أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة الشطرنج الاستراتيجية















المزيد.....

تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة الشطرنج الاستراتيجية


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في دهاليز السياسة الدولية المعقدة، حيث تتشابك المصالح وتتصارع القوى، يبرز موضوع تباين التقارير الأمريكية حول فعالية الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية كلوحة فنية غامضة، تستدعي التأمل والتحليل. إن هذا التباين، الذي قد يبدو للوهلة الأولى مجرد فوضى معلوماتية، ليس عشوائيًا بأي حال من الأحوال، بل هو نسيج محكم من الأهداف الاستراتيجية المتعددة، التي تُحاك بخيوط الدبلوماسية والردع والغموض المتعمد. إنه أشبه بلعبة شطرنج عالمية، حيث كل حركة، وكل معلومة، وكل تضارب في الروايات، يخدم غاية أعمق في هذا الصراع الجيوسياسي المحتدم.

إن التضارب الظاهري في التقارير الاستخباراتية حول فعالية الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية ليس مجرد صدفة، بل هو انعكاس لعدة أهداف استراتيجية محتملة، تُستخدم ببراعة في لعبة الشطرنج الدولية.

1. الضبابية المتعمدة: فن الغموض البنَّاء
تُعد استراتيجية “الغموض البنَّاء” (Strategic Ambiguity) حجر الزاوية في النهج الأمريكي تجاه الملف النووي الإيراني. فواشنطن، بتبنيها لهذه الاستراتيجية، تسعى إلى إبقاء جميع الخيارات مفتوحة، دون الالتزام بمسار واحد. وعندما تتضارب التقارير، فإن ذلك يخدم أغراضًا متعددة، تهدف جميعها إلى تعزيز الموقف الأمريكي:

• الضغط على إيران: إن الإيحاء بأن الضربات التي وقعت قد كانت فعالة جدًا، حتى لو كانت المعلومات غير قاطعة أو متضاربة، يمكن أن يزيد من الضغط على طهران. هذا الضغط يهدف إلى دفع النظام الإيراني نحو طاولة المفاوضات، أو تقديم تنازلات جوهرية بشأن برنامجه النووي. فالتهديد المبهم، الذي لا يتضح مداه أو نتائجه بشكل كامل، غالبًا ما يكون أكثر فعالية من التهديد الواضح والمحدد.
• تجنب الالتزامات: في المقابل، فإن وجود تقارير تشير إلى عدم الفعالية الكاملة للضربات، أو إلى التكاليف الباهظة التي قد تترتب عليها، يمنح صانعي القرار الأمريكيين مسوغًا قويًا لعدم اتخاذ خيار عسكري مكلف وغير مضمون النتائج. هذا المسوغ يصبح ذا أهمية قصوى إذا ما اختارت إيران مسار التفاوض الجاد، مما يتيح للولايات المتحدة التراجع عن حافة الهاوية دون أن تبدو ضعيفة أو مترددة.
• الاستعداد لكل السيناريوهات: إن إبقاء الروايتين قائمتين، رواية الفعالية التامة ورواية الفعالية المحدودة، يسمح للولايات المتحدة بالتحول بمرونة بين خياري التصعيد والتهدئة. هذه المرونة ضرورية للغاية في بيئة جيوسياسية متقلبة، حيث تتطور الأوضاع على الأرض وفي المفاوضات بسرعة. فالغموض يمنح واشنطن القدرة على التكيف مع المستجدات، واستغلال الفرص الدبلوماسية أو العسكرية متى سنحت.

2. اختلاف التقديرات الاستخباراتية الحقيقية: تعقيد المشهد
بعيدًا عن الأهداف الاستراتيجية، من الطبيعي أن يكون هناك تباين في التقديرات داخل أروقة الاستخبارات نفسها. فالعالم الاستخباراتي ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو شبكة معقدة من الوكالات والأقسام، لكل منها مصادرها ومنهجياتها. هذا التباين الحقيقي يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل:

• مصادر معلومات مختلفة: تعتمد كل وكالة أو قسم استخباراتي على مصادر معلومات مختلفة، سواء كانت بشرية أو تقنية أو إلكترونية. وهذا التنوع في المصادر يؤدي حتمًا إلى تفاوت في درجة الدقة والشمولية للمعلومات المتاحة. فما تراه وكالة قد لا تراه أخرى، وما يصل إلى إحداها قد لا يصل إلى الأخرى.
• تفسيرات مختلفة للبيانات: حتى لو كانت البيانات المتاحة هي نفسها، فإن المحللين قد يفسرونها بشكل مختلف. هذا الاختلاف في التفسير ينبع من تباين الخبرات، والتحيزات المعرفية، وحتى الأطر النظرية التي يعتمدونها. فكل محلل ينظر إلى البيانات من زاوية مختلفة، مما يؤدي إلى استنتاجات متباينة.
• تطور القدرات الإيرانية: إن طبيعة البرنامج النووي الإيراني المعقد، والذي يشمل منشآت تحت الأرض ومنتشرة جغرافيًا، يجعل من الصعب للغاية تقييم مدى فعالية الضربات التي وقعت بدقة 100%. فالمعلومات التي وردت من تقرير وكالة استخبارات الدفاع (البنتاغون) المسرب، والتي أشارت إلى أن الضربات لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج، بل أحدثت أضرارًا محدودة في المنشآت فوق الأرض (فوردو، نطنز، أصفهان)، وأن إعادة التشغيل ممكنة خلال أشهر، تتناقض مع تصريحات مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) جون راتكليف، الذي أكد أن الوكالة حصلت على أدلة موثوقة تشير إلى تضرر البرنامج النووي الإيراني بشدة، وأن تدمير منشآت رئيسية سيستغرق سنوات لإعادة بنائها. كما أن تصريحات تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، التي دعمت فكرة تدمير المنشآت النووية الإيرانية، تزيد من هذا التباين، مما يعكس مدى تعقيد المشهد وصعوبة الحصول على صورة واضحة وموحدة.

3. التسريبات الموجهة: أداة للتأثير
في بعض الأحيان، لا يكون التضارب في التقارير مجرد نتيجة لاختلاف التقديرات أو الغموض المتعمد، بل يكون نتاجًا لتسريبات متعمدة لأغراض معينة. قد تسعى بعض الأطراف داخل الإدارة الأمريكية، أو حتى خارجها (مثل حلفاء أو خصوم)، إلى تسريب معلومات تدعم وجهة نظر معينة لخدمة أجنداتهم الخاصة. وهذا ما رأيناه بوضوح عندما هاجم الرئيس الحالي دونالد ترامب وسائل الإعلام التي تناقلت التقرير المسرب الذي يشكك بفعالية الضربات، ورفض البيت الأبيض تقييم وكالة استخبارات الدفاع ووصفه بـ “الخاطئ”. هذه المواقف تشير إلى أن هناك صراعًا داخليًا حول الرواية الرسمية، وأن التسريبات قد تكون جزءًا من هذا الصراع، تهدف إلى توجيه الرأي العام أو التأثير على القرارات السياسية.

رأينا: بين الضبابية والواقع المعقد
بناءً على ما تقدم، أميل إلى أن التباين في التقارير حول فعالية الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية هو مزيج معقد من الضبابية الاستراتيجية المتعمدة والاختلافات الحقيقية في التقديرات الاستخباراتية. فليس من المستبعد أبدًا أن تكون الإدارة الأمريكية، حريصة على إبقاء إيران في حالة دائمة من عدم اليقين بشأن التقييم الأمريكي الحقيقي لمدى فعالية الضربات، والنوايا الأمريكية المستقبلية، والخطوات التالية المحتملة. هذا التكتيك ليس مجرد مناورة تكتيكية، بل هو استراتيجية عميقة تعزز القوة التفاوضية للولايات المتحدة، وتجعل طهران تعيد حساباتها باستمرار، وتفكر مليًا في كل خطوة تخطوها.

ببساطة، تريد الولايات المتحدة أن تكون إيران غير متأكدة تمامًا من أن التقييم الأمريكي للضربات العسكرية التي وقعت هو أنها كانت إما مدمرة بالكامل، تقضي على برنامجها النووي بشكل لا رجعة فيه، أو غير فعالة على الإطلاق، مما يجعلها بلا جدوى. هذا الغموض، الذي يلف المشهد، يحقق هدفين رئيسيين في آن واحد:

• الردع: إن الإيحاء بقدرة أمريكية على إلحاق ضرر كبير بالبرنامج النووي الإيراني إذا لزم الأمر، يعمل كعامل ردع قوي. هذا الردع لا يعتمد على التهديد المباشر بالضربة، بل على الغموض المحيط بنتائجها المحتملة من منظور أمريكي. فإيران، وهي تواجه هذا الغموض، تظل في حالة من الترقب والحذر، مما يحد من طموحاتها النووية.
• المرونة الدبلوماسية: يوفر هذا الغموض مساحة واسعة للمناورة الدبلوماسية. فعندما لا تكون الخيارات العسكرية واضحة المعالم، يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب الاضطرار إلى اتخاذ قرارات عسكرية صعبة ومكلفة، خاصة إذا كان هناك مسار تفاوضي قابل للحياة. هذا يمنح الدبلوماسية فرصة أكبر للنجاح، ويقلل من احتمالات التصعيد غير المرغوب فيه.

في الختام، يبدو أن ما نراه في تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية هو جزء لا يتجزأ من لعبة شطرنج معقدة على الساحة الدولية. في هذه اللعبة، لا تُستخدم المعلومات والتقارير فقط لنقل الحقائق المجردة، بل تُستخدم أيضًا كأداة قوية للضغط والتأثير على سلوك الأطراف الأخرى. إنها استراتيجية ذكية، تهدف إلى تحقيق الأهداف السياسية دون الحاجة بالضرورة إلى اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة، مع الإبقاء على هذا الخيار قائمًا ومبهمًا في آن واحد.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب المزدوج: سيمفونية السياسة ونبض الشارع
- بين مطرقة الانسحاب وسندان العزلة: إيران ومعاهدة حظر الانتشار ...
- الضربة التي هزّت الصمت: إعادة رسم موازين الردع في فجر يونيو
- -قافلة الصمود: مصر… بين عبء التاريخ وجسارة الموقف
- مصر وتركيا: من ترسيم خط أحمر إلى تدريبات عسكرية مشتركة
- حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغت ...
- العودة من العدم: حينما يعيد العلم المندثرين إلى الحياة
- في خان الخليلي… حيث تمتزج نكهة التاريخ برسائل السياسة
- حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طري ...
- الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في ...
- عندما تصبح الخرافة تهديدًا للوعي: قراءة نقدية في تصريحات حول ...
- الصيام عبر الزمن: من عادات القدماء إلى عبادة الإسلام
- رمضان… حين يشرق النور في القلوب
- التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية ف ...
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...


المزيد.....




- هل ستقصف إيران مجددًا؟ شاهد كيف رد ترامب على سؤال صحفية بشأن ...
- -مستعدون لجولة مفاوضات جديدة مع كييف-.. بوتين: زيادة إنفاق ا ...
- وسط مشاعر الخوف والحزن.. مطالبات بالكشف عن مصير نساء علويات ...
- إيران تدافع عن -حقها المشروع- في الرد على الضربات وتصف نواي ...
- المخدرات في أكياس الطحين.. الرصاص يسبق الخبز في قطاع غزة
- المحكمة العليا الأمريكية تقيد صلاحيات القضاء الفيدرالي في ان ...
- نتنياهو يفقد الزخم وإنجازات الحرب لا تسعفه
- عشرات الآلاف في مظاهرات عدة باليمن وموريتانيا والمغرب نصرة ل ...
- اتفاق سلام ينهي صراع 30 عاما بين رواندا والكونغو الديمقراطية ...
- الأوروبيون بين المطاوعة داخل حلف الناتو والبحث عن بدائل خارج ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة الشطرنج الاستراتيجية