الذّكاء الإصطناعي واستخداماته في الإقتصاد والحياة اليومية

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 14:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تقديم
يُعرَف استخدام الآلات لمحاكاة عمليات الذكاء البشري بالذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك تطوير برمجيات وأجهزة "ذكية" تُحاكي القدرات البشرية، مثل التّعَلُّم وحل المشكلات، وتلجأ العديد من الشركات إلى الذكاء الاصطناعي لتحليل بياناتها واتخاذ قرارات مدروسة، حيث قامت حوالي 35% من الشركات بدمج الذكاء الاصطناعي، وتستخدم 9 من كل 10 مؤسسات هذه التقنية للحفاظ على ريادتها في السوق، وتستثمر حكومات الدّول الغنية ( مباشرة أو في شكل مساعدات للشركات) مبالغ كبيرة في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، ووفقًا لمجموعة غولدمان ساكس المالية والمصرفية، من المتوقع أن تصل الاستثمارات العالمية في الذكاء الاصطناعي إلى حوالي 200 مليار دولار سنة 2025.
قُدِّر حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي بـ 233,46 مليار دولار سنة 2024، ومن المتوقع أن ينمو السوق من 294,16 مليار دولار سنة 2025 إلى 1771,62 مليار دولار ( 1,771 تريليون دولار) سنة 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 29,2% خلال الفترة المتوقعة، وقد هيمنت أمريكا الشمالية على سوق الذكاء الاصطناعي بحصة سوقية بلغت 32,93% سنة 2024.
بلغ إجمالي عدد شركات الذكاء الاصطناعي المُمَوّلة 2049 شركة، سنة 2024، وحصلت الولايات المتحدة على تمويل من 1143 شركة، مما يُشير إلى استمرار الإهتمام والتفاؤل بإمكانيات هذا القطاع، وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تشهد سنة 2025 استمرار الإبتكار، مع فرص تمويل واعدة ونمو متزايد في سوق الذكاء الاصطناعي.

نظرة عامة على سوق الذكاء الاصطناعي العالمي
اتجاهات السوق الرئيسية والعوامل المحركة لها:
تعزّزت طفرة مُوَلدات الذكاء الاصطناعي، حيث تعمل أدوات مثل Chatgpt و Ernie Bot و LLMS على تحويل إنشاء المحتوى ودعم العملاء ( الزبائن) وبرامج المؤسسات، فضلا عن ارتفاع الإستثمارات الحكومية بالدّول الغنية في مجالات البحث والتطوير والبنية الأساسية وقدرات الحوسبة الكمومية، وأدّت هذه العوامل إلى زيادة اعتماد المؤسسات على الذكاء الاصطناعي، إذْ تبنى حوالي 35% من المؤسسات الذكاء الاصطناعي، ويستخدم 90% منها الذكاء الاصطناعي للحصول على ميزة تنافسية، مما ساعد على نمو الذكاء الاصطناعي كإحدى الخدمات الأساسية، وأطلقت مجموعات Microsoft و AWS و IBM منصّات سحابية للذكاء الاصطناعي مدعومة بالحوسبة الفائقة للاستخدام العام والمؤسسي، مما رفع حجم سوق الذّكاء الإصطناعي ليبلغ 233,46 مليار دولارا سنة 2024، ونحو 294,16 مليار دولارا متوقعة سنة 2025، وحوالي 1771,62 دولارا ( 1,771 تريليون دولارا) متوقعة سنة 2032، بمعدّل نمو سنوي مُرَكّب قدره 29,2% خلال الفترة 2025-2032 وتستحوذ الولايات المتحدة على نحو 32,93% من هذه السّوق، وفق بيانات سنة 2024، وتتصدر أمريكا الشمالية نمو قطاع الذّكاء الإصطناعي بفضل شركات الحوسبة الضخمة مثل IBM وMicrosoft ونشاط التمويل الأولي المرتفع في الولايات المتحدة، فيما يتوقع أن تنمو حصة آسيا والمحيط الهادئ، مدفوعة بمبادرات الذكاء الاصطناعي في الصين والهند وكوريا الجنوبية، وتطوير البنية الأساسية لوحدات معالجة الرسوميات على نطاق واسع...
يستحوذ قطاع الخدمات المالية والمصرفية والتأمين على مجال الاستخدام العالي للذكاء الاصطناعي في الاستشعار والأَتْمَتَة وخدمة الزبائن والشمول المالي، غير إن المشرفين على سوق الذّكاء الإصطناعي يشتكون من نقص المواهب وتأثير السحابة المظلمة، ويدّعون إن المواهب المحدودة في مجال الذكاء الاصطناعي والمخاوف بشأن شفافية الخوارزميات تؤدي إلى إبطاء عملية التبني، وخاصة في الإقتصادات النامية، فضلا عن ارتفاع الرسوم الجمركية والحواجز التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي تؤدّي إلى زيادة تكاليف المكونات وتعطل سلاسل توريد أجهزة الذكاء الاصطناعي واستراتيجيات النشر...

مساوئ استخدامات الذّكاء الإصطناعي
تتميز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على توليد نصوص تُحاكي الكتابة البشرية، مُغطيةً بذلك طيفًا واسعًا من الْمَهَامّ، مثل إعداد القصص الإخبارية، وتأليف الأوراق البحثية والموسيقى، وحل المسائل الرياضية، وتصميم البرامج الأساسية، وإجراء التّرجمات، وأفادت شركة OpenAI أنه في غضون خمسة أيام من إطلاقها خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، اجتذبت أداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها ( Chatgpt) أكثر من مليون مستخدم، وتوضح الإحصاءات قِصَر المُدّة التي استغرقتها الخدمات الإلكترونية الشائعة للوصول إلى نفس العدد من المستخدمين، حيث تستغرق المنصّات الإلكترونية الأخرى وقتًا أطول للوصول إلى مليون مستخدم.
أطلقت كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم روبوتات دردشة خاصة بها مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وصُممت هذه الروبوتات لمنافسة Chatgpt ولمساعدة هذه المؤسسات على الحفاظ على مكانتها في مجالات اختصاصها، وأطلقت شركة "بايدو روبوت" برنامج الدردشة الخاص بها، إيرني بوت (بالإنجليزية) ووينشين يي يان (بالصينية) خلال شهر شباط/فبراير 2023، فارتفعت أسهم بايدو بأكثر من 13% في بورصة هونغ كونغ، ودفع ظهور Chatgpt الشركات إلى الإنخراط في تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيها للاستفادة من أدواتها، مما أدّى إلى نمو السوق بسرعة...

كواليس الذكاء الاصطناعي: استثمارات وأرباح ضخمة
يستند التقييم المذهل لشركات مثل Nvidia و OpenAI إلى اقتصاد دائري، حيث يستثمر مصنعو الرقائق وشركات التكنولوجيا الرقمية العملاقة مليارات الدّولارات في شركات الذكاء الاصطناعي لشراء منتجاتها أو استئجار خوادمها، مُسْتَلْهِمَةً من سابقة هنري فورد (1863-1947) الذي قَرّرَ سنة 1914 مضاعفة أجُور العاملين في شركته لصناعة السيارات، من 2,5 إلى 5 دولارات يوميًا، مما ضَمنَ ولاء عمال خطوط التجميع ومنحهم القدرة الشرائية لشراء سيارات الشركة التي يعملون بها، من خلال قُرُوض مُيسّرة، وانتقد منافسو الشركة وكذلك إدارة وول ستريت هذه "الأرباح المهدرة"، ولكن في غضون عام واحد، انخفض معدل دوران الموظفين إلى 16%، وبحلول سنة 1921، باعت الشركة مليون سيارة فورد موديل T سنويًا، ودخلت أمريكا مجتمع الإستهلاك المُكثّف...
استلهمت شركات تصنيع معدات الاتصالات، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، من هذه التجربة، لكن النتيجة كانت سلبية، لأن الظروف تغيرت، فقد أقرضت شركة لوسنت زبائنها لشراء أجهزة هواتفهم، وتكبدت خسائر فادحة مع تحول السوق بسرعة، ولذلك يتساءل المستشارون الماليون في سوق وول ستريت عن حُدُود إمكانيات نُمُو الذّكاء الإصطناعي وعن احتمال انفجار فُقاعة سوق الذكاء الاصطناعي الذي يعمل وِفْقَ اقتصاد دائري، حيث يدفع صانعو الرقائق لشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة لشراء المعالجات الدقيقة، فيشتري الجميع من بعضهم البعض ويمولون بعضهم البعض، دون وجود زبون نهائي في الظّاهر، مما يُعَقّد العلاقة، ويطرح سؤالا مشروعًا " هل تُشكل موجة اتفاقيات الذكاء الاصطناعي الدائرية وضعًا مربحًا للجميع أم إنها مؤشر على فقاعة قد تنفجر في أي حين؟".
من جهة أخرى، تُشير البيانات إلى وجود أكثر من 1,1 مليار مستخدم حول العالم، ومن المتوقع أن يصل سوق الذكاء الاصطناعي إلى تريليون دولار أو أكثر بحلول سنة 2031، ورغم السياق الجيوسياسي المتوتر والتباطؤ العالمي في قطاع التكنولوجيا، لا يزال الذكاء الاصطناعي يبرز كمحرك رئيسي للنمو الرقمي، ويتوقّع موقع Statista، أن تصل قيمة سوق الذكاء الاصطناعي العالمي إلى تريليون دولار سنة 2031، وهي نقطة تحول رئيسية تؤكد دوره الإستراتيجي في اقتصاد المستقبل ، ومن المتوقع أن يستمر توسع الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف الصناعات حول العالم خلال السنوات الخمس القادمة، ويتوقع تقرير نشرته وكالة بلومبرغ إنتليجنس (BI) أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى 1,3 تريليون دولار أمريكي خلال العقد المقبل، وكتبت مجلة فورتشن بيزنس إنْتِلِجنْس إن حجم سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي العالمي بلغ 43,87 مليار دولار سنة 2023، ويستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي حاليًا نماذج توليد النصوص القائمة على المُحَول ونماذج توليد الصور القائمة على الانتشار، وتتيح هذه النماذج للأنظمة التّعلم من البيانات الموجودة وإنتاج معلومات شاملة تشبه إلى حد كبير بيانات الإدخال، كما يتم تطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل Chatgpt و LLM (نموذج اللغة الكبير)، بشكل متزايد في قطاعات مثل الخدمات المصرفية والمالية والرعاية الصحية والسفر والضيافة، مما يؤدي إلى تقليل التدخل البشري، وخفض عدد العاملين في هذه القطاعات...

دور الذكاء الإصطناعي في تعميق الفجوات
يتزايد الطلب على بَرْمَجِيّات والحُلُول التي يُوَلِّدُها الذكاء الاصطناعي في الدّول الرأسمالية المتقدّمة، مما قد يُوَفِّرُ أدواتٍ لتبسيط تدريب النماذج لغير المتخصصين في علوم البيانات، غير إن هذه الحلول تُقَلّل من الإعتماد على توظيف البشر المتخصصين، وتُسَرّع عملية التطوير ووقت طرح المنتجات في السوق، كما تُستخدم العديد من أدوات البرمجيات للاستفادة من قدرات الأجهزة، وتحسين إدارة الموارد، وكفاءة البرمجة، مما يُعزز الأداء العام لتطبيقات البرمجيات، وإلغاء دَوْر الموظفين من ذوي الخبرات في مجالات النشر والتخصيص والتدريب والصيانة، فيما أدّى تعزيز طلب الشركات والحكومات على خدمات الذكاء الاصطناعي بين سنتَيْ 2022 و 2024 إلى نمو أرباح الشركات الكبرى الذي تراوح بين ضعفين وثلاثة أضعاف...
يتضمن الذكاء الاصطناعي مكونات متقدمة مثل وحدات معالجة الرُّسُومات والخوادم وأجهزة الاستشعار والكاميرات ورقائق الكمبيوتر، وعندما يتم فرض الرسوم الجمركية، مثل فرض الولايات المتحدة رسومًا على رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية أو على إعادة الصين تصدير الخوادم المصنوعة في أمريكا، فإن هذا يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، مما يُؤثِّرُ على شركات الحوسبة السحابية والأنظمة المستقلة ومختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي بشكل خاص بسبب اعتمادها على الأجهزة المستوردة المتخصصة، وتؤدي زيادة تكاليف التصنيع إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين، ولذلك فقد تُجْبِرُ الرسومُ الجمركيةُ المتبادلةُ الشركاتِ على إعادة النظر في استراتيجياتِ التوريد العالمية الخاصة بها، وقد تخلق هذه التغييرات تعقيدات تشغيلية، بما في ذلك فترات زمنية أطول وإعادة تأهيل الموردين الجدد وإعادة الإعتماد التنظيمي، كما تؤثر الرسوم الجمركية المتبادلة على قدرة الشركات على تصدير المنتجات والخدمات التي تدعم الذكاء الاصطناعي بشكل مربح، وقد تواجه الشركات التي تعتمد على عمليات نشر الذكاء الاصطناعي عبر الحدود (واجهات برمجة تطبيقات AI Cloud، أو حلول المدن الذكية، أو مجموعات الذكاء الاصطناعي للمؤسسات) تكاليف امتثال أعلى والحاجة إلى عمليات نشر محددة بالمنطقة أو التوطين القسري...
يقف سوق الذكاء الاصطناعي على شفا تحول جذري، مدفوعًا بالتقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي الكمي، والحوسبة العصبية، والنماذج التوليدية من الجيل التالي، وقد يشهد العقد المقبل طفرة في الإستثمار في الأتمتة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والطب الدقيق والأنظمة ذاتية التشغيل والحوكمة "الأخلاقية" للذكاء الاصطناعي، لكن يَكْمُنُ التغيير الحقيقي في تقارب الصناعات، حيث يتداخل الذكاء الاصطناعي مع التكنولوجيا الحيوية والتمويل وإنترنت الأشياء، مما يُعيد تشكيل النظم البيئية بأكملها، ومما يُعمّق الفجوة بين المواطنين داخل البلدان الرأسمالية المتقدّمة، من جهة، وبين الدّول الرأسمالية المتطورة والبلدان الفقيرة، من جهة أخرى، كما إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُنتج أحيانًا نتائج يصعب التحقق منها، وقد تتضمن مخرجات هذه الخوارزميات تَحَيّزات خَفِيّة يصعب رصدها، ونتيجةً لذلك، لا يوجد تفسير كافٍ للنتائج، مما قد يُؤَدِّي إلى نتائج خاطئة أو عكسِيّة، وإلى فقدن ثقة المُستخدمين وفقدان الأمان عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
قامت شركة ميتا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2022 ببناء "حاسوب فائق الذكاء الاصطناعي" مصمم خصيصًا لتدريب أنظمة التَّعَلُّم الآلي، وقامت شركة IBM خلال شهر شباط/فبراير 2023، ببناء حاسوب عملاق للذكاء الاصطناعي في السحابة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة الخاصة بالشركة، وقد تؤدي الشعبية المتزايدة لأجهزة الكمبيوتر العملاقة المزودة بالذكاء الاصطناعي - والتي يتم تقديمها كخدمة - إلى خلق فرص مربحة لكبار البائعين العاملين في سوق الذكاء الاصطناعي... من جهة أخرى، توفر الحَوْسَبة الفائقة قدرات معالجة قوية تُشبه تلك التي تُقدمها الحوسبة عالية الأداء (HPC)، ومثّلت جائحة كوفيد -19 فُرْصَةً لاستخدامها لدعم تطبيقات متعددة، ولتعميم الرقابة وفَرْض الخُضُوع لأوامر فَوْقِية، باسم الحدّ من انتشار الوباء، وتمكّنت الحكومات ومؤسساتها من إعلان حالة الطوارئ وتطبيق حَظْر التّجوّل وإغلاق الحدود، وتمكّنت شركات الحوسبة السحابية الضخمة، مثل مايكروسوفت وهيوليت باكارد إنتربرايز (HPE) وغيرها، من تطوير هذه السوق المربحة والاستثمار فيها للاستحواذ على أكبر حصة، مما رسّخ مكانتها في الأسواق العالمية إلى جانب شركات الأدوية العملاقة مثل "فايزر" ذات المنشأ الأمريكي، وأطلقت مايكروسوفت أزور خدمة الحوسبة الفائقة السَّحَابِيّة العامة عالية الدقة، المدعومة بمعالجات الرسومات A100 Tensor Core من إنفيديا، وتنضم الشركة إلى AWS وأوراكل وغوغل في إطلاق عروض مماثلة للحوسبة الفائقة كخدمة، استنادًا إلى منصة إنفيديا.
يتعامل الذكاء الإصطناعي بكفاءة مع مجموعات البيانات الضخمة ويمكنه إجراء حسابات غير قابلة للتنفيذ حاليًا، ومن المتوقع أن يُحدث هذا النوع من الذكاء الاصطناعي ثورة في مختلف الصناعات وفي مجال الأدوية وعلاج أمراض يصعب علاجها حاليا، وقد يكون تأثيره المحتمل على صحة الإنسان ثوريًا، وفي القطاع المالي، يمتلك الذكاء الاصطناعي الكمي القدرة على إحداث ثورة في تقييم المخاطر وإدارة المحافظ الاستثمارية، فمن خلال تحليل بيانات السوق التفصيلية مع مراعاة متغيرات لا حصر لها في آنٍ واحد، يُمكنه توفير رؤى قيّمة تُعطي المستثمرين ميزةً كبيرة. كما يُمكنه التنبؤ بأنماط السوق بدقةٍ تُضاهي دقة الخوارزميات الرائدة اليوم في كونها مجرد تخمينات، كما يمكن أن يمثل الذكاء الاصطناعي الكمي مخاطر كبيرة، مثل احتمالية المساس بأساليب التشفير الحالية، وفرصًا، مثل إنشاء تشفير جديد مقاوم للكم، وتتضمن القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي الكمي مخاطر وآثارًا على مجال التصنيع وسلاسل التوريد وعمليات الإنتاج إلى حد يصعب تصوره حاليًا، وفي مجال النقل، لديه القدرة على إحداث تحول في إدارة المرور وتكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة، ويمكنه - في قطاع الطّاقة - تسريع تطوير تقنيات طاقة متجددة جديدة وأكثر كفاءة، وتستثمر شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة بكثافة في هذا المجال، وتطلق الحكومات حول العالم مبادرات لدعم البحث والتطوير الكمي. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون الجهات الفاعلة لتسريع تطوير هذا النوع من الذكاء الاصطناعي...
استحوذت الشركات الكبيرة على حصة كبيرة من السوق سنة 2024، وتشير تقارير IBM إلى أن حوالي 42% من الشركات الكبيرة قد طبقت الذكاء الاصطناعي في عملياتها التجارية، بينما أكد 59% من مُتَخَصّصِي تكنولوجيا المعلومات في هذه المؤسسات النشرَ النشطَ للذكاء الاصطناعي، و من المتوقع أن يسجل قطاع الرعاية الصحية أعلى معدل نمو سنوي مركب خلال الفترة 2024 - 2031، وذلك بفضل التطور المتزايد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تستهدف هذا القطاع تحديدًا، وتستخدم مؤسسات الرعاية الصحية الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة مختلف العمليات، بدءًا من المهام الإدارية ووصولًا إلى رعاية المرضى الذين يضطرون إلى تناول الأدوية بأنفسهم، بدل مساعدتهم من قِبَل الممرضات، ووفقًا لدراسة مجلة Nature Medicine، لا يلتزم ما يصل إلى 70% من المرضى بجرعة الأنسولين الموصوفة ومن الضروري مساعدتهم بواسطة بشر مختصين وليس بواسطة آلات...

خلاصة
نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريرًا بعنوان "الحَوْكمَة بالذّكاء الإصطناعي" ( 19 أيلول/سبتمبر 2025) يناقش "الفرص القيّمة" التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للإدارات العامة، إذْ يُمكنه "أتمتة الخدمات العامة وتخصيصها وخفض الإنفاق، وتحسين عملية صنع القرار، وكشف محاولات الاحتيال، وإثراء عمل المسؤولين الحكوميين وتعلمهم"، بينما تؤكّد شركة الاستشارات رولاند بيرغر، "إن ثُلُثَ وظائف القطاع العام في جميع أنحاء العالم قد تتعرض لتغييرات كبيرة مع الذكاء الاصطناعي، وتقليل عدد الموظفين وتسريح ما بين 22% و 29,5% من العاملين بالقطاع العام"
لا يمكن لعاقل أن يُعارضَ التقدم العلمي والتطور، فالمسألة الرئيسية تتعلق باستخدام الإختراع والإبتكار، وليس بالتقدّم العلمي والتّكنولوجي في حدّ ذاته، لذلك فإن السؤال الأهم هو: من يستفيد من التقدّم العلمي ومن تطور التكنولوجيا؟ ومن يستطيع دفع ثمن هذه التقنيات؟ أهُم الفقراء الذين يعجزون عن تسديد معلوم كراء المسكن وثمن الغذاء والنقل والرعاية الصحية، أم الشركات العابرة للقارات التي تستخدم التكنولوجيا وتُسرّح العاملين، بهدف زيادة الأرباح. أما على المستوى العالمي فإن الدّول الإمبريالية قادرة على الإستثمار في البحث العلمي والإبتكار والتّطوير، ونهب موارد البلدان الفقيرة التي تحتضن أرضها الموارد التي تستخدمها الشركات العابرة للقارات لتطوير التكنولوجيا، وبالتالي تعميق الفجوة بين الدّول الرأسمالية المتقدّمة والبلدان الفقيرة...
تتعلّق المسألة الرّئيسية بمن يستطيع الإستثمار في البحث العلمي والإبتكارات، ومن يمتلك تكنولوجيا "الذّكاء" الإصطناعي ومن يستفيد منها وما هي استخداماتها...
أظْهر العدوان الصّهيوني الأمريكي على شُعوب الوطن العربي – من تونس إلى قَطَر، مرورًا بفلسطين واليمن وسوريا – وعلى شعوب إيران عيِّنَة من الإستخدامات العسكرية ل"الذّكاء" الإصطناعي ومضاعفة إمكانيات القَتْل والتّخريب التي بدأت مع استخدام الأقمار الصناعية لتحديد موقع من اغتالتهم الولايات المتحدة بواسطة الطّائرات المُسيّرة ( الإغتيال عن بُعد بواسطة زِرّ يضغط عليه ضابط أو جندي على بُعْد آلاف الكيلومترات) منذ فترة حُكْم باراك أوباما التي استمرت من 2009 إلى 2017، وتتباهى شركات صناعة الأسلحة الأمريكية والصّهيونية "بنجاعة " الأسلحة المُوَجّهة بتقنيات الذّكاء الإصطناعي لتنفيذ عمليات الإبادة، ولقتل الحدّ الأقصى من الفلسطينيين، من الأطباء والمُسْعفين والصحافيين والنساء والأطفال وغيرهم من الفئات غير المُسلّحة...

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل