج الثانية (1990–1991)، عبر تحالف دولي ضم أكثر من ثلاثين دولة، شنّ حملة تدمير ممنهجة ضد البنية التحتية والقوة العسكرية العراقية، أعقب ذلك حصار اقتصادي خانق دام أكثر من عقد، حوّل العراق إلى دولة مرهقة ومقيدة، لكنها ما زالت تحمل بذور التحدي.
وهنا تتجلى إحدى ركائز العقيدة الأمريكية التي لم تُخفَ يومًا: "لا يمكن أن تواجه دولة لديها القدرة والأدوات على الردع والمواجهة"، بل إن واشنطن تحتكر الردع، وتمنحه فقط لمن تراه ذراعاً أمنية لها، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، الذي يُسمح له حصراً بامتلاك استراتيجيتي التفوّق والردع.
ثم جاءت لعبة 11 سبتمبر 2001، كبوابة رمزية للمرحلة الأخيرة: الإنهاء، فبعد أن أصبح العراق عسكرياً خارج العصر، يعتمد على تقنيات سوفيتية مهترئة، آن أوان دخول "بطل السيما الأمريكي" إلى المشهد الختامي، هذا البطل، الذي لطالما ظهر في نهاية الفيلم ليخلّص البشرية من "قوى الشر"، ظهر هذه المرة على هيئة جيش الغزو الأمريكي، محمولاً بشعارات الحرية والدمقرطة و"تحرير الشعب"!
لكن خلف هذا القناع الأخلاقي، كانت هناك ماكينة ضخمة لإنتاج الوهم: سقطت بغداد عام 2003، وسقط معها نظام صدام حسين، لكن ما لم يُقال وقتها، أن ما حدث كان أكبر عملية خداع استراتيجي في التاريخ المعاصر، وأكبر عملية "نصب واحتيال" في التاريخ، حيث أُسقطت دولة كاملة بذرائع مختلقة، أُنتجت في أستوديوهات "هوليود السياسية"، وصُرفت ضمن ميزانية كبرى للهيمنة، لا للعدالة.
وإذا كان ذلك "الفيلم" قد انتهى بتدمير العراق، فإن المشهد الراهن يوحي بأن السيناريو يُعاد إنتاجه، ولكن هذه المرة على مسرح مختلف، وبطل بديل مؤقت: الكيان الصهيوني، فالحرب الإسرائيلية–الأمريكية على إيران، كما يبدو، دخلت مرحلة الإنهاك بامتياز: اغتيالات غامضة، تفجيرات في منشآت نووية، هجمات سيبرانية، وشيطنة إعلامية مستمرة.
وكل هذا، يجري بينما يقف "بطل السيما الأمريكي" خلف الكواليس، يكتب السيناريو ويُخرج المشهد، لكنه لم يدخل بعد بدوره المحوري المعتاد في الإنهاء، ليس من الصعب ملاحظة أن ما يجري على الأرض يُعيد إنتاج منطق السيطرة ذاته، ولكن بأدوات أكثر حداثة، ووجوه أكثر محلية.
الهدف غير المعلن في الاستراتيجية الصهيو–أمريكية هو استنساخ نموذج العراق في إيران، فالأخيرة، منذ عقد ونيّف، تقف على قائمة "محور الشر" في أدبيات المحافظين الجدد، وتُصوَّر باعتبارها العقبة المركزية أمام "نظام العالم التوراتي اليميني الأمريكي"، الذي لا يحتمل وجود لاعب مستقل يمتلك قدرات تقنية أو عسكرية أو حتى سردية مقاومة!
لكن السؤال الفلسفي الأعمق لا يتعلق بإيران وحدها، بل بالعالم بأسره: هل ستنجح أمريكا في تكرار السيناريو ذاته، أم أن هذا الفيلم سينتهي بنهاية غير متوقعة؟
وهل يمكن لـ"بطل السيما" أن يفرض نهاية جاهزة على عالمٍ أصبح أكثر وعياً بالمونتاج السياسي، وأكثر شكّاً في حبكات الأفلام الأمريكية التي تبدأ بالحرية وتنتهي بالخراب؟



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآ ...
- -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي
- -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!
- -العرب- بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
- حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-فرار شخصيات إيرانية بارزة- بعد النزاع مع إسر ...
- مقتل رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني
- حادثة تحطم منطادين سياحيين في أكسراي تودي بحياة شخص وإصابة 3 ...
- -واشنطن بوست-: مسؤول سوري كبير سابق يعترف بأن الأسد شخصيا أم ...
- -نشوة البداية وخيبة النهاية-.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستع ...
- مصادر عبرية: هجوم إيراني يمني وشيك على إسرائيل
- تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية في مرآة الصحافة الفارسية ...
- روسيا تسلم أوكرانيا جثث 1200 من قتلى الحرب
- لماذا يستولي جيش الاحتلال على منازل الفلسطينيين في الضفة؟
- ما وراء -طوارئ ترامب- الزائفة


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسر قطيشات - استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم