|
أوروبا: الهجرة بين الدّعاية الإنتخابية وواقع الأرقام والبيانات
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 11:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يدَّعِي اليمين الأوروبي المتطرف وكذلك بعض اليمين التّقليدي الموصوف ب"المُعْتدِل" إن المهاجرين أفْسَدوا مجتمعاتهم وروّجوا الجريمة والفساد وإن الهجرة تُؤَدِّي إلى "الإستبدال الكبير"، أي "تغْيِير السّكّان الأصليين البيض بمهاجرين يُكلفون الدولة المُضَيِّفَة ثمنًا باهظًا"، كما يُرَوّج هذا اليَمِين نظريات "عامل الجذب"، وفعالية الحدود المغلقة، وتُغذي الصور النمطية عن الهجرة نقاشًا مُلتبسًا، وغالبًا ما يفتقر إلى الحُجج والبراهين نشرت كاثرين ويثول دي ونْدنْ كتابًا بعنوان " أفكار مُسبقة عن الهجرة" دار النّشر "الفارس الأزرق" نيسان/ابريل 2025 Catherine Wihtol de Wenden - Idées reçues sur les migrations – Edition : Le cavalier bleu – Avril 2025 ناقشت الكاتبة مجموعةً من الآراء المُسبقة والخاطئة المُنتشرة في أوروبا عن الهجرة، وهي أفكار استعمارية قديمة تم تحديثها، فقد ندد الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير (1821 – 1880 ) مؤلف رواية "مدام بوفاري"، في معجمه للأفكار المُسبقة أو المُسلّم بها خَطَأً، بالتقاليد والأحكام المسبقة والصيغ الجاهزة، أو ما نُسمّيه الصور النمطية، وهي الأفكار الخاطئة التي تنتشر في مجتمعات أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان الغنية فيما يتعلق بالهجرة، خصوصًا لدى اليمين واليمين المتطرف، وكذلك لدى بعض اليسار مثل التيار الديمقراطي الإجتماعي، وتهدف هذه العملية إلى تحويل وجهة النّقاش بخصوص المشاغل السياسية والإقتصادية والإجتماعية للمواطنين، من خلال تأجيج جدل سياسي لا يُولي الواقع ولا البيانات العلمية اهتماماً يُذكر، وأهم هذه الأفكار المُسبقة والخاطئة، فكرة "الاستبدال الكبير"، وهي فكرةٌ عبّر عنها قوميون مثل شارل موراس ( فرنسا 1868 - 1952) في بداية القرن العشرين ، وهي نسخة قديمة ل"صراع الحضارات" (The Clash of Civilizations ) التي أعاد إحياءها صموئيل هنتنغتون (Samuel P. Huntington ) انطلاقا من الولايات المتحدة (بين تاريخ نشر المقال الأول سنة 1993 بمجلة فورين أفيرز ونشر الكتاب سنة 1996) وإعادتها إلى الواجهة من خلال وصف عالمٍ حلَّ فيه الإسلام محلَّ العدو السوفيتي السابق للغرب، وجَعْل "الهَويّة" ( رغم غموض هذا المفهوم) قضية محورية لدى العديد من الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة، بدل إيلاء المشاكل الإقتصادية وظروف عيش المواطنين المكانة الأولى في برامجها السياسية والإنتخابية... دَوْر صموئيل هنتنغتون وأمثاله في إنعاش إيديولوجية اليمين المتطرف شكل مقال ثم كتاب صراع الحضارات ردًّأ مباشر من صموئيل هنتنغتون على أطروحة تلميذه فرنسيس فوكوياما (Francis Fukuyama - The end of history and the last man - 1992 ) بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" ( وتأثر فرنسيس فوكوياما بدوره بأطروحات ألكسندر كوييف) ومُلخص أطروحة فوكوياما إن نهاية الحرب الباردة تؤدّي حتمًا إلى انتصار النظام الدّيمقراطي الليبرالي وانتشاره في معظم مناطق العالم بفعل هزيمة الشيوعية، النظام الذي شكّل بديلا للنظام الرأسمالي الليبرالي، لكن صموئيل هنتغتون اعتبرها نظرة قاصرة، لأن نوعية الصّراع العالمي سوف تتغير ( بعد الحرب الباردة) من صراعات قومية ( وما تخفيه من خلفيات سياسية واقتصادية) إلى حروب تُؤجّجها الاختلافات الثقافية لإعادة تشكيل النظام العالمي، وبذلك يتحول الصراع الإيديولوجي الذي كان سائدًا خلال الحرب الباردة إلى صراع حضارات تُحرّكه الاختلافات أو الخصائص الثقافية ومن ضمنها الدّين والهويات الأثنية والثقافية للحضارات التي سوف تتغلّب على الإختلافات السياسية والإيديولوجية... أظهر هنتنغتون عداءً بِدائية للمُسلمين وتجاهل الأسباب الكامنة وراء عدد من الصراعات ( التي أشعلتها الإمبريالية) وجعل منها صراعات دينية، كما في جنوب السودان أو بين الهند وباكستان وعَلَّلَ انتعاش اليمين المتطرف في أوروبا ب"ارتفاع عدد المهاجرين من شمال إفريقيا وتركيا، وأعلن إن الصراع سوف يكون بين "العالم المسيحي بقيمه العلمانية من جهة، والعالم الإسلامي المُنغلق والمُتزمّت من جهة أخرى..."، أو بين "الحضارة الغربية، أي الولايات المتحدة وكندا والإتحاد الأوروبي وإلى حدّ ما اليابان، والآخرين، وفي مقدّمتهم المسلمين "، ويُضفي صموئيل هنتنغتون الشرعية على قرارات الأمم المتحدة وصندوق النقد الدّولي والمؤسسات الدّولية التي تخدم مصالح الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، "باسم المجتمع الدّولي، ويُبرّر "استخدام الدول الغربية القوة العسكرية والمؤسسات الدولية والترويج لقيم الديمقراطية والليبرالية لحماية مصالحها وضمان هيمنتها على إدارة العالم في ظل الصراع بين الغرب والحضارات الأخرى التي ترفض قِيَم الدّيمقراطية وسيادة القانون والسّوق الحرة التي يُعارضها المسلمون والمسيحيون الأرثودوكس" يُؤكّد هنتنغتون في نهاية أطروحته على "حتمية الصراع بين الغرب والآخرين، وخصوصًا بين الغرب والدول ذات الأغلبية المسلمة، وعلى الغرب أن يقوي جبهته الداخلية بزيادة التحالف والتعاون بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ومحاولة ضم اليابان وأمريكا الجنوبية إلى صف الغرب..." كان لهذه الأطروحة صدى لدى حركات الإسلام السياسي واليمين المتطرف في أوروبا، غير إن تأثيرها تجاوز هذه المنظمات اليمينية المتطرفة، إذْ أقرّ الإتحاد الأوروبي ( تموز/يوليو 2013) "إن الوهابية – أي الإسلام - هي المصدر الرئيسي للإرهاب العالمي " وفي الواقع فإن السعودية وقَطَر تُروِّجان الوهابية وتُموّلان المنظمات التي تدعمها الإمبريالية الأمريكية والأوروبية في أفغانستان ثم في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، ويمكن تلخيص جوهر أطروحة صموئيل هنتنغتون بأن الدّيمقراطية الليبرالية لا تناسب بعض الشعوب" لأن هذه الشعوب متخلفة بطبيعتها ولا يمكن أن يحكمها سوى نظام مُتسلّط وغير ديمقراطي... لقد انتعشت مجموعات الإسلام السياسي في ظل تنفيذ أوامر صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، وخصخصة القطاع العام وخفض أو إلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية، وتحرير الأسعار، واحتلت الحركات الإسلامية الفراغ الذي تركته الحكومات، وأدّى "الإنفتاح الإقتصادي" إلى زيادة الفساد والرشوة وتهريب الثروات، وتعميق الهُوّة الطّبقية بين الأثرياء والطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة، وزادت البطالة والفقر، ودعمت بعض الأنظمة مجموعات الدّين السياسي الذي بث الإيديولوجيات الرجعية، في حين حاول الفقراء الفرار من البُؤس والفقر إلى أوروبا التي أغلقت حدودها وجعلت من المهاجرين غير النّظاميين عبيدًا يشتغلون في العديد من القطاعات ( البناء والتنظيف والصيانة والمطاعم والخدمات المنزلية وغيرها ) التي تستفيد من هذا الجيش من العمالة الهَشّة الرّخيصة، فيما يدّعي زعماء اليمين الحاكم والمُعارض واليمين المتطرف إن هذه العمالة الهشّة والفقيرة تُشكل اجتياحًا يهدف تنفيذ مؤامرة سمّوها "الإستبدال الكبير"... فرنسا، نموذج الأطروحات اليمينية المتطرفة في فرنسا، طوّر نادي الساعة ( Club de l’Horloge )، وهو مركز أبحاث لليمين المتطرف، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي فكرة مفادها "إن غزو الإسلام لأوروبا سيُشكّل تهديدًا، يستدعي شنّ حملة استعادة البلاد والهوية والثقافة"، ونشر نادي الساعة كتابًا سنة 1985 بعنوان " "لتكون فرنسيا وجب أن تتحمل العناء" ( Etre Français, ça se mérite ) ويتضمن الكتاب مطالب تشديد قانون الجنسية وإلغاء حق المولودين في فرنسا في الحصول على الجنسية، وتدّعي أُطروحة "الإستبدال الكبير" إن الزيادة الدّيموغرافية للمسلمين كبيرة، وسوف يغمرون البلاد بعد عدّة سنوات، وهي كذبة كبيرة روّجه بعض الكُتّاب والفلاسفة (وجميعهم من غُلاة الصّهاينة) وتُفَنِّدُها إدارة السكان والوفيات بالأمم المتحدة، منذ سنة 2000، وأعلن مديرها جوزيف غرينبلات: "في أوروبا، وفي سياق انخفاض معدلات الخصوبة مما يؤدي إلى تراجع وشيخوخة سريعة للسكان، قد تكون الهجرة، في بعض الحالات، حلاً، جزئياً على الأقل، لتراجع إجمالي عدد السكان القادرين على العمل"، غير إن زعماء ومنظِّرِي اليمين المتطرف يُصرّون على ضرورة انتقام الغرب من الوافدين الجدد الذين يجلبون معهم التّخلّف" يُمثّل المهاجرون (الأشخاص المولودون في الخارج والمقيمون في فرنسا لفترة تجاوزت العام، بمن فيهم من حصلوا على الجنسية الفرنسية بعد سنوات من استقرارهم بفرنسا ) نحو 10,2% من السكان المقيمين في فرنسا، وهي متوسذ النسبة في دول الإتحاد الأوروبي، وفق التقارير السنوية لإدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية التابعة للأمم المتحدة، ويُشير الباحثون في المعهد الوطني للإحصاء الإقتصادي والإجتماعي تقارب في السلوكيات الديموغرافية للمهاجرين والمواطنين من حيث المواليد بمرور الوقت، خلافًا للدّعاية التي يُروّجها اليمين المتطرف ( وبعض اليمين "المعتدل") بشأن ارتفاع عدد مواليد الأُسَر الإفريقية، كما يُروّج اليمين المتطرف دعاية كاذبة مفادها "إن "الهجرة مكلفة للمجتمع وللدّولة، وإن العمال المهاجرين يفتَكُّون وظائف الفرنسيين"، وتُظهر التحليلات الإقتصادية إن أكثر من سبعمائة نوع من الوظائف مُخصّصة للفرنسيين أو الأوروبيين، ولا يُنافس المهاجرون المواطنين المَحَلِّيِّين لأنهم ( وكذلك أبناؤهم المولودون في فرنسا) يشغلون بصورة شبه حصرية وظائف صعبة وخطيرة وقذرة وذات أجور زهيدة، ويتعرضون لظروف جوية سيئة أو لأعمال دورية ( مؤقتة وغير ثابتة)، خاصةً إذا كانوا في وضع غير نظامي، وحتى في أوقات الأزمات، لا يصل سوق العمل إلى مستوى المرونة الذي يسمح للمواطنين بشغل وظائف المهاجرين، علاوة على ذلك، لا تزال هناك مهن ماهرة وغير ماهرة يرفضها المواطنون، مثل أطباء الريف ومهن البناء المتخصصة وصيانة الحاسوب والضيافة ( الفنادق والمطاعم والسياحة) ورعاية المسنين والأطفال الصغار، وحتى الزراعة، كما يساهم المهاجرون أيضًا في زيادة عدد السكان النشطين اقتصاديًا: إذ تقلّ نسبة الشباب والمتقاعدين بينهم، فهم يصلون إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية في سن الرّشد ولم تتحمل الدّولة "المُضَيِّفَة" تكاليف التعليم والتدريب ويعود العديد منهم إلى بلدانهم الأصلية عند بلوغهم سنّ التقاعد، مما يُخفّض بشكل كبير من تكاليف شيخوختهم، ويحصل المهاجرون على بعض المزايا الإجتماعية، لكنهم يدفعون أيضًا ضرائب، مباشرة وغير مباشرة، وقُدِّر الفائض في ميزانية الدّولة والصناديق الإجتماعية بفضل المهاجرين بنحو 12,5 مليارات يورو سنويا في فرنسا، ويُوسّع المهاجرون سوق الإستهلاك الدّاخلي ويُحفّزون النشاط الإقتصادي المَحَلِّي، مما يُفنّد كذبة مفادها إن المهاجرين ينهبون ويستغلّون ميزانيات الخدمات الاجتماعية والطبية والعامة، وفي الواقع فهم يأتون إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية في سن الشباب، للعمل أو هرباً من الحرب وانعدام الأمل اللذين في بلدانهم، وتُظهر جميع المُسُوحات في كافة الدّول الأوروبية والدّول الرأسمالية المتطورة إن المهاجرين أكثر استعداداً لقبول وظائف لا تتطلب مهارات عالية، ولا علاقة لها بمؤلاتهم وخبراتهم وبتدريبهم الأولي، لكسب المال بسرعة أكبر، ودفع تكاليف سفرهم، وإرسال التحويلات المالية إلى عائلاتهم. هل توقفت الهجرة بعد إغلاق الحدود؟ تسبب إغلاق الحدود الأوروبية في تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة شاسعة، وقدّرت تقارير المنظمة الدّولية للهجرة إن صعوبات تجاوز حدود البلدان من قِبل المهاجرين أدّت إلى قتل نحو ثلاثة آلاف شخص سنويا أثناء محاولتهم عُبُور البحر الأبيض المتوسط في ظروف صعبة على مراكب متهالكة ومُكتظّة، وتستند هذه الأرقام إلى عدد الجثث التي تم انتشالها، لذا فهي أقل من الواقع، وقرر الإتحاد الأوروبي تشديد القوانين وتحويل حدوده الخارجية إلى إقريقيا وزيادة ميزانية وكالة فرونتكس من 6 ملايين يورو سنة 2004 إلى نحو مليار يورو سنويًا مع تشديد سياسات الإعادة والترحيل دون احترام الحقوق البشرية، وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان... لا تزال أوروبا في حاجة إلى مئات الآلاف من المهاجرين سنويا، غير إنها تسعى إلى انتقاء المهاجرين وفق حاجتها، وتسعى إلى استقطاب المهارات والمواهب من جميع أنحاء العالم من خلال استقبال الأطباء والمهندسين والفنيين في مجالات الإتصالات والطاقة المتجددة، مما يُحول الحملات الإعلامية والسياسية والحرب على المهاجرين إلى وصفة انتخابية لا تستند إلى واقع البيانات، وأظهرت نتائج استطلاع أوروبي ( أيلول/سبتمبر 2024)، بمشاركة عيّنة تضم نحو 18200 شخص في عشر دول من دول الاتحاد الأوروبي (ألمانيا والنمسا وبلغاريا وكرواتيا والدنمارك وإسبانيا والمجر وبولندا والبرتغال وسلوفينيا ) حول تصورهم لسياسة اللجوء التي ينبغي أن تتبعها بلدانهم والاتحاد الأوروبي، في سياق الحرب في أوكرانيا، والتي تسببت في تدفق هائل للاجئين، واعتماد ميثاق الهجرة واللجوء، إن معظم المواطنين الأوروبيين يؤيدون إلى حد كبير السماح للمهاجرين وطالبي اللجوء بالعمل في الدول المُضَيِّفَة، ويرغب مواطنو الدول التي شهدت تدفقًا كبيرًا لطالبي اللجوء في الماضي (ألمانيا وإسبانيا والنمسا والبرتغال) توزيع طالبي اللجوء بين جميع البلدان الأوروبية. كانت قضايا الهجرة واللجوء محور الدّورات الأخيرة للإنتخابات الأوروبية، واقترحت الأحزاب السياسية في كل دولة مجموعة واسعة من التّدابير القَمْعِيّة، من بينها زيادة عدد موظفي وكالة فرونتكس ( الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) وزيادة التّضييق على المهاجرين وطالبي اللجوء، واعتمد البرلمان الأوروبي نصًّا يقِرّ تشديد مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وتسهيل عودة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلدانهم الأصلية، فضلا عن العديد من الفصول والبنود التي تنتهك حقوق الإنسان والحد من حقهم في الاستئناف ضد القرارات غير المواتية. ترويج الأخبار الزائفة والأفكار الخاطئة وَهْم ربط الزيادة المُحتَمَلَة للجريمة بوجود المُهاجِرِين أشارت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، سنة 2032 إن 52% من الفرنسيين يعتبرون الهجرة السبب الرئيسي لانعدام الأمن بسبب الحملات الإعلامية والسياسية لمعظم الأحزاب الفرنسية، بينما تُظْهِرُ كافة أبحاث العلوم الإجتماعية إن الهجرة ليست سببًا أو مُرادفًا للجريمة، وفنّدت الدّراسة الصادرة عن مركز الدّراسات الإستشرافية والمعلومات الدّولية ( CEPII – April 2023 ) هذه الدّعاية، غير إن ارتفاع عدد المساجين الأجانب يعود إلى التهرب من تنفيذ أمر الترحيل، والعمل بدون تصريح إقامة، وما إلى ذلك من المخالفات التي لا يمكن أن يرتكبها الفرنسيون، ويجتهد الشرطة وجهاز القضاء لزيادة عدد الأجانب المقبوض عليهم والمحبوسين، استجابةً للضغوط السياسية لتحسين الإحصاءات، حيث يتم الحكم على الأجانب في كثير من الأحيان ولمدة أطول من الفرنسيين المتهمين بنفس التُّهَم وبخصائص مماثلة، كما حدث أثناء تطبيق "سياسة زيادة الأرقام" بين سنتَيْ 2002 و 2012، وعمومًا يتعرض المهاجرون لمعاملة مختلفة ( أكثر قساوةً) في جميع مراحل النظام الجزائي، كما إن لوسائل الإعلام ( التي يُهيمن على أهمها رأسماليون يدعمون عَلَنًا اليمين المتطرف) دَوْر هام في تعزيز اعتقاد وجود صلة وثيقة بين الهجرة والجريمة الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الهجرة في الاتحاد الأوروبي: سياسة خطيرة وغير فعالة يتضمن ميثاق الهجرة واللجوء الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي خلال شهر نيسان/ابريل سنة 2024، والذي يهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، تكليف دول المنشأ والعبور بمراقبة الحدود، ويُبرز الفحص الدقيق لسياسة اللجوء التي يطبقها الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وخاصةً اتفاقية سنة 2016 مع تركيا التي ابتزّت الإتحاد الأوروبي بشأن السوريين، العديد من عيوب هذا المشروع، حيث لقي أكثر من ثلاثين ألف شخص حتفهم في البحر الأبيض المتوسط وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا، بين سنتَيْ 2014 و 2023، كما لقي المئات حتفهم أثناء عبورهم البحر بين فرنسا وبريطانيا، وتعرّضت عملية الاستعانة بمصادر خارجية (والتزام الاتحاد الأوروبي بها) لانتقادات واسعة من قِبل منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من الأكاديميين والباحثين الذي يُشيرون أن سياسات الاستعانة بمصادر خارجية تحد من قدرة الأفراد على طلب اللجوء في أوروبا، وتؤدي إلى انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، وتُشير الوقائع إن سياسات توسيع الحدود الأوروبية إلى إفريقيا تمنع طالبي اللجوء من طلب الحماية الدولية وتؤدي إلى نزوح الهجرة غير النظامية إلى طرق أخرى جديدة، غير تقليدية، وعلى أي حال لا تهدف الإجراءات القمعية إلى القضاء على الهجرة غير النظامية، لأن العديد من القطاعات الإقتصادية الأوروبية تستفيد منها، كما لا يمكن القضاء على الهجرة النظامية مادامت الشركات والدّول الأوروبية تستغل موارد الدّول الإفريقية أو الآسيوية وتدعم أنظمة البرجوازية الكُمْبْرادُورِية بهذه الدّول، وتُشعل الحروب، لأن هذه السياسات الإمبريالية الأوروبية تُعزّز الإستغلال والإضطهاد وتُشجع الفساد وتهريب الثروات، مما يرفع نسبة الفقر والبطالة في البلدان الفقيرة... تتجاهل الحكومات الأوروبية ومعظم الأحزاب نتائج البحوث والدّراسات بشأن الهجرة، وجعل الجميع من الهجرة موضوعًا ثابتًا في النقاشات السياسية وفي وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مع تَغْيِيب الباحثين في ظل إصرار الحكومات على سياسات يُجمع الخبراء على عدم فعاليتها، بل وحتى على تحقيقها نتائج عكسية، لأنه تم انتخاب العديد من الحكومات ومن النواب بناءً على برنامج مناهض للهجرة، وتَحْمِيل المهاجرين واللاجئين (وحتى أحفادهم) مسؤولية جميع أنواع المشاكل، من البطالة إلى انعدام الأمن والتماسك الاجتماعي، لذا، من الطبيعي أن تكون هذه الحكومات والمجالس النيابية مُعادية للنقد، وعلى سبيل المثال اعتمدت فرنسا ما لا يقل عن 28 قانون مُعادي للمهاجرين خلال أربعة عُقُود... وردت البيانات بموقع مكتب الإحصاء الأوروبي ( يوروستات) وشبكة أبحاث الهجرة الدّولية ( IMISCOE ) من الأول إلى الرابع من تموز/يوليو 2025 والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الإقتصادية والإجتماعية ( فرنسا - INSEE ) وموقع البرلمان الأوروبي...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا: الدّوْر الوظيفي للدّين السياسي الإرهابي
-
بإيجاز - حَدَثَ ذات 11 أيلول/سبتمبر
-
مُتابعات – العدد الواحد والأربعون بعد المائة بتاريخ الثّالث
...
-
ارتباط الفساد بالإستغلال والإضطهاد والتّجسّس – عشيرة -ماكْسْ
...
-
العربدة الصهيونية من تونس إلى الدّوْحَة
-
فرنسا: أزمة سياسية واقتصادية
-
المقاطعة كشكل من المقاومة
-
فلسطين - فجوة بين الموقف الأوروبي الرسمي والموقف الشعبي
-
قمّة منظمة شنغهاي للتّعاون
-
مُتابعات – العدد الأربعون بعد المائة بتاريخ السّادس من أيلول
...
-
إندونيسيا – احتجاجات وقَمع دَمَوِي
-
الصهيونية واليمين المتطرف في أوروبا – نموذج السُّوَيْد
-
دَور الإستخبارات و-الذّكاء الإصطناعي- في توجيه الرأي العام
-
أوروبا، عَسْكَرَة الحياة المَدَنِيّة
-
مُتابعات – العدد التاسع والثلاثون بعد المائة بتاريخ الثّلاثي
...
-
من -التّأثيرات الجانبية- لزيادة الرّسوم الجمركية الأمريكية
-
خصومات في الصّف المُقابل، بين فرنسا والولايات المتحدة
-
هل الفن مُحايد؟ - نموذج فرقة نيكاب الموسيقية الإيرلندية
-
عبد العزير المنبهي 15/02/1950 – 23/08/2025
-
الصحة بين الوقاية وتحقيق الرّبح
المزيد.....
-
روبرت ريدفورد.. أيقونة أسلوب الأزياء الأمريكي وإرثه المتجدد
...
-
المفوضية الأوروبية تقترح فرض عقوبات تجارية على إسرائيل
-
الأشد حرارة منذ 1961.. صيف 2025 يسجل متوسطًا قياسيًا في إسبا
...
-
لماذا اختار الجيش الفرنسي الاهتمام مجددا بالظواهر الفضائية ا
...
-
بريطانيا.. محتجون يستعرضون صورا لترامب مع جيفري إبستين أمام
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إقامة -مسار انتقال مؤقت- لخروج السكان
...
-
اقتراحات أوروبية لفرض قيود على التجارة مع إسرائيل
-
زيارة ترامب لبريطانيا.. الاستقبال وجدول الأعمال وما يمكن توق
...
-
محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة.. إسرائيل إذ توسّع ساحة ال
...
-
روح -فريندز- تعود.. نيويورك تستعد لافتتاح مقهى -سنترال بيرك-
...
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|