أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - استقرار الأنظمة واضطراب المجتمعات!














المزيد.....

استقرار الأنظمة واضطراب المجتمعات!


ياسر قطيشات
باحث وخبير في فلسفة السياسة والعلاقات الدولية والدبلوماسية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 21:03
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


من أكثر الظواهر اللافتة في العالم العربي تلك المفارقة التي تتمثّل في استقرار الأنظمة السياسية مقابل اضطراب المجتمعات وتصدعها الداخلي! ففي حين تظهر الدولة العربية بقدرتها على فرض السيطرة، وتقديم صورة من الصلابة المؤسسية والسياسية، تبدو المجتمعات في المقابل محكومة بالانقسام، مثقلة بالأزمات، وعاجزة عن التعبير الحر أو إنتاج قوى تغييرية فاعلة.
هذا التناقض ليس سطحياً أو عارضاً، بل يعكس طبيعة بنيوية متجذرة في علاقة السلطة بالمجتمع، ويفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول أسس الاستقرار السلطوي وحدوده وإمكاناته المستقبلية.
غالباً ما يُعزى هذا الاستقرار إلى الاستبداد العربي، ففي ظله نجحت أغلب الأنظمة في السيطرة على المجال العام وإضعاف قوى المعارضة، غير أن اختزال التفسير في هذا البعد وحده يبدو قاصراً، خاصة وأن أحداث "الربيع العربي" كشفت هشاشة العديد من هذه الأنظمة، وسقوطها السريع رغم امتلاكها أدوات القمع والعنف.
لذلك، يصبح لزاماً النظر إلى الظاهرة (الإشكالية) باعتبارها نتاجاً لمجموعة متشابكة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخارجية، تشكل معاً شبكة معقدة تفسّر قدرة الأنظمة على الاستمرار وسط مجتمعات مضطربة.
على الصعيد الاقتصادي، لعبت الطبيعة الريعية للدولة العربية دوراً محورياً في إنتاج هذا الاستقرار النسبي، إذ تعتمد كثير من الدول على النفط أو الغاز أو المساعدات الخارجية، ما يمنحها قدرة استثنائية على التحكم بالموارد وتوزيعها بطريقة انتقائية.
هذا النموذج مكّن الأنظمة من شراء الولاءات، سواء عبر دعم مباشر للمواطنين أو عبر تمكين النخب الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالسلطة، وبدل أن يتأسّس الاستقرار على عقد اجتماعي يقوم على المشاركة والمساءلة، أصبح قائماً على مقايضة غير متكافئة: الولاء مقابل الريع!
أما داخلياً، فقد اعتمدت الأنظمة على بناء تحالفات معقدة مع الأجهزة الأمنية، البيروقراطية، ورجال المال والأعمال، وأحياناً مع الأحزاب الرسمية أو القوى التقليدية؛ كالقبائل والطوائف، هذه التحالفات تنتج مصلحة مشتركة في استقرار النظام، بحيث يصبح ضعفهِ تهديداً مباشراً لبقاء هذه الشبكات، ولعل هذا يفسر كيف أن بعض الأنظمة، رغم غياب الشرعية الشعبية الواسعة، تظل قادرة على الصمود بفعل ترابط مصالح النخب المهيمنة التي ترى في النظام مظلة لاستمرار نفوذها!
إلى جانب ذلك، شكّلت أدوات القوة الصلبة والرقابة المستمرة ركيزة أساسية في إدامة السيطرة، صحيح أن الاعتماد المفرط على القمع قد يؤدي في لحظة ما إلى انفجار شعبي واسع، إلا أن الاستخدام الانتقائي للعنف، مع السيطرة المُحكمة على الإعلام والفضاء العام، ساهم في تفكيك المعارضة، وإبقاء المجتمع في حالة شلل أو خوف دائم، فالأنظمة لا تقمع كل المجتمع دفعة واحدة، بل تضرب نقاط التأثير الاستراتيجية، وتسمح بهوامش "تنفيس" محدودة لا تهدد جوهر السلطة.
البعد الخارجي يمثل بدوره عنصراً لا يقل أهمية، فالكثير من الأنظمة العربية حظيت بدعم مباشر من قوى كبرى؛ كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، بحكم أدوارها الوظيفية في قضايا الأمن الإقليمي والطاقة والجغرافيا السياسية، هذا الدعم لم يقتصر على الجانب السياسي، بل امتد ليشمل غطاءً اقتصادياً وعسكرياً، ما منح الأنظمة قدرة إضافية على مواجهة الضغوط الداخلية.
وبالتالي، فإن استقرار الأنظمة العربية ليس نتاجاً داخلياً محضاً، بل هو إلى حدٍ كبير نتاج توازنات دولية تتقاطع مصالحها الاستراتيجية مع ضمانة استقرار هذه الأنظمة.
ولا يمكن إغفال دور سلطة النظام العربي في إدارة الهويات والانقسامات المجتمعية، إذ غالباً ما تستثمر السلطة في الانقسامات الطائفية أو القبلية أو الجهوية، وتعيد إنتاجها لتمنع أي إمكانية لتوحيد الشارع ضدها، هذه السياسة تجعل المجتمع في حالة اضطراب وانقسام دائم، لكنها في الوقت نفسه تمنح النظام موقع "الحكم" أو "الضامن"، ما يعزز صورته كعامل استقرار مقابل مجتمعٍ مفككّ!
غير أن هذا الاستقرار السلطوي يظل هشاً، وقابلاً للانهيار عند التعرض لصدمات كبرى: مثل الثورات الشعبية عام 2011م، والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وسوريا واليمن منذ أكتوبر 2023م، حيث واجهت بعض الأنظمة هزات عنيفة، وهو ما يؤكد أن الاستقرار الذي تنتجه العوامل السابقة ليس استقراراً حقيقياً متجذراً في رضا مجتمعي واسع، بل هو استقرار مؤقت قائم على معادلات قوة وتحالفات وظيفية.
من هنا، فإن تفسير ظاهرة "استقرار الأنظمة واضطراب المجتمعات" يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد: الريع الاقتصادي، الشبكات الداخلية، الدعم الخارجي، أدوات القمع وإدارة الانقسامات، هذه العوامل مجتمعة تمنح الأنظمة العربية قدرة على الاستمرار، لكنها في الوقت نفسه تجعل استقرارها رهينة توازنات قابلة للتغيّر مع أي أزمة داخلية أو تحول إقليمي ودولي.
وعليه، تصبح دراسة هذه الظاهرة خطوة ضرورية لفهم ديناميات السلطة في العالم العربي، واستشراف مستقبلها في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات كبرى، خاصة أن هذه المفارقة تُثيرُ سؤالاً جوهرياً: إلى أي مدى يمكن للأنظمة العربية أن تواصل إنتاج استقرارها السلطوي في ظل مجتمعات مضطربة ومفككّة؟ وهل يشكّل هذا الاستقرار نموذجاً مستداماً قادراً على الصمود أمام التحولات الداخلية والضغوط الخارجية، أم أنه مجرد حالة مؤقتة مرشحة للانهيار مع أول أزمة كبرى؟



#ياسر_نايف_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى نجلسُ بجانب النافذة!؟
- لبنان والمعادلة المستحيلة: دولة بلا مقاومة أم مقاومة بلا دول ...
- انهيار وهم الحماية: درس الدوحة في منظومة الأمن الخليجي والعر ...
- ما بعد الإدانة .. وما قبل الانهيار: متى يغادر العرب دائرة ال ...
- قمة -شنغهاي- والاستعراض الجيوسياسي: هل ينكسر احتكار الغرب لل ...
- لبنان و-سلاح- حزب الله: بين معادلات الداخل ووصاية الخارج
- أمريكا -السنية والشيعية-: كيف حوّلت الطائفية إلى استراتيجية ...
- الأردن في مواجهة المشروع الصهيوني وخيارات التحدّي الوجودي
- ما بعد -مؤتمر نيويورك-: هل تتجه فلسطين نحو الدولة أم نحو الع ...
- -عقدة الثمانين- .. بين سرديّة الاعتراف وسرديّة الوجود!
- الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط
- -غزة- في مرآة الخذلان العربي
- الأمّةُ في زمن الانكسار: كيف نبني مستقبلاً يستحق الحياة؟
- ما بعد الدولة -المُتألّهة-: سرديّة المقدّس في عصر الحداثة!
- في قبضة المجانين: العالم بين انهيار القيم والشرعية وغطرسة ال ...
- الدولة المارقة: -إسرائيل- وإعادة إنتاج النازية بالصهيونية!
- -المسألة اليهودية- .. لم تُحل!
- استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم
- قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآ ...
- -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي


المزيد.....




- الكشف عن قيمة المسروقات من متحف اللوفر
- -مسار الأحداث- يناقش أسباب زيارة دي فانس وكوشنر وويتكوف لإسر ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. إسرائيل تفحص جثتي أسيرين وحماس تؤكد ...
- البرلمان التركي يقر تمديد إرسال قوات إلى العراق وسوريا
- فرنسا تعلن قيمة -كنوز اللوفر- المسروقة.. وتوجه تحذيرا إلى ال ...
- ترامب عن لقاء بوتين: -لا أريد أن أضيع وقتي-
- نتنياهو يُقيل تساحي هنغبي: خلافات غزة والرهائن تُطيح بمستشا ...
- كيف وجد الرئيس ساركوزي نفسه وراء القضبان، ومن هو الملياردير ...
- بين شهادة المرحوم مصطفى البراهمة و مسلسل “حين يرونا”: خاطرة ...
- شاهد..برشلونة يحقق مكاسب بالجملة بعد الفوز على أولمبياكوس


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - استقرار الأنظمة واضطراب المجتمعات!