هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية
(Howaida Saleh)
الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:31
المحور:
الادب والفن
وصفت الصحف العالمية افتتاح "المتحف المصري الكبير" بأنه الحدث الأبرز والأعظم في المشهد الثقافي العالمي المعاصر، واعتبرته إنجازًا حضاريًا فذًّا في العصر الحديث، يجمع بين مجد التاريخ وعبقرية الحاضر.
وقد جاءت التغطية الإعلامية الدولية واسعة النطاق، عميقة الرؤية، تناولت مختلف الأبعاد التي يختزلها هذا الصرح الفريد: "الثقافي والمعماري والاقتصادي والدبلوماسي"، حتى غدا الافتتاح حدثًا يتجاوز الحدود الوطنية ليُسجَّل كأحد أهم المحطات الثقافية في عام 2025على مستوى العالم.
واتفقت أغلب الصحف والوكالات الدولية على محاور أربعة شكّلت جوهر رؤيتها للحدث: الرمزية الحضارية لمصر الخالدة، وروعة التصميم المعماري والتقنيات الحديثة، والأثر الاقتصادي والسياحي المنتظر، ثم البعد الدبلوماسي الذي حوّل الافتتاح إلى ملتقى عالمي للقادة والمثقفين.
ورغم هذا الإجماع على الإعجاب والاحتفاء، لم تخلُ بعض التحليلات من رؤى نقدية وتساؤلاتٍ عن "التحديات المستقبلية" التي قد تواجه هذا المنجز الثقافي العملاق، لتظل القصة مفتوحة على آفاقٍ جديدة من الحوار بين الماضي المجيد والمستقبل الطموح.
أولاً: الرمزية الحضارية وإعادة الاعتبار للتراث:
كثير من الصحف اعتبرت أن المتحف لا يقدّم فقط معروضة أو صرحاً جديداً، بل يمثل مشروعًا وطنيًا يعيد رسم الصورة الحضارية لمصر أمام العالم.
ـ مجلة "Tatler Asia" أبرزت أن المتحف سيُدخل ضمن فئة المتاحف العملاقة العالمية، إلى جانب اللوفر والمتحف المتروبوليتان، من حيث الأهمية والفكرة، ملاحظة أنه عندما يُفتتح سيُضم أكثر من 100,000 قطعة أثرية، ومن بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون.
ـ موقع "Wallpaper"، المتخصص في العمارة، أشار إلى أن قاعة توت عنخ آمون ستكون متاحة للعامة ابتداء من 1 نوفمبر، مع تصميم داخلي متدرج يقود الزائر في رحلة تاريخية من العصور المبكرة إلى العصر البطلمي والروماني.
ـ بدورها، وكالة الأنباء الفرنسية "راديو فرنسا الدولية (RFI)" تحدثت عن أن المتحف سيكون "أكبر متحف مكرَّس لحضارة واحدة في العالم"، مشيرة إلى أن الافتتاح سيكشف عن نحو 5,000 قطعة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون.
ـ في الصحافة المصرية – عبر "الأهرام أونلاين" – وُصفت الدعوة التي أرسلتها مصر إلى القادة العالميين بأنها بمثابة "العالم يأتي إلى مصر"، معتبرة أن حضور الرؤساء والملوك سيحوّل الحدث إلى منتدى سياسي وثقافي في آن واحد.
ثانيًا: الإعجاب بالتصميم المعماري والتكنولوجيا الحديثة:
كثير من التغطيات أشادت بأن المتحف هو تجسيد للمزج بين الإرث المعماري المصري والحداثة، لا سيما أن تصميمه جاء ليحتضن الأهرامات في خط بصري متماسك، وكأنه جسر بين الماضي والحاضر.
ـ موقع "Outlook Traveller" نوه إلى أن تصميم المتحف من قِبل مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي يعتمد على واجهة مثلثية مبتكرة، ويحتوي على عناصر الاستدامة البيئية، ما يجعله من المتاحف ذات البصمة الخضراء.
مجال العمارة، وصفته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية بعبارة "جوهرة مصر الجديدة"، مركِّزة على فخامة التصميم والموقع.
بل إن بعض التقارير سلطت الضوء على مختبرات الترميم والتخزين الضخمة داخل المجمع، التي تضم أكثر من 17 مختبراً مختصاً بعلم الحفاظ على الآثار الحديثة، وأن المتحف سيسعى للحصول على شهادات للمباني الخضراء.
ثالثًا: التوقعات الاقتصادية والسياحية والتحذيرات
ـ صحيفة "فاينانشال تايمز (FT)" ركّزت على دور المتحف في إعادة تنشيط السياحة المصرية في ظل التحديات الاقتصادية الحالية. وذكرت أن مصر تراهن على توت عنخ آمون لجذب السياح والثقافيين من جميع أنحاء العالم، في وقت تراجعت فيه أعداد السياح بعد النزاعات الإقليمية.
التقارير الاقتصادية توقعت أن المتحف قد يساهم في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة إيرادات السياحة الثقافية – وهي شريحة ذات إنفاق أعلى من السياحة الترفيهية التقليدية.
ـ مجلة "Travel & Tour World" ذكرت أن مصر تشهد "طفرة سياحية" في 2025، مع امتلاء الفنادق وارتفاع الطلب على التجارب الثقافية، معتبرة أن المتحف سيكون عامل جذب مركزي.
بعض التقارير الصحفية الدولية أبدت تحفظات حول جدوى التكلفة المرتفعة للمشروع (تجاوز 1 مليار دولار، حسب تقارير عدة) والتحديات المستقبلية من حيث الصيانة والتشغيل. مثلاً موقع NDTV أشار إلى أن تقدير التكلفة الأصلي كان نحو 500 مليون دولار، لكن التأخيرات والتوسعات رفعتها إلى أكثر من مليار.
كذلك، بعض الكتاب طرحوا تساؤلات عن مدى استدامة الإيرادات السياحية على المدى الطويل، خصوصاً إذا ما تكررت الأزمات الإقليمية أو التوترات السياسية.
رابعًا: البعد الدبلوماسي والمكانة الدولية:
التغطية الصحفية الدولية اعتبرت الحفل بمثابة منصة دبلوماسية، تجمع رؤساء وقادة دول، وتحوّل القاهرة في لحظة من اللحظات إلى مركز عالمي للحوار الثقافي والدبلوماسي.
صحيفة "Egypt Independent" أشارت إلى أن أكثر من 60 ملكاً ورئيساً ورئيس وزراء سيشاركون في مراسم الافتتاح، مما يعكس الثقل الدولي الذي منحته مصر للمشروع.
في الصحافة المصرية، وُصف الحضور بـ "أكبر تجمع لقادة العالم منذ الاجتماعات الدولية الكبرى"، مع تأكيد أن هذا الحدث سيضفي على مصر صورًا من الزعامة الثقافية والاستراتيجية.
كذلك، في بيانات رسمية، أعلن مجلس الوزراء أن يوم 1 نوفمبر سيكون عطلة مدفوعة الأجر في كافة القطاعات الحكومية لتسهيل حركة الوفود وتجنّب الاختناقات.
حقائق مهمة وملاحظات ميدانية حول الافتتاح:
المتحف يُفتح للعامة رسميًا في 4 نوفمبر بعد مراسم الافتتاح الرسمي التي تقام في 1 نوفمبر.
التجارب المبدئية أو التشغيل التجريبي لبعض الأجنحة قد بدأت في أكتوبر 2024، لكن العرض الكامل – خصوصاً لغرف توت عنخ آمون – يؤجل إلى يوم الافتتاح.
المتحف يضم أكثر من 100,000 قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون (حوالي 5,000 قطعة) التي تُعرض كلها لأول مرة تحت سقف واحد.
تكلفة المشروع والتأخيرات الكبيرة كانت محور نقاش واسع، وقد ذُكر أن المصاريف زادت كثيرًا عن الميزانية الأصلية بسبب التحديات الإدارية والتقنية.
يأتي الافتتاح في سياق سعي مصر لتعزيز مكانتها في السياحة الثقافية، والترويج لمشروع "مصر الجديدة" الذي يربط بين التنمية الحضرية والموروث الثقافي.
بعض التقارير الإعلامية الدولية لفتت إلى أن البنية التحتية المحيطة بالمتحف – من طرق، نقل داخلي، مرافق لوجستية – ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة مصر على التعامل مع الكم الهائل من الزوار المتوقعين.
بعض الآراء والتحليل النقدي المحتمل:
رغم الإشادات الكبرى، قد ينتقد بعض المراقبين أن المشروع يفتقر إلى خطة تشغيلية مستدامة طويلة الأمد، أو أن العائد على الاستثمار يحتاج إلى سنوات طويلة ليُثبِت جدواه.
هناك من يرى أن الاعتماد شبه الكامل على الزوار الدوليين قد يكون مخاطرة في حال تقلبات الأوضاع الإقليمية أو اقتصادية.
كما أن التحديات الأمنية والتنقل الحضري – في القاهرة تحديدًا – ستكون من أبرز الاختبارات التي يواجهها المشروع عند اليوم الأول لفتح الأبواب.
وأخيرًا، بعض الصحف شككت في الجدولة الزمنية المتكررة لتأجيل الافتتاح طوال السنوات الماضية، معتبرة أن الالتزام بالموعد هذه المرة سيكون موضع اختبار للمصداقية المؤسسية.
وأخيرا :
1. إجماع إيجابي واسع: الصحافة العالمية تقريبًا اتفقت على أن افتتاح المتحف المصري الكبير هو حدث ثقافي مهم بمستوى عالمي، يعكس قدرة مصر على إطلاق مشروع حضاري ضخم يليق بمكانتها التاريخية.
2. البعد الرمزي: كثير من الكتاب ربطوا بين المتحف والنهوض الحضاري، معتبرين أن مصر تُعيد استثمار علاقة الماضي بالحاضر، وأن المتحف سيحمل رسالة للعالم بأن الحضارة المصرية ليست مجرد ماضٍ يُتداول بل تجربة حية.
3. الفرص والتحديات: التوقعات الاقتصادية مرتفعة من حيث جذب سياحة ثقافية، لكن هناك تساؤلات حول استدامة هذه الزيادة، وإدارة الزحام، والتكاليف التشغيلية، والتحديات الأمنية والتنقلية.
4. دفعة دبلوماسية: الافتتاح يُنظر إليه كمنصة لتعزيز العلاقات الدولية، وتعزيز دور مصر الإقليمي، عبر استضافتها لكبار القادة في مناسبة ثقافية بامتياز.
5. مراقبة التنفيذ والولادة الفعلية: الإعلام سيبقى يقيس ليس فقط لحظة الافتتاح، وإنما مدى قدرته على البقاء حيوياً بعد الذروة الإعلامية، وكيفية التعامل مع زخم الزوار، والصيانة، والتوسع المستقبلي.
المراجع:
https://www.tatlerasia.com/lifestyle/travel/largest-museums-in-the-world?utm_source=chatgpt.com "From the Grand Egyptian Museum to the Louvre: the largest museums in the world and what makes them iconic"
[2]: https://www.wallpaper.com/architecture/the-grand-egyptian-museum-is-now-complete?utm_source=chatgpt.com "The Grand Egyptian Museum is now complete | Wallpaper*"
[3]: https://www.rfi.fr/en/culture/20251026-world-s-largest-museum-devoted-to-ancient-egypt-to-open-by-giza-pyramids-grand-egyptian-museum?utm_source=chatgpt.com "World s largest museum devoted to ancient Egypt to open by Giza ..."
[4]: https://english.ahram.org.eg/News/555776.aspx?utm_source=chatgpt.com "GEM opening : The world comes to Egypt - Ahram Online"
[5]: https://www.outlooktraveller.com/News/egypts-grand-egyptian-museum-opens-this-november-pioneering-new-era-in-ancient-egypt-heritage?utm_source=chatgpt.com "Egypt’s Grand Egyptian Museum Opens This November Pioneering New Era in Ancient-Egypt Heritage"
[6]: https://www.ft.com/content/0626a893-44f7-47c8-b348-df1b46d6ad6c?utm_source=chatgpt.com "Egypt bets on Tutankhamun for tourism revival"
[7]: https://www.travelandtourworld.com/news/article/tourism-boom-in-egypt-2025-hotels-overflowing-new-museums-and-visitor-surge/?utm_source=chatgpt.com "Tourism Boom in Egypt 2025 : Hotels Overflowing, New Museums, and Visitor Surge"
[8]: https://www.ndtv.com/lifestyle/20-years-in-the-making-grand-egyptian-museum-in-giza-is-finally-opening-on-november-1-9507609?utm_source=chatgpt.com "20 Years And 1 Billion Dollars Later, The Grand Egyptian Museum ..."
[9]: https://www.egyptindependent.com/an-unprecedented-number-of-world-leaders-to-attend-grand-egyptian-museums-inauguration/?utm_source=chatgpt.com "An unprecedented number of world leaders to attend Grand Egyptian Museum s inauguration"
[10]: https://www.egypttoday.com/Article/1/143056/Egypt-announces-November-1-paid-holiday-marking-official-opening-of?utm_source=chatgpt.com "Egypt announces November 1 paid holiday marking official opening ..."
[11]: https://www.egyptindependent.com/grand-egyptian-museum-to-close-from-october-15-november-4-ahead-of-official-opening/?utm_source=chatgpt.com "Grand Egyptian Museum to close from October 15-November 4 ahead of official opening"
[12]: https://sis.gov.eg/en/media-center/events/the-opening-ceremony-of-the-grand-egyptian-museum/?utm_source=chatgpt.com "The opening ceremony of the Grand Egyptian Museum."
#هويدا_صالح (هاشتاغ)
Howaida_Saleh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟