|
خرافة الإعتراف بدُوَيْلَة فلسطينية
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 12:08
المحور:
القضية الفلسطينية
نفاق أوروبي - عن أي فلسطين يتحدّثون؟ مقدّمة سبق أن أعلنت أربع دول غربية كبرى (بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال ) من الحُلفاء التقليديين للكيان الصهيوني، اعترافها رسميا بدويلة فلسطين الوَهْمِيّة، يوم الأحد 21 أيلول/سبتمبر 2025، وأعلنت دول أخرى ( مثل فرنسا) اعترافها بالدولة الفلسطينية الإفتراضية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتن ياهو "مكافأة كبرى للإرهاب"، ووصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإستعراضي... أعلنت 15 دولة "غربية" بنهاية تموز/يوليو 2025 ( 22 شهرًا من الإبادة والتّدمير والتّجويع) اعتزامها "الإعتراف بدولة فلسطينية" ودعت دولا أخرى "لإعلان عزمها الاعتراف بفلسطين"، واعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، يوم الأربعاء 17 أيلول/سبتمبر 2025، إن 15 دولة غربية وجهت الدعوة إلى البلدان الأخرى لإعلان عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، غداة إعلان نيويورك الذي أطلق في ختام مؤتمر وزاري في الأمم المتحدة حول "حل الدولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي"، برعاية فرنسا، أحد أهم داعمي الكيان الصهيوني، والسعودية، أهم قُطْب رجعي عربي، بدعم من النظام المصري، رائد التطبيع، وقطر التي تحتل قاعدة العِدِيد العسكرية الأمريكية نصف مساحتها، وانضمت كندا وأستراليا، العضوان في مجموعة العشرين، إلى النداء الذي وقّعته دول أخرى مثل إسبانيا والبرتغال وفنلندا وإيسلندا وإيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا وسلوفينيا وأندورا وسان مارينو... "شَرْطَ إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإنهاء حكم حركة حماس، وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية..."، وأعلن رئيس وزراء كندا بكل وُضُوح: "الاعتراف بدولة فلسطين، بقيادة السلطة الفلسطينية، يعزز جهود الساعين للتعايش السلمي وإنهاء حكم حركة حماس... هذا لا يمنح الإرهاب أي شرعية ولا يُعد مكافأة له"، وفي الولايات المتحدة أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "أولوياتنا واضحة: إطلاق سراح الرهائن وأمن إسرائيل والسلام والازدهار للمنطقة بأسرها الذي لا يمكن أن يتحقق إلا أذا كانت خالية من حماس"، وأعلن رئيس الوزراء الصّهيوني بنيامين نتن ياهو: "أنتم تقدمون مكافأة كبرى للإرهاب... لن تُقَامَ دولة فلسطينية غربي نهر الأردن". ما هي خلفيات هذا "الإعتراف" وما تأثيراته على واقع الشعب الفلسطيني؟ وما قيمة هذا الإعتراف ما لم يترافق مع إجراءات عملية لوقف فوري للعدوان وللإبادة ولمشاريع الضم والتهويد في الضفة الغربية والقدس، ومُقاطعة الكيان الصهيوني وملاحقة ومعاقبة قادته؟ ثبوت جريمة الإبادة الجماعية خلص تقرير صادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة ( بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2025 – 72 صفحة ) بعد عامَيْن من التّحقيق، إلى ثبوت وقوع واستمرار إبادة جماعية وإلى مسؤولية قادة الكيان الصهيوني، ويدعو مُعدُّو التقرير دول العالم إلى وقف هذه المجازر، ولم يثر نشر هذا التقرير سوى القليل من ردود الفعل في العواصم الأوروبية، وكان خطاب نافي بيلاي، رئيسة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، في معرض تقديمها يوم الثلاثاء 16 أيلول/سبتمبر 2025 في جنيف لنتائج تقريرها الأخير، صريحا لا لبس فيه: “خلصت اللجنة إلى أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وأنها تُوَاصِلُ تنفيذ هذه الإبادة الجماعية التي نصّت عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية لسنة 1948”، وفق وسائل الإعلام، وأشار تحليل خُبَراء القانون الدولي في معهد الدراسات العليا في جنيف: «إن هذا تقرير مهم وشامل صادر عن لجنة رسمية مفوضة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلافًا للتقارير الصادرة عن منظمات غير حكومية مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ويُثْبِتُ وقوع جريمة الإبادة الجماعية " واستخلصت اللجنة التي أعدّت التّقرير استنتاجاتها من “التصريحات التي أدلى بها ممثلو السلطات الإسرائيلية، فضلا عن السلوك المتكرر للجيش الإسرائيلي...." رغم صُدُور مُذكّرات الإعتقال من قِبَل المحكمة الجنائية الدّولية، بحق بعض قادة الكيان الصهيوني، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم التقارير المختلفة ومُتنَوّعة المصادر، ورغم قَتْلِ أكثر من 65 ألف فلسطيني وفلسطينية، ثُلُثُهم من الأطفال، وفقا الأمم المتحدة، واغتيال الصحافيين والأطباء والنزوح القَسْرِي لنحو مليونَيء شخص، ورغم إعلان المجاعة في شمال قطاع غزة، فإن المساعدات الإنسانية لا تزال تدخل بكميات ضئيلة جدا لا تكفي لسدّ الحاجة، ورغم كل ذلك، يُصر بعض القادة الأوروبيين ( في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية...) "إن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن النفس ضد حماس في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 " لتبرير رفض فرض حظر على شحنات الأسلحة، واتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية لوقف المذبحة، بل فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المقرر الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة !!! لم يُثر تقرير فرانشيسكا ألبانيزي كما لم يُثِر تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة ردود الفعل من العواصم الأوروبية التي يرفض مسؤولوها إدانة الإبادة الجماعية ويستمرون في تزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة والمعدّات والسلع والخدمات وفق بيانات الحكومة ووسائل الإعلام الصهيونية ، مما يُشكّل تواطُؤًا في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ودفع التعويضات للضحايا من الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والسوريين... دوافع وأهداف الإعتراف بدويلة فلسطينية وهمية اعترفت إسبانيا والنرويج وايرلندا رسميا بدويلة فلسطين خلال شهر أيار/مايو 2025، ولم تستخدم بريطانيا حق النقض في مجلس الأمن لصالح الكيان الصهيوني – خلافًا لعادتها - عند طَرْح موضوع حكم المحكمة الجنائية الدّولية بشأن إدانة الكيان الصهيوني وضرورة القبض على نتن ياهو، في محاولة من الحكومة البريطانية لتخفيف ضغط المُحتجّين البريطانيين ( ومن ضمنهم القاعدة الإنتخابية لحزب العُمّال) الذين يُطالبون بوقف تصدير الأسلحة ومقاطعة ومعاقبة الكيان الصهيوني، ولا يجب أن ننسى دور الإستعمار البريطاني ( والفرنسي) في معاهدة سايكس بيكو ( 1916) ووعد بلفور ( 1917) وتقسيم فلسطين وتسهيل إنشاء دولة الصهاينة سنة 1948، ولذا فإن الإعتراف المَشْرُوط للإمبرياليتَيْن البريطانية والفرنسية بدوَيْلَة وهْمِيّة فلسطينية، يُصبح مشبوهًا، وهو محاولة احتواء للغضب الجماهيري المُتّسِع في أوروبا، دون الكفّ عن حل الجمعيات والهيئات التي تدعم الشعب الفلسطيني وعن مُضايقة ومحاكمة المناضلين والفنانين والمناصرين لحق الشعب الفلسطيني في التّحرّر والإنعتاق، ومَنع رفع العلم الفلسطيني ( خلافًا لعلم الولايات المتحدة أو أوكرانيا، على سبيل المثال) ومنع التظاهرات والمهرجانات أو جمع التبرعات أو غيرها من العمليات الرّمزية المُعبّرة عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وبشكل عام، لا يمكن لحكومة تقمع العُمّال والفلاحين والفُقراء في الدّاخل أن تدعم نضال الشعوب في الخارج... يُشكّل هذا الإعتراف الرّمزي بدُويْلة فلسطينية وهمية وغير قابلة للحياة، التفافًا على مطالب المقاطعة الإقتصادية والعسكرية والدّبلوماسية، وإنهاء دولة الإحتلال التي نشأت واستمرت بفضل الدّعم الإمبريالي البريطاني والفرنسي ثم الأمريكي، فقد خاضت بريطانيا وفرنسا حربًا عدوانية ضدّ مصر سنة 1956، مع الكيان الصهيوني، وساندت بقوة عدوان 1967، قبل أن يُصبح العدو الصهيوني من دعائم الهيمنة الأمريكية في الوطن العربي والقرن الإفريقي ومن ركائز مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وما اعتراف الدّول الأوروبية وكندا وأستراليا وغيرها بدُوَيْلة فلسطينية وهمية سوى خدعة لا يُقابلها فعل أو إجراءات ملموسة لإنهاء الإحتلال والقتل ومصادرة الأراضي والإستيطان والتهجير والحصار، مما لا يترك مجالا لهذه الدّوَيْلَة الموعودة مجهولة الحُدُود والخالية من السلاح وإقصاء بعض مُكونات الشعب الفلسطيني، على شكل أمريكا الشمالية وأستراليا التي تمت إبادة سكّانها الأصليين واستبدالهم بمستوطنين أوروبيين... لا تزال مجمل الدّول التي أعلنت الإعتراف المَشْرُوط بدُويلة وهمية فلسطينية تدعم الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة وتُزوده بالمال والسلاح وبالمستوطنين، وأظهرت التجربة التاريخية الطّويلة إن المُفاوضات مع الإحتلال لم تُحقّق شيئًا بل أعادت الشعب الفلسطيني إلى الوراء، وإن الدّولة التي أعلنها ياسر عرفات مرارًا، لا تُسيطر على أي شيء، واقتصرت مهمتها على السهر على أمن المستوطنين وقمع الشعب الفلسطيني بأسلحة أمريكية وبتقنيات صهيونية، وهي دُوَيْلةٌ تُقصِي ثُلُثَيْ الشعب الفلسطيني، لأنها تعتبر فلسطينيي الأراضي المحتلة سنة 1948 "إسرائيليين" ولأنها تَخلّت عن "حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم بالإضافة إلى تعويضهم"، ومن المُرجّح أن يكون هذا "الإعتراف" مُجرد أداة للمماطلة ولامتصاص غضب الفلسطينيين والشعوب العربية والأجنبية التي تظاهرت تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وأداة لتأبيد احتلال فلسطين وتفتيت الوطن العربي، ولم تُظْهِر بريطانيا أو فرنسا أو كندا أي تراجع عن مواقفها السابقة الدّاعمة للكيان الصهيوني، كما لم تُعلن أي قطيعة مع الصهيونية، بل أهملت قضية تحرير الأسرى الفلسطينيين واعترضت على عودة اللاجئين وعلى مقاومة الإحتلال، بل اشترطت اعترافها بالعديد من الشروط والقيود التي تُكبّل المقاومة، ومحاولة إنعاش وهم "حل الدولتين" الذي لا يمكن أن ينجح لأنه لا يخدم سوى الإحتلال الذي وجب على القوى التقدمية العمل على تصفيته، والعمل على بناء جبهة نضالية تُنسق نضال الشعب الفلسطيني ونضال الشعوب المُضْطَهَدَة والكادحين والأقليات والنساء في كافة مناطق العالم، ضد الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية والقوى الرجعية، من اليمين المتطرف والصهيونية المسيحية والدّين السياسي وما إلى ذلك، لأن فلسطينَ رمزٌ لنضال المضطَهَدين في العالم ولنضال الشعوب من أجل حق تقرير المصير... إن الدّول التي أعلنت اعتزامها الإعتراف بدويْلة فلسطين تستمر في بيع السلاح للعدو وتغطية جرائمه وقَمع من يُعارض بعض ممارساته، وترفض تنفيذ القرارات التي تُدين بعض ممارسات الكيان الصهيوني، ولا يمكن أن يُحقّق الشعب الفلسطيني ولا أي شعب أو طبقة أو فئة اجتماعية أي مكسب سياسي بفعل "السّخاء" الإمبريالي، بل لن يتحقق ذلك إلاّ كثمرة للمقاومة والنّضال مع رعاية وصيانة تلك الثّمرة فقد عجز الجيش الصهيوني عن حسم المواجهة في غزة، رغم الدّمار والإبادة والحصار والتّجويع وهرعت القوى الإمبريالية لإنقاذه بأشكال عدّة، من دعمه بالمال والسّلاح والإعلام والعمل الدّبلوماسي، إلى إلهاء العالم بحلول وهمية لا تُحرر شعب فلسطين ولا تُعيد اللاجئين إلى وطنهم ولا تضع حدًّا للإحتلال وللكيان الصهيوني ككيان غير شرعي على أرض فلسطين، فالدولة الفلسطينية لن تكون إلا دولة مُحرّرة من الإحتلال، وتُقام على كامل التراب الوطني، من النّهر إلى البحر، وتضم اللاجئين وكافة فئات الشعب الفلسطيني، وتضمن السيادة على الأرض وعلى الموارد
لا يُغيّر اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا وفرنسا وغيرها واقع الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة، ولا في الضفة الغربية التي يُسارع العدو استعمار ما تبقى من أراضيها،ولا يُحرّر آلاف الأسْرى الفلسطينيين من سجون العدو الصهيوني ولا يُعيد اللاجئين إلى وطنهم، ولا يمكن تحقيق مجمل هذه الأهداف سوى بتكثيف المقاومة بكل أشكالها الجماهيرية والسلمية أوالعنيفة والمُسلحة ( لأن الإستعمار بطبيعته يُمارس العُنف المُسلّح ضدّ الشُّعُوب المُسْتَعْمَرَة والمُضْطَهَدَة) والربط بين النضال الوطني والنضال القومي والأممي، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية كل كادحي ومُضْطَهَدِي العالم ضد الإستغلال الرأسمالي والإضطهاد القومي والقمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا يقتصر الإستقلال على بعض المظاهر مثل الرّاية ( العَلَم) والشّعار والنّشِيد الرّسْمي ومَقْعَد في الأمم المتحدة، بل يتمثل استقلال فلسطين في تحرير الآرض والإنسان من الإحتلال الصهيوني المدعوم امبرياليا، وفي عَوْدَة اللاّجئين والسيطرة على الموارد والتّحرّر من الإستغلال والإضطهاد، وقد لا يكفي تحرير فلسطين إذا كان الجوار يرزح تحت الهيمنة أو مزروعًا بالقواعد العسكرية الأجنبية... فخّ الإعتراف الشّكْلِي وصفت الولايات المتحدة اعتراف عدد من الدول الحليفة لها بالدولة الفلسطينية بأنه "استعراضي"، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية ( 15 أيلول 2025) التي نقلت عن متحدث باسم الخارجية الأميركية، قوله: "لا يزال تركيزنا مُنْصَبًّا على الدبلوماسية الجادة وليس اللَّفَتَات الإسْتِعْرَاضِيّة، وأولوياتنا واضحة: إطلاق سراح الرهائن وأمن إسرائيل والسلام والازدهار للمنطقة بأسرها الذي لا يمكن أن يتحقق إلا أذا كانت خالية من حماس"، ولا يختلف موقف رئيس وزراء أستراليا ( أنتوني ألبانيز) كثيرًا إذ أعلن، إن بلاده اعترفت رسميا اليوم بدولة فلسطينية "في إطار جهد لإحياء زخم حل الدولتين الذي يبدأ بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين هناك... ينبغي ألا يكون لحركة حماس أي دور في فلسطين"، كما أعلن رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني: "تعترف كندا بدولة فلسطين وتعرض العمل في شراكة من أجل المضي قدما في بناء مستقبل سلمي واعد لكل من دولة فلسطين ودولة إسرائيل... "، وأعلن رئيس وزراء بريطانيا ( كير ستارمر: "اليوم، ولإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتوصل إلى حل الدولتين، اعترفت المملكة المتحدة رسميا بدولة فلسطين (...) وفَرْضِ عقوبات على شخصيات أخرى من حماس في الأسابيع المقبلة". تستعد فرنسا مع دول أخرى للاعتراف رسميا بدولة فلسطين، خلال قمة الأمم المتحدة في نيويورك ( يوم 22/09/2025) ومن ضمنها فرنسا التي أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون "اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية إلا أن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس يمثل شرطا واضحا قبل فتح السفارة، وهذه أول مجموعة من الشروط والمطالب التي سنضعها في إطار عملية السلام... أنا لا أستجيب لتوقعات حماس، المهووسة بتدمير إسرائيل. لكنني أُقرّ بشرعية الكثير من الفلسطينيين الذين يريدون دولة، وهم شعب يريد أمة، يريدون دولة، ويجب ألا ندفعهم نحو حماس..."، وهذا "مَرْبَط الفَرَس" لأن مجمل هذه الدّول تريد إنقاذ الكيان الصّهيوني من ورطة العدوان الذي طال أمَدُهُ، وأصبح المُعْتَدِي منبوذًا، ولذا يُحاول رؤساء هذه الدّول توجيه أصابع الإتهام إلى حماس أو أي منظمة تُقاوم الإحتلال، بدل النتنديد بالكيان الصهيوني وعزله... تناقضات أعلنت ثمانون بلدية ( من إجمالي 36 ألف) رَفْعَ العلم الفلسطيني على مباني البلديات ( بعضها إلى جانب العلم الصهيوني) يوم الإثنين 22 أيلول/سبتمبر 2025 ، احتفالا باعتراف فرنسا بدولة فلسطين، واستنفرت الدّولة الفرنسية قواتها وأعلن وزير الداخلية ووزير القضاء إن ذلك من المُحرّمات، وصدرت الأحكام القضائية الأولية بعدم رَفع العلم الفلسطيني، رغم الطّابع الرّمزي البحت لهذه الخطوة، بذريعة "مبدأ حياد الخدمة العامة الذي يحظر مثل هذا التزيين بالأعلام"، وهي نفس الذّريعة التي لجأ إليها القضاء الإداري، الذي لم يتدخّل أبدًا عند رفع علم أوكرانيا منذ سنة 2022، أو العلم الامريكي بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ، وأقرّ القضاء الإداري "إزالة العلم الفلسطيني من مبنى بلدية مالاكوف – ضواحي باريس – خلال 24 ساعة وتسليط غرامة بمائة وخمسين يورو عن كل يوم تأخير"، وبذلك كانت الأحكام القضائية مُطابقة لرأي اليمين "المُعتدل" والمتطرّف... إن الإعتراف الوَهْمِي لبعض الدّول "الغربية" بدولة فلسطينية وهْمِيّة يُمثل حمايةً للكيان الصهيوني، وبدلاً من التحرك لمعاقبة الكيان الصهيوني الذي يُمارس الإبادة الجماعية في غزة، اتفقت فرنسا مع آل سعود لتقديم مخطط إقامة دولة وهمية تعمل على ترسيخ الهيمنة الصهيونية، وعلى دعم السلطة الفلسطينية لافتكاك زمام الأمور من حماس، وصوّت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 أيلول/سبتمبر 2025 بأغلبية ساحقة ( 142 دولة) لصالح قرار لإحياء "حل الدولتين" و للدفع نحو مزيد من "الإعتراف بدولة فلسطينية وهْمِيّة" بعد حوالي سنتَيْن من الإبادة الجماعية التي ترافقها أزمة إنسانية كارثية وقصف البلدان القريبة والبعيدة من فلسطين ( لبنان وسوريا واليمن وإيران وتونس وقطر...) بدعم من نفس حكومات بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وغيرها، فضلا عن الولايات المتحدة وألمانيا، ولذلك فإن هذا الإعتراف الوهمي بدُوَيْلَة فلسطينية غير موجودة، يُعَدّ مناورة لحماية الدّولة الصهيونية العنصرية ومُستوطنيها على أرض فلسطين، وتهميش القضايا الحقيقية المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتحرير أرضه من الغُزاة، وتهميش النضال ضد الإستعمار الإستيطاني والمجازر... تكرّرت إعلانات "الإستقلال" الوهمي الفلسطيني منذ سنة 1948، وأعلن المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988 "الاستقلال" في الجزائر لدولة غير موجودة، ولم تتمكن السلطة المنبثقة عن أوسلو ( 1993) من ممارسة السيطرة على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، وسط حصار صهيوني وأمريكي وأوروبي وعربي، وحطّمت الولايات المتحدة الرقم القياسي في استخدام حق النقض ( الفيتو) في الأمم المتحدة، وقطع التمويل الأميركي عن منظمات الأمم المتحدة التي تساعد الفلسطينيين مثل وكالة غوث اللاجئين (أنروا) وقطعت كذلك التمويل عن اليونسكو منذ سنة 2011، وأغلقت "سفارة فلسطين" في واشنطن، بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين "دولة مراقبة غير عضو" ( تشرين الثاني/نوفمبر 2012 )، ولم يتجاوز دَوْر السّلطة الفلسطينية مُساعدة الإحتلال على الحفاظ على أمن المُستوطنين الصّهاينة، بتمويل من الإتحاد الأوروبي، وتدريب وتسليح قوات "الأمن الفلسطيني" من قِبل الإستخبارات الأمريكية بإشراف الجنرال كيث دايتون إن إعلان الإعتراف بهذه الدّوَيْلة الوَهْمِيّة من قِبَل شُركاء الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية وفي كافة جرائم الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، مَشْبُوه، لأن فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها قمعت مواطنيها الذي تجرّأوا على التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وأعلنت حكومات هذه الدّول إن "إسرائيل تُمارس حقها في الدّفاع عن النّفس"، ومن العبث والهراء إعلان قيام دولة قبل استقلالها الفعلي أو قبل تحرير جزء منها على الأقل، وتسعى الدول الإمبريالية الأوروبية إلى تركيز النقاش حول الدّولة بدل المقاومة والتحرير وإنهاء الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، وتأكيد "حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية" مُهيمنة على بلدان وشُعُوب المنطقة نيابة عن، وبالشراكة مع القوى الإمبريالية... تحويل وجهة النقاش والأنظار اعترفت ثلاث دُول أوروبية ( إيرلندا وإسبانيا والنرويج)، بنهاية أيار/مايو 2024، بدولة فلسطينية وهمية غير موجودة وانضمت بذلك إلى أكثر من 140 دولة عضوًا في الأمم المتحدة في الاعتراف بهذا الكيان الوهمي، وأعلنت دول أوروبية أخرى ( بلجيكا ومالطا وسلوفينيا ) احتمال الإعتراف بالدولة الفلسطينية الوهمية، وأظهرت التجربة إن أي سلطة تم تنصيبها من قِبَل الإمبريالية ( مثل سلطة أوسلو التي اعترفت ب"إسرائيل" سنة 1988 ثم سنة 1993) لا يتجاوز دورها مُساعدة الإحتلال في قمع الشعب الفلسطيني وقمع واعتقال من يتجرّأ على المقاومة... استمر الكيان الصهيوني في ضم الأراضي وإزاحة الفلسطينيين قبل الإبادة الجماعية الحالية، ولم تتم معاقبته أو عزله أو قطع المساعدات عنه، رغم التقارير العديدة التي تعتبره "دَوْلة فصل عنصري"، ومن ضمنها تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش وكذلك بعض منظمات الأمم المتحدة، بل أعلن قادة الكيان الصهيوني بوضوح "إن مثل هذه الدولة – دولة فلسطين - لن يُسمح لها بالوجود الآن أو في ظلّ أيّ حكومة إسرائيلية مستقبلية" تُهيمن على فلسطين من النهر إلى البحر، وإنكار وجود شعب فلسطيني، ولذا يكمن الحل الوحيد في المقاومة لجعل ثمن الإحتلال يفوق فوائده، بدعم من الشعوب العربية وشعوب العالم، بهدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وتفكيك البنى والقوانين الإستعمارية والعنصرية... إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تُعلن الإعتراف بدولة فلسطينية وَهْمِيّة تنقذ الكيان الصهيوني وتُعزز "شرعيته" ومؤسساته العنصرية التي تنتهك حقوق الإنسان، بل إن جميعهم متّهمون بالتواطؤ في جرائم الحرب، وبالدّعم العقائدي والسياسي والإعلامي للإستعمار الإستيطاني الصهيوني، ورفض تعليق أو حَظْر مبيعات الأسلحة أو الصفقات التجارية، وقمع مواطنيهم الرافضين للدّعم غير المشروط للكيان الصهيوني، ورغم المعارضة الشعبية للإبادة، لم تتمكن القوى المناهضة للصهيونية من تنظيم نفسها كقوة سياسية أو كائتلاف في أوروبا أو أمريكا الشمالية التي تدعم الإقتصاد والجيش والمؤسسات الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وللكيان الصهيوني دور وظيفي في المشرق العربي، وعبر جوزيف بايدن، سنة 1986، عندما كان سيناتورا ( قبل أن يصبح نائبا للرئيس أوباما، ثم رئيسًا للولايات المتحدة) : "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لاضطررنا إلى اختراعها"، وكرّر نفس الجملة لما أصبح رئيسًا، لذا فإن الحل يكمن في جعل ثمن الإحتلال وثمن دعمه مرتفعًا وأكثر تكلفةً من ربحه، فقد اتّخذت الولايات المتحدة إجراءات ضد المقررة الخاصة للأمم المتحدة ( فرانشيسكا البانيزي) بعد نشرها تقريرًا يُقدّم أدلّة دامغة عن دَعْم أكبر الشركات الأمريكية للإستعمار الإستيطاني الصهيوني ودعت إلى توسيع حركة المقاطعة العالمية. أسّست اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة، منذ سنة 2000 منطقة تجارة حرة واسعة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإحتلال الصهيوني، وألغت معظم الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية ووفرت تفضيلات على المنتجات الزراعية، وأضيفت لاحقا اتفاقية زراعية موسعة سنة 2010، واتفاقية خاصة بالأدوية سنة 2012 لتعزيز الاعتراف المتبادل بالشهادات والوصول إلى الأسواق، واتفاقية « السماء المفتوحة » سنة 2018 لتحرير خطوط الطيران في الإتجاهَيْن، وأجْبَرت حملات المقاطعة الإتحاد الأوروبي على استبعاد المنتجات القادمة من مستوطنات الأراضي المحتلة سنة 1967 من أي ميزة جمركية، ورغم رَمْزِيّة هذا الإجراء، لا توجد رقابة جِدِّيّة، خصوصًا في ألمانيا وفرنسا وهولندا، ولو تم تعليق أو إلغاء اتفاقية التجارة والمبادلات التجارية التفضيلية، لتكبد اقتصاد العدُوّ خسائر كبيرة إن قادة الإتحاد الأوروبي يدعمون الكيان الصهيوني ماليا وعسكريا وإيديولوجيا وعسكريا، ويعتبرون عدوانه "دفاعًا عن النّفس" لأن الحرب في أوكرانيا هي حرب بالوكالة ضدّ روسيا، وإن الحرب العدوانية الصهيونية تُمثل "تنفيذ العمل القذر نيابة عنا"، وفق المستشار الألماني... يكمن جوهر الصهيونية في إقصاء الآخر، وعدم الإعتراف به، ويُكرّر الكيان الصهيوني – بدعم من الإمبريالية- ما فعله خلال الفترة 1947 – 1949 أي خلال النّكبة حيث تم ارتكاب ما لا يقل عن 250 مجزرة، وتهجير حوالي 850 ألف فلسطيني من وطنهم، وتدمير وإزالة 531 قرية... وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بداية سنة 2025، نحو 849 عائقاً أمام الحركة على طرقات الضفة الغربية، دون احتساب المناطق العسكرية المعلنة في مخيمات اللاجئين شمال المنطقة، في جنين وطولكرم، والتي تم إخلاؤها من سكانها، وتشمل هذه العوائق نقاط تفتيش، بالإضافة إلى أكثر من 200 بوابة تَسُدُّ الطرق، ونحو 180 ساترًا ترابيًا تعيق الوصول إلى المدن والقرى، مما يؤدّي إلى إعاقة الحركة وتعطيل الحياة الاجتماعية واستهلاك وقت الفلسطينيين وجهدهم، مما يعيق فرص التنمية الاقتصادية، فضلا عن إخلاء الأحياء والمناطق من السّكّان الأصليين ليحل محلهم المُستعمِرُون الصهاينة، ومنذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، تسارعت عمليات بناء المُستعمَرات الإستيطانية وعملية تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين بشكل دائم، وعزل القدس... تُشكل هذه العمليات فُصُولا من مُخطّط بدأ تنفيذه قبل قرن، ويتجلّى عنف وفظاعة هذا المخطط في غزة، من خلال حملة الإبادة الجماعية والتدمير والتّجويع في ظل الحصار مستمر والتدمير المنهجي للبنية التحتية منذ 2007، واعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان (التابعة للأمم المتحدة) يوم 17 أيلول/سبتمبر 2025، إن 82% من مساحة الشريط الرملي، وهو الأرض الفلسطينية الوحيدة المطلة على البحر، "أصبحت منطقة عسكرية إسرائيلية أو خاضعة لأمر إخلاء من جيشها، بهدف إعادة احتلال قطاع غزة عسكريًا..." ويُسيطر الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة سنة1967 على الإقتصاد والموارد وتسجيل المواليد والوفيات وعلى البر والأجواء والبحر، وعلى وسائل الإتصال والمؤسسات المالية، وتصدر السلطة الفلسطينية جواز سفر فلسطيني، بعد موافقة جيش الإحتلال، فأين ستكون الدُّوَيْلة الفلسطينية المَوْعُودة وما هو هامش حركتها؟ لن يُحْدِث هذا الاعتراف أثرًا حقيقيًا على أرض الواقع، فهو يُتّخَذُ من الدول الداعمة للكيان الصهيوني والتي ترفض فرض عقوبات عليه، ولا حل سوى المقاومة ووضوح الموقف السياسي والدّعم العربي والدّولي للمقاومة وتحرير فلسطين، لأن لا أحد يريد تقاسم وطنه مع المُستعمرين المُستوطنين المُدجّجين بالسلاح، ولأن الحركة الصهيونية مبنية على إنكار الآخرين ( الغوييم)، حتى قبل تأسيس كيان الإحتلال الذي يهدف ترسيخ الهيمنة المطلقة للكيان الصهيوني على السكان الفلسطينيين وتعزيز الإستعمار الاستيطاني، ليزيد عدد المُستوطنين في الأراضي المحتلة سنة 1967 عن سبعمائة ألف، منهم أكثر من مائتيْ ألف في القدس، إلى جانب نحو ثلاثة ملايين فلسطيني، وبذلك كان اتفاق أوسلو استسلامًا حقيقيًا لقيادات منظمة التحرير الفلسطينية وتنازلا عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، رغم قرار الأمم المتحدة رقم 194، وزاد من تجزئة الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال عدوان 1967، وتخلّت حركة فتح عن النضال من أجل تحرير فلسطين لتتحول إلى سلطة قمع وإلى إدارة يُشرف عليها الإحتلال... إن القوى الإمبريالية التي تعلن الآن الإعتراف بدُوَيْلة فلسطينية وهمية دعمت الكيان الصهيوني ومشروعه الإستعماري الإستيطاني، ودعما الإبادة الجماعية وتدمير غزة، ودعمت الاستيطان في الضفة الغربية وتجاهلت طبيعة "دولة إسرائيل" كمستعمرة استيطانية تسعى إلى القضاء على الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وسمحت لدولة الإحتلال بسفك دماء الفلسطينيين والعرب ( لبنان وسوريا واليمن...) مع الإفلات التام من العقاب، ورفضت استخدام مصطلح الإبادة الجماعية الذي ورد في عدد من تقارير الأمم المتحدة إن الإبادة الجماعية جزء من هذه العملية التاريخية الطويلة المرتبطة بالطبيعة الاستعمارية لدولة الكيان الصهيوني التي بدأت قبل إعلان الدّولة، وما يجري حاليا من مجازر وتدمير وحصار وتهجير في غزة والضفة الغربية هو استكمال للنكبة لأن الكيان الصهيوني يريد السيطرة على المزيد من الأرض، ولكن بدون الفلسطينيين... خاتمة بعد حوالي سنتَيْن من الإبادة والحصار والإزاحة القَسْرِيّة والتجويع، وصفت المفوضة العٌليا للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن ( كايا كالاس) إعلان الإعتراف بالدّولة الفلسطينية الوَهْمِيّة بأنه "تهديد لإسرائيل" وهو تصريح مطابق تمامًا لتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية وللزعماء الصهاينة وللحكومة الأمريكية، لذا على الشعوب المطالبة بسحب الإعتراف وبعزل الدّولة الصهيونية من خلال المُقاطعة العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية والثقافية والرياضية وما إلى ذلك، للرّدّ على بعض المواقف مثل موقف وزير الخارجية الأمريكي روبيو، الذي أعلن" إن الحل الدبلوماسي لحرب غزة قد لا يكون ممكنا ( لأن ) حماس جماعة إرهابية، جماعة بربرية، مهمتها المعلنة هي تدمير الدولة اليهودية"... لقد عمل الكيان الصهيوني منذ تأسيسه ( قرار تقسيم فلسطين 181)، بدعم امبريالي مستمر، على خلق واقع يجعل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرًا مستحيلًا، وخصوصًا بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، حيث تسارعت عملية استعمار الضفة الغربية لكي لا توجد دولة فلسطينية، على أي جزء من فلسطين، وتسارعت مشاريع الإستيطان في القدس والمناطق المحيطة بمدن الضفة الغربية، بعد أوسلو، ليرتفع عدد المُسْتعمِرِين من حوالي 160 ألف إلى 517 ألف مستوطن في الضفة الغربية و235 ألفًا آخرين في القدس، وأعلن بنيامين نتن ياهو بوضوح جعل وجود دولة فلسطينية مستحيلًا ماديًا، من خلال قَطْع التواصل الجغرافي بين مختلف مناطق الضفة الغربية ومن خلال السيطرة على التّلال والسُّهُول والأراضي الخصبة والمياه وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبهان وعَزْل القدس عن الضفة الغربية، تكريسًا لقرار سياسي ويوضح قائلاً: "هذه نتيجة بالغة الأهمية. لا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية بدون القدس الشرقية. إنه قرار سياسي". إن الإعتراف بدولة فلسطين الوهْمية "على حدود سنة 1967 وفقًا لقواعد القانون الدولي" هو قرار رمزي لن يكون له تأثير عملي يُذكر، ولن يُنهي الحرب في غزة ولن يُنهي معاناة سكانها. اعترفت أكثر من 140 دولة بفلسطين، منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، دون أن يُعرقل ذلك استمرار افتكاك الأراضي وبناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين الطذين ساءت ظروف حياتهم اليومية، ولا يعني الإعتراف المَشْرُوط لفرنسا أو كندا أو البرتغال، بالضرورة، اعتراف الأمم المتحدة بها، حيث تتمتع فلسطين بصفة مراقب فقط وليست عضوًا كامل العضوية، ووجود الدولة مشروط بوجود إقليم وحكومة تُديرُهُ، وهو أمرٌ غير متوفّر، خصوصًا وإن الإعتراف مشروط بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية وإطلاق سراح أسْرَى الحرب الصهاينة، ولا حديث عن الأسرى الفلسطينيين، ولا معنى للاعتراف بفلسطين دون فرض عقوبات على الكيان الصهيوني، في حين يؤكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن هناك إبادة جماعية تحدث، استنادًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 التي تعترف بالإبادة الجماعية. هناك ضمٌ فعليٌّ للضفة الغربية، فضلا عن مُعاناة الشعب الفلسطيني المُهَدّد بالزوال، ولذا لا بد من فرض عقوبات لوقف المجازر والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ولا بُدّ من معاقبة المعتدي ودعم الضحية. طالب المتظاهرون في أمريكا الشمالية وأوروبا بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني وهو ما يرفضه الإتحاد الأوروبي ويرفض مراجعة اتفاقيات الشراكة، بل لجأت حكومات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها إلى القمع ومحاكمة المتظاهرين السلْمِيِّين، وإلى حلّ الجمعيات المتضامنة مع شعب فلسطين ومنع التظاهرات السياسية والثقافية والفَنِّيّة، واتخاذ إجراءات زجْرِية ضد رؤساء ومجالس البلديات التي رفعت علم فلسطين، فيما تُشجّع الدّولة على رفع علم أوكرانيا والكيان الصهيوني. أما المثقفون والسياسيون التّقدُّميّون الأوروبيون فيحاول العديد منهم المُساواة بين الشعب المُستعمَر والمُضطَهَد الذي لا يملك القوة للدفاع عن نفسه، ومجتمع المُستعمِرِين المستوطنين المُدجّجين بالسلاح والدّعم الإمبريالي والتّواطؤ العربي... ظهرت أهمية توسيع رقعة المُقاطعة خلال الفترة الأخيرة، فقد نبهت صحيفة يدعوت أحرونوت الصهيونية، بنهاية حزيران/يونيو 2025 إلى توسّع حركة مقاطعة البضائع الصهيونية لتشمل ألمانيا التي تمنع الدّعوة إلى المقاطعة، ونقلت الصحيفة الصهيونية عن مُصدّرِين من المُسْتَوْطِنِين إن المقاطعة شملت المنتجات الزراعية حتى في ألمانيا التي تُجرّم المقاطعة العلنية، وقرّرت سلاسل متاجر « كو-أوب » ( CO-OP ) في إيطاليا وبريطانيا وَقْفَ بَيْع المنتجات الصّهيونية وكذلك بعض متاجر التجزئة الكبيرة مثل ويتروز البريطانية، وألْدِي الألمانية، ومتاجر أخرى في اليابان… صرّح أحد المُصَدِّرين إلى الصحيفة الصهيونية إن هذه الحملة القوية للمقاطعة بدأت في بلجيكا ( حيث مَقَرّ الإتحاد الأوروبي)، وتُلزم لوائح الاتحاد الأوروبي تجار التجزئة بوضع علامة توضح بلد المنشأ على الرفوف، مما دفع المستهلكين إلى « رفض المنتجات الإسرائيلية »، وتلجأ الشركات الصهيونية والأوروبية إلى العديد من الحِيَل لتجنّب ذكر « بلد المَنْشأ » أو خداع المستهلك بتغيير المَنْشأ، وهي عملية احتيال تعكس موقفًا سياسيا، وفي السويد، لم تشترِ مجموعة (آي سي إيه) المنتجات الصّهيونية منذ خمس سنوات ولم تعُد النرويج تشتري أي سلعة صهيونية وارتفع عدد المنافذ الأوروبية واليابانية والأمريكية المُغْلَقَة أمام السلع الصهيونية منذ سنة 2024، بما فيها متاجر في ألمانيا إحدى أكثر الدول دعمًا للكيان الصهيوني، وكذلك في فرنسا وهولندا وإيرلندا وإسبانيا وسويسرا وبريطانيا وإيطاليا وذلك بفعل عمليات الإبادة والتجويع وإزاحة الفلسطينيين من وطنهم… نشرت وكالة الصحافة الفرنسية يوم 15/09/2025 تقريرًا بعنوان: » تأثير كبير للمقاطعة على اقتصاد (الإحتلال) « ، وكتبت إلى « عزلة إسرائيل غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب على غزة ، ليس فقط على المستوى الدبلوماسي بل أيضا في الاقتصاد والمجتمع، ومن المتوقع أن تعلن عدة دول غربية في الأمم المتحدة خلال أيام اعترافها الرسمي بدولة فلسطينية، في خطوة قد تفتح الباب أمام موجة من الإجراءات الدبلوماسية والسياسية ضدّ تل أبيب »، ولئن كان « الإعتراف » بدُوَيْلَة وهمية فلسطينية مجرّد « زوبعة في كأس »، فإن الضّرر يكمن في الصعوبات المتزايدة التي تُواجهها الشركات الصهيونية في إبرام صفقات تجارية، وفق رئيس اتحاد الصناعيين، بسبب « الرّفض المُتَزَايِد للتعامل معنا »، ويتوقع « إن هذه التطورات ليست سوى بداية لموجة مقاطعة أوسع… » تستهدف المقاطعة أحيانا « المستوطنات » فقط أي السلع القادمة من الأراضي المحتلة سنة 1967، وكأن بقية الأراضي المحتلة سنة 1948 ليست مستوطنات، أو تستهدف « المستوطنات غير الشرعية » وكأن هناك مُستعمرات استيطانية « شرعية » وأخرى « غير شرعية »، كما تستهدف بعض الحملات تجارة الأسلحة فحسب… تُشير بيانات الإتحاد الأوروبي والبيانات التجارية للإحتلال، إن التجارة مع الاتحاد الأوروبي تمثل نحو ثلث صادرات وواردات دولة الاحتلال سنة 2024 وفق تقرير نشرته صحيفة « لوفيغارو » الفرنسية يتناول مسألة العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، في ظل تلويح بروكسل بفرض عقوبات جديدة قد تشمل تجميد جزء من اتفاقية الشراكة الموقّعة سنة 2000، وهو إجراء قد يكلف دولة الإحتلال ثمنًا باهظا، وقدمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ( وهي من غُلاة الصهاينة)، مقترحا يوم الأربعاء، العاشر من أيلول/سبتمبر 2025، أمام البرلمان الأوروبي، خلال خطابها السنوي حول حالة الاتحاد في مقر البرلمان بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، والذي يشمل فرضَ عقوبات على بعض الوزراء والمستوطنين « العنيفين »، بالإضافة إلى تعليق جُزْئي لاتفاقية الشراكة بين الإتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، المُوَقّعة منذ 25 عاما وهو تهديد لن يتحقق لأن أورسولا فون دير لاين نفسها عارضته بشدّة، ولكنها اضطرت – تحت الضغط الشعبي وضغط بعض المجموعات النيابية الصّغيرة - إلى إدراج هذا الموضوع « لتهدئة الخواطر »، ويُعتبر الإتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للإحتلال وتمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي نحو ثلث الصادرات والواردات الصهيونية، وبلغت قيمة هذه التجارة سنة 2024 نحو 42,6 مليار يورو، وهو رقم يفوق بكثير تجارة الكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة التي بلغت نحو 31,6 مليار يورو، وفقا لإحصاءات مكتب الإحصاء الأوروبي، ووكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2025 عندما قرّرت أغلبية أعضاء قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العودة إلى الضفة الغربية وغزة، بناء على اتفاق أوسلو، قرر أبو علي مصطفى العودة وعاد سنة 1996 إلى الضفة الغربية، وأصبح – حتى اغتياله سنة 2001 - الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد استقالة مؤسسها جورج حبش الذي اعتبر إن اتفاقيات أوسلو مُخطّط أمريكي صهيوني ينسف حق العودة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وقال ما معناه "لن أعود إلى فلسطين إلاّ مع آخر لاجئ... لن أعود إلى فلسطين إلاّ وهي مُحرّرة... وُلِدْتُ في اللّدّة وأعود إلى اللّدّة..." ورفض العودة إلى بعض فلسطين بتصريح صهيوني...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوكرانيا -نموذج الحرب بالوكالة
-
نيبال - الجزء الثاني والأخير - فشل تجربة سُلْطة اليسار
-
متابعات – العدد الثاني والأربعون بعد المائة بتاريخ العشرين م
...
-
نيبال، خلفيات الإنتفاضة: فجوة طبقية وفساد مُتأصّل
-
انبطاح الحُكّام العرب
-
أوروبا: الهجرة بين الدّعاية الإنتخابية وواقع الأرقام والبيان
...
-
سوريا: الدّوْر الوظيفي للدّين السياسي الإرهابي
-
بإيجاز - حَدَثَ ذات 11 أيلول/سبتمبر
-
مُتابعات – العدد الواحد والأربعون بعد المائة بتاريخ الثّالث
...
-
ارتباط الفساد بالإستغلال والإضطهاد والتّجسّس – عشيرة -ماكْسْ
...
-
العربدة الصهيونية من تونس إلى الدّوْحَة
-
فرنسا: أزمة سياسية واقتصادية
-
المقاطعة كشكل من المقاومة
-
فلسطين - فجوة بين الموقف الأوروبي الرسمي والموقف الشعبي
-
قمّة منظمة شنغهاي للتّعاون
-
مُتابعات – العدد الأربعون بعد المائة بتاريخ السّادس من أيلول
...
-
إندونيسيا – احتجاجات وقَمع دَمَوِي
-
الصهيونية واليمين المتطرف في أوروبا – نموذج السُّوَيْد
-
دَور الإستخبارات و-الذّكاء الإصطناعي- في توجيه الرأي العام
-
أوروبا، عَسْكَرَة الحياة المَدَنِيّة
المزيد.....
-
مصور فلك يوثق سحر آثار بعلبك تحت سماء ليل مرصعة بالنجوم في ل
...
-
مسن لديه 62 حفيدًا يحتفل بعيد ميلاده الـ100.. شاهد ما فعله
-
سكارليت جوهانسون تتألق بالأسود في نيويورك
-
الملكة رانيا وميلانيا ترامب بإطلالتين كلاسيكيتين في نيويورك
...
-
جهاز رياضي مدعوم بالذكاء الاصطناعي
-
تمدد عسكري إسرائيلي جديد بطريق سوفا 53 في سوريا | بي بي سي ت
...
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: كرة الثلج التي تدحرجت نحو دول ا
...
-
الإكوادور: اشتباكات مع الشرطة بسبب إلغاء دعم الديزل
-
حفرة ضخمة في بانكوك نتيجة انهيار طريق خلال أعمال بناء
-
ترامب يصف اجتماعه مع القادة العرب والمسلمين بشأن غزة بـ-الأه
...
المزيد.....
-
إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل
/ سعيد مضيه
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
/ سعيد مضيه
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
/ سعيد مضيه
المزيد.....
|