أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - صالح مهدي محمد - دور القراءة في الوعي














المزيد.....

دور القراءة في الوعي


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 22:26
المحور: قضايا ثقافية
    


ليست القراءة فعلاً ثقافياً فحسب، بل هي تجربة وجود يتجاوز أثرها حدود الورق والكلمات. فحين يفتح الإنسان كتاباً، لا يفتح غلافاً من ورق، بل باباً إلى ذاته. القراءة هي المرآة التي لا تعكس ملامح الوجه، بل ملامح الوعي، وهي الخطوة الأولى نحو التحرر من الظلام الداخلي الذي تفرضه العادة والخمول والتلقين.

من يقرأ لا يكتفي بأن يتعلم، بل يتغير، لأن المعرفة ليست تراكم معلومات، بل إعادة بناء للعقل والرؤية. وحين يقرأ الإنسان بعمق، يبدأ في تفكيك ما كان يراه بديهياً، ويعيد النظر في المسلّمات التي رُبّي عليها منذ الطفولة. وهنا تحديداً يبدأ الوعي: في تلك اللحظة التي يتساءل فيها القارئ، لا حين يصدّق.

القراءة تخلق بين الإنسان والعالم علاقة جديدة قائمة على الفهم لا على الانفعال، فهي لا تزوده بالأجوبة الجاهزة، بل توقظ فيه السؤال، وتمنحه الجرأة على مواجهة ما لا يُقال. إنها لا تلقّنه الحقيقة، بل تدرّبه على البحث عنها، وكل قارئ حقيقي يدرك أن الحقيقة ليست نصاً يُقتبس، بل مسار يُعاش.

وحين تغيب القراءة من حياة الأفراد، يبهت الوعي الجماعي، ويصبح المجتمع فريسة للسطح والضجيج. فالعقول التي لا تقرأ تُقاد بسهولة، لأنها لا تملك أدوات التفكير المستقل، ولا القدرة على التمييز بين ما يُقال وما يُراد به. القراءة بهذا المعنى ليست ترفاً فكرياً، بل شرطاً من شروط الحرية، إنها ما يجعل الفرد شريكاً في صناعة المعنى، لا تابعاً له.

وفي أزمنة الازدحام الرقمي، حين تتنازع العقول شاشات متخمة بالسرعة والاختزال، تظل القراءة فعلاً مقاوماً. فهي تبطئنا لنفكر، وتعيد إلينا عادة الإصغاء إلى أنفسنا، في حين يدفعنا العالم إلى التشتت والسطحية. إنها تذكّرنا بأن الفكر لا يُزرع في العجلة، وأن الفهم يحتاج إلى صبر النصوص.

لقد كانت القراءة دائماً فعل وعي قبل أن تكون هواية. بها عرف الإنسان معنى التجربة، وبها صاغ ذاكرته الحضارية، وبها حفظ ما لم تحفظه الأسوار والسيوف. ومن يقرأ اليوم بوعي لا يهرب من العالم، بل يدخل إليه من بابه الأعمق، لأن الكتب ليست ملاذاً للهاربين، بل مدارس للذين يريدون أن يفهموا.

إن الوعي الذي تزرعه القراءة لا يظهر دفعة واحدة، بل ينمو مثل نبتة بطيئة في أرض صبورة. يبدأ بالدهشة، ثم بالتساؤل، ثم بالرؤية الجديدة التي تجعل القارئ يرى العالم بعين أخرى. وهكذا يصبح كل كتاب عتبة نحو نضج داخلي، وكل صفحة مرآة جديدة للعقل، وكل كلمة لبنة في بناء الوعي الإنساني.

ولعل أعظم ما تمنحه القراءة هو أنها تعلّمنا التواضع أمام الفكرة، فكل كتاب يذكّرنا بأننا لا نعرف كل شيء، وأن ما نجهله أوسع مما نعلم. وهذا الإدراك هو جوهر الوعي: أن نعرف حدودنا، وأن نواصل السير في طريق لا ينتهي، لأن المعرفة لا تنتهي.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الراتب ومحاولة الاقتصاد في الصرف
- يوم منظم... أو هكذا نعتقد!
- القراءة... سؤال الوعي في زمن السرعة
- رجل المعرفة… أو هكذا يظن!
- التاريخ يعيد نفسه
- قصة قصيرة : حارس النسيان
- اللمسة الأولى
- بين الإنسانية والسياسة وحدها تظهر ملامح الاستكبار
- قصة قصيرة : دكّان الضوء
- قصة قصيرة : العائدون من الغياب
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة
- قصة قصيرة وجوه الذاكرة
- نص : أماكن للتنزه
- السياسة والاعلام في زمن التواصل الاجتماعي
- عدنا ولكن
- لا يجيبني البحر
- رثاء إلى أبي
- ارتباك الكائن في مرآة الحلم
- خارج الشاشة


المزيد.....




- من منصّات نيويورك إلى باريس.. الريش يُرفرف فوق صيحات الموسم ...
- نزهة حكواتية بالصور والوثائق عن بغداد في عشرينيات القرن الم ...
- مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يدعم خطة ترامب في غزة و -مجل ...
- إصابة 10 أشخاص 4 منهم بحالة خطيرة بعملية دهس في جزيرة أوليرو ...
- تركيا تحتضن مفاوضات جديدة بين باكستان وأفغانستان لمنع تجدد ا ...
- إيران تمنع فرنسيين من مغادرة أراضيها بعد إطلاق سراحهما
- فوز ممداني.. هزيمة لإسرائيل أم انتقام من الديمقراطيين؟
- العدل الأميركية تعد مبررا قانونيا يسمح لترامب بهاجمة رئيس فن ...
- 6 أجهزة تقنية تبدو بريئة ولكنها تتعقبك دون أن تشعر
- أميركا تنهي الحماية المؤقتة لمواطني جنوب السودان وسط انتقادا ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - صالح مهدي محمد - دور القراءة في الوعي