أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات بين الظل والنور: إيفا حبيب المصري.. تقاطعات نسوية في سياقات مختلفة (10)















المزيد.....

رائدات بين الظل والنور: إيفا حبيب المصري.. تقاطعات نسوية في سياقات مختلفة (10)


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


في مطلع القرن العشرين، تشكّلت الحركة النسوية بصور متعددة تبعًا للسياقات التاريخية والثقافية المختلفة. ففي الغرب، برزت أصوات فكرية وأدبية تساءلت البنى الذكورية السائدة، بينما ظهرت في الشرق العربي رائدات سعين لإدماج المرأة في المجال العام عبر التعليم والعمل. وسط هذه التحولات، تتجلى تجربتان متباعدتان جغرافيًا لكنهما متقاربتان في الرؤية: إيفا حبيب المصري (1911–1988)، الرائدة في مجال التعليم والعمل الاجتماعي، وفرجينيا وولف (1882–1941)، الكاتبة الإنجليزية التي بلورت خطابًا نقديًا حول علاقة المرأة بالإبداع.
إن المقارنة بينهما تكشف عن تداخل النسوية العملية مع النسوية الفكرية، وكيف يمكن لصوت نسوي في القاهرة أن يتقاطع مع خطاب فلسفي في لندن رغم اختلاف السياقات.

إيفا حبيب المصري: التعليم والعمل كأفق للتحرر
نشأت إيفا حبيب المصري في مصر ما قبل الاستقلال، حيث كانت الحركة الوطنية تتبلور وتتحرك معها بدايات حركة تحرير المرأة بقيادة هدى شعراوي. ترعرعت في بيت مثقف ومنفتح؛ فوالدها حبيب باشا المصري، سكرتير مجلس الشيوخ، آمن بحق بناته في التعليم. بفضل هذه البيئة، أصبحت من أوائل الطالبات اللواتي التحقن بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1928، لتتخرج عام 1931 فاتحةً الطريق أمام أجيال من الفتيات المصريات لولوج التعليم العالي.
يعكس حضورها المتواصل في المجال العام فلسفة واضحة: التعليم والعمل الاجتماعي ليسا مجرد مسارين فرديين، بل آليتان لتمكين المرأة ومنحها الاستقلال والقدرة على التأثير في المجتمع.
إسهاماتها الرائدة
كانت إيفا شخصية محورية في تطوير العمل الاجتماعي والخدمة الاجتماعية في مصر، وأسست نظامًا مؤسسيًا لرعاية الفتيات لا يزال تأثيره قائمًا حتى اليوم، رغم أن اسمها شبه منسي تمامًا:
مؤسسة "بيت الفتاة": في أربعينيات القرن العشرين، أسست "بيت الفتاة" في القاهرة، وهو لم يكن مجرد ملجأ، بل مؤسسة متكاملة لتأهيل وتعليم الفتيات اليتيمات أو من ليس لهن عائل، وتدريبهن على مهن تضمن لهن حياة كريمة ومستقلة.
رائدة الخدمة الاجتماعية الحديثة: أدخلت مفاهيم حديثة في الرعاية الاجتماعية، مثل التأهيل النفسي والدمج المجتمعي، بدلًا من مجرد الإيواء. كانت رؤيتها متقدمة جدًا على عصرها.
العمل بعيدًا عن الأضواء: كرّست إيفا حياتها بالكامل للعمل الاجتماعي المباشر، بعيدًا عن الصراعات السياسية أو الحركات النسوية الكبرى، مما جعل إرثها عمليًا أكثر منه إعلاميًا، وبالتالي لم تنل حظها من الشهرة.
في المساحة البرزخية بين الظل والنور
تمثّل إيفا حبيب المصري نموذجًا لنساء كثيرات ساهمن بعمق في صياغة ملامح حركة النهضة النسائية في مصر، لكن حضورهن ظل معلقًا بين الاعتراف والنسيان. لم تحظَ بالشهرة الواسعة التي نالتها رائدات مثل هدى شعراوي أو درية شفيق، رغم أن إسهاماتها كانت جوهرية في دفع المرأة المصرية إلى فضاءات جديدة.
يمكن وصفها بأنها واحدة من "الرائدات البرزخيات"، اللواتي وقفن في منطقة وسطى بين الظل والنور؛ فدورها لم يُمحَ كليًا من الذاكرة، لكنه أيضًا لم يُحتفَ به بما يكفي. إن استعادة سيرتها اليوم تكشف عن حاجة ملحّة لإعادة قراءة تاريخ الحركة النسوية المصرية، بحيث لا يقتصر على الأسماء الأكثر بروزًا، بل يشمل أيضًا من عملن في صمت ومهّدن الطريق للأجيال التالية عبر فعل يومي مستمر لا يقل أثرًا عن الزعامة العلنية.

فرجينيا وولف: الغرفة كرمز للاستقلال
في بريطانيا، وفي فترة ما بين الحربين العالميتين، طرحت فرجينيا وولف سؤالًا وجوديًا حول علاقة المرأة بالكتابة والإبداع. في كتابها الشهير "غرفة تخص المرء وحده" (1929)، صاغت أطروحتها التي صارت حجر زاوية في الفكر النسوي: لكي تكتب المرأة رواية، فهي بحاجة إلى مال وغرفة تخصها وحدها.
لم تكن الغرفة مجرد مكان مادي، بل رمزًا للاستقلال المادي والفكري والنفسي. فالمرأة، بحسب وولف، ظلت مقيدة بتبعية اقتصادية للرجل، ومكبلة بالأدوار الاجتماعية التي حجّمت فرصها في التعلم والإبداع. عبر شخصية "جوديث شكسبير"، أخت شكسبير المتخيلة، جسدت وولف المأساة التي تنتظر أي امرأة موهوبة في عصر أبوي، حيث تُحرم من التعليم وتُجبر على الزواج، فتُدفن موهبتها إلى الأبد.
من كاتبة إلى أيقونة رمزية
إذا كانت إيفا حبيب المصري قد وقفت في مساحة برزخية بين الظل والنور، فإن فرجينيا وولف اتخذت مسارًا معاكسًا؛ إذ تحولت من كاتبة وناقدة نسوية إلى أيقونة رمزية في الفكر والأدب الغربي. لقد جرى استدعاء اسمها في كل نقاش حول قضايا المرأة والإبداع حتى صارت تمثل أكثر من شخصها التاريخي.
غير أن هذا التحول إلى رمز، رغم قوته، يحمل جانبًا إشكاليًا: إذ قد يختزل شخصيتها المتعددة الأبعاد في مجرد شعار نسوي، في حين أن تجربتها كانت أيضًا معاناة وجودية مع المرض النفسي، والبحث المضني عن معنى الكتابة والحياة. إن استعادة وولف بوصفها كاتبة إنسانية قبل أن تكون رمزًا نسويًا يعيد التوازن إلى صورتها، ويفتح مجالًا لرؤية أكثر ثراءً لتجربتها.

تقاطعات فلسفية بين التجربتين
على الرغم من اختلاف السياقين، فإن التقاطع بين إيفا حبيب المصري وفرجينيا وولف يظل جليًا. كلتاهما طرحتا سؤال التحرر، لكن عبر وسائل مختلفة:
إيفا اختارت الطريق العملي: التعليم والعمل الاجتماعي، أي تحويل النظرية إلى واقع ملموس.
وولف ركزت على البعد الرمزي والفكري: المال والغرفة كشرطين ضروريين للإبداع.
في العمق، تمثل رؤية إيفا حبيب المصري ترجمة واقعية لما دعت إليه وولف. فالتعليم الذي ناضلت من أجله إيفا يفضي إلى العمل، والعمل يمنح المرأة الاستقلال المادي، أي "الغرفة الرمزية" التي تحدثت عنها وولف. وبينما جعلت وولف من الغرفة استعارة لفعل الكتابة والإبداع، صنعت إيفا من التعليم والعمل فضاءً واقعيًا تقتحمه المرأة العربية لتصبح فاعلة ومؤثرة.

بين النسيان والرمزية المفرطة
تكشف المقارنة بين إيفا حبيب المصري وفرجينيا وولف عن مفارقة لافتة: الأولى رائدة منسيّة، أسهمت في فتح أبواب التعليم والعمل للمرأة المصرية، لكنها بقيت في برزخ بين الظل والنور، لم تنل من الاعتراف التاريخي ما يتناسب مع حجم دورها. والثانية أيقونة رمزية، تجاوز حضورها الأدبي حدود إنجلترا ليغدو عالميًا، حتى اختُزل اسمها في شعار نسوي يُرفع في كل سياق.
بينما عانت إيفا من غياب الأضواء رغم فعلها العملي المؤثر، واجهت وولف خطر الذوبان في رمزية مفرطة قد تُغيّب تعقيد تجربتها الإنسانية. ومن خلال هاتين الصورتين، ندرك أن تاريخ النساء ليس خطًا واحدًا، بل هو فضاء متداخل بين النسيان والمبالغة في التمثيل، وأن إعادة قراءته تتطلب استعادة الرائدات اللواتي غيّبتهن الظلال، دون أن نتوقف عند الأيقونات وحدهن.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رائدات بين الظل والنور.. عميدة الصحفيات المصريات، و-ثورة في ...
- رائدات بين الظل والنور: شريفة رياض(7) مواجهة الاستعمار والمس ...
- رائدات بين الظل والنور.. إحسان القوصي(8) و- المرأة والمجتمع-
- رائدات بين الظل والنور ماري كحيل(6) رائدة العمل النسوي والحو ...
- رائدات في الظل والنور..إستر فانوس شعلة التنوير (5).
- رائدات بين الظل والنور: حواء إدريس(4)
- رائدات بين الظل والنور: لطفية النادي رائدة الطيران المصري(3)
- -رائدات في الظل والنور: سردية مصرية( 1) نبوية موسى الرائدة ا ...
- رائدات في الظل والنور ..(2) سيزا النبراوي صوت المرأة في زمن ...
- -رائدات في الظل والنور: سردية مصرية 1 (نبوية موسى)
- ملامح قصيدة ما بعد الحداثة في ديوان- كل هذا الدفء في عيني مر ...
- الذكاء الاصطناعي والحالة الإنسانية
- تأثير التكنولوجيا على التعليم: بين الثورة والتحديات
- في الرد على مغالطات برنامج -الدحيح-، حلقة - نهاية الفراعنة-
- إشكالية الدين والسياسة في فلسفة ابن رشد
- تأسيس جماليات عربية جديدة: قراءة في تجاوز المركزيات الغربية
- النسق الثقافي بين بيير بورديو وإدوارد سعيد وعبد الله الغذامي
- -يوم آخر للقتل- من حكايات الجنيات إلى منصات السوشيال ميديا
- توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...


المزيد.....




- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
- يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا ...
- -لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس ...
- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رائدات بين الظل والنور: إيفا حبيب المصري.. تقاطعات نسوية في سياقات مختلفة (10)