بهجت العبيدي البيبة
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 22:17
المحور:
الادب والفن
نحتفل اليوم بعيد النيروز، وأجدني كلما جاء هذا العيد أستعيد في داخلي شعور الميلاد من جديد. كأنني أقف على عتبة فجر يبزغ بعد ليل طويل، لأتنفس رسالة هذا اليوم: أن الحياة لا تنطفئ، وأن البدايات تظل كامنة في أعماقنا مهما عصفت بنا العواصف. حين يتساوى الليل والنهار في هذه اللحظة الفريدة، أشعر أن الكون بأسره يتواطأ ليمنحني درسًا في التوازن، ويذكّرني بأن الإنسان قادر أن ينهض بين عتمة وانبلاج، بين انكسار وانبعاث.
إن النيروز في أصله الفارسي يعني اليوم الجديد. كان عند الفرس بشارة بالربيع وإعلانًا لانبعاث الأرض، وتحوّل في مصر القبطية إلى عيد للشهداء ورأسًا للسنة القبطية، بينما ظل في إيران أجمل أعيادها الوطنية، وصار عند الكرد والأفغان رمزًا للتحرر وبعث الهوية. هذا الامتداد التاريخي يجعلني أوقن أن العيد أكبر من طقس، وأنه لغة إنسانية واحدة تقول لنا: نستطيع أن نحول الجرح إلى زهرة، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.
أما أنا، فأجد في النيروز فلسفة وجودية أكثر من كونه مناسبة. أراه قصيدة كونية تبوح بها الأرض في لحظة صمت: أن لا شيء يفنى تمامًا، وأن خلف كل قشرة موت تختبئ بذرة حياة. حين أقرأ في الفلسفة الغربية عن العود الأبدي "النيتشوي" وتجدد الكينونة، أبتسم لأني أرى صدى ما عرفته شعوب الشرق منذ آلاف السنين. النيروز بهذا المعنى هو جسر ممتد بين ثقافات العالم، يعيدنا جميعًا إلى حقيقتنا الأولى: أننا كائنات قُدّر لها أن تولد مرات ومرات.
ولعل ما يشدني أكثر هو أن احتفائي بالنيروز ليس عودة إلى ماضٍ بعيد، بل هو فعل أعيشه في حاضري. هو مقاومة شخصية ضد اليأس، وإصرار على أن أكتب غدي بألواني أنا، لا بما يفرضه عليّ الآخرون. هو يقين يهمس لي: إنك قادر أن تنهض مهما أثقلتك الخيبات، وأنك مثل الأرض، تعرف دائمًا كيف تورق من جديد.
إنني أحتفي بالنيروز لأحتفل بالإنسان الذي بداخلي، بالروح التي تتقن فن الانبعاث، بالقلب الذي لا يشيخ عن الأمل. أحتفي به لأقول لنفسي قبل غيري: إن المستقبل لا يُصنع بالخوف، بل بالرجاء، وإن في داخلي نيروزًا صغيرًا ينتظر أن يولد مع كل ربيع.
#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟