أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط














المزيد.....

الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 17:30
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في عالم الطيران، لا يُفهم سقوط طائرة إلا بعد فتح "الصندوق الأسود" الذي يسجّل اللحظات الحرجة، ويكشف أسباب الكارثة، سواء أكانت عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً. وبالقياس ذاته، تبدو المنظومة العربية "الرسمية" أشبه بطائرة منهارة، فقدت توازنها منذ عقود، وتهوي اليوم نحو قاع تاريخي غير مسبوق من الضعف والمهانة، بينما لا يزال الصندوق الأسود مغلقاً، أو ممنوعاً من الفتح!
يمرُّ العالم العربي، منذ عقود، بحالة سقوط حرّ طويلة الأمد، دون محاولة جادة لفتح "الصندوق الأسود" الذي يكشف أسرار هذا الانهيار المستمر، وهذه الهشاشة المزمنة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فـ"الصندوق الأسود العربي" تشبيهاً دقيقاً لحالة الانهيار المزمن في النظام العربي الرسمي.
فما الذي يحتويه هذا الصندوق؟ وما مكونات لحظة السقوط العربي المستمرة؟
ما نشهده اليوم في غزة من حرب إبادة وحصار وتجويع، في ظل صمت عربي شامل، ليس حدثاً طارئاً ولا مفاجئاً، إنه ذروة منحدر طويل بدأ منذ عقود، وتكثّف بعد احتلال العراق، وتفاقم مع الانهيارات المتتالية في سوريا وليبيا واليمن، ومع تحوّل العالم العربي إلى مسرحٍ مفتوحٍ لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، دون أي حضور فعلي أو مؤثر للدول العربية نفسها!
منذ انتهاء مرحلة التحرّر من الاستعمار، أخفقت معظم الدول العربية في بناء مشروع وطني أو قومي جامع، وتم استبدال التنمية المستقلة والاستقرار المؤسسي بأنظمة استبدادية فردية، حكمت بالخوف لا بالشرعية، واعتمدت على الخارج أكثر من اعتمادها على شعوبها، ومع هزيمة 1967، تهاوى ما تبقى من المشروع القومي، وأصبح العالم العربي يتحرك بلا بوصلة استراتيجية واضحة.
جاء احتلال العراق عام 2003 ليمثّل نقطة تحوّل مركزية؛ إذ لم يكن سقوط بغداد مجرد خسارة جغرافية، بل انهياراً لمركز ثقل عربي، وفتحاً لباب الهيمنة الإيرانية والأمريكية على حد سواء. ثم جاءت سنوات ثورات "الربيع العربي"، التي مثّلت لحظة أمل تاريخية، لكنها تحوّلت سريعاً إلى "شتاء سياسي" بعد انقضاض الثورات المضادة، وصعود محاور إقليمية متصارعة، أدّت إلى تعميق الانقسام وانهيار التضامن العربي.
في هذا الفراغ، تمددت القوى الإقليمية غير العربية: إسرائيل لم تعد عدواً مشتركاً بل صارت شريكاً معلناً في بعض المحاور، وإيران توسّعت في أربع عواصم عربية، في ظل تراجع الردع العربي، وتركيا عززت وجودها في شمال سوريا والعراق.
أما الولايات المتحدة والغرب، فاستمرّا في هندسة خريطة النفوذ، عبر صفقات سلاح وقواعد عسكرية، وضغوط اقتصادية، وصفقات تطبيع، في ظل غياب أي وزن أو ردع عربي جماعي، وأصبحت دول "النظام العربي" أشبه بأحجار على رقعة شطرنج، تتحرك بأوامر خارجية لا بإرادة مستقلة! فتؤدي دوله في كثير من الأحيان أدواراً وظيفية ضمن استراتيجيات الآخرين: بعضها يشتري الأمن والدعم الدولي عبر الصمت أو الشراكة، وبعضها الآخر يُوظَّف لتمرير أجندات الغرب أو التطبيع أو مواجهة إيران، والقليل فقط يحتفظ بمساحة مناورة، لكنها محدودة ومحصورة في اعتبارات داخلية.
والحقيقة المؤلمة أن المنطقة العربية تتحرك ضمن معادلات الآخرين، الصراعات تُدار على أراضينا، والثروات تُستنزف لخدمة أجندات لا علاقة لها بمصالح الشعوب، بينما الأمن القومي العربي والوحدة والكرامة، تُترك بلا حاضنة أو دفاع!
وجاءت المأساة الإنسانية المستمرة في غزة، لتكشف جوهر هذه اللحظة التاريخية القاسية، فالحرب على غزة، بكل ما تحمله من همجية وتجويع وتدمير ممنهج، تقابلها لا مبالاة رسمية عربية تصل حد التواطؤ، فالصمت هنا ليس مجرد عجز، بل جريمة سياسية وأخلاقية موصوفة، تجسّد عمق الانحدار وفقدان البوصلة!
إنّ أزمة الأمة العربية أعمق من مجرد فشل سياسي؛ إنها أزمة هوية وثقافة ونخبة وتعليم وإعلام، هي أزمة حضارية برمتها: مجتمعاتٌ تمّ تهميش وعيها، وقمع أصواتها، وقطع صلتها بالمعرفة النقدية! وبالتالي، أصبح من السهل على الأنظمة أن تهمّش القضية الفلسطينية، وتُفرّغ مفاهيم التحرر وتقرير المصير والكرامة من مضمونها، حتى تحوّلت غزة نفسها من قضية جامعة، إلى ملف "محرج" أو "معقّد" أو "ثانوي" في حسابات البعض.
فتح الصندوق… أم دفنه؟ لفهم السقوط العربي، نحتاج إلى فتح هذا "الصندوق الأسود" بكل شجاعة: لتفكيك سرديات الاستسلام، نقد الأنظمة، إعادة بناء مشروع عربي مستقل، واستعادة الإرادة الشعبية، وإلا، فإن الطائرة ستبقى تهوي، وربما لن يتبقى منها ما يمكن إنقاذه!
فهل لا يزال في وسع العرب –أنظمة وشعوب– أن يستردوا زمام المبادرة؟ أم أن الصندوق الأسود سيُدفن مع تاريخ طويل من العجز، ويُكتب على هذه الأمة أن تعيش على هوامش الجغرافيا والتاريخ، تراقبُ مصيرها يُرسم في عواصم الآخرين؟



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غزة- في مرآة الخذلان العربي
- الأمّةُ في زمن الانكسار: كيف نبني مستقبلاً يستحق الحياة؟
- ما بعد الدولة -المُتألّهة-: سرديّة المقدّس في عصر الحداثة!
- في قبضة المجانين: العالم بين انهيار القيم والشرعية وغطرسة ال ...
- الدولة المارقة: -إسرائيل- وإعادة إنتاج النازية بالصهيونية!
- -المسألة اليهودية- .. لم تُحل!
- استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم
- قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآ ...
- -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي
- -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!
- -العرب- بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
- حين دمّرت بريطانيا الشرق: الوجه الآخر لحضارة العنصريّة!
- -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...


المزيد.....




- فساتين النجمات في حفلات صيف 2025: بين الأناقة والتمرّد على ا ...
- مراسلة CNN تضغط على ترامب بشأن الاجتماع المحتمل مع بوتين
- البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
- ماذا كشف نتنياهو بخطة غزة الجمعة؟.. إليك ما نعلمه ولا نعلمه ...
- مفاوض سابق عن خطة احتلال غزة: من الصعب نجاحها وستكون باهظة ا ...
- لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
- رفيقك الوفي.. كلبك قد يعيد لك توازنك ويخفف من الضغوط والتوتر ...
- وزير الهجرة اليوناني يشيد بتراجع أعداد الوافدين بعد شهر من ت ...
- فيدان: ناقشت مع الشرع تعميق التعاون والقضايا الأمنية
- حكم قضائي رابع يوقف أمر ترامب بمنع منح الجنسية الأميركية بال ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط