أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية















المزيد.....

توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 08:08
المحور: الادب والفن
    


إن مقاربة واستكشاف التقاطع بين ثقافة الشعر والتصميم الإبداعي ليس بعيدا عن فلسفة واتجاه ما بعد الحداثة الذي انطلق من مجال العمارة إلى الروافد الثقافية المختلفة بشكل عام، والأدبية منها بشكل خاص، وهذا التعالق والتقاطع بين الشعر والإبداع البصري بشكل عام يطرح تساؤلا عن أهمية التفكير الشعري، والتقاليد الشعرية، والجماليات التي تلهم المصممين حلولًا مبتكرة في ممارسات التصميم. وسوف أحاول في هذا المقال مقاربة و تحليل الشعر لا بوصفه أدبًا فقط، بل كوسيلة ثقافية للإدراك والتعبير، والكشف عن الإمكانيات التي يتيحها لإثراء التفكير في الإبداع التصميمي المرتكز على الإنسان.
في زمن يعتمد فيه الابتكار بشكل متزايد على الأساليب متعددة التخصصات، ويفيد من الروافد الإبداعية والمعرفية المختلفة يفتح تلاقي ثقافة الشعر والتصميم الإبداعي مجالًا خصبًا للاستكشاف. فالشعر، بجذوره في التعبير الرمزي والإيقاع والاستعارة، يقدم أدوات ومنظورات يمكنها أن تتحدى التفكير التقليدي في التصميم، بل في الإبداع البصري بصفة عامة وليس التصميم فقط.

ـ المنطلق اللغوي: اللغة كمادة خام:
يركّز الشعر على اللغة لا كوسيلة فحسب، بل كمادة فنية. ومن خلال تبني عدسة شعرية في التصميم، يمكن الوصول إلى حساسية لغوية عالية تجاه التسمية، والصياغة، والواجهة النصية. سواء في العلامات التجارية أو النصوص المرافقة لواجهات المستخدم أو السرد المرتبط بالمنتج، تضيف اللغة الشعرية عمقًا عاطفيًا وثقافيًا. يمكن للمصممين الاستفادة من أدوات الشعر—كالاستعارة، والتكرار الصوتي، واللبس—لابتكار رسائل مثيرة وجدانيًا لا وظيفيًا فقط.

ـ المنطلق الزمني: تبنّي البطء والإيقاع:
على عكس التصميم الرقمي السريع الموجَّه نحو الكفاءة، يحتفي الشعر بالبطء والتراكب الزمني. هذه الزمنية الشعرية تدعو المصممين إلى إعادة التفكير في وتيرة التفاعل والتجربة والمشاركة. على سبيل المثال، يمكن أن توظّف التركيبات التفاعلية أو السرديات الرقمية الإيقاع والتوقف لإلهام المصممين ومنحهم رؤى وجدانية وتأملية، يفيدون من هذه الرؤى في إبداع تصميماتهم تمامًا كما تفعل القصيدة بإيقاعها.

ـ المنطلق الجمالي: جمال الالتباس:
يقاوم التصميم المستوحى من الشعر التعريفات الصارمة ويرحّب بالرؤى التي تحتمل التأويل وتعدد المعاني. في التصميم البصري يمكن أن تمنحنا الأشكال المنفتحة على العديد من التفسيرات والتأويل فرصة لقراءة بصرية متعددة الوجه حسب كل متلق وثقافته ووعيه الإبداعي بدلًا من فرض المعنى. يتيح هذا النهج للمستخدمين إدخال تجاربهم الخاصة في فضاء التصميم، مما يجعله أكثر تفاعلية وجاذبية على المستوى العاطفي.

ـ المنطلق الفلسفي: المعرفة الشعرية:

الشعر طريقة للمعرفة—شكل من أشكال الإبستمولوجيا التي تُقدّر الحدس، والعاطفة، والاستعارة كطرق شرعية للفهم. يمكن أن يؤدي تطبيق هذه الرؤية في التصميم إلى تعزيز أساليب قائمة على التعاطف، حيث تصبح التجربة الذاتية مهمة بقدر أهمية الوظيفة النفعية القابلة للقياس.
لا يعبّر الشعر عن الأفكار فقط، بل يُجسِّدها كطرائق إدراكية. تقوم هذه المعرفة على الاستعارة، والغموض، والصدى العاطفي، والطبقات المعنوية. من هذا المنطلق، يقدّم الشعر بديلاً للمعرفة الخطية والعقلانية التي تهيمن غالبًا على عمليات التصميم الصناعي والتكنولوجي.
يُبيّن "جاستون باشلار" في كتابه "شاعرية المكان" (1958) كيف تساعد المخيلة الشعرية البشر على اختبار الأماكن الحميمة—مثل المنازل والعلب والعلّيات—ليس كأماكن مادية فقط، بل كعوالم رمزية وعاطفية. بالنسبة لباشلار، يعمّق التفكير الشعري علاقتنا الظاهراتية بالعالم، ويقترح إمكانية تبنّي هذا النمط من المعرفة في التصميم لصياغة بيئات وأشياء تتفاعل نفسيًا مع المستخدمين، فيما يسميه بـ"التحليل الطوبولوجي".
وبالمثل، يشير "بول ريكور" في كتابه الأهم "سلطة الاستعارة" (1975) إلى أن الاستعارة ليست مجرد تزيين لغوي، بل أداة إدراكية تعيد "وصف الواقع". يمكن أن يستفيد المصممون من هذه القوة الإدراكية للاستعارة ليس فقط في الزخرفة، بل لتوليد أطر مفاهيمية جديدة—كأن يُصمّم واجهة رعاية صحية باستخدام استعارات "الرحلة" أو "الحكاية" لمساعدة المستخدمين على فهم تجاربهم المرضية بطريقة وجدانية.
يُعد هذا التحول الفلسفي نحو المعرفة الشعرية ذا أثر خاص في تصميم الخدمات، وأبحاث تجربة المستخدم، والتصميم التشاركي، حيث تكون الرؤى النوعية والتعاطفية أساسية. تسمح المقاربات الشعرية بإنشاء "خرائط وجدانية" ونماذج أولية عاطفية بدلاً من اختزال البيانات والانغماس فيها التي تحول التصميم إلى رسوم بيانية وفئات. وهو ما أشارت إليه "بريندا لوريل" في كتابها "أبحاث التصميم: طرق ومنظورات" (2003) حيث تؤكد على أهمية السرد والدرامية في تصميم التجارب.
ـ مثال تطبيقي: في مشاريع التخطيط الحضري التي تتكفل بها هيئة التنسيق الحضاري ، يمكن دعوة سكان الأحياء لكتابة "خرائط شعرية" لمناطقهم—يصفون فيها الأماكن من خلال الذكريات أو الروائح أو الحكايات أو المخاوف. بحيث تكشف هذه الخرائط الجغرافيا العاطفية التي يمكن أن تساهم في تدخلات عمرانية أكثر حساسية.
ـ دلالة التصميم: تبنّي المعرفة الشعرية في التصميم يعني أهمية البعد الذاتي، وهذا يدعم الإبداع في التصميم ولا يقف يعوقه . وهو ما يشجع على البطء، والتأمل، والملمس العاطفي في عمليات التصميم، ويقود إلى نتائج أكثر إنسانية وعمقًا.
ـ المنطلق الثقافي: الذاكرة والأسطورة في التصميم:
كثيرًا ما تستلهم ثقافة الشعر من الذاكرة الجمعية والأساطير والفولكلور. هذه الأبعاد الثقافية يمكن أن تلهم تصميمًا متجذرًا في الهوية المحلية والتراث. يستطيع المصممون أن ينسجوا عناصر سردية من التقاليد الشعرية في العمارة أو الأزياء أو الفضاءات الحضرية، مما يعزز الاستمرارية الثقافية ويفتح المجال لإعادة ابتكار خلاق.
ـ المنطلق الإيكولوجي: الحساسية للمكان والطبيعة:
تُظهر العديد من التقاليد الشعرية ارتباطًا عميقًا بالطبيعة والمكان. ومن خلال تبنّي هذا المنطلق، يستطيع المصممون تطوير حلول مستدامة ومخصوصة للموقع تراعي البيئة. لا يقتصر الأمر على استخدام مواد صديقة للبيئة، بل يشمل التصميم وفق إيقاعات الطبيعة، ودوراتها، واستعاراتها.
لا شك أن الشعر ليس مجرد شكل أدبي، بل هو موقف ثقافي، وطريقة حسية، ونظرة فلسفية. وعندما يُوظَّف في التصميم الإبداعي، فإن الشعر يدعو إلى مقاربة أكثر إنسانية وتأملًا وتجذرًا ثقافيًا. المنطلقات الستة التي تناولها المقال—اللغوي، الزمني، الجمالي، الفلسفي، الثقافي، والإيكولوجي—توفّر إطارًا نظريًا للمصممين الذين يسعون إلى الابتكار لا من خلال الوظيفة فقط، بل من خلال المعنى، والذاكرة، والخيال. وفي عالم يزداد ميكنة وخوارزمية، يوفّر الشعر توازنًا ضروريًا: فهو يذكّرنا بأن الجمال، والغموض، والعاطفة عناصر أساسية في التجربة الإنسانية للتصميم.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثلات التكنولوجيا وجماليات العتبات النصية في -راوتر شيخ الب ...
- **الرواية ما بعد الحداثية: الجماليات والأساليب السردية
- اللغة والفكر: ملاحظات نقدية على -قلق الجندر- لجوديث بتلر
- جوليا كريستيفا: رائدة نسوية وفيلسوفة تتحدى جميع الأنساق الثق ...
- ال -nonfiction- من المذكرات والسير إلى البودكاست
- فلسفة الجسد في المسرح التجريبي
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-
- فلسفة الميتافيرس ومستقبل البشرية
- بث الحياة في الماضي: كيف يمكن للروائيين الجدد أن يستلهموا ال ...
- تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية
- التنمية المستدامة في عصر ال A I
- فلسفة التأمل الداخلي..الغوص عميقا داخل الذات
- قراءة في رواية- ثلاث طرق للسعادة- د. عمار علي حسن
- تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الفن التشكيلي والتصميم الجرافيت ...
- قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-
- الذكاء الاصطناعي وكتابة الشعر
- الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!


المزيد.....




- تكية -هيران- بأربيل.. كنز مخطوطات نادرة عمرها 7 قرون
- دينزل واشنطن يحظى بتكريم مفاجئ من مهرجان كان السينمائي
- هل تزوج حليم من سندريلا؟.. أسرة العندليب تنهي الجدل
- كان يا ما كان في غزة : عندما يصبح الفيلم وثيقة عن الحياة قبل ...
- أول فيلم نيجيري في مهرجان كان يفتح الباب أمام سينما -نوليوود ...
- صفاء السعدون فنان من بابل العراقية يعرض لوحاته في قازان الرو ...
- مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغ ...
- آرت بازل قطر ينطلق عام 2026.. شراكة إستراتيجية تكرّس الدوحة ...
- بعد وفاة زوجها وابنيها.. استشهاد الممثلة الفلسطينية ابتسام ن ...
- زاخاروفا: قادة كييف يحرمون مواطنيهم من اللغة الروسية ويتحدثو ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - توظيف ثقافة الشعر في التصميمات الإبداعية البصرية