أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - البكالوريا المصرية: حلمٌ يولد في غير أوانه؟














المزيد.....

البكالوريا المصرية: حلمٌ يولد في غير أوانه؟


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 21:54
المحور: قضايا ثقافية
    


حين يتحدث معلم مصري مثلي، هاجر إلى النمسا منذ ثلاثين عامًا، يحمل بين ضلوعه حنين الوطن وعينًا ترى الأشياء من علٍ، يكون للحديث طعمٌ مختلف، ونبرةٌ مشبعة بالصدق لا تعرف المداراة. هكذا بدأت أفكاري تتراءى أمامي، سؤالًا وجوابًا، حول همّ يؤرق كل غيور على مستقبل أجيالنا في مصر.
كان الموضوع الذي يشغل بالي مثقلًا بالتطلعات: نظام تعليمي جديد أُطلق عليه "البكالوريا المصرية"، يسعى ليكون بديلًا مرنًا للثانوية العامة التي أرهقت الأجيال وأثقلت كاهل الأسر. يحدوني الأمل، شأن كل مصري، أن يُحرر هذا المقترح الطالب من سطوة "الامتحان الواحد" ويمنحه فرصة لتحسين الأداء، ويعيد الاعتبار للمهارات والبحث والتقييم التراكمي، كما تفعل الدول التي أسكنها وترتقي في قمة تصنيفات التعليم عالميًا.
ولكن، سرعان ما انكشفت لي حقيقة لا يمكن تجاهلها. فبين الأحلام الوردية والخطط المرسومة على الورق، يسكن واقع لا يرحم. مدارس تئن تحت ضغط كثافة الطلاب، فصول يتقاسم فيها التلميذ المقعد والمناخ، ومعلمٌ مثقلٌ بأعباء لا تُطاق، يُطالَب أن يكون مرشدًا، مربيًا، باحثًا، ومقيّمًا محايدًا، دون أن يُمنَح أدوات التمكين اللازمة أو تدريبًا يعادل حجم المهمة الملقاة على عاتقه.
وهنا، تساءلت في حديث النفس، لا لأجادل بل لأُضيء السؤال من زاوية التجربة والمنطق: هل يُعقل أن تُناط مهمة التقييم الموضوعي والنزيه لطلابنا بمعلمين لم يُؤهَّلوا بما يكفي للتعامل مع هذا التحول الجذري؟ وهل أستطيع أن أطلب حيادًا ممن يعيشون ضغوطًا اجتماعية ونفسية ومادية لا تُحصى؟ الإجابة التي جاءتني من عمق تجربتي في أوروبا ومن منطق الأرض كانت قاسية لكنها واقعية صادمة: لا، لا يمكن تطبيق نظام كتقييم البكالوريا المصري بنفس معايير الدول الأوروبية المتقدمة دون تغيير جذري في بنية التعليم ومعاييره، وتأهيل عميق للمعلم.
مقارنةٌ من قلب التجربة
من تلك الحقيقة المؤلمة انطلقت مقارنات لا مفر منها بين ما رأيته وعشته. هنا في النمسا، حيث أعمل وأعيش، يعتمد النظام التعليمي على تقييم تراكمي يثق بالمعلم، ويمنح الطالب فرصًا متعددة للتعبير عن فهمه ومهاراته، مع التركيز على التعليم العملي والتطبيقي. في فنلندا، لا توجد امتحانات وطنية موحدة تقريبًا، والثقة في المعلم ركنٌ أساسي لا يتزعزع، حيث يُمنح المعلم استقلالية كبيرة في تصميم المناهج وطرق التدريس. وفي فرنسا، نجد البكالوريا مسارات متعددة وتقييمًا شاملًا يراعي جوانب الفهم والبحث والمهارة، ويُعتد فيه بقدرة الطالب على التفكير النقدي والإبداعي.
أما في مصر، فأرضنا بحاجة إلى حرث عميق وإعداد دقيق قبل أن تُزرع زراعة متسرعة قد لا تثمر. العيب ليس في المعلم المصري الذي أثبت كفاءته في شتى بقاع الأرض حين أُتيحت له الظروف المناسبة، بل في المناخ التعليمي العام، في غياب التدريب المستمر الكافي، وفي ثقافة تعليمية تتعامل مع الدرجات النهائية لا مع القيمة الحقيقية للتعلم.
رؤيةٌ نحو المستقبل
أنا لا أنفي الطموح المشروع الذي يحمله هذا المقترح، ولكني أحذر من التسرع الذي قد ينسف هذا الطموح من أساسه. فالإصلاح التربوي لا يُكتب بقلم وزير فقط، بل يحتاج إلى منظومة تمكينٍ كاملة: تبدأ من تأهيل المعلم وتزويده بالتدريب الكافي والأدوات اللازمة، مرورًا بتطوير البنية التحتية للمدارس وتخفيف كثافة الفصول، ووصولًا إلى تغيير نظرة المجتمع للتعليم ذاته. يجب أن ينتهي التعليم من كونه سباقًا للمجموع يتحدد فيه مصير الطلاب من امتحان واحد، إلى كونه فضاءً رحبًا لتشكيل الشخصية والعقل، وغرس بذور الإبداع والتفكير النقدي.
قلت في نفسي بصدق لم يعرف المجاملة: "ما يحدث الآن يبدو قفزة في الخلاء." هي كلمات صافية كالماء، لا تهدف إلى السلبية أو التيئيس، لكنها ترفض الزيف وتدعو إلى الواقعية. فالبكالوريا المصرية ليست مشروعًا يُرفض لمجرد الرفض، بل هو تحوّل طموح يجب أن يُنفذ برؤية واضحة لا بحماسة مفرطة، بخطة استراتيجية لا بشعار براق، بإشراك المعلم وتمكينه لا بإغراقه بمهام تفوق قدرته، وبثقة في قدرات أبنائنا شريطة ألا نتجاهل الواقع الأليم.
ذلك هو جوهر الحكاية، وصوت من عاش الواقع عن كثب وراقبه من بعيد، لا ليبتعد عن وطنه وهمومه، بل ليحكي ما رآه بضمير حي، عسى أن تصل الحكاية إلى من يقرر... ويُحسن الإصغاء.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة ...
- الخطاب المزدوج: سيمفونية السياسة ونبض الشارع
- بين مطرقة الانسحاب وسندان العزلة: إيران ومعاهدة حظر الانتشار ...
- الضربة التي هزّت الصمت: إعادة رسم موازين الردع في فجر يونيو
- -قافلة الصمود: مصر… بين عبء التاريخ وجسارة الموقف
- مصر وتركيا: من ترسيم خط أحمر إلى تدريبات عسكرية مشتركة
- حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغت ...
- العودة من العدم: حينما يعيد العلم المندثرين إلى الحياة
- في خان الخليلي… حيث تمتزج نكهة التاريخ برسائل السياسة
- حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طري ...
- الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في ...
- عندما تصبح الخرافة تهديدًا للوعي: قراءة نقدية في تصريحات حول ...
- الصيام عبر الزمن: من عادات القدماء إلى عبادة الإسلام
- رمضان… حين يشرق النور في القلوب
- التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية ف ...
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود


المزيد.....




- مع استمرار غموض موقف السعودية.. قائمة حضور قمة بريكس بغياب ز ...
- خال من البشر.. مصور يسكتشف الجمال السريالي لمصنع سيارات كهرب ...
- من هو الدالاي لاما وكيف يعمل مبدأ التناسخ في البوذية التبتية ...
- خلال ساعات الليل.. موجة هجمات متبادلة بالمسيّرات بين روسيا و ...
- جسد صغير مثقل بالحرب.. طفل مصاب بتلف دماغي في غزة يُصارع للب ...
- ألمانيا - دعاوى جديدة ضد تعليق البت في طلبات اللجوء عند الحد ...
- الفكر الريعي
- قادة مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو لمواجهة سياسة دونالد ترام ...
- فيديو: أول ظهور علني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي منذ ا ...
- هجوم مستوطنين مسلحين على بلدة بيتا جنوبي نابلس


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بهجت العبيدي البيبة - البكالوريا المصرية: حلمٌ يولد في غير أوانه؟