أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - المتحف المصري الكبير... حين تنهض الهوية من أعماق الوعي الجمعي














المزيد.....

المتحف المصري الكبير... حين تنهض الهوية من أعماق الوعي الجمعي


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 14:01
المحور: قضايا ثقافية
    


إن افتتاح المتحف المصري الكبير لا يأتي كحدث ثقافي عابر يضاف إلى سجل منجزات الدولة المصرية الحديثة، بل هو أشبه بعودة الذاكرة الوطنية من رحلة اغتراب طويلة إلى ذاتها الأولى؛ إلى ذلك العمق الحضاري الذي شكّل، عبر آلاف السنين، ملامح الشخصية المصرية، وملأ وعيها الجمعي بالإحساس الدائم بالعظمة والخلود.
منذ اللحظة الأولى للإعلان عن افتتاح المتحف، بدا واضحا أن ما يحدث لا يخص فئة من المهتمين بالآثار أو النخبة الثقافية وحدهم، بل هو حالة وجدانية شاملة امتدت إلى كل بيت، وإلى كل قلب ينبض على أرض مصر. لقد خرج المصريون من اختلافاتهم الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية، ليتوحدوا حول رمز جامعٍ يمثلهم جميعا: حضارتهم.
إن اللافت في هذا المشهد، أن الاحتفاء بالمتحف لا يقتصر على الدعوة لزيارة المكان أو متابعة نشرات الأخبار، بل تعدّى ذلك إلى تفاعل رقمي مدهش، حيث لجأ الملايين من المصريين إلى برامج الذكاء الاصطناعي لتوليد صور شخصية لهم بالزي الفرعوني، وكأنهم يسعون — بوعيٍ أو دون وعي — إلى إعادة الاتصال بسلسلة النسب الحضاري الممتدة من أجدادهم القدماء إلى حاضرهم المعاصر.
تلك الصور التي ملأت وسائل التواصل لم تكن مجرد "موضة" أو رغبة في الترفيه، بل كانت تعبيرا عميقا عن انبعاث الهوية، واستعادة رمزية الجذور المصرية القديمة في زمنٍ كثرت فيه الهويات المستعارة.
ومن المدهش أن تلك الموجة العارمة من الفخر الوطني والاحتفاء بالحضارة المصرية ذابت فيها تماما الأصوات التي اعتادت تشويه مثل هذه اللحظات؛ الأصوات التي لطالما نظرت إلى الآثار والتاريخ الفرعوني باعتبارهما "وثنية" أو "محرّمات"، فإذا بها اليوم تصمت أمام طوفان البهجة الشعبية، وكأن الوعي الجمعي للأمة المصرية قد قرر أن يُنهي تلك الجدالات العقيمة، ويحتضن تاريخه بكل ما فيه من نور وخلود.
إن المتحف المصري الكبير ليس فقط الأكبر في العالم من حيث المساحة أو عدد القطع الأثرية، بل هو تجسيد لفلسفة معمارية وثقافية تمزج بين عبقرية المصري القديم وإبداع المصري الحديث. ففي هندسته الباهرة نرى تزاوجا بين الماضي والمستقبل، بين الحجر المنحوت في معابد الكرنك، والزجاج المصقول الذي يعانق ضوء الألفية الثالثة.
لقد أثبت الاهتمام المذهل من المصريين بالمتحف أن الهوية المصرية ليست جامدة، بل هي كيان حيّ قادر على امتصاص ما يمر به من حضارات، ثم إعادة صياغتها وفق روحه الخاصة. فمنذ الفراعنة إلى الإغريق والرومان، مرورا بالعصر القبطي والإسلامي، وحتى اليوم، ظل المصري يضيف إلى هويته طبقة جديدة دون أن يفقد جوهره الأول.
وربما كانت تلك هي الخصوصية الكبرى للشخصية المصرية: قدرتها على التفاعل مع الزمن دون أن تُبتلع فيه، وعلى استقبال الجديد دون أن تتنكر لجذورها. إن المصري، حين يحتفي بالمتحف المصري الكبير، لا يحيي الماضي فحسب، بل يعلن انتصار الحاضر، ويؤسس لجسر من الوعي يربط بين الأهرام وبين المستقبل.
لقد نجح المتحف المصري الكبير في أن يكون أيقونة للهوية المصرية الحديثة، لا لأنه يضم آثار الملوك وحدها، بل لأنه أيقظ في قلوب البسطاء إحساسا عميقا بالانتماء، وأعاد صياغة العلاقة بين المصري وتاريخه، لا على أنها مادة دراسية جامدة، بل كحكاية مستمرة يكتبها الشعب بنفسه.
وهكذا، لم يعد المتحف مجرد بناء ضخم على أطراف الجيزة، بل أصبح مرآة كبرى تعكس وجه مصر الحقيقي: ذلك الوجه الذي يجمع بين الأصالة والتجدد، بين الإيمان والخلود، بين الحجر القديم والعقل المعاصر... وجه مصر الذي لا يشيخ، ولا يتوقف عن الدهشة والإلهام.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من القرى إلى القبائل: قراءة في تحوّل البنية الاجتماعية والسي ...
- ما بين إلغاء الليل وجعل النهار سرمديا … وإلغاء العقل
- حول مولد السيد البدوي... حين يتحول الدين إلى ثقافة والثقافة ...
- العقل العربي بين الرغبة في الصواب وفقدان البوصلة
- السابع من أكتوبر في الميزان: من رصاصة الغضب إلى طاولة التفاو ...
- تناقض حفيظ دراجي الكاشف: وصف فتح بالاحتلال ووصف حماس ب -ضربة ...
- خطة ترامب وإفراغ القضية الفلسطينية من معناها
- حكاية الصراخ أمام سفارة مصر والصمت أمام سفارة إسرائيل
- مأجورون يتربصون بمصر ويصمتون عن ضرب الدوحة
- في عيد النيروز... ميلاد الإنسان من ربيع الكون
- -إسرائيل الكبرى-... حلم يواجه الواقع
- حين تُجرَح أيادي الخير: تحليل نقدي لمحاولات تشويه الدور المص ...
- الوطن بين الوعي وزيف الشعارات: درس التاريخ يتجدد
- المذنبات: من نذر الشؤم إلى رسل الكون
- قرار الوزير.. وخرافة الأرقام: هل يُقاس الإيمان بدرجات الغش؟
- البكالوريا المصرية: حلمٌ يولد في غير أوانه؟
- تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة ...
- الخطاب المزدوج: سيمفونية السياسة ونبض الشارع
- بين مطرقة الانسحاب وسندان العزلة: إيران ومعاهدة حظر الانتشار ...
- الضربة التي هزّت الصمت: إعادة رسم موازين الردع في فجر يونيو


المزيد.....




- بعثة أممية لتقصي الحقائق بشأن السودان تحذر من -الفظائع الممن ...
- إسرائيل تستهدف مواقع جديدة وتسلم جثامين 30 فلسطينيا إلى غزة ...
- ترامب ينقلب على بوتين ـ الغرب يُصعد سقف المواجهة ضد موسكو
- كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مشهد التعليم في فرنسا؟
- تونس: محاكمة دامت سبع دقائق للقاضي السابق أحمد صواب
- بين الفِراش والسياسة... من هي حقًا أيقونة السلطة والإغراء: ك ...
- تنزانيا: نحو 700 قتيل في احتجاجات مناهضة للحكومة تزامنت مع ا ...
- أطعمة معلبة يجب أن تكون موجودة في خزانة المؤن
- عاجل | مسؤول أميركي للجزيرة: الرئيس ترامب يبحث مع إدارته إمك ...
- FBI يحبط مخطا إرهابيا في ميشيغن عشية الهالوين


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - المتحف المصري الكبير... حين تنهض الهوية من أعماق الوعي الجمعي