هوامش قمة شرم الشيخ 13/10/2025

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 12:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

فلسطين على عدّة جبهات

تُؤَدِّي الولايات المتحدة دَوْرَ الخَصْمِ والحَكَمِ في نفس الوقت، وهي منحازة بدون أي تحفُّظ إلى الكيان الصهيوني، واحتفاءًا بإطلاق سراح أَسْرَى الحرب الصهاينة، هبطت طائرة ترامب في تل أبيب، مباشرة بعد الإفراج عن عشرين من الضّبّاط والجُنود الأسْرى صباح الإثنين الثالث عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2025...

من جهة أخرى أشادت وسائل إعلام صهيونية بدور تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي والشريك الإقتصادي والتجاري الهام للكيان الصهيوني)، إلى جانب قَطَر، في إقناع حماس بقبول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقابل رفع الحظر الأمريكي عن صادرات الأسلحة ( إلى تركيا بعد صفقة إس 400 مع روسيا) وبيعها طائرات إف-35 وشراء مقاتلات إف-16 لتحديث أسطولها، والحصول على محركات توربوفان من إنتاج شركة جنرال إلكتريك الأمريكية لتطوير طائرتها المقاتلة "كان" من الجيل الخامس، وطائرة التدريب القتالية الخفيفة "هورغيت"، كما تسعى تركيا أيضًا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال ارتداء حلة "الوسيط" ( المُزيّف بحكم الإنتماء إلى حلف شمال الأطلسي والعلاقات التجارية الهامة مع الكيان الصهيون ) وتلميع صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سواءً لدى الرأي العام التركي ضدّ خصمه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المسجون منذ آذار/مارس 2025، أو على الساحة الدولية، حيث يُشير الحزب الحاكم ( العدالة والتنمية ) ورئيسه أردوغان إلى "الدور البناء لتركيا في عملية السلام القيّمة هذه"، كما تريد تركيا حصة في إعادة إعمار قطاع غزة، بما يعود بالنفع على شركات الإنشاءات التركية...

أفادت تقارير إعلامية صهيونية "إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد ينهار بسبب بند سري تضمّنته النُسْخة العبرية يسمح لإسرائيل باستئناف الحرب، وسيُفعّل هذا البند إذا لم تتمكن حماس من العثور على جميع الرهائن خلال 72 ساعة" ضمن المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق، وأكّدت وسائل الإعلام الصهيونية هذا البند رغم النّفْي الرّسمي لحماس، وتُؤَكّد التجربة عدم التزام الكيان الصهيوني بمثل هذه الإتفاقيات سواء في لبنان أو غزة، فضلا عن غياب أي بُنُود مُلْزمة للكيان الصهيوني أو أي جدول زمني لانسحاب الجيش الصهيوني من غزة، وتجدر الإشارة إلى رفض الكيان الصهيوني الإفراج عن أسرى مثل أحمد سعدات أو مروان البرغوثي، فضلا عن 14 فلسطيني من الدّاخل من المحكومين بالسجن المُؤَبّد ( من أصل 303 فلسطينيين يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد)، لأنهم فلسطينيون "يحملون الجنسية الإسرائيلية"، ويريد الجيش الصهيوني اسمرار سيطرته على 53% من مساحة قطاع غزة...

أكّدت وسائل الإعلام الأمريكية إن دونالد ترامب يسعى إلى نزع سلاح حماس والمنظمات الفلسطينية في غزة، عبر نشر قوات من دول عربية وتركيا، فضلا عن نَشْر ما لا يقل عن مائتَيْ جندي أمريكي من القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) للإشراف على قوة متعددة الجنسيات ( من أمريكا وتركيا ومصر وقطر والإمارات ) تُراقب وقف إطلاق النار، فضلا عن إنشاء "قوة استقرار دولية مؤقتة" يتم نشرها في غزة لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وهو ما لم يتمكن الجيش الصهيوني من تحقيقه بالقوة، وتدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، وخاصة شبكة الأنفاق...



الجبهة الإعلامية

تُوَظِّفُ الشركات الإحتكارية لوسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغوغل وتيك توك وتويتر، مئات الجواسيس من وكالات الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وغيرها من وكالات الاستخبارات، بالإضافة إلى كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويتركز هؤلاء الأفراد في إدارات حساسة سياسياً، مثل الأمن والرقابة على المحتوى، مما يعني أن الجواسيس يساهمون في التأثير على ما يراه ويقرأه ويسمعه مليارات الناس حول العالم ويحددون من تتم ترقيته ومن يتم قمعه، وتم اكتشاف العديد منهم من قِبَل المُستخدمين، فقاموا بحذف حساباتهم أو الصفحات التي تكشف ماضيهم أو الإكتفاء بمحو الأدلة المدانة من الإنترنت، وعلى سبيل المثال يقوم العميل لمدة 15 عاما في وكالة المخابرات المركزية ( على الأقل حتى سنة 2019)، آرون بيرمان، بمهام تحديد سياسات الرقابة في ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، ويحدد "ما هو مقبول وما هو غير مقبول" لمستخدمي المنصة البالغ عددهم 3,1 مليار مستخدم، وكان بيرمان مكلفا من قبل وكالة المخابرات المركزية بكتابة الموجز الرئاسي اليومي لكل من باراك أوباما ودونالد ترامب، وهويتقن عددًا من اللغات، ومن ضمنها اللغة العربية...

تضم القائمة مئات الجواسيس من رتب عُليا، من ضمنهم مُديرة بتويتر، كانت مستشارة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وجيف كارلتون، قائد فيلق مشاة البحرية لمدة 14 عامًا ومحلل استخبارات في وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الخدمة العامة لينتقل إلى تويتر كمدير لبرنامج الثقة والسلامة، وهايلي تشانغ، المستشارة العامة المساعدة في وزارة الأمن الداخلي ونائبة مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، المكتب لتصبح مستشارة لشركة ميتا، وتعمل في مجال الأمن السيبراني والتحقيقات، وجوي تشان رائد في جيش الولايات المتحدة الذي يعمل مُديرًا في ميتا، وإيلين نيكسون، وهي عميلة سابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأصبحت مديرة للتحقيق في التهديدات الموجهة إلى فيسبوك، والمئات غيرهم من ضابط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وموظفي وزارة الخارجية...

يُشرف هؤلاء الضّبّاط الأمريكيون والصهاينة والموظفون السامون بالحكومة الأمريكية على مراقبة ما نكتب في وسائل الإتصال الإجتماعي ويحذفون ما لا يتوافق مع الخط الإيديولوجي الإمبريالي والصهيوني، ويتلاعبون بالرّأي العام، لأن وسائل التواصل الاجتماعي ليست ساحةً محايدةً، بل ساحة معركة صامتة، يُحدّد قواعدها رأس المال الإحتكاري...



وسائل التواصل الاجتماعي تتلاعب بالانتخابات

تسللت الاستخبارات الأمريكية، طيلة العقد الماضي، إلى منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية في محاولةٍ للتلاعب بالنقاش العام والتأثير على ما يراه العالم وما لا يراه، وتقزّم عملية التأثير هذه أي شبكة دعايةٍ لأعداء رسميين، واستخدمت الولايات المتحدة هذه القوة لاستبعاد الآراء المعارضة من المجال العام العالمي، من خلال حَذْف مئات الآلاف من الحسابات الروسية والصينية والإيرانية والعربية من تويتر وفيسبوك ويوتيوب، كما حاولت استخدام هذا النفوذ للسعي لتغيير بعض الأنظمة التي لا تروق للإمبريالية الأمريكية، وحذفت غوغل حساب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على يوتيوب، بينما رفضت شبكة تويتر اعتباره رئيسًا شرعيًّا منتَخَبًا للبلاد، وقبل أيام قليلة من انتخابات نيكاراغوا سنة 2021، حذف فيسبوك صفحات عشرات المنافذ الإعلامية والداعمين لحزب الساندينيستا، في محاولة لترجيح كفة الانتخابات لصالح المرشح الموالي للإمبريالية الأمريكية، وكان فريق فيسبوك الذي نفذ العملية مليئًا بالجواسيس الأمريكيين من أمثال المذكورين في الفقرة السابقة...

أما في الولايات المتحدة، فقد تعرضت وسائل الإعلام البديلة التي تتحدى الحكومة للهجوم والرقابة وتخفيض التصنيف، بل وفي بعض الحالات للحذف من منصات التواصل الاجتماعي، وأثبتت دراسة تم إنجازها سنة 2017، انخفاض زيارات بحث غوغل لموقع Consortium News بنسبة 47% بعد تطبيق خوارزميته الجديدة، وخسر الموقع 36% من زياراته، وخسر موقع MintPress News أكثر من 90% من زيارات بحث غوغل وأكثر من 99% على فيسبوك، كما تم تعليق حسابه على إنستغرام عدة مرات، وحُظرت روابط MintPressNews.com على Reddit، وحَذَفَ TikTok الحساب نهائيًا.

تعتمد مصداقية وسائل التواصل الاجتماعي على كونها مصدرًا حرًا ومفتوحًا للمعلومات والتواصل، ولكن مع البيع القسري لتطبيق تيك توك لشركة أوراكل الأمريكية للمقاولات العسكرية، وامتلاك عضو فعلي في حكومة ترامب تطبيق تويتر، تحطمت هذه الصورة، وبالإضافة إلى تقويض هذه الأسطورة، تُسلّط التحقيقات الضوء على مئات ضُباط وموظفي الأمن القومي التابعة للولايات المتحدة أو حلفائها، الذين يُسيطرون على منصات وادي السيليكون، وسارع العديد منهم إلى حذف ملفاتهم الشخصية وإخفاء الأدلة، عند اكتشاف حقيقة دَوْرِهم...



قمة شرم الشيخ

أقِيم يوم 13 تشرين الأول/اكتوبر 2025، في شرم الشيخ ( مصر)، حفل "انتصار خطة ترامب للسلام من أجل فلسطين" أمام كاميرات العالم، ويُعدّ هذا الحفل جزءًا من عمليات التسويق السياسي القوية التي تهدف إلى الترويج للمنتج الرائد "ترامب = السلام"، ويدعم الحاضرون في القمة سياسات الإمبريالية الأمريكية ويتكيفون مع جميع دلالاتها، ومن ضمنهم عبدالله بن الحسين وعبد الفتاح السيسي وآل سعود وآل زايد وآل خليفة وغيرهم من صهاينة العرب، فضلا عن رُموز الصهيونية مثل توني بلير وغيره ممن يُروّجون ل "دُوَيْلة فلسطينية" تحت الوصاية، إلى جانب عدد من قادة أوروبا و"الغرب" الذين استجابوا للأوامر الأمريكية برفع ميزانياتهم العسكرية بنسبة أكثر من 40% بين سنتَيْ 2017 و 2024، لتسديد نفقات حلف شمال الأطلسي المتزايدة، ولدعم جميع العمليات الإمبريالية لزعزعة استقرار الدول التي تسعى للتحرر من الوصاية الإمبريالية الأمريكية مثل جورجيا ومولدوفا وصربيا وفنزويلا، ناهيك عن إيران وكوبا وكوريا الشمالية... باختصار، يُؤَدِّي المُشاركون في قمة شرم الشّيخ مهمة دعم الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، على حساب الشعب الفلسطيني، وعلى حساب الشعوب التي هَبّ قسم منها للإحتجاج على الظروف المعيشية أو لنصرة الشعب الفلسطيني...



خاتمة

ليست هذه أول "خطة سلام" فاشلة تقدّمها الإمبريالية الأمريكية، وانتهت جميعها بحصول الكيان الصهيوني على ما لم يتمكّن من تحقيقه بالقوة، وكانت أول مرحلة في خطة دونالد ترامب هي إطلاق سراح الأسرى العسكريين الصهاينة المتبقين، ثم يُفسح المجال لانتهاك جميع البنود الأخرى واستئناف العدوان على الشعب الفلسطيني المُحاصَر في منطقة مُدمَّرَة تمامًا بعد عامَيْن من القَصْف المتواصِل والإبادة بأسلحة أمريكية بلغت قيمتها 22 مليار دولارا، فضلا عن الأسلحة الألمانية والبريطانية والأوروبية الأخرى، وتجاهل تام لتقارير الأمم المتحدة والرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدّولية وقرار المحكمة الجنائية الدّولية، وتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير...

خَرَقَ الكيان الصهيوني كافة الإتفاقيات ومنها قرار تأسيسه من قِبَل الأمم المتحدة ثم واتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو، حيث ارتفع بعدها عدد المُستعمِرِين في الضفة الغربية من أقل من 250 ألف إلى 700 ألف، فيما اتهمت القوى الإمبريالية الفلسطينيين بعدم احترام الإتفاقيات، ومن المُرجّح أن تكون "الحُجّة" هذه المرة، رفض المنظمات الفلسطينية نزع السلاح، كما يطالب اقتراح دونالد ترامب، لمواصلة الإبادة الجماعية من أجل إنشاء "منطقة اقتصادية خاصة" مع تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين النّاجين من الإبادة ومن الجوع والمرض...

تهدف جميع المخططات الإمبريالية والصهيونية إلى تخلِّي الشعب الفلسطيني عن وطنه لصالح المُستعمِرِين القادمين من أصقاع العالم، والتّخلي عن حق عودة اللاجئين و ( وليس أو) تعويضهم، مقال التّلويح ب"دولة" وهْمية، ولذا وجب التّأكيد على حق الشعب الفلسطيني في خوض النّضال المُسلّح لمقاومة الإحتلال، لأن الإحتلال بطبيعته عنيف ومُسلح ولا يمكن مقاومته بالوسائل السلمية ولا يوجد احتلال شرعي وآخر غير شرعي أو مستوطنات شرعية وأخرى غير شرعية فالإحتلال واستيطان أراضي الغَيْر عمليات غير شرعية وتستوجب المقاومة المُستمرة حتى ينتهي الإحتلال، ولذا فإن شرط نزع سلاح المقاومة انحيازٌ لصالح الإحتلال الذي لا يزال يعمل على إبادة وتهجير الفلسطينيين من وطنهم...

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل