أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبدالله عطوي الطوالبة - الشِّيْخَة















المزيد.....

الشِّيْخَة


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:15
المحور: المجتمع المدني
    


تُلفظ الألف مُخففةً، واللام هنا شمسية تُكتب ولا تُلفظ. أما حرف الشين فيُلفظ بالشدة المكسورة، والياء بعده ساكنة، والخاء مفتوحة. لفظة الشيخة نسبة إلى الشيخ، وهو باختصار وجه القبيلة أو العشيرة. الشيخة إذن، والشيخ والقبيلة والعشيرة، كلمات وثيقة التعالق تستحضر كل منها البقية أو تُحيل إليها.
نقرأ لفلاسفة ومفكرين أوروبيين عاشوا في القرن الثامن عشر، مثل الفرنسي جان جاك روسو، فنجد في بعض كتاباتهم حضورًا للقبيلة والعشيرة بهاتين اللفظتين، وغالبًا في سياقات تأييد أنظمة الطغيان والاستبداد في أوروبا آنذاك. وفي هذا الحضور، دليل على أن أوروبا عرفت هذه الوحدات الاجتماعية المرتبط أفرادها بنسب مشترك أو سَلف واحد، قبل عصر الدولة المدنية.
في مجتمعاتنا العربية، ما تزال القبيلة والعشيرة فاعلتين ولهما حضورهما ليس على مستوى المجتمعات فحسب، بل يرى بعض المفكرين العرب ومنهم المغربي محمد عابد الجابري أن القبيلة ما تزال أحد محددات العقل العربي. هنا، نحن أمام حقيقة تنهض دليلًا على أننا نحن العرب لم نسلك بعد طريق بناء الدولة المدنية الحديثة.
في الأردن، بدأ منح لقب "شيخ" بعد قدوم الأمير عبدالله الأول من الحجاز إلى معان سنة 1920، وعلى وجه التحديد خلال الأعوام 1921- 1923. أما الهدف الرئيس، فكان كسب تأييد القبائل والعشائر للنظام السياسي المنوي إقامته في شرق الأردن، بالتعاون والتنسيق مع بريطانيا ذات الوجود السياسي والعسكري القائم في بلادنا حينئذٍ. في تلك الأزمنة كانت الأمية الأبجدية متفشية والظروف صعبة، والناس على خطى شيوخهم في السراء والضراء.
قلنا إن هدف منح لقب شيخ كان كسب تأييد القبائل والعشائر للنظام، ولدينا أمثلة كثيرة نتخير أحدها، كما هو موثق في كتاب الصديق د. عبدالله العساف بعنوان "ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية". المثال المقصود يتعلق بموقف قبيلة بني حميدة من ثورة البلقاء، بقيادة الشيخ سلطان العدوان وولده ماجد، ونعني موقف الشيخ عبدالعزيز البريزات. كان عبدالعزيز وجديع أبو قاعود الوحيدَين تقريبًا من وجهاء بني حميدة المؤيِّدَين للثورة، وكان عبدالعزيز يتولى قيادة إحدى فِرَق الثوار. أما جديع أبو قاعود فقد استشهد مع صايل الشهوان، شيخ العجارمة، في مواجهة مباشرة مع البريطانيين في المكان المعروف اليوم باسم الدوريات الخارجية غربي الجامعة الأردنية.
حاول الأمير عبدالله جاهدًا استمالة عبدالعزيز البريزات من خلال وساطة شيوخ بني حميدة ووجهائها، إلا أن جهوده لم تُفلح. وكان الأمير عبدالله يذكر عبدالعزيز باسم "خلايف حمَّان"، نسبة إلى والده حمَّان رحمهما الله. ذات اجتماع مع وجهاء بني حميدة، أمر الأمير عبدالله عتبانه بإحضار تشبر (نوع من الثياب) وبارودة (بندقية) صواري ألماني بجنادتين، وأخبرهم أنها ل"خلايف حمَّان". بعد مغادرة مجلس الأمير، فكر وجهاء بني حميدة الذهاب إلى عبدالعزيز الموجود في معسكر ابن عدوان، لإقناعه بالإنضمام إلى الأمير ومؤيديه، لكن بعضهم رفض الفكرة من أساسها. أصر أحدهم، وهو خلف الهروط على مقابلة عبدالعزيز فوجده نائمًا في فراشه. أيقظه، وقال له: "هذا تشبر وبارودة ألمانية بجناداتها لك، خذها فهي من الأمير عبدالله"، وطلب إليه بإلحاح مرافقته إلى الأمير. فقال عبدالعزيز لخلف:" اسمع، تاخذني ظالم وترجعني سالم، وأنا أعرف أنه في شيء، يمكن يكون الأمير قد طلبني(بمعنى يرغب باعتقاله). ولكن أذهب معك بشرط ترجعني مثل ما اخذتني من هنا بالليل، أنا أكفلك من الدولة الماجدية وأنت تكفلني من الدولة الهاشمية، وسوف آخذ بخاطرك وأنفذ طلبك".
رحب الأمير بعبدالعزيز وقال له:"نريدك لجانبنا أنت وخوياك (أقاربك ومن معك). وأصدر الأمير مرسومًا بتعيين عبدالعزيز حمَّان البريزات شيخًا على التوايهة والفواضلة، وسليمان بن طريف شيخًا على النّْهَضَة، وساري أبو ربيحة على اللبادنة. ومنذ تلك الفترة أيضًا، صار عواد الحيصة وخلف الهروط وسليمان الجماعين وحمد الحواتمة شيوخًا بقرارات من الأمير. لكن عبدالعزيز عاد إلى مخيم الثوار، في منتصف الليل، وبعد ثلاثة أيام شارك في الثورة وكان يمتطي صهوة فرسه وبجانبه الشيخ سلطان العدوان وولده ماجد.
بعد تدخل البريطانيين بقواتهم في مواجهة الثورة وما تلاه وترتب عليه، عُوقب عبدالعزيز وكل من شارك معه في الثورة من بني حميدة، وصودرت ممتلكاتهم وفُرضت عليهم غرامة مالية تعرف ب"الحربية". واُلقي القبض على عبدالعزيز، ونُحي عن الشيخة وحل مكانه محمد حسن البريزات.
هذا مثال موثق مَّر عليه قرن وثلاث سنوات، ينهض دليلًا على أن المعيار الرئيس لمنح لقب شيخ أو انتزاعه من الممنوح له، هو في المبتدأ والخبر الولاء للنظام. ولقد كان من الطبيعي أن يعمل الأمير عبدالله الأول على كسب تأييد الفواعل الاجتماعية التقليدية كالقبيلة والعشيرة، لأسباب معروفة يتصدرها توفير الموارد البشرية اللازمة لبناء جهاز أمني عسكري بشكل خاص. مُذَّاك، وعلى أرضية ما حصل من تطورات شهدتها إمارة شرق الأردن، ثم المملكة لاحقًا، تبلور ما يشبه التحالف غير المعلن بين وجهاء القبائل في الأردن والنظام السياسي. ولقد قام هذا التحالف على تقديم الدعم السياسي والاجتماعي للنظام، مقابل توفير الوظائف في القطاعين العام والعسكري خاصة، والخدمات والبنية التحتية.
لكن هذا التحالف لم يبقَ منه سوى الإسم، وفي أفضل حالاته بات مجرد إرث تاريخي بتأثير ما شهده العالم كله من تحولات متسارعة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من الطبيعي أن يكون لها انعكاساتها على المجتمع الأردني. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، بدأنا نلحظ خطابًا ذا نبرة مختلفة من الأجيال الشابة شاملة أبناء القبائل والعشائر على أرضية تراجع قدرة الدولة على التوظيف، بعد ما يُعرف بالتخاصية أو بيع مؤسسات القطاع العام، وارتفاع معدلات البطالة. ويلفت النظر في هذا الخطاب ربط الولاء للدولة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، ناهيك بمحاكاة تحولات العصر وترجمة ذلك في شعارات تطالب بالتحول الديمقراطي ومفرداته كالحرية والتعددية والحكومات المنتخبة. وليس يفوتنا التذكير بتنامي مفهوم الدولة المدنية في الأدبيات الأردنية، النقيض لعصبيات ما قبل الدولة ومن ضمنها القبيلة.
مقصود القول، الظروف تغيَّرت في عصر الفضاء المفتوح وتدفق المعلومات والتحول الديمقراطي والاقتصاد الرقمي. ولعل من أهم معالم هذا التغيير، أن الواقع المنتج للقب شيخ بمفهومه التقليدي القديم لم يعد قائمًا. ومع ذلك، يتهافت كثيرون في مجتمعنا للظفر بلقب شيخ. وقد تراوح عدد المتهافتين، كما قرأنا في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام قبل بضعة أشهر، ما بين 43- 189 ألف طلب. في هذين الرقمين دليل على خلل في مجتمعنا رباعي الأبعاد، مادي ونفسي وثقافي واجتماعي. المُضحك في هذا السياق، أن يستميت للحصول على لقب شيخ غير المؤهل له حتى بالمفهوم التقليدي القديم للشيخة.
تعلم النُّخب الحاكمة في بلداننا العربية أن الشيخة بمفهومها التقليدي باتت من الماضي، وأن القبيلة والعشيرة تنتمي إلى عصبيات ما قبل الدولة، ويعني وجودها تخلف البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتعلم أيضًا أن نفوذ الشيوخ بالوراثة على الأجيال الشابة والمثقفين لا يكاد يُذكر، وأن دورهم يقتصر على ترؤس الجاهات مع الاحترام لهم ومنهم من تربطنا به علاقات طيبة. ونضيف أيضًا وبشكل خاص بالنسبة لمن باتوا يُعرفون في مجتمعنا الأردني، في الآونة الأخيرة، بإسم "شيوخ الصيني"، أنهم يستقوون بالسلطات الحاكمة كونهم أدواتها وعيونها وآذانها.
لكن ما يهم النُّظُم الحاكمة، توظيف الشيخة للأسباب التي ذكرنا.
بناء على ما تقدم، نرى أن القبيلة في الأردن ومفرداتها كالشيخ والشيخة تواجه تحديات نشك بامتلاكها مقومات تجاوزها بسلام. ويمكن اختصار هذه التحديات في ثلاثة عناوين: تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والتحولات التاريخية الفارقة في مجتمعنا الناجمة عن ثورة تكنولوجيا الاتصال وتدفق المعلومات، يُضاف إلى ذلك تحدي الديمقراطية وبناء الدولة المدنية كأحد أهم عناوين العصر.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنموذج بئيس لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان !!!
- القلق الرسمي الأردني والاحتمالات المفتوحة
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (2) لقاءٌ مع الأمير فيصل ...
- مذكرات تشرشل
- العلم والدين *
- ماذا وراء الأكَمَة؟!
- دولة المزرعة العربية !
- أين تجار الوطنية؟!
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (1) الأحوال العامة في من ...
- الزرادشتية
- نظام التفاهة (5) والأخيرة تتفيه الإنسان والثقافة والصحافة وا ...
- ترامب بلا أخلاق ومجرد من القيم
- قمة وهم الحركة في شرم الشيخ
- تعاون عسكري عربي صهيوني !
- هكذا قيَّدوا العقل العربي وكبَّلوه !
- مبارك للدكتور ياغي، ولكن...!
- نحو مراجعة عقلانية لموروثنا
- نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !
- العرب و-اسرائيل- في خندق واحد !
- لا بد من وعي جديد مختلف


المزيد.....




- اليونيسف: نازحو الفاشر قطعوا 60 كلم سيرًا على الأقدام دون طع ...
- مجازر الدعم السريع في السودان.. انتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائ ...
- كاتب روسي يكشف تفاصيل محاولة أميركية فاشلة لاعتقال مادورو
- مسؤول بغزة: لم نتسلم أي خيام وكارثة إنسانية تقترب من النازحي ...
- الأونروا تحذر من تهديد -أسلوب حياة الفلسطينيين- مع تصاعد اعت ...
- أفريقيا.. بؤرة صراعات عالمية مع تراجع الإغاثة وحفظ السلام
- مسؤول بغزة: لم نتسلم أي خيام وكارثة إنسانية تقترب من النازحي ...
- كتائب القسام تؤكد جاهزيتها لاستخراج جثث الأسرى داخل الخط الأ ...
- بعد تجميد نشاط جمعيات حقوقية في تونس.. هل يشهد المجتمع المد ...
- الأمم المتحدة: موسم الزيتون بالضفة يشهد أعلى مستوى من الهجما ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبدالله عطوي الطوالبة - الشِّيْخَة