|
|
الإتحاد الأوروبي عملاق اقتصادي وقِزْم سياسي
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هوامش قمة كوبنهاغن الأوروبية
طرح المُستشار الألماني ( فريدريش ميرتس) ملف “القدرة التنافسية” للاقتصاد الأوروبي في قمة كوبنهاغن ( 2 و 3 تشرين الأول/اكتوبر 2025)، لكن طغت الهواجس الأمنية والعسكرية على القمة، رغم تقَهْقَر مكانة الإقتصاد الأوروبي في العالم، ورغم احتجاجات الملايين من المواطنين الأوروبيين في الشوارع على تراجع قيمة الدّخل والأجور وارتفاع أسعار إيجار السّكن وأسعار النقل والطاقة والغذاء وتدهور خدمات الصحة والتعليم وغيرها، مقابل ارتفاع النفقات العسكرية...
بحثت القمة القضايا الأمنية، وتجاهلت الصعوبات الإقتصادية وتدهور ظروف معيشة المواطنين واحتجاجاتهم، وأدّت الخلافات حول ملفي الأصول الروسية والدّفاع المشترك إلى تأجيل القرارات الحاسمة حول أمن أوروبا ودعم أوكرانيا في قمة كوبنهاغن – عاصمة الدّنمارك - التي دامت يَوْمَيْن وجمعت قادة أوروبا المُوَسَّعَة (الاتحاد الأوروبي والمجموعة السياسية الأوروبية)، وأكّدت هذه القمة إن أوروبا لا تُشكل وحدة سياسية واستراتيجية، ولم يتمكّن قادة أوروبا من الإتفاق على كيفية استرار الدّعم الذي تقدّمه للنظام في أوكرانيا وعلى كيفية مواجهة روسيا التي يعتبرها بعض القادة الأوروبيين "العدو الرئيسي"...
طرحت المفوضية الأوروبية خطة لاقتطاع 140 مليار يورو من أرباح الأصول السيادية الروسية المجمدة في أوروبا منذ 2022، وأدْرَجت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين هذه الخطّة في إطار “ضرورة محاسبة روسيا”، وعارضت بلجيكا ولوكسمبورغ هذه الخطة التي تُعتَبَرُ سابقة قانونية قد تقَوِّضُ النظام المالي الأوروبي، لأنها قد تُعتَبَرُ عملية "قَرْصَنَة" من شأنها زعزعة ثقة المُستثمرين في أوروبا... كما لم يتفق قادة أوروبا على خطّة تعزيز “الأمن الأوروبي” رغم تأكيد رئيسة وزراء الدنمارك ( ميتي فريدريكسن ) على "التهديد الذي تمثله روسيا"...
كما قدّمت المُفوضية الأوروبية خطّة أمْنِيّة تتمثل في إقامة “جدار الطائرات المسيرة” بعد بضعة حوادث أمنية في أجواء بولندا والدنمارك، ودعم أوكرانيا خلال سنتَيْ 2026 و 2027، ويأتي هذا الإقتراح مع اقتراب انتهاء التمويل العسكري الأمريكي لأوكرانيا، وفرضت الولايات المتحدة على أوروبا تسديد قيمة الدّعم العسكري الأمريكي، ويندرج كذلك في خضم الصعوبات المالية التي تواجهها العديد من حكومات أوروبا، لكن فرنسا وألمانيا أثارتا مسائل "السيادة الوطنية" والسيطرة على "الصناعات العسكرية" الخاصة بهما، فيما طالبت إيطاليا واليونان توسيع مفهوم الجدار الأمني ليشمل استخدامه في "مراقبة الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا".
أدّت مثل هذه الخلافات وغيرها إلى اتفاق مبدئي فضفاض على تعزيز القدرات الأمنية وإلى اختلافات حول دعم أوكرانيا بصواريخ استراتيجية، كما أدّى مقترح مصادرة الأموال الروسية إلى انقسام بين الدّول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وإلى تهديد روسيا "بالرّد على هذه الإجراءات الإستفزازية" وسخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الاتهامات الأوروبية، قائلاً "أصبحت بعض العواصم تخاف من تحليق ألعاب أطفال فوق رؤوسها... لن ترسل روسيا شيئاً لا إلى فرنسا، ولا إلى الدنمارك... إنهم يفتعلون ضجّةً بهدف رفع الميزانيات العسكرية الأوروبية..."
قَلّل رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، من حجم التهديد الروسي بقوله “لا يتمثل تهديدنا في إرسال روسيا قواتها عبر جبال البيرينيه” ( سلسلة جبال مرتفعة بين فرنسا وإسبانيا)، وبذلك يتباين خطاب رئيس الوزراء الإسباني مع خطاب رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة حكومة الدّنمارك ومع حكومة بولندا وغيرها، فيما حذّرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني (اليمين المتطرف)، من "تجاهل الجنوب الأوروبي، لأن ذلك سيُضعف فعالية الكتلة بأكملها، في إشارة إلى هيمنة ألمانيا وفرنسا على الصناعات العسكرية الأوروبية، وسبق طَرْح هذا الموضوع في اجتماعات أوروبية سابقة، وتم إقرار "مشاريع دفاعية مُشتركة"، وتلقّت إيطاليا والبرتغال مبالغ كبيرة من آلية قروض الدفاع الأوروبية (SAFE) وتشارك إسبانيا في مشروع مشترك للطائرات المقاتلة والطائرات المسيّرة مع فرنسا وألمانيا، على أمل أن تعزز هذه المشاريع القدرات الدفاعية والصناعية الأوروبية على المدى المتوسط.
سيطر التصعيد العسكري والخطط الحربية على نقاشات القادة الأوروبيين، رغم تراجع النمو الإقتصادي الأوروبي، وانتهت القمة بدون بيان رسمي أو نتائج مكتوبة، وهيمن موضوع "التهديدات الأمنية" ( الوَهْمِيّة أو الحقيقية) على اللقاء، لتبرير زيادة الإنفاق العسكري على حساب الإنفاق الحكومي على التوظيف والخدمات كالصحة والتعليم والنقل العمومي والإسكان والتصنيع غير الحربي... فيما تتعامل الولايات المتحدة – زعيمة حلف شمال الأطلسي - مع الحرب في أوكرانيا كمشروع تجاري يمكنها من بيع الغاز الصخري إلى أوروبا ( كبديل عن الغاز الروسي) ومن بيع المزيد من الأسلحة التي يُسدّد الإتحاد الأوروبي ثمنها، ومن مصلحة الولايات المتحدة توريط الإتحاد الأوروبي وإطالة أمد الحرب، وسوف تُعارض الولايات المتحدة وحلفاؤها داخل الإتحاد الأوروبي أي مشروع عسكري موحّد يُمكّن أوروبا من خفض الإعتماد على القوة العسكرية الأمريكية، وتمكنت الولايات المتحدة خلال سنة 2024 من ضم بعض بلدان أمريكا الشمالية إلى حلف شمال الأطلسي ( مثل السويد وفنلندا اللّتَيْن كانت تدّعيان "الحِياد") وصَعّدت حكومة الدّنمارك من تصريحاتها ضدّ روسيا وعقد وزير الحرب الدنماركي ورئيس الاستخبارات العسكرية مؤتمرًا صحفي يوم الجمعة 03 تشرين الأول/اكتوبر 2025، اتهما خلاله روسيا "بشَنّ حملة متعددة الأدوات تشمل اختراقات جوية وتخريباً بحرياً وهجمات سيبرانية وعمليات تضليل إعلامي... وحربًا هجينة وغير تقليدية ليس ضد الدنمارك وحسب بل ضد أوروبا، وتستهدف البنى التحتية والأجواء والعقول... بهدف تقويض الإستقرار خاصة في في شمال أوروبا ودول البلطيق، دون اللجوء إلى حرب تقليدية، بل عبر تكتيكات خفية وفعالة..." واتهم وزير الحرب الدّنماركي روسيا – في هجوم إعلامي غير مسبوق – "بترسيخ حالة من التوتر والخوف المستمر، وشن حرب على الاستقرار والمعنويات (... من خلال) تحليق طائرات مسيّرة مجهولة فوق منشآت عسكرية ومدنية، وتخريب الكابلات البحرية في بحر البلطيق، والاستفزازات المتكررة من طائرات وسفن روسية..." ما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية وتفعيل خطط الطوارئ، وفق النائب الأوروبي الدنماركي بالبرلمان الأوروبي ( فيلي سوفندال ) الذي اعتبر هذه الأحداث الحقيقية أو المزعومة "إهانة صريحة لأوروبا، لأن لا أمن لأوروبا ما لم نحسم أمن أجوائنا أولاً"، وكانت هذه الحملة الدنماركية ( وكذلك في بلدان أوروبا الشمالية الأخرى) فرصة لإعلان حكومة الدنمارك زيادة الإنفاق العسكري بنحو نحو تسعة مليارات دولار لشراء أنظمة دفاع جوي متطورة، يتوقع أن تطلبها من الكيان الصهيوني رغم العدوان والإبادة والتجويع والتهجير الذي يمارسه الجيش الصهيوني...
سخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الاتهامات الأوروبية، خلال مشاركته في منتدى "فالداي"، قائلاً إن "بعض العواصم باتت تخاف من ألعاب أطفال تُحلّق فوق رؤوسها"، مضيفاً بتهكّم: "لن أرسل شيئاً لا إلى فرنسا، ولا إلى الدنمارك... كل هذا لرفع ميزانيات الدفاع في أوروبا". واعتبر مراقبون أن تصريح بوتين إنكار متعمّد يُخفي خلفه استراتيجية "النفي العلني مع استمرار الأنشطة التخريبية في الخفاء"، بهدف إرباك الخصوم وتعطيل ردودهم السياسية.
كشفت قمة كوبنهاغن عن تصدّع واضح في الصف الأوروبي بشأن مقترحات توجيه الأصول الروسية المجمدة نحو دعم أوكرانيا، كما انقسم الأوروبيون بشأن دعوة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى تسريع بناء "جدار الطائرات المسيّرة"، نظرًا للحاجة الملحّة له، ومزايدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعتبر إن الرد يجب أن يتجاوز الدّفاع إلى اعتماد استراتيجية شاملة تشمل أنظمة إنذار مبكر وقدرات هجومية بعيدة المدى وتنسيقاً استخباراتياً عابراً للحدود وهو الرئيس الذي يُعاني داخليا من أزمات اقتصادية وسياسية مختلفة، ورفض رئيس المجر الخطط الحربية المُقدّمة من قِبل رئيسة المفوضية الأوروبية ودول أوروبا الشمالية وأدّى هذا الإنقسام إلى مطالبة بعض القادة الأوروبيين إلغاء قاعدة الإجماع واعتماد الأغلبية البسيطة، وتجدر الإشارة إلى تخصيص المفوضية الأوروبية ملياري يورو لتطوير تقنيات الطائرات المسيّرة في أوكرانيا التي تُشكّل مختبراً حيّاً للتجارب العسكرية...
يُتوقع أن يعود النقاش – وربما الخلافات – بشأن هذه المواضيع خلال قمة الإتحاد الأوروبي ببروكسل يومَيْ 23 و24 تشرين الأول/اكتوبر 2025 ...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيرو – من دكتاتورية ألبرتو فوجيموري إلى فساد دينا بولوارتي
-
بنغلادش - صناعة الملابس الفاخرة وبؤس العاملات والعاملين
-
متابعات – العدد الرّابع والأربعون بعد المائة بتاريخ الرابع م
...
-
ملخص القواسم المُشتركة لانتفاضات الجيل زد
-
المغرب – الصحة أهَمّ من كأس العالم
-
مدغشقر - مظاهرات حاشدة، وثراء فاحش وفساد وفقر مُدْقَع
-
الدّعاية إحدى جَبَهات الحرب
-
غذاء – ارتفاع الأرباح وانخفاض جودة المُنتجات
-
إيطاليا - تضامن مع الشعب الفلسطيني
-
متابعات – العدد الثالث والأربعون بعد المائة بتاريخ السابع وا
...
-
فرنسا - الضّغْط يُوَلِّدُ الإنفِجار
-
خرافة الإعتراف بدُوَيْلَة فلسطينية
-
أوكرانيا -نموذج الحرب بالوكالة
-
نيبال - الجزء الثاني والأخير - فشل تجربة سُلْطة اليسار
-
متابعات – العدد الثاني والأربعون بعد المائة بتاريخ العشرين م
...
-
نيبال، خلفيات الإنتفاضة: فجوة طبقية وفساد مُتأصّل
-
انبطاح الحُكّام العرب
-
أوروبا: الهجرة بين الدّعاية الإنتخابية وواقع الأرقام والبيان
...
-
سوريا: الدّوْر الوظيفي للدّين السياسي الإرهابي
-
بإيجاز - حَدَثَ ذات 11 أيلول/سبتمبر
المزيد.....
-
البرهان: هدفنا القضاء -نهائيا- على الدعم السريع
-
ترامب: على زيلينسكي الموافقة على خطة السلام في أوكرانيا
-
عبدالله بن زايد يجري اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي
...
-
في غارة سابقة.. إسرائيل تعلن قتل 13 عنصرا من حماس جنوب لبنان
...
-
بعد تبادل الانتقادات اللاذعة.. ترامب يستقبل ممداني -بحرارة-
...
-
اختطاف أكثر من 200 تلميذ من مدرسة كاثوليكية في نيجيريا
-
-قائمة أسعار لتصفيتهم-.. موقع مجهول يهدد باغتيال أكاديميين إ
...
-
تحطّم طائرة -تيجاس- الهندية خلال عرض جوي في دبي ومصرع طياره
...
-
التوغو: أحدث محطات الانتشار الروسي في أفريقيا
-
كيف تتأثر مفاوضات الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي بقرار م
...
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|