أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر قطيشات - متى نجلسُ بجانب النافذة!؟














المزيد.....

متى نجلسُ بجانب النافذة!؟


ياسر قطيشات
باحث وخبير في فلسفة السياسة والعلاقات الدولية والدبلوماسية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 22:48
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


حين يتأمل الفتى العربي مقعده في منتصف السيارة أو الطائرة، بعيداً عن النافذة، لا يدرك أنه يعيش رمزاً يتجاوز حدود الموقف البسيط، فذلك المقعد الأوسط ليس مجرد موضع جسدي، بل هو استعارة عن موقع أمّةٍ بأكملها: أمة كانت يوماً ما في مقعد القيادة، ترى العالم من الأعلى، ثم وجدت نفسها محشورة في منتصف التاريخ، لا إلى النور ولا إلى العدم، تنظر إلى من يجلس بجانب النافذة فيتحكم بالمشهد والرؤية والاتجاه!
السؤال إذن: ليس متى نحصل على المقعد بجانب النافذة؟ بل لماذا رضينا بالجلوس في المنتصف كل هذا الوقت؟
النافذة، في بعدها الرمزي، تمثل الرؤية، أن تجلس بجانبها يعني أن تمتلك القدرة على رؤية الطريق، أي أن تمتلك وعياً بالتاريخ، وإدراكاً لاتجاه الحركة، ومن ثمّ حقًّا في المساهمة في القرار.
لقد جُرّد العرب، بفعل عوامل داخلية وخارجية، من هذا الحق في الرؤية، وأصبحوا يتلقّون المشهد لا يصنعونه، يشاهدون الأحداث لا يشاركون في كتابتها.
منذ القرون الوسطى، حين بدأت موجة الانكفاء الحضاري، واستُبدلت "عقلانية الفعل" بـ "عاطفية الذاكرة"، بدأ الانسحاب من موقع الرؤية، وصارت النافذة مغلقة، أو مفتوحة للآخر فقط!
الغرب رأى من خلالها العالم وامتدّ إليه، والعرب أغمضوا أعينهم خوفاً من ريح التغيير أو من وهج ضوء الآخر!
تتجذّر الإشكالية في أن العرب، رغم امتلاكهم كل مقومات القوة (الموقع، الثروة، اللغة، الدين، التاريخ) يعيشون مفارقة مأساوية: ثراء الموارد يقابله فقر الإرادة، لقد تحوّل الماضي إلى قيدٍ، بدل أن يكون رافعةً، وأصبح التراث تبريراً للعجز لا منبعاً للفعل!
تراكم هذا الشعور بالوسطية والحياد حتى صار نمطاً وجودياً: نحن لسنا في الصف الأمامي حيث يُتخذ القرار، ولسنا في الصف الأخير حيث يبدأ التمرد، نحن فقط... في الوسط، ننتظر!
ثقافة الانتظار تلك جعلت العرب يتعاملون مع التاريخ كـ"طائرة" متعطّلة لا تصلح للقيادة والطيران إلا بقرار خارجي، في حين أن الشعوب الأخرى اقتحمت أبوابها وصنعت مقاعدها الخاصة بجانب النافذة وشرعت بالطيران!
إذا أسقطنا الرمزية على الواقع السياسي، نجد أن النظام الدولي الحديث منذ الحربين العالميتين أعاد توزيع المقاعد: القوى الكبرى جلست بجانب النافذة، ترسم خرائط النفوذ وتتحكم في الرؤية والمصير. أما العرب، فتوزعوا بين مقاعد متفرقة داخل الطائرة:
 بعضهم مشغول بالخلاف على المقعد الداخلي،
 وبعضهم يفاوض على مسند الذراع،
 وآخرون يقبلون بالبقاء واقفين في الممر، ما دام "الرحلة" مستمرة ولو بلا وِجهة!
لم يكن العجز العربي يوماً نتيجة نقص في الإمكانيات، بل في ترتيب الأولويات،
فحين تتحوّل الدولة من مشروع حضاري إلى كيان قُطري محدود، ومن مفهوم الأمة إلى مفهوم "الحدود"، تفقد النافذة معناها، لأن الرؤية تتقلّص إلى إطار ضيق لا يتجاوز حدود المقعد الوطني!
لقد ترك العرب مقعدهم "بجانب النافذة" لمن ادعى الحداثة والتنوير، بينما هو في الحقيقة استعمر ونهب، وأعاد تشكيل الوعي العربي وفق منظومةٍ تُبقيه في مقعد المنتصف، لا يرى، ولا يقرر ولا يختار.
القضية ليست أن العالم يمنع العرب من الجلوس بجانب النافذة، بل أنهم اقتنعوا ضمنياً أن هذا المقعد ليس لهم، العقدة النفسية الجماعية التي تراكمت منذ قرون من الهزائم والخيبات جعلت العربي يرضى بموقعه الحالي، بل ويخشى أن يطالب بتغييره!
وهذا هو جوهر الأزمة السياسية العربية: أزمة إرادة، لا أزمة إمكانية. ولا يمكن لأي كيان أن يشارك في صناعة العالم ما لم يمتلك وعياً بذاته أولاً، والعرب يعانون اليوم من انقسام الوعي: وعي متخمٌ بالماضي، ووعي عاجزٌ عن الحاضر، ووعي غائبٌ عن المستقبل.
متى يجلس العرب بجانب النافذة؟
سؤال يبدو بسيطاً، لكنه في عمقه استجواب وجودي وسياسي لموقع أمة بأكملها في مسرح التاريخ: حين يتحول "الوعي بالأزمة الحضارية" للعرب إلى "إرادة للفعل"، حين يدرك العربي أن الخوف من المطالبة بمقعده هو الخضوع بعينه، يجلس العرب بجانب النافذة عندما:
• يؤمنون بأن الرؤية حق وليست منّة؛
• يستبدلون ردّ الفعل بالفعل ذاته؛
• يفكّكون التبعية الفكرية والسياسية ويؤسسون لنهضة فكرية جديدة؛
• يحوّلون الثروة إلى مشروع حضاري لا إلى ريع سياسي؛
• يعودون إلى روح الرسالة الأولى في بعدها الإنساني، لا السياسي فقط، فالإسلام في جوهره رؤية للعدل والحرية، لا تبرير للاستكانة.
الجلوس بجانب النافذة ليس ترفاً ولا امتيازاً، بل هو استعادة لحقٍّ تاريخي في الرؤية والقيادة،
إن الفتى العربي (من أقصى المحيط إلى ضفاف الخليج) الذي قرر أخيراً أن يطالب بمقعده ليس مجرد طفل يبحث عن المنظر، بل رمز لإنسان عربي بدأ يتصالح مع فكرة النهوض، لا بوصفها حلماً رومانسياً، بل مشروعاً ممكناً، وحين ينجح العرب في تحويل الخوف والترددّ من المطالبة بحقهم إلى شجاعة في استعادته، عندها فقط.. ستكون لحظة ميلاد أمة من جديد، وحينها يجلس العرب بجانب النافذة، ويرون العالم كما أرادوا هم أن يكون، لا متفرجين عليه، بل صانعين له.



#ياسر_نايف_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لبنان والمعادلة المستحيلة: دولة بلا مقاومة أم مقاومة بلا دول ...
- انهيار وهم الحماية: درس الدوحة في منظومة الأمن الخليجي والعر ...
- ما بعد الإدانة .. وما قبل الانهيار: متى يغادر العرب دائرة ال ...
- قمة -شنغهاي- والاستعراض الجيوسياسي: هل ينكسر احتكار الغرب لل ...
- لبنان و-سلاح- حزب الله: بين معادلات الداخل ووصاية الخارج
- أمريكا -السنية والشيعية-: كيف حوّلت الطائفية إلى استراتيجية ...
- الأردن في مواجهة المشروع الصهيوني وخيارات التحدّي الوجودي
- ما بعد -مؤتمر نيويورك-: هل تتجه فلسطين نحو الدولة أم نحو الع ...
- -عقدة الثمانين- .. بين سرديّة الاعتراف وسرديّة الوجود!
- الصندوق الأسود العربي: محاولة لفهم لحظة السقوط
- -غزة- في مرآة الخذلان العربي
- الأمّةُ في زمن الانكسار: كيف نبني مستقبلاً يستحق الحياة؟
- ما بعد الدولة -المُتألّهة-: سرديّة المقدّس في عصر الحداثة!
- في قبضة المجانين: العالم بين انهيار القيم والشرعية وغطرسة ال ...
- الدولة المارقة: -إسرائيل- وإعادة إنتاج النازية بالصهيونية!
- -المسألة اليهودية- .. لم تُحل!
- استراتيجيا الإنهاك والإنهاء: عندما تتحول السياسة إلى فيلم
- قوس السقوط الحضاري: -القوّة العمياء- في مواجهة حتميّة مع مرآ ...
- -نُخب القيادة- وجدليّة التغيير في الوعي العربي
- -قرن الإهانة العربي-: لماذا نهضت الصين ولم ينهض العرب؟!


المزيد.....




- -أمازون- تعلن عودة أنظمتها للعمل بعد عطل كبير
- -فتاة توجه انتقادات إلى ملك المغرب-.. ما صحة الفيديو المتداو ...
- ترامب يتوعد الصين بمهلة نهائية ورسوم جمركية قاسية... وشراكة ...
- لافروف وروبيو يبحثان ترتيبات قمة بوتين – ترامب وآليات تنفيذ ...
- ألمانيا وأيسلندا تتفقان على تعزيز التعاون العسكري لمواجهة -ا ...
- قمة MED9 تدعو إلى تنفيذ اتفاق غزة: حل الدولتين هو السبيل للا ...
- لا للملوك: هل يواجه ترامب معارضة حقيقية؟
- تراجع أسهم بنك -بي إن بي باريبا- بعد حكم قضائي أمريكي دانه ب ...
- المغرب: هل فقدت حركة -جيل زد 212- زخمها؟
- إيران تعلن إلغاء اتفاق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذ ...


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر قطيشات - متى نجلسُ بجانب النافذة!؟